السيناريوهات المستقبلية للسودان.. متى ستنتهي الحرب؟
تاريخ النشر: 9th, December 2023 GMT
لو أنّ العالم بأسره شاهد فيلم "الهجوم على دارفور" للمخرج الأميركي "أوي بول"- عندما صوّر، بكاميرا الواقع المُبين، الطريقةَ التي تهاجم بها مليشيا "الجنجويد"، قرى ومدن دارفور، والمذابح البشعة التي ترتكبها أثناء الحروب، من قتل للرجل والأطفال واغتصاب للنساء بلا هوادة، وحرق للبيوت والحيوانات وكل ما ينبض بالحياة- لأدرك خطورة ما يحدث في السودان.
كما استبان له على وجه الدقّة ما يجري في الخرطوم، التي تتعرض منذ تسعة أشهر تقريبًا، لدمار غير مسبوق، وهجمات وحشية أخمدت فيها جذوة الحياة، وربما تحتاج هذه المدينة، إلى سنين طويلة لتتعافى من جراحها.
سيناريو الفوضى العارمةربما لم يتفاجأ أهلُ دارفور- الذين عرَفوا حرب المليشيات وخبِروها- بما يحدث الآن، وهم الذين ورثوا الحكمةَ وآمنوا بكثير من الأساطير الشعبية.
ومن هذه الأساطير بالطبع "أم كواكية"، أي "غُصُب كي"، وهي فوضى عارمة- ينال فيها الناس من دماء وأعراض وممتلكات بعضهم بعضًا- تحدث كل مائة عام، وأحيانًا أقل من ذلك، وتسبقها إرهاصات مقلقة.
لذلك يتحفّز الناس للقتال تحت وطأة عصبية القبيلة، في ظل غياب الحكومة والأحزاب السياسية، لكن السؤال المحير بالضرورة: كيف انتقلت "أم كواكية" من دارفور إلى الخرطوم، وماهي سيناريوهات ما بعد الحرب؟
قبل أن نجيب عن تلك الأسئلة، أو بالأحرى نستشرف مستقبل العملية السياسية في السودان، من المهم الإجابة عن السؤال المحوري، الذي يشغل بال معظم السودانيين، وهو: متى ستنتهي الحرب؟
وإن كنت أظن أن السؤال المهم هو كيف ستنتهي الحرب، أي بالقتال أم بالتفاوض؟ في وقتٍ تشير بعض القراءات إلى أن الحرب سوف تنتهي بالطريقة نفسها التي بدأت بها، على نحوٍ مفاجئ وبلا استئذان، لاسيما أن الجانب الاستخباراتي في هذه الحرب يطغى على الجوانب الأخرى.
فضلًا عن أن الجهة الخارجية التي تمدّ حركة التمرد بالأسلحة والأموال لديها أهداف من وراء هذه الحرب، ومتى تحققت أهدافها، أو شعرت بعدم جدوى ما تقوم به، فسوف تتوقف بالضرورة، أو من الممكن أن تغيّر نهجها في التعاطي مع الشأن السوداني.
قطع على رقعة الشطرنجلا بد أن الحكومة السودانية فطنت إلى ذلك الأمر، وأدركت أن قوات الدعم السريع مجرد قطع على رقعة الشطرنج، يتم تحريكها وَفقًا لتقديرات خارجية، ولذلك بدأت الحكومة توجه الاتهامات بصورة مباشرة لحلفاء الدعم السريع في الخارج.
وفي الوقت نفسه أيضًا ثَمة ضغوط دبلوماسية وخطوط مخابراتية مفتوحة بين السودان وتلك الدول، ربما تفضي إلى تفاهمات ونتائج مُرضية للطرفين، وتلك على ما يبدو، لعبة مصالح، آخذة في تقرير وضعيتها، للتعامل معها بجدية.
من المهم تحديد الأطراف الفاعلة على الأرض، وتلك التي اختارت الحياد المُخادع، لكنها في الوقت نفسه تتحرك تحت ستار إيقاف الحرب.
وأعني بالأطراف الفاعلة، القوى العسكرية في مناطق العمليات، تحديدًا، وهي: الجيش السوداني من جهة، والدعم السريع من جهة أخرى، ولكل طرف حلفاء من القوى المدنية.
الجيش السوداني، بلا شك، حصل على دعم التيار الإسلامي العريض، إلى جانب الاصطفاف الوطني الذي دخلَ فيه أحزاب ذات ثقل جماهيري، مثل: الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، بقيادة مولانا محمد عثمان الميرغني، ومؤتمر البجا، فضلًا عن الحركات المسلحة التي وقّعت على سلام جوبا، ولديها جيوش مقاتلة، جميعها الآن تحت قيادة عسكرية موحّدة في مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، بمن فيهم قوات تابعة لعبد الواحد محمد نور.
أمّا الدعم السريع فهو يعتمد على حاضنة سياسية لحمتها وسداها قوى الحرية والتغيير، ويقود خطها الخارجي رئيس الوزراء المستقيل عبدالله حمدوك، وإن كان حمدوك أقل حماسًا، ويحاول فقط كسب ودّ أميركا وحلفائها، وبعض المنظمات الدولية، وهي كل ما يهمها السيطرة على موارد السودان، أو بالأحرى منع روسيا والصين الاستفادةَ من هذه الموارد، وعلى رأسها الذهب.
الخرطوم كلمة السرّالسيناريوهات المستقبلية للسودان ترتبط بصورة أساسية بنتيجة الصراع بين هذه القوى، ومفتاح ذلك هو تحرير العاصمة الخرطوم.
ففي حال انتصر الجيش على الدعم السريع، وهو السيناريو الأقرب- خصوصًا بعد حصول الجيش على أسلحة نوعية واستنفار آلاف المقاتلين، وتصدع الجبهة السياسية المساندة للدعم، مع ارتفاع وتيرة الإدانات الدولية لانتهاكات قوات الدعم السريع، واختراقات عديدة في السياسة الخارجية، أهمها إنهاء مهمة "يونيتامس" في السودان، التي انحازت لطرف دون الآخر، فضلًا عن اقتراب تحديد مصير قائد الدعم السريع حميدتي، حيث يذهب كثير من المؤشرات إلى احتمالية مقتله- فإنَّ هذا الانتصار لا يعني فناء قوات الدعم السريع بالكامل، ولا حتى نهاية قوى الحرية والتغيير.
وهي قوى لا يرغب رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان في تلاشيها، وإنما يحرص، من خلال عدم قطع خطوط التواصل معها، على أن تكون موجودة في المرحلة المقبلة، لتوازن الملعب السياسي، وهي نفسها باتت على قناعة، بأنها لن تستأثر بالحكومة مرة أخرى، وما لا يدرك كله لا يترك جله.
تصفير العدادأمّا القوى الإسلامية، التي ساندت الجيش وقاتلت إلى جانبه، فإنها سوف تلقي بعد نهاية الحرب عن كاهلها السلاح، وتستعد للانتخابات، باصطفافات جديدة، ونزعة أيديولوجية أكثر مرونة. وهي لترتيبات تنظيمية تخصها، قرّرت عدم المشاركة في الحكومة خلال المرحلة الانتقالية.
لكن هذا السيناريو الذي سوف يتوج بغلبة الجيش، يحتاج إلى مفاوضات، لا سيما أنه نادرًا ما توجد حرب لا تنتهي على طاولة التفاوض، وهي ضرورية حتى لترتيبات عملية الاستسلام، وتحديد التزامات الأطراف المتقاتلة، وضمان توفير الدعم المالي، وتعويض المتضررين، وتلك عقبات يصعب تجاوزها دون ضمانات دولية وممولين، ما يعني أن العودة إلى منبر جدة ممكنة، ولكن بصورة مختلفة هذه المرة، بعد إخفاقات صاحبت الجولات السابقة.
وإن كان لا أحد يعرف، أيضًا، ما سيحدث بالضبط قبل أو بعد منبر جدة، فإن "غير المتوقع يحدث دائمًا"، وَفقًا لمثل فرنسي شائع استخدمه الكاتب أندريه موروا عنوانًا لإحدى رواياته، خصوصًا أن الإشكالية السلطوية المزمنة في بلاد النيلَين تتعلق بطموحات الأشخاص والقبائل، والانقلابات العسكرية.
ولربما نفاجأ كذلك بقيادة جديدة للدعم السريع تنقلب على آل دقلو وتأخذ بزمام الأمور، في طاولة حوار مع قيادة عسكرية أخرى على رأس الدولة.
وهو أمر غير مستبعد أيضًا، وسط هذه الرمال المتحركة، وإن لم تكن تلك التغيُّرات على مستوى الأشخاص، فهي، قطعًا، ستصيب التحالفات والسياسات، وستقوم بتصفير العداد بالمرّة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+
تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الدعم السریع
إقرأ أيضاً:
«صمود» ترحب بالحكم ضد «كوشيب» وتطالب الجيش السوداني بتسليم المطلوبين للعدالة الدولية
الناطق الرسمي باسم “صمود” طالب قائد الجيش بتسليم المطلوبين للعدالة الدولية من قادة الحركة الإسلامية الذين يجدون ملاذاً آمناً في المناطق الخاضعة لسيطرته، وعلى رأسهم المخلوع عمر البشير، وعبد الرحيم محمد حسين، وأحمد هارون.
الخرطوم: التغيير
أعرب التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة “صمود”، عن ترحيبه بالحكم الصادر عن المحكمة الجنائية الدولية والقاضي بالسجن لمدة عشرين عاماً على علي كوشيب، معتبراً القرار “إدانة شاملة لمنظومة الإنقاذ ومجرميها كافة”.
وقال الناطق الرسمي باسم جعفر حسن عثمان، إن جلسات المحاكمة كشفت عن حجم المعلومات المتوفرة بشأن المتورطين في الجرائم التي ارتكبت في دارفور، مما يعزز فرص ملاحقة المزيد منهم ويوسّع دائرة العدالة والمساءلة.
وأكد أن الحكم يمثل خطوة مهمة لإنصاف الضحايا وتحقيق العدالة في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
وأضاف أن القرار يرسّخ مبدأ عدم الإفلات من العقاب، ويمهّد لتوسيع ولاية المحكمة لتشمل الجرائم المرتكبة خلال حرب 15 أبريل الجارية.
وطالب الناطق الرسمي باسم “صمود” قائد الجيش بتسليم المطلوبين للعدالة الدولية من قادة الحركة الإسلامية الذين—بحسب البيان—يجدون ملاذاً آمناً في المناطق الخاضعة لسيطرته، وعلى رأسهم المخلوع عمر البشير، وعبد الرحيم محمد حسين، وأحمد هارون.
كما دعا عثمان كلاً من مني أركو مناوي، وجبريل إبراهيم، ومالك عقار إلى الالتزام ببنود اتفاق جوبا للسلام، الذي يعدّ تسليم المطلوبين للجنائية الدولية أحد أهم مواده.
وعلي محمد علي عبد الرحمن، يُعد أحد أبرز القادة المحليين لميليشيا الجنجويد في غرب دارفور خلال النزاع الذي اندلع مطلع الألفية.
ووفق المحكمة الجنائية الدولية، تولّى كوشيب دوراً قيادياً في منطقة وادي صالح بين عامي 2003 و2004، في سياق حملة واسعة شاركت فيها ميليشيات مدعومة من الحكومة السودانية آنذاك.
الوسومالتحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة (صمود) السودان المحكمة الجنائية الدولية دارفور على كوشيب عمر البشير معسكر كلمة