مع احتدام الحرب ضد حماس.. استئناف محاكمة نتانياهو في قضايا فساد
تاريخ النشر: 5th, December 2023 GMT
استؤنفت، الاثنين، محاكمة، بنيامين نتانياهو، الملاحق قضائيا بتهم فساد، الاثنين، مما أعاد التركيز على التحديات القانونية والسياسية التي يواجهها رئيس الوزراء الإسرائيلي، حتى أثناء قيادته للحرب التي تخوضها بلاده ضد حركة حماس في غزة، وفقا لصحيفة "نيويورك تايمز".
وتوقفت المحاكم الإسرائيلية عن النظر في القضايا غير العاجلة،في أعقاب الهجوم المباغث الذي شنته حركة حماس المصنفة إرهابيا، في السابع من أكتوبر، غير أن وزير العدل الإسرائيلي، ياريف ليفين، قال، الجمعة، إن فترة التعليق قد انتهت، ويمكن استئناف معظم المحاكمات العادية.
ولم يحضر نتانياهو جلسة الاثنين، التي تناولت قضايا إجرائية، وفقا لوسائل الإعلام الإسرائيلية، التي أشارت إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، سيدلي بشهادته حضوريا، في الربيع المقبل، كجزء من مرافعة الدفاع.
ويحاكم نتانياهو منذ عام 2020، بسلسلة من تهم الفساد، من بينها تقديم خدمات سياسية لرجال أعمال أثرياء مقابل هدايا باهظة الثمن، كما يتهم أيضا بأنه سعى لتأمين تغطية مواتية له من صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أكبر صحيفة يومية تباع في إسرائيل، وبمحاباة قطب اتصالات لغرض مماثل.
وينفي رئيس الوزراء الإسرائيلي هذه الاتهامات، ويرفض الدعوات التي تطالبه بتقديم استقالته من منصبه.
ويصف زعيم حزب الليكود، لوائح الاتهام الموجهة ضده بأنها "اتهامات كيدية" من ورائها نخب ليبرالية وإعلامية إسرائيلية للإطاحة به وبكتلته اليمينية.
وبحسب "نيويورك تايمز"، فإن استئناف المحاكمة يتزامن مع تراجع شعبية نتانياهو بين الإسرائيليين، حيث يلقي الكثيرون اللوم على حكومته في فشل الأجهزة الأمنية في منع الهجوم الذي شنته حماس، والذي قُتل فيه حوالي 1200 شخص، واحتجز حوالي 240 شخصا، وفقا للسلطات الإسرائيلية.
وكانت الحكومة التي شكّلها نتانياهو في ديسمبر من العام الماضي، ضمن ائتلاف ضم أحزابا يمينية ودينية متشددة، قد أعلنت عن مشروع تعديل النظام القضائي في مطلع يناير.
وشهدت الأشهر التسعة التي سبقت السابع من أكتوبر احتجاجات حاشدة ضد هذه التعديلات المثيرة للجدل، والتي تسعى حكومته لإقرارها، فيما يرى فيها معارضون تهديدا للديموقراطية الإسرائيلية.
وانتقد وزير التعاون الإقليمي الإسرائيلي، ديفيد أمسالم، استئناف المحاكمة في زمن الحرب.
وكتب الوزير الإسرائيلي على منصة إكس بنبرة تهكمية : "الحرب؟ الاختطاف؟ الرهائن؟ الاقتصاد ؟ لا و لا.. الأهم الآن هو فتح محاكمة نتانياهو، وإشراك رئيس وزراء إسرائيل في شهادات التي لا أساس لها والتفاهات الوهمية".
المصدر: الحرة
إقرأ أيضاً:
لماذا لا تستطيع إسرائيل أن تنتصر في غزة؟
عندما بدأت إسرائيل حربها على غزة في أكتوبر 2023، لم يكن الهدف المعلن أقل من «القضاء التام على حماس». بدا ذلك، لحظة انفعالية، وكأنه مهمة ممكنة. فإسرائيل دولة ذات تفوق عسكري لا يُضاهى في المنطقة، وتتمتع بدعم غربي سياسي وتسليحي ضخم، بينما تقاتل حركة محاصَرة، محدودة الموارد، ومعزولة جغرافيا. لكن أكثر من 20 شهرا من القصف والدمار والإبادة الجماعية لكل ما يدب على الأرض، لا يبدو النصر، وفقا للتوجيه السياسي المعلن والصادر للمؤسسة العسكرية، في الأفق، بل إن إسرائيل نفسها باتت أبعد من أي وقت مضى عن تحقيق أهدافها في الحرب.
ما الذي يحدث إذن؟ ولماذا لم تعد القوة العسكرية كافية لتحقيق الانتصار؟ ولماذا تصبح كل حرب تشنها إسرائيل على غزة أطول، وأكثر دموية، وأقل فاعلية؟
في عمق العقيدة العسكرية الإسرائيلية ـ كما هو الحال في كثير من العقائد العسكرية الغربية ـ ترسّخت فكرة الحرب الخاطفة، التي تحقّق النصر السريع من خلال الضربة الأولى الساحقة، وقد نجحت هذه العقيدة في حرب 1967، لكنها فشلت مرارا منذ ذلك الحين، خصوصا في مواجهة الخصوم غير النظاميين الذين يتقنون حرب المدن والأنفاق، ويجيدون تحويل نقاط ضعفهم إلى أدوات استنزاف طويلة الأمد.
تشبه الحالة الإسرائيلية في غزة ما يسميه بعض الاستراتيجيين «مغالطة الحرب القصيرة»؛ حيث يُفترض أن صدمة القوة ستدفع الخصم إلى الانهيار، لكن الواقع يُثبت أن الخصم ـ عندما يكون متجذرا شعبيا، وعقائديا، ومتحركا جغرافيا ـ لا يُهزم بهذه الطريقة، بل على العكس، كلما طال أمد الحرب، زادت فاعليته، واهتزت صورة القوة المتفوقة أمام جمهورها.
تُظهر تجربة إسرائيل في غزة أن التفوق العسكري وحده لا يكفي؛ فإسرائيل دمرت معظم البنية الأساسية في القطاع، وقتلت عشرات الآلاف، وهجّرت الملايين في غزة لأكثر من مرة، لكنها لم تستطع إقناعهم بالتخلي عن المقاومة، ولم تستطع فرض سيناريو «ما بعد حماس» رغم أنه كان شغل العالم الشاغل أكثر من شغلهم بإنهاء الحرب ووقف الإبادة. وفي غياب هذا السيناريو، تبدو الحرب بلا غاية واضحة سوى التدمير، وهذا ما يحدث الآن، فلا هدف واضح لجيش الاحتلال إلا التدمير والاستمتاع بالقتل والتجويع.. لكن هذا الأمر رغم فظاعته إلا أنه بات يفقد إسرائيل زخمها السياسي ويقوّض مشروعيتها الأخلاقية التي كانت توهم العالم بها.
وبينما تبحث إسرائيل عن «نصر كامل»، تواصل حماس الظهور والاختفاء، القتال والتكتيك، مقاومة القصف وممارسة الإعلام. لم تعد المعادلة تقتصر على مَن يملك الطائرات والدبابات، بل مَن يملك القدرة على الصمود، وعلى إدارة زمن طويل من القتال غير المتكافئ.. ومن يستطيع أن يقنع العالم بسرديته، ويبدو أن غزة تحقق تقدما عميقا في هذا الجانب رغم أنه بطيء جدا بسبب عملها منفردة في ظل غياب المشروع العربي الموحد في هذا الجانب.
وإذا كانت حرب إسرائيل الظالمة تفشل فإن السبب لا يعود كما يعتقد البعض إلى ضعفها العسكري ولكن إلى حجم التناقض بين الوسائل والغايات؛ فبينما تُستخدم القوة التدميرية بأقصى درجاتها، يبقى الهدف السياسي ـ القضاء على حماس ـ أو بمعنى آخر القضاء على المقاومة هدفا مجردا وغير واقعي بالنظر إلى عقيدة المقاوم الفلسطيني الذي ما زال متمسكا بحقه في أرضه وبأن مشروعه الأول هو تحرير أرضه من المحتل الإسرائيلي.
وأثبتت التجربة أن قتل القادة وتدمير المباني لا يعني نهاية المقاومة، بل إن رفض المحتل الإسرائيلي لأي شكل من أشكال الحل السياسي وإمعانه في التدمير والإبادة يحفز المقاومة ويوسع قاعدتها الشعبية وحاضنتها الاجتماعية وتغلغلها في العقيدة الفلسطينية. وما حدث في غزة خلال العامين الماضيين من شأنه أن يعمق الحقد ويحفز مشاريع الانتقام حتى عند أولئك الذين آمنوا في لحظة من اللحظات بفكرة «السلام» مع إسرائيل.
ومن الواضح أن الحروب بين الاحتلال والمقاومة في العقدين الماضيين لا تنتهي إلى نتيجة واضحة، إنها أقرب إلى «صراعات بلا نهاية»، لا اتفاقات سلام واضحة ولا بيانات استسلام، بل جولة تضع بذورا لجولة أخرى، وكل هدوء هش يفضي إلى انفجار عنيف جدا وهو ما يجعل من الصعب قياس النصر والهزيمة.
رغم ذلك فإن «حماس» في نظر الفلسطينيين والكثير من العرب تنتصر بمجرد بقائها على قيد الحياة، واستمرارها في المقاومة أو نجاحها في تنفيذ عملية نوعية مهما كانت نتائجها، وهذا يعكس الفارق بين من يُقاتل من أجل بقاء دولة، ومن يُقاتل من أجل بقاء القضية.
ربما كان الدرس الأهم من هذه الحرب ـ والحروب التي سبقتهاـ هو أن الاستراتيجية العسكرية يجب أن تكون امتدادا لرؤية سياسية واضحة، وليس بديلا عنها، وحين تنفصل عن السياسة، تتحول إلى عبث.
تستطيع إسرائيل أن تُلحق أذى هائلا بغزة كما تفعل الآن، لكنها لا تستطيع فرض السلام من طرف واحد، ولا بناء واقع دائم بالقوة فقط.
لكن ما يعيق إسرائيل عن تحقيق النصر في غزة ليس فقط قدرة حماس على القتال، بل غياب الاعتراف الإسرائيلي بأن هذا النوع من الحروب لم يعد يُنتصر فيه بالطريقة التقليدية، وقد آن الأوان أن تعترف بأن قوة السلاح وحدها لا تكفي، وأن غزة ومن فيها واقع لا يمكن أن تمحي وجوده أبدا وإن لم تبدأ بقراءة هذا الواقع بعيون سياسية لا عسكرية، فستظل تدور في حلقة حرب لا تنتهي، وتتحول حربها الظالمة بالضرورة إلى مجرد إبادة إنسانية.
عاصم الشيدي كاتب ورئيس تحرير جريدة عمان