شبكة اخبار العراق:
2025-05-11@21:15:16 GMT

إلى بغداد والقباب التركواز

تاريخ النشر: 14th, December 2023 GMT

إلى بغداد والقباب التركواز

آخر تحديث: 14 دجنبر 2023 - 11:23 صطالب عبد العزيز  بين السنة والثانية، ومثلُ أيِّ سائح،  أجيء بغداد، أدخلها مثقلا بوجد طاغ، وأوهام لا تحد، أقلها عشقي لدجلة، وتلمس خطى البغادة الغابرين. تلقي سيارة الأوباما بي عند نهاية الجسر الطويل، أنا لا أتفلت في بغداد، أنا اتنفسُ حسب، فيحملني سائق آخرُ إلى فندق تطلُّ واجهتُه على الشارع، ولا تطل أحياناً.

وكالعادة، سيسألني السائق عن وجهتي، التي قدمت منها، وأجيب: من البصرة. فيطري أهلها، يقول: طيّبون وكرماء، فأشكره، فيما تزوغ عيني، تبحث في الساحات عن يافطة ما عادت تدل، وعن وهم لم أجعله في قائمة أوهامي الطويلة.   كان عبد الأمير الحصيري- الشاعرُ النجفيُّ- لا يرى بغدادَ المدورة مدينة لملِك ولا جمهورية لرئيس، هي عباسيّة في عين قلبه، توقف الزمان عندها وانتهى، وما الشارع الرشيد والمستنصرية المدرسة وابو نؤاس والمنصور وراغبة خاتون والمأمون وغير ذلك من الشوارع والضواحي إلا ما كانت عليه، وكان أهلها قبل الف عام.  لذا أدمن التَّيهَ والضَّلال في أزقّتها، يبحث في حاراتها عمّن يدلّه عليه، ويأخذ بيده إلى الواقفين على حاناتها، يتبضع خطوة أخيرةً من المشاة السكارى المتسكعين في دروبها. كذلك أكون، وما أنا بحديث عهد فيها، فقد دخلتها قبل نصف قرن، أخذني بصفّارته قطارُ السادسة عصراً، من محطته في المعقل، وانزلني في السابعة من صباح اليوم الثاني، بمحطتها العالمية، كان القاشانُ في سقفها ما طالعني آنئذ، وحين تركت حقيبتي في فندقٍ بالباب الشرقيِّ حملتني قدماي إلى مقهى، بأرائك من خشب عتيق، يميل عليه مسجد، ويهرسه المارةُ بأنظارهم، هناك جلستُ، استحسنتُ مِقعداً، فكان وجهي يطالعُ وعبْرَ الزجاج المتعجّلينَ.  هناك نصفُ قرن آخر بين زيارتي الأولى لدائرة الشؤون الثقافية، التي بسبع أبكار، ثم بحيِّ تونس وزيارتي الأخيرة قبل نهاية العام الحالي. لا أقول بأنَّ الدار تغيّرت، لكنَّ خمسين سنةً كانت كافية لكي تتغيَّر وجوهٌ كثيرة، فلا أتبين في أروقتها وسواقيها شتلاتَ الورد الأحمر، واسيجةَ الآس، والنساءَ الجميلات، تأخذهن المماشي إلى الغرفات، ويأتين منها بلا اسئلة عن النَّهار.. وحين أخذتني قدماي إلى ما تظلله قبابُها كانت السقوف قد شاخت، ومخارجُ المكاتب التي كان الوردُ يضيِّقُ بها على الماشين حزينةً، ولم أسمع الهمسَ المعهودَ عند عتباتها. هناك من يستعصي عليه تزويل الذكرى في هاتف الزمن، من لا يرى في الابيض القطني أجنحةً للنوارس .. أشهدُ اللهَ أنَّ العشبَ في الحديقة كان رطباً، وأقواسَ المبنى نحيلةٌ تصارع البِلى، ومن فسحة زرقاء في السماء يتنفسُ الذاهبون والآيبون عبقَ ماضٍ، لم يعد، فيما يحاول أحدُهم، مع من يحاولون استعادةَ مباهج التركواز أعلى القباب.  أنا سائحٌ في بغداد إذنْ، دخلتُ المتحفَ مع الداخلين، وتركت خطاي عريضةً، على العشبة بابي نؤاس، صحبة الشجر المطرمح، ورائحة السمك المسقوف، ومثل كل الغادين بلا أملٍ للسرور ذهبتُ إلى الشارع المتنبي، أبحث في أطنان الورق عن خليفةٍ لا أحبُّه، وعن شهرزاد همَّ بقتلها أميرٌ غاضب، وعن شاعرٍ يتخذ من النهر مرقاةً لعظمته، فكانت الناس تصطك بالناس، وباعة المباهج يحملون بعضهم إلى بعضهم، فيما النسوةُ الجميلات، بشَعْرهنَّ المنسرح والطويل يكتبن القصيدة التي أردت. وفي بار هوازن، الذي يختبئ بأحد أزقّةِ البتاويين جلستُ ليلةً، لا لأكمل القصيدة، حيث أبتدأت، إنّما لأحلمَ، بعيداً عن البنادق، التي خلّفتها هناك، في الجنوب الرطب، حيث كنتُ وأتيتُ، كانَ صديقي الطبيبُ الشاعرُ يهبني ابتسامتَه باذخةً، وقد أنزلني منزلي الذي أحبُّ، وأعطاني من أسارير قلبه ما يثقل عنقي به. الصبيّاتُ الجميلاتُ في البار، بسراويلهن الجينز أعدنَّ ما تساقط من تركواز الروح، وما تراجع بالكياسة والجبن في الجسد، وحين صرتُ إلى الفندق ثانيةً، قبيل فجر ليلتي الأخيرة، هناك، حين حملتني سيارة الأوباما إلى البصرة وجدتني كاتباً : لست بعيداً عن دكّانة بائع الحلوى، أنا في نهر خوز، التي على الجادَّة الآن، تقودني الأرضُ إلى البصرة، كان أخي قد كلّفني بنقل جثمانه إلى الزبير، لكنَّ سيّارة الحاج عبد الدائم تعثرت بالماء، خالطه طينٌ وقصبٌ كثير، فخطر لي أن افتح ثقباً في الحائط، الذي يحجبني عن الشمس، أطلُّ منه على كلِّ ذاهب وآيب من النخل، أنا ارتدي قميصاً من قطنٍ تراجعت ألوانه في الشمس، وسروالاً ابيض لا يجدني أحدٌ فيه قرب البيت. أكونه كلما صرت إلى الفجر. المصلّون يرونني خارجا من المسجد، لكنني ما دخلت بعدْ. تمسَّك اخي بمخاضة القصب والحلفاء التي في المعامر، على النَّهر الكبير ذات يوم ، لكنَّ الرصاص لم يُمهله، فأتاه من جهات الماء الأربع، كانت البنادق تقصده أيضاً، والنخل يترصده، والخنازير تنوشه، أما هو فقد ظلَّ واقفاً، مصغيا للسلاحف الغُبر وهي تعبر الطريق، وللسفرجل وهو يتطرمح في السماء، وللمغيب وهو يصطبغ بالاحمر والازرق التركواز، وإلى يده وهي تومئ للفواخت والسنادين. كان أحدُهم قد إِئتمنه على ابتسامة ابنته فصَدَعَ بالأمر. 

المصدر: شبكة اخبار العراق

إقرأ أيضاً:

نبيل بنعبد الله يدعو الطلبة للمشاركة في التصويت ويقول : "عند عزوفك... هناك من يقرر بدلاً منك !!"

قال نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والإشتراكية، بأن العزوف الانتخابي هو الذي يلوث العمل السياسي، ويسمح بوصول من يلوثون السياسة ويلبسونها ثوب المصالح لمراكز القرار، وهو ما ينتقده المواطنون، داعياً الطلاب والطالبات إلى الانخراط في التغيير والبدء بالتسجيل في اللوائح الانتخابية والتصويت لمن يرونه صالحاً لخدمة مصالح المواطنين.

حديث بنعبد الله كان مع الطلبة الحاضرين مساء أمس الجمعة بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بأيت ملول، أثناء مداخلته في محاضرة منظمة من طرف ماستر الدبلوماسية الروحية والتحولات السياسية في إفريقيا، قائلاً، « بأن فئة كبيرة من الشباب لا تصوت، ولا تعبر عن موقفها من البرامج الانتخابية، في الوقت الدي كانت فيه الجامعة المغربية قبل عقود من الزمن مخترقة بالأفكار اليسارية بمختلف تلاوينها، قبل أن تتطور الأمور وتدخل إلى الساحة عدة أفكار ومشارب جديدة ».

وحاول بنعبد الله من خلال حديثه للطلبة، الاستعانة بالإحصائيات المتعلقة باللوائح الانتخابية التي تظهر عزوفا كبيراً في صفوف المواطنين،  قائلاً « بأن العزوف ليس حلا، فعندما لا تقرر من يسير شؤونك، هناك من يشتغل بآليات أخرى للوصول للمناصب السياسية ويقرر بدلاً منك ».

ووفقا لسيرورة النقاش المثار في الندوة، بدأ نبيل بنعبد الله كلمته بخصوص الموضوع مخاطباً الطلبة قائلاً: « نحتاج اليوم إلى إيجاد صيغ مختلفة لجلب اهتمامكم بما يجري في بلادنا وفي غير بلادنا، لأن هناك بعض الإشكاليات التي تطرح، ومن الواجب أن ننصت إليكم، ونتكلم عن بعض الجوانب المتعلقة بتجاربنا الشخصية في السياسة، والتي مر منها مئات الشباب الذين خاضوا هذه التجربة ».

 » ففي البدايات – يضيف بنعبد الله- نشير إلى ضرورة إذكاء السياسة عند التلاميذ في بداية مسارهم الثانوي وأساساً لدى الطلبة والطالبات في بداية مسارهم الجامعي من السنة الأولى، حيث يقول بعض المفكرين: إذا لم تهتم بالسياسة في عمر 21 سنة، فصعب جداً أن تلتحق بهذا الركب عندما تتجاوز هذا السن … ».

وقال، « ليس من السهل اليوم إقناع الشباب بالمشاركة السياسية، ولو أن الأمر متعلق بمشاكلهم اليومية، خلافا لما كان بالأمس القريب في الجامعات، حيث يعتنق الطالب النقاش السياسي مبكرا، فهل من الممكن أن أقدر اليوم على إقناعكم بالطرح الاشتراكي بكل سهولة ؟  في وقت لا يلائم هذا الطرح واقعكم !!

 » شخصيا … -يضيف بنعبد الله-  بدأت السياسة في سن 17 سنة، وكنا لا ننتظر شيئاً من العمل السياسي، بل كان دخولنا له انطلاقاً من المرجعية الفكرية الإديولوجية بشكل محض، ولم نكن ننتظر من ذلك أي جزاء، أو أي مسار، لأنه في ذلك الزمان كانت أغلبية الأحزاب ممنوعة، ولم نكن نتوقع الحصول على أي منصب، لأننا اخترنا الانخراط في أحزاب معارضة لها تصورات معارضة تماما للتصورات المعمول بها آنداك.

وبالتالي كنا نعتبر قيام حكومة تضم الأحزاب التي ننتمي إليها شيئا لن نشهده ولن نراه في حياتنا، غير أن الأمور تطورت وشاءت الأقدار بعد ذلك بتسريع التحولات التي شهدتها بلادنا، وبالتالي سارت الأمور في اتجاه معاكس، هكذا كنا آنذاك … » .

 » لكن هل يمكن إقناع الشباب بالانخراط في السياسة أو المشاركة فيها بسهولة ؟ لا أعتقد أن تنجح الوصفة اليوم دون إعطاء معنى لما نقوم به، فلماذا نهتم بالسياسة ولأجل ماذا ؟

طبعاً … إذا تتبعتم ما يقال في المواقع بشكل سطحي سيصعب أن تثقوا في أي شيئ، لأن هناك من يحلو له دون وعي في بعض الأحيان أن يقدم السياسيين والسياسيات دون تمييز بأن كل هؤلاء يريدون فقط أن يخدموا مصالحهم من خلال استغلال إمكانيات الدولة، أو تنعت هذه الأوساط بأنها غير نزيهة وتقوم بأشياء مخالفة للقانون دون تمييز … » .

وقال بنعبد الله: « تصوروا … أنه من يتكلم مع السياسيين بهذه الطريقة ويضع جميع السياسيين وجميع الأحزاب دون تمييز في خانة واحدة، فحتى داخل نفس الحزب يمكن أن تجد الفضلاء والفضليات/ ويمكن أن تجد بينهم بعض المنحرفين عن القيم والمبادئ التي يحلها هذا الحزب، لكن تصوروا أن نقول لكم نفس التعميم، بخصوص الطلبة والأساتذة، ونحملهم هاته الصفة نضعهم في كفة واحدة، فعندئد ستردون وتقولون بأن لكل واحد منا مساره وتجربته وأسرته ومحيطه وتضيحات عائلته ليكافح ويجد فرصة لنفسه في المجتمع، ولا ينبغي التعميم … ».

فهكذا بالضبط يتم التعامل اليوم بالنسبة لعدد من الأوساط المعلقة لما يجري في الفضاء السياسي بشكل ظالم،-يضيف بنعبد الله- فالسياسة في أعماقها نبل وأخلاق، والأساتذة أمامي لا يمكنهم أن يدرسوكم من الناحية الاكاديمية والنظرية غير ذلك،  بعد ذلك يمكن أن تكون التصرفات الشخصية شيئ آخر،  لكن في الأصل السياسة نبل وأخلاق وبدون ذلك ليست سياسة. ».

واستمر المتحدث في مخاطبة الطلبة قائلاً :  » كيف يمكن أن نبين لكم أن هناك فرق ؟ فبقدر ما تبتعدون أنتم عن الإهتمام بالسياسة ، وهذا الأمر أصبح طاغياً ويشكل موقف الأغلبية منكم، وسيبدوا الأمر واضحاً عند استقراء وضعكم الإنتخابي، وتسجيلكم في اللوائح الإنتخابية، حيث سأصدم بأن أغلبكم لم يتم تسجيله في اللوائح، هناك من يقرر بدلا منكم ويسعى لذلك بطرق بديلة « .

 » بينما سنجد أن المسجلين فضلو عدم التصويت، وفي ذلك تتجلى أهمية ما نحن بصدده معكم بالخصوص، أنتم في هذه الكلية وأمثالكم ممن يشكلون مليون و300 ألف طالب في المغرب وبسن رشد قانوني، سنجد بأن الـأغلبية الساحقة تنتمي ل 18 مليون من المغاربة الدين لايشاركون في السياسة بشكل مباشر، خاصة في العملية الإنتخابية  » .

وقال بنعبد الله،  » يوجد 27 مليون مغربي يتجاوز السن القانوني، من بينهم 9 مليون مغربي غير مسجلين، عدد منهم ينتمي للأجيال التي تأتي تدريجياً في السنوات الأخيرة ولم تسجل في اللوائح،  بينما تظل 18 مليون من المسجلين في اللوائح الإنتخابية، من بينهم 50 في المائة فقط من المصوتين والمصوتات، يعني 9 مليون متبقية لا تصوت ».

وأضاف من منطق حسابي : يعني 18 مليون مغربي ومغربية لايصوتون وأغلبهم شباب، إضافة لاحتساب حوالي مليون شخص تعتبر عملية تصويتهم ملغاة،حيث يحضرون للتصويت لكن لايصوتون على أحد كنوع من التعبير على عدم الرضى، في المقابل من ذلك هناك من يدبر أمركم بدون اختياركم، وبدون إرادتكم هناك حكومة، اتفقتم أو لم تتفقوا،  وكيف أتت الله أعلم !! .

 

كلمات دلالية PPS اخنوش الانتخابات التقدم والاستراكية الحكومة السياسة العمل السياسي المغرب تفاصيل سياسة نبيل بنعبد الله

مقالات مشابهة

  • نتنياهو: لا يوجد خلاف مع ترامب وليس هناك نية للاعتراف بدولة فلسطينية
  • مكتب نتنياهو: لن يكون هناك ثمن لإطلاق الجندي عيدان ألكسندر
  • هل هناك حياة أخرى بعد الموت والحساب؟.. أمين الفتوى يُجيب
  • يوسف خميس: هناك لاعبون في النصر لا يمكن أن يلعبوا في الحواري ولا علاقة لرونالدو بالإخفاقات .. فيديو
  • مسؤولون أمريكيون: هناك خلافات بين ترامب ونتنياهو بشأن التعامل مع قطاع غزة وإيران
  • نبيل بنعبد الله يدعو الطلبة للمشاركة في التصويت ويقول : "عند عزوفك... هناك من يقرر بدلاً منك !!"
  • هناك مفاجآت.. «تامر حسني» يروج لـ فيلمه ريستارت
  • الأمم المتحدة تحذر: تأخير المساعدات إلى غزة ستكون له عواقب لا علاج لها.. هناك خطة لتقييد آخر حبة قمح
  • عاجل | الخارجية التركية: نحذر المواطنين من السفر إلى السودان إلا للضرورة وندعو الموجودين هناك إلى توخي الحذر
  • هل هناك دعاء لو قلته تقضى حاجتى؟.. أمين الفتوى يجيب