بادرتْ دون توجيه أو تكليف السيدة جون ضاحي أستاذة الأدب العربي في جامعة كوبنهاجن إلى ترجمة رواية "خان الخليلي" للكاتب نجيب محفوظ إلى الدنماركية في وقت كانت فيه الترجمات من العربية إلى تلك اللغة نادرة، وإن تمَّت فلا تعدو كونها مبادرة شخصية دون توجيه من جهة نشر أومؤسسة أكاديمية، على الرغم من تصاعد الطلب الأكاديمي لتقديم الأدب العربي إلى الملتقي الدنماركي ولدارسي اللغة العربية.
دور النشر الكبرى لم ترحب بنشر أدب نجيب محفوظ معللة ذلك بأن أدبه لا يخلو من دعوة دينية قد تتسبب بالحض على الكراهية وتعزز سوء الفهم المتبادل بين العرب والغرب. فالعربي اللاجئ أو المهاجر يقدم دينه كهوية ويغفل قوميته العربية. صدرت رواية "خان الخليلي" عن دار النشر "الوقت" المعروفة بميولها الاشتراكية عام 1989. قوبلت الرواية بترحيب نقدي واهتمام عام. قبل الإعلان عن حصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل بعام كثر الحديث عن إمكانية فوز كتاب عرب بجائزة نوبل، والأبرز كان الكاتب يوسف إدريس. لكن المفاجأة كانت بفوز نجيب محفوظ بالجائزة، حدث ذلك دون مقدمات إعلامية دنماركية أو سجالات بشأن نجيب محفوظ وأدبه. مما أربك الوسط الثقافي في الدنمارك الذي عرفه ولم يدرك أهميته. وفي حديثي إلى راديو الدنمارك أثر فوزه: نجيب محفوظ كاتب حوَّل الأحياء القاهربة إلى مساحات بشرية كونية منخرطة في الشرط الزمني القائم على الشك والسؤال. تلك الأحياء التي أثارت فضولاً لمعرفتها وتطلعاً إلى زيارتها. فقد غدت أحياء خان الخليلي والجمالية وقصر الشوق تنافس تلك المدن التي كانت محور روايات عالمية مثل أهالي دبلن، بين مدينتين، نوتردام وأحدبها.
وقد تواصلت مع الكاتب نجيب محفوظ ودعوته إلى الكتابة في العدد الأول من مجلة "السنونو"، وذلك عبر الكاتب الكبير الراحل جمال الغيطاني الذي جعل من جريدة "أخبار الأدب" مشغلاً ومحركاً عالمياً للبحث عن الأدب والثقافة والعربية.
منعم الفقير
كاتب عراقي مقيم في الدنمارك
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: نجیب محفوظ
إقرأ أيضاً:
لودفيغ تيك والموروث الشعبي.. من الحكايات إلى الأدب
في قلب التحولات الأدبية التي شهدتها ألمانيا في مطلع القرن التاسع عشر، يبرز اسم لودفيغ تيك كأحد أبرز الوجوه التي مزجت بين الخيال الأدبي والتراث الشعبي، ليؤسس بذلك أسلوبًا فريدًا ضمن تيار الرومانسية الألمانية.
ولد تيك في برلين عام 1773، وبدأ حياته الأدبية في سن مبكرة، لكن انطلاقته الحقيقية جاءت حين بدأ يشتغل على الحكايات الشعبية ويعيد تقديمها بأسلوب أدبي يحمل لمسات من الخيال، الحلم، والرمزية الفلسفية.
الأدب الشعبي بوابة إلى الروحلم تكن نظرة تيك إلى القصص الشعبية نظرة سطحية أو ترفيهية، بل رأى فيها جوهرًا ثقافيًا يعبّر عن روح الأمة الألمانية.
في زمن كانت فيه أوروبا تميل إلى العقلانية والتنوير، اختار تيك أن يغوص في اللاوعي الجمعي، حيث السحر، والغرابة، والرموز التي تعبر عن القلق الوجودي والبحث عن المعنى.
إحدى أشهر قصصه في هذا السياق هي “البرج الأزرق” (Der blaue Salon)، التي تمزج بين العالم الواقعي والخيالي، وتطرح تساؤلات عن الهوية، والمصير، والحقيقة من خلال قصة ذات طابع شعبي غامض.
التعاون مع الأخوين غريمرغم أن الأخوين غريم يُعدان المرجع الأساسي للقصص الشعبية الألمانية، فإن تيك سبقهم في إحياء القصص الشعبية بأسلوب أدبي. ومع أن العلاقة بينه وبين الأخوين لم تكن دائمًا وثيقة، إلا أن مشاريعه المتقاربة معهم تعكس تيارًا فكريًا وثقافيًا مشتركًا سعى للحفاظ على التراث الألماني من الاندثار.
كتب تيك عدة نصوص متأثرة بالحكايات المتناقلة شفهيًا، لكنه لم يكتف بالسرد، بل أضفى عليها عمقًا نفسيًا وفلسفيًا، ما جعله مختلفًا عن جمع وتوثيق القصص فقط، بل حولها إلى أعمال أدبية قائمة بذاتها.
من الحكاية إلى العمل الفنيميزة تيك الكبرى تكمن في قدرته على تحويل القصص البسيطة إلى لوحات أدبية مفعمة بالخيال والرمز.
سواء من خلال قصص قصيرة أو مسرحيات، كان يربط بين السرد الشعبي والأسلوب الفني، ما جعله من الأسماء المؤسسة لما يُعرف لاحقًا بـ”الرومانسية السوداء”