كيسنجر عمد إلى "خلق وقائع جديدة على الأرض دعما لادّعاء "إسرائيل" بأن الضفة الغربية كانت محتلة من الأردن

المنظّر السياسي والدبلوماسي الجمهوري الأمريكي هنري كيسنجر، الذي رحل عن عمر قرن قبل أربعة أيام، اصطدم بمواقف أردنية صلبة قبل نصف قرن وصلت إلى حدّ إدراجه على "لائحة سوداء" تحظر دخوله إلى المملكة. 

اقرأ أيضاً : وفاة "عراب" الدبلوماسية الأمريكية هنري كيسنجر

ففي عام 1980، أصدرت حكومة الملك الراحل الحسين بن طلال برئاسة الراحل عبد الحميد شرف وعضوية وزير الدولة  للشؤون الخارجية مروان القاسم قراراً "جريئاً"، بحظر دخول كيسنجر إلى عمّان.

وقع ذلك حين أقصى الجمهوري رونالد ريغان الرئيس الديمقراطي جيمي كارتر من البيت الأبيض، بعد سنة على نجاح الأخير في إبرام معاهدة كامب ديفيد بين الرئيس المصري أنور السادات ورئيس وزراء تل أبيب مناحيم بيغن. 

في ذلك الوقت، طلب كيسنجر من الحكومة القدوم إلى عمّان للانطلاق منها في جولات مكوكية (Shuttle Diplomacy) عبر المنطقة، لاستكمال مفاوضات السلام بين القاهرة وتل أبيب، وصولاً إلى معاهدات سلام مماثلة مع سائر العواصم؛ خصوصا عمّان، حسبما يستذكر سياسي عتيق عاصر تلك الحقبة. 

"وعلى الفور، استدعى القاسم السفير الأمريكي في عمّان واستفسر منه حول ادعاءات كيسنجر بارتباطه بالإدارة الجمهورية الجديدة. لكن السفير أجاب بالنفي"، حسبما يؤكد السياسي الأردني. 

وبذلك سارعت الحكومة لاتخاذ قرارٍ بحظر دخول كيسنجر، وفي البال باطنية مواقفه وسلبيتها حيال المملكة حين كان وزيرا للخارجية في العقد السابق عشية حرب أكتوبر 1973. فرغم تأكيده للملك الراحل على محورية الأردن وحقّه في القانون الدولي لاستعادة الضفة الغربية، سعى كسينجر للمراوغة، حين طلب الحسين إشراك عمّان في معادلة "فك الاشتباك" مع تل أبيب عقب الحرب على غرار، مساري فك الاشتباك مع دمشق والقاهرة. "الأردن لم يدخل الحرب"، جاء رد كيسنجر المستفز.

هذا الرد عمّق شكوك القيادة الأردنية وثبّت "حقيقة موقف" كيسنجر المراوغ منها؛ رغم تأكيدها على أنها "جوهر النزاع فيما يتصل بالقضية الفلسطينية" وجهود استعادة الضفة الغربية، التي كانت جزءا من المملكة بين 1950 و 1967.             

وهكذا قطع الملك الراحل على كيسنجر محاولات العودة إلى الأضواء وتسويق نفسه على أنه سياسي-دبلوماسي عابر للإدارات الأمريكية. وفي السياق، كان مهندس دبلوماسية الجمهوريين يسعى لاحتواء الأردن، الذي رفض مواكبة مشروع إقامة حكمٍ ذاتي منزوع الدسم في الضفة الغربية وقطاع غزة. 

وحين كان على رأس الدبلوماسية الأمريكية، عمد كيسنجر إلى "خلق وقائع جديدة على الأرض دعما لادّعاء "إسرائيل" بأن الضفة الغربية كانت محتلة من الأردن قبل حرب 1967، ضمن محاولات قطع الطريق على استعادتها بالقانون الدولي. ومذْذاك أدخلت واشنطن وتل أبيب "مفهوم أراضٍ متنازع عليها" بدلا من الأراضي المحتلة. 

وحين طلبت واشنطن وتل أبيب من الحسين "التفاوض" على الضفة الغربية قبل حرب 73، كان ردّه: "طبّقوا قرار 242 وابدأوا بالانسحاب قبل أي تفاوض".     

وكان الأردن مطلعاً بغضب على موقفي السادات وبيغن الرافضين لإشراك عمّان- حليف واشنطن الاستراتيجي- في الترتيبات التي أفضت إلى إبرام معاهدة كامب ديفيد، حسبما يستذكر السياسي العتيق. "حين أراد كارتر إبلاغ الملك حسين عن سير المفاوضات الثنائية آنذاك و"تحديد أسس السلام المستندة إلى الضفة الغربية بما فيها القدس"، منعه السادات قائلا: ليس عليك إبلاغه لأن ذلك سيفاقم الأمور. وعندما تقود مصر يتبع الآخرون". 

وظل الملك الراحل يرفض مقابلة كيسنجر حتى منتصف تسعينيات القرن الماضي، حين وافق أخيرا على لقائه في واشنطن بحضور رئيس الديوان الملكي مروان القاسم. 

ويترك كيسنجر مستشار الأمن القومي الأمريكي ووزير الخارجية الأسبق إرثاً مثيراً للجدل بين الإعجاب بفلسفته السياسية وبين اتهامه بتمكين تل أبيب من جيرانها العرب وارتكاب مجازر في دول آسيوية.

المصدر: رؤيا الأخباري

كلمات دلالية: أمريكا تل أبيب الضفة الغربیة

إقرأ أيضاً:

تحديات ضغوط الليكود لفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية

القدس المحتلة- طالب أعضاء في الكنيست من حزب الليكود رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة بالتصديق على قرار حكومي يقضي بضم الضفة الغربية المحتلة، وذلك قبل انتهاء الدورة الصيفية للكنيست خلال 3 أسابيع.

هذه الدعوة -التي جاءت في رسالة رسمية موقعة باسم جميع وزراء الليكود– تعد الأولى من نوعها بهذا الوضوح والصراحة من قبل الحزب الحاكم، ودعت إلى "فرض السيادة والقانون الإسرائيليين على يهودا والسامرة" (المصطلح التوراتي الذي يستخدمه الاحتلال للإشارة إلى الضفة).

وبررت العريضة هذا المطلب بالهجوم الذي نفذته حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، معتبرة أن فكرة إقامة دولة فلسطينية تشكل "تهديدا وجوديا" لإسرائيل، ودعت إلى "استكمال المهمة" ومنع "تكرار المذابح" في قلب البلاد.

تحول سياسي

ويعكس هذا الطلب تحولا سياسيا نحو حسم مسألة الضفة الغربية، مستفيدا من الدعم التقليدي للرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي لطالما شجع خطوات ضم جزئي أو اعترافا بالسيادة الإسرائيلية على مستوطنات الضفة، ويثير التوقيت تساؤلات بشأن قدرة نتنياهو على تمرير مثل هذا القرار في ظل انقسام داخلي وصعوبات أمنية واقتصادية، فضلا عن الضغط الدولي.

ويرى بعض المحللين أن المطالبة قد تكون موجهة نحو ضم جزئي يركز على الكتل الاستيطانية الكبرى ومناطق (ج)، في محاولة لإيجاد حل وسط يحفظ الأغلبية اليهودية ويحافظ على السيطرة الأمنية.

في المقابل، يشكك آخرون في قدرة الحكومة على إقرار مثل هذه الخطوة في المدى القريب دون إثارة ردود فعل دولية حادة، خاصة في ظل جهود التطبيع مع دول عربية عبر توسيع اتفاقات أبراهام.

أما بشأن موقف ترامب فإن التقديرات الإسرائيلية منقسمة بين من يرى أنه قد يدعم خطوة الضم لتعزيز مكانته لدى القاعدة الإنجيلية واليمين الأميركي الداعم لإسرائيل، خاصة في موسم انتخابي، وبين من يحذر من أنه قد يفضل تجميد أو ترحيل هذا الملف مؤقتا خشية إرباك مسار التطبيع الذي يحاول دفعه مع الدول العربية.

هيئة البث الإسرائيلية تنقل عن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قوله إنه سيعيد طرح فكرة فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية فور تسلم دونالد ترمب مهام منصبه pic.twitter.com/ByTvs98YOI

— الجزيرة مصر (@AJA_Egypt) November 13, 2024

وفي كل الأحوال تعكس هذه الدعوة الرسمية محاولة لفرض جدول أعمال جديد يحول النقاش من وقف إطلاق النار في غزة أو التهدئة إلى مسألة حسم السيادة الإسرائيلية في الضفة، بما يضع تحديا إستراتيجيا أمام نتنياهو وشركائه في الائتلاف الحاكم.

إعلان

وتقول حركة "السلام الآن" الإسرائيلية "منذ سنوات، ظل الضم -سواء الكامل أو الجزئي- مطلبا مطروحا في اليمين، لكنه بقي موضع تجاذب بين أجنحة الليكود وتحالفات اليمين المختلفة، الجديد هنا هو مطالبة رسمية جماعية من وزراء الحزب نفسه، مما يعكس تزايد الضغوط من القاعدة اليمينية على نتنياهو".

وأوضحت الحركة في بيان لها أن الطلب يأتي في مرحلة حساسة من زوايا عدة، إذ يواجه نتنياهو تحديات ائتلافية وصراعات داخل الليكود، ويعتمد على الجناح الأكثر تطرفا في الحزب لضمان استقرار حكومته، مشيرة إلى أن الدفع بالضم قد يكون وسيلة لاحتواء التمردات الداخلية وإعادة توحيد صفوف اليمين حوله.

دعم أميركي

وبخصوص توقيت هذا الطلب قبل نهاية الدورة الصيفية للكنيست، ترى الحركة أن الهدف هو انتزاع التزام فوري لتفادي المماطلة أو تضييع الفرصة السياسية مع الإدارة الأميركية الحالية، وذلك إدراكا أن الموقف الأميركي هو مفتاح الشرعية الدولية لمثل هذه الخطوة، وأن إدارة ترامب بدت أكثر ميلا للتساهل مع خطوات إسرائيلية أحادية الجانب.

ورغم الطابع العلني للطلب فإن إيتمار آيخنر مراسل الشؤون السياسية في صحيفة يديعوت أحرونوت يعتقد أنه من المرجح أن المقصود العملي هو "ضم جزئي" بالحد الأدنى، خصوصا للكتل الاستيطانية الكبرى، ومناطق (ج) حسب اتفاق أوسلو التي تقع تحت السيطرة الأمنية والإدارية الإسرائيلية أصلا.

وأوضح آيخنر أن هذا السيناريو قُدّم سابقا ضمن خطة ترامب التي تُعرف بـ"صفقة القرن"، مما يجعل من السهل تبريره سياسيا أمام الإدارة الأميركية.

لكن، على الرغم من الحماسة التي يبديها وزراء الليكود فإن آيخنر يرى أن هذه الخطوة تواجه تحديات عدة قد تحول دون تطبيقها على أرض الواقع.

ولفت إلى إدارة ترامب كانت قد ألمحت إلى دعم الضم في إطار "صفقة القرن" لكن بشرط التنسيق الكامل، ومع توقع ضمانات لإقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح لاحقا.

ويوضح آيخنر أن واشنطن كانت قلقة ولا زالت من أن الضم الفوري قد يعرقل جهودها لتوسيع اتفاقيات أبراهام وتطبيع العلاقات بين إسرائيل ودول عربية جديدة.

وإجابة على سؤال عما إذا كانت هناك فرص لتنفيذ طلب وزراء الليكود؟ يقول آيخنر "عمليا، من الصعب رؤية حكومة إسرائيلية تمرر ضما كاملا للضفة خلال أسابيع قليلة في ظل الانقسامات الداخلية والضغوط الخارجية، ومع ذلك ضم جزئي -خصوصا للكتل الاستيطانية- قد يُطرح كحل وسط، خاصة إذا قُدّم باعتباره تنفيذا محدودا لا ينسف كليا فرص التفاوض".

خيار حاسم

من جهته، ربط أبراهام بلوخ مراسل الشؤون القانونية والحزبية في صحيفة معاريف بين مطالب وزراء الليكود وصفقة تبادل الأسرى التي تقترب، معتبرا أن ضم المنطقة (ج) في الضفة الغربية يُطرح كبديل إستراتيجي لوقف الحرب في غزة حتى دون تحقيق "هزيمة كاملة" لحماس.

وأوضح أن وزيري الأمن القومي إيتمار بن غفير والمالية بتسلئيل سموتريتش -اللذين يملكان 13 مقعدا في الائتلاف الحاكم- يطالبان بنصر عسكري كامل، لكن في المقابل يُعرض عليهما خيار سياسي مغر هو فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة بدعم أميركي.

إعلان

وبرأيه، فإن إدارة ترامب قد تدعم مثل هذا الضم الجزئي، خاصة لمواجهة التحركات الفلسطينية في الأمم المتحدة والمحاكم الدولية، وأن بن غفير وسموتريتش قد يعتبران الضم إنجازا تاريخيا، خاصة إذا شمل مناطق رمزية مثل قبر يوسف والحرم الإبراهيمي.

لكن بلوخ حذر من أن ربط الضم بخطة لإقامة دولة فلسطينية سيثير رفضا واسعا داخل الحكومة، بما في ذلك في صفوف الليكود، وخلص إلى أن إسرائيل قد تواجه قريبا خيارا حاسما، وهو وقف الحرب مقابل ضم الضفة، أو استمرار القتال دون أفق سياسي واضح.

مقالات مشابهة

  • مواجهات وإصابات في اقتحام قوات الاحتلال لمناطق بالضفة الغربية
  • هجوم للمستوطنين واعتقال 3 شبان في بيت لحم بالضفة الغربية
  • العدو الصهيوني يقتحم بلدات في الضفة الغربية 
  • ارتفاع الاستيطان بالضفة الغربية بولاية نتنياهو بنسبة 40%
  • العدو الصهيوني يدمر مدرسةً ويشرد سكاناً في الضفة الغربية
  • حصار متصاعد وسور جديد يحاصر بلدة سنجل في الضفة الغربية
  • الاحتلال يشن حملة اعتقالات ليلية في الضفة الغربية
  • إدانات واسعة لدعوات إسرائيلية بفرض السيطرة على الضفة الغربية
  • تحديات ضغوط الليكود لفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية
  • البرلمان العربي يدين التصريحات الإسرائيلية الداعية لضم الضفة الغربية