علي جمعة: الدعاء بقول اللهم عاملني بعدلك لا برحمتك جهالة وتكبر
تاريخ النشر: 7th, December 2023 GMT
قال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء: إن ربنا سبحانه وتعالى وَضَّحَ وَبيَّن وحَدَّدَ ملامح الحلال وملامح الحرام، ثم جعل الحسنة بعشرة، وجعل السيئة بواحدة، ثم جعل هناك مقارنة بين الحسنات والسيئات، وجعل الحسنات يذهبن السيئات، ثم فتح باب التوبة، وباب الاستغفار، وبهذه الهيئة لا يتم الظلم.
كما أنه سبحانه وتعالى يتصرف في ملكه، ولكن برحمته أيضًا وليس بمحض عدله، ومن الجهالة عند بعض الناس أن يقول: "اللهم عاملني بعدلك لا برحمتك". هذا جاهلٌ بالله وجاهلٌ بنفسه، هذا نوعٌ من أنواع الكبر والتكبر.
يعني: واثق في نفسه تمامًا أنه لم يفعل شيئًا، وهو بفعله هذا بالتكبر، يقول فيه النبي ﷺ: «لا يدخل الجنة مَنْ كان في قلبه مثقال حبةٍ من خردلٍ من كبر». فالكبرياء لله وحده؛ لأن هو الذي يستحق الكبرياء، «العظمة إزاري، والكبرياء ردائي». يعني: هذا أمر مختصٌّ بالله سبحانه وتعالى فهو الكبير المتعال، ينازع أحدنا وهو لا يعرف حتى حجمه المادي، حجمه الحياتي، أنه متر وتمانين مثلًا، ووزنه: مائة كيلو، ولا يعرف أن هذه المائة هى كالهباءة في مهب الريح، بالنسبة إلى الأرض التي هى كالهباءة في مهب الريح، بالنسبة للسماء الأولى التي هى حلقة في فلاة بالنسبة للسماء الثانية، فالإنسان إذا تصور حجم الكون، عرف مقدار نفسه حيويًّا، عرف مقدار نفسه وأنه ليس بشيء إِلَّا بالله، وأنه هو في عالم الحيوان -مثلا- الأضعف، يأكله الأسد.
ولكن الإنسان أصبح مُكَرَّمًا مُشَرَّفًا، وأسجد اللهُ ملائكته له؛ تكريمًا له: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ}. فأنا مُكَرَّم بالله وليس بحجمي ولا بقوتي ولا بفعلي ولا بعملي ولا بنفسي، فليتقِ أحدنا الله في نفسه، ولا يَقُلْ مثل هذه المجازفات والمخاطرات.
{وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}. هذا كلام مَنْ في قلبه الشك والريب على مر العصور، لو جلست مع أولئك الذين غفلوا عن ذكر الله، وتوغلوا في الدنيا، فإنه في النهاية ستراهم على هذه الحال لا يعرف كيف يتكلم، لا يعرف كيف يعيش.
جلسنا مع كثير من الناس مع الأطباء والعلماء، ووجدناهم إذا ما أدركتهم الغفلة يقولون هذا، يعيشون الحياة الدنيا، ويظنون أنهم أصبحوا قادرين عليها، وأنهم يعلمون ما لا يعلمه البشر، وأنهم لابد أن يكونوا دائمًا في الصدارة، فيكلفون أنفسهم ما لا يطيقون، فيكفرون بالله {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} يعني: من آلاف السنين وأنتم تقولوا لنا: القيامة ستقوم ولا تقوم فلنترك هذا الكلام ، وننتبه لمصالحنا. هذا الشعور هو نوعٌ من أنواع الكفران.
{وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (48) قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا}. سيدنا ﷺ يخرج نفسه دائمًا من المنظومة أمره ربه هكذا، أنا لا أعرف شيء ، وليس لي تدخل بشيء ، أنا لا أملك لنفسي نفعًا ولا ضرًّا، ولا ضرًّا ولا نفعًا ؛ الله تعالى هو الذي يوقع الضرّ، فهو الضار وهو النافع وهو على كل شيء قدير.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: لا یعرف
إقرأ أيضاً:
خطيب المسجد النبوي: أعظم ما يقرب العبد من ربه أداء الفرائض
أوصى إمام وخطيب المسجد النبوي بالمدينة المنورة، الشيخ الدكتور خالد المهنا، المسلمين في خطبته بتقوى الله ومراقبته، فهي منبع الفضائل، ومجمع الشمائل، وأمنع المعاقل، ومن تمسك بأسبابها نجا.
وقال خطيب المسجد النبوي، في خطبة الجمعة اليوم من المسجد النبوي: "إن العبد الموفق المنوَّر الطريق، لمن سار إلى ربه سيرًا مستقيمًا غير ذي عوج، مقتربًا من مولاه الجليل، لا ناكبًا عن الصراط، ولا ضالًا عن سواء السبيل، يدنو من ربه بأعماله الصالحة الخالصة، على نور من ربه، محبًا له كمال الحب، معظِّمًا غاية التعظيم والإجلال، متذلِّلًا لمولاه تمام الذل، مفتقرًا إليه الافتقار كله، راجيًا ثوابه، خائفًا من عقابه، متحققًا بصفات من أمر الله بالاقتداء بهم من النبيين والمرسلين، وخيار عباد الله الصالحين الذين قال فيهم سبحانه: (أُوْلَٰئِكَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُۥ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُۥٓ ۚ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا)".
وأشار خطيب المسجد النبوي، إلى أن أعظم ما يُدني العبد من ربه، ويُقرِّبه إلى مولاه، أداءُ فرائضه التي افترضها عليه، كما دل على ذلك قوله جل جلاله في الحديث الإلهي: (وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضتُه عليه)، ولا شيء أحب إليه سبحانه من توحيده في عبادته، وإخلاص الدين له، وهو أعظم فرائض الله على عباده، ولا شيء أبغض إليه من الشرك به، وهو أعظم ما نهى سبحانه عنه.
وبيَّن أن أجَلَّ فرائض الإسلام، وأولاها بالاهتمام، مؤكدًا أن ما يقرب إلى الملك القدوس السلام، فريضة الصلاة، قال الله تعالى لنبيه: (كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَٱسْجُدْ وَٱقْتَرِب)، وقال عليه الصلاة والسلام: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء).
وإنما كان ذلك لأن سجود العبد في صلاته نهاية العبودية والذل، ولله غاية العزة، وله العزة التي لا مقدار لها، فكلما بعدت من صفته، قربت من جنته، ودنوت من جواره في داره.
ومضى خطيب المسجد النبوي، قائلًا: لا يزال العبد المحب لربه يتقرب إليه بعد فرائض الدين بالنوافل، ويتبع الواجبات بالمستحبات والفضائل، حتى يحبه ربه، ومن أحبه الله كان له وليًّا ونصيرًا، فعصم سمعه وبصره عن المحرمات، ووقى يده عن العدوان، ورجله عن المشي إلى مساخط الله، فلم يمشِ بها إلا إلى مراضي ربه ومولاه، فتزكت بذلك نفسه، وطهر قلبه، فكان قريبًا من رب الأرض والسماوات، مجاب الدعوات.
كما دل على ذلك قوله سبحانه في الحديث الرباني: (ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبَّه، فإذا أحببتُه كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يُبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنَّه).
وأشار إمام وخطيب المسجد النبوي إلى أنه تقرّب إلى الله خيارُ عبادهِ، وتوسلوا إليه بأعمالهم الصالحة، وأوفوا بعهدهم الذي عاهدوا، فقربهم سبحانه غاية القرب، حتى بلغ أعلى منازل القرب منهم عبداه محمدًا وإبراهيم عليهما الصلاة والسلام، فاتخذ كلًا منهما خليلًا، كما قال عليه الصلاة والسلام: (لو كنتُ متخذًا من أمتي خليلًا لاتخذت أبا بكر، ولكن صاحبكم خليل الله)، وجعل منزلة روحيهما في البرزخ في أعلى المنازل، ودرجتهما في الجنة أعلى الدرجات، ثم بعدهما في القرب موسى الكليم عليه من الله أفضل الصلاة والتسليم، ثم عيسى، ثم نوح، ثم سائر الرسل والأنبياء عليهم السلام، ثم أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، وعلي، ثم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم، بحسب سبقهم إلى الإيمان، وهجرتهم، وجهادهم مع رسول الله، ثم أصحاب الأنبياء عليهم السلام، ثم خيار هذه الأمة من التابعين وتابعيهم، وأئمة الهدى من هذه الأمة من العلماء والأولياء.
وختم إمام وخطيب المسجد النبوي خطبته مبينًا أنه من فضل الله على عباده وتيسيره عليهم وإكرامه لهم، أنه لم يشرع لعباده أن يجعلوا بينهم وبينه وسائط من الخلق يرفعون إليه حوائجهم، ويتوسلون بهم إلى ربهم، ويسألونهم أن يُدنوهم من مولاهم، وإنما فتح للعبيد أبواب فضله ورحمته، ليتقربوا إليه بأعمالهم الصالحة، وليدنوا منه بمناجاتهم إياه، لا يُناجون أحدًا سواه، ولا يدعون غيره، ولا يطلبون من غيره القرب إليه سبحانه، بل إياه يدعون فيعطيهم، وإليه يزدلفون فيُدنيهم.