جريدة الرؤية العمانية:
2024-06-12@10:56:09 GMT

غزة وفنون الإتيكيت

تاريخ النشر: 9th, December 2023 GMT

غزة وفنون الإتيكيت

 

هند الحمدانية

تعيش غزة منذ حوالي 64 يومًا ظروفًا حياتيةً استثنائيةً قاسية يشهدها العالم أجمع، وسلّطت الأضواء عالميًا على هذا القطاع المحاصر وعلى ظروف أهاليه وشبابه وأطفاله وتفاصيل حياتهم وتعاملاتهم، ولأن غزة اليوم تقابل كل شعوب العالم على شاشات التلفاز ومواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المختلفة المسموعة والمقروءة، فاقتضى الأمر منَّا أن نشير إلى فنون الإتيكيت وقواعد الآداب التي أتقنها الغزاوي خلال ممارساته الميدانية والحياتية اليومية والتي استخدم فيها أفضل السبل، وأكثرها جمالًا، ورقيًا، وتهذيبًا.

هذا المقال هو بمثابة "Ticket" بطاقة دخول إلى المجتمع الغزاوي الراقي، هنا سنعيش معًا فنون الإتيكيت والذوقيات الفخمة التي تتعامل بها غزة وأهلها مع أرواحهم أولا ثم مع الآخرين والعالم أجمع.

يقول الله تعالى عن الرسول (صلى الله عليه وسلم): "وإنك لعلى خلق عظيم"، ويخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن نفسه فيقول: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، من هنا بدأت بذور ممارسات آداب الإتيكيت الحياتية والتي تدور في فلك مكارم الأخلاق والتي يجب أن تتجذر في الفطرة الإنسانية السليمة والعلاقات بين أفراد المجتمع.

ولقد لاحظنا جميعًا خلال الشهرين المنصرمين أن غزة كانت أيقونةً عالمية جاذبة لفنون الإتيكيت والخصال الحميدة ونموذجا مذهلا للدراسة والاقتداء، فترافق فيها مفهوم الإتيكيت مع البساطة والرقي والابتسامة والجمال والعفوية وحسن الظن بالله.

"إتيكيت الروح".. كيف يتعامل الغزاوي مع روحه الطاهرة، كيف ترفع بها عن ملذات الدنيا، كيف رقاها بآيات كتاب الله ثم كرمها في سبيله، كيف أنصت لنفسه وأعطاها الاهتمام المطلق في التساؤل والاستفسار: إلى متى هذا الذل وهذا العار؟ ومن ثم أجابها بحب ورقي: لن يدوم لأننا نقاوم، فإما النصر أو الشهادة، علمتنا غزة أن الإتيكيت يبدأ من الروح ثم يمتد بعدها ليشمل كل تعاملات الحياة الأخرى.

انعدمت الأسباب.. شح الماء والطعام والدواء وكل سبل الحياة الكريمة، والنازحون من أهالي غزة تحت القصف بدون مأوى آمن وبدون غطاء، لكنهم يتسلحون بالإيمان والخلق القويم، فلا سرقات رغم الفقر والجوع، ولم نسمع بحالات اعتداء أو تحرش، لم نسمع بعبارات تذمر أو تأفف، كل ما كان وما زال يتردد طيلة أكثر من شهرين "الحمدالله رب العالمين" ويا رب خذ منَّا حتى ترضى، ألا يصنف هذا التعامل من أعلى درجات إتيكيت التعامل مع النفس ومع الآخرين؟!

ذوقيات غزة حققت "ترندًا" عالميا في مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة في التعامل مع الأسرى، والذي بدا واضحًا وجليًا مع عقد الهدنة الإنسانية وبدء تبادل الأسرى؛ حيث انكشف لكل شعوب العالم التعامل الإنساني الراقي والسلوكيات البالغة التهذيب التي أظهرتها حماس للأسرى المحتجزين، والرفق والرحمة التي أحاطوهم بها وطبخ الطعام لهم، واحترام أشخاصهم وشرفهم ومعاملة الأسيرات من النساء مع ما يتناسب مع جنسهن، وتوفير الرعاية الصحية وغيرها وتهيئة ظروف جيدة لهن، وذلك ما أكدته الأسيرة الإسرائيلية المسنة ليفشيتس المفرج عنها: أنهم لم يتعرضوا لأي نوع من العنف أو الإهانة، أبهرتني حماس عندما اهتمت بتفاصيل راحة الأسرى النفسية قبل الجسدية عندما جمعوا ساكني كل مستوطنة من الأسرى مع بعضهم البعض ليشعروا بالراحة والأمان والألفة، ثم ينتشر مقطع الفيديو المُذهل؛ حيث الفتاة الإسرائيلية مايا ريغيف وهي تلوح لمسلح حماسي يقول لها "وداعًا مايا" فترد عليه مبتسمة راضية "شكرا" ،حقيقة ً إن غزة أسست مدرسة إتيكيت من الطراز الرفيع في فنون التعامل مع الأسرى لم تشهده البشرية منذ قرون طويلة.

"إتيكيت الإعلام الحربي".. المصداقية والشفافية في نقل الأحداث، أصول الصورة والتحرير والإعداد وفن التعامل والكاريزما والكلمة رغم صعوبة الظرف، دروس قيمة في الإتيكيت الإعلامي نستخلصها لكم في عدة نقاط، اختيار الوقت المناسب لإيصال المعلومة وبثها، واستخدام كلمات سحرية تبقى في ذهن المتابع المترقب (لا سمح الله)، لغة جسد ثابتة ونبرة صوت واثقة وكلمات صادقة، ولذلك آمنت وانبهرت كل شعوب العالم بمصداقية الرجل الملثم وشجاعته وذكاءه وإقدامه، فما أجمل أبو عبيدة! المقاوم المحترم الذكي المغوار الذي امتاز بثقة فخمة ممزوجة بعزة وكرامة، لا يتحدث كل يوم، لكنه إذا تحدث أسكت القوم.

فأهلًا وسهلًا بكم وبكل شعوب العالم العربي والغربي في مدرسة الإتيكيت الغزاوية وإلى البلاط الملكي الغزاوي الشريف الذي غسل بدماء الشهداء وطرز بالعفة والنقاء، ففاحت منه ريح الطيب والمسك والجنة وتزاحمت بين شرفاته الملائكة حاملةً الأجنة، أهلا بكم جميعًا من السابع من أكتوبر وإلى أن يتحرر الأقصى ونُكبِّر.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

بحضور أكثر من 500 عالم من المملكة والعالم الإسلامي.. انطلاق ندوة الحج الكبرى بمكة المكرمة

انطلقت اليوم بمكة المكرمة أعمال ندوة الحج الكبرى في نسختها الـ48 بعنوان “مراعاة الرخص الشرعية والتقيد بالأنظمة المرعية في شعيرة الحج”، تحت رعاية وزير الحج والعمرة الدكتور توفيق بن فوزان الربيعة، وبحضور ومشاركة أكثر من 500 عالم من المملكة والعالم الإسلامي.
واستهل د. الربيعة أعمال الندوة بكلمة ترحيبية، أثنى خلالها على هذا الحضور الحميم الذي يتجدد كل عام، من خلال إقامة ندوة الحج الكبرى بشكل سنوي، التي تحمل على عاتقها إبراز الدور الثقافي والحضاري للمملكة في خدمة الحج والحجيج، وتسليط الضوء على أهم الإنجازات والمشروعات والتطورات المتلاحقة في الحرمين الشريفين لخدمة المسلمين، وترسيخ مبدأ الحوار الفكري الهادئ لقضايا الأمة الإسلامية في موسم الحج، والتواصل العلمي البنّاء مع المؤسسات والمحافل العلمية والباحثين المتخصصين في معظم دول العالم، وتحقيق المزيد من التكامل والتآخي والتعارف بين أبناء الأمة الإسلامية.
وتحدث معاليه حول مشاركة أصحاب المعالي والعلماء ومفكري العالم الإسلامي في أعمال الندوة واستهدافها بهدف توحيد الجهود وتجويدها في توعية الحجاج بأوجه التيسير في أداء شعيرة الحج، إضافة إلى تطوير الخطط التشغيلية بما يتناسب مع التنوع الفقهي والمذهبي للحجاج، بما يسهل أداء المناسك بيسر وسهولة.. مشيدًا بدور المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين –حفظهما الله- في التسهيل على حجاج بيت الله الحرام، وتقديم كل ما من شأنه أن يضمن لهم حجًا مبرورًا وهم ينعمون بالأمن والأمان، حتى عودتهم إلى أوطانهم بعد انقضاء مناسكهم.
إثر ذلك جرى تقديم عرض عن أنشطة الندوة لهيئة كبار العلماء، بعدها ألقيت كلمة سماحة المفتي العام التي ألقاها نيابة عنه معالي الأمين العام لهيئة كبار العلماء الدكتور فهد بن سعد الماجد، وأوضح فيها أن هذه الندوة المباركة تناولت خلال مسيرتها موضوعات مهمة بشؤون الحج وشؤون الأمة. وقال: وفي هذه السنة يسعدنا في هيئة كبار العلماء أن نتعاون في تنفيذ هذه الندوة بعنوان (مراعاة الرخص الشرعية بالتقيد في الأنظمة الشرعية في شعيرة الحج).
وبيّن أن المملكة أشرفت على الحرمين الشريفين، وسخّرت إمكاناتها ليؤدي الحجاج والمعتمرون نسكهم بكل يسر وسكينة، وأصدرت الأنظمة والتعليمات المتعددة التي تعين الحاج منذ وصوله إلى المملكة إلى تنقله في أداء شعائره، ومن ثم عودته إلى دياره ووطنه.. موجهًا عبر هذا المنبر النصح لحجاج بيت الله الحرام بأن يراعوا هذه الأنظمة، وليعلم أن ذلك من طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ومن تعظيم حرمات الله في الحرم، فإن هذه الأنظمة ما وضعت إلا لتعظيم هذه الشعيرة، وتمكين الحجاج والعاملين من أن يؤدوا مناسكهم بكل يسر وسكينة.
عقب ذلك ألقى الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى كلمة بهذه المناسبة، نوه خلالها بجهود وزارة الحج والعمرة في إقامة الندوة التي أمضت عمرًا حافلاً بالتجدد والعطاء؛ للإسهام بالاطلاع بمسؤولية هذه الخدمة، كل في مهامه. مثمنًا قفزاتها النوعية وحجم المشاركة فيها من الجموع المباركة من علماء الأمة الإسلامية.
وأكد معاليه أن رابطة العالم الإسلامي بهيئة علمائها ومجمعها الفقهي الإسلامي على استعداد تام للإسهام كل عام في فعاليات هذه الندوة التي باتت -بحمد الله- حلقة مهمة وعلامة فارقة في منظومة برامج الحج المهمة والفاعلة. وفق الله القائمين على هذا اللقاء العلمي العالمي، وداعيًا الله أن يوفق الجميع في طرح المحاور التي تثري أهداف هذا التجمع الإسلامي العالمي، وسائلاً الله جل وعلا أن يوفق الجميع في طرح المحاور التي ترسخ مبدأ الحوار الفكري الهادئ لقضايا الأمة الإسلامية من خلال موسم الحج، والتواصل العلمي البنّاء مع المؤسسات والمحافل العلمية والباحثين المتخصصين في معظم دول العالم، وتحقيق المزيد من التكامل والتآخي والتعارف بين أبناء الأمة الإسلامية.
ثم تفضل وزير الحج والعمرة بتكريم عدد من المشاركين في إنجاح أعمال هذه الندوة.

مقالات مشابهة

  • عاجل | في تطبيق أحدث تقنيات النقل .. الجاسر يدشن أول تاكسي جوي في العالم
  • توضيح جديد من البنك المركزي في عدن بشأن حظر التعامل مع البنوك الـ 6 في صنعاء
  • البنك المركزي يؤكد استمرار حظر التعامل مع 6 بنوك رئيسية بمناطق الحوثيين
  • عالم غير منتهٍ.. رؤية واقعية لمشكلة المناخ وكيفية التعامل معها
  • ام وضاح: أيادي الغدر مفاجئة وموجعة فالحذر ثم الحذر
  • مصاريف معهد الجزيرة العالي للإعلام وفنون الاتصال في المقطم والأوراق المطلوبة
  • بحضور أكثر من 500 عالم من المملكة والعالم الإسلامي.. انطلاق ندوة الحج الكبرى بمكة المكرمة
  • مصاريف المعهد العالي للإعلام وفنون الاتصال بـ6 أكتوبر والأوراق المطلوبة
  • ندوة وورش عمل «طرز وفنون كسوة الكعبة المشرفة» بمكتبة الإسكندرية
  • رئيس البعثة الطبية للحج: استقرار الحالة الصحية للحجاج المصريين ولا حالات خطيرة