سودانايل:
2025-07-12@14:29:56 GMT

ثقافة الانحطاط

تاريخ النشر: 17th, December 2023 GMT

بفعل صدمة الدمار العشوائي للحرب النتنة لم نلتفت كما ينبغي إلى الخراب الثقافي تحت أدخنة هذه الحرب البلهاء .الحرب أصلا عدوٌ للثقافة.فهي فعل عدوانيٌ أحمق طارئ بينما الثقافة جهدٌ إبداعي تراكمي. بما أن هذه حرب عبثية عشوائية فقد خلت أحداثياتها من كل روح وطنية. ربما يحاول البعض اسباغ أحد الأنساق الثقافية مبررا للحرب ، من منطلق أنها عنفٌ منظم ضد الإستعلاء الإجتماعي -الثقافي -.

لكن هذه الحرب كسرت قالب العنف المنظم فأمست تدميرا عشوائيا لإنجازات وأيقونات خاصة وعامة. كما هي تأطير للرؤية الفلسفية (الحرب انتصار لثقافة الموت ، النهب ،الكراهية والإبادة الجماعية)و التوحش .لأنها من بنات عقول البشر غير الخيرّة فانها تفضح شرور غرائزهم الفاسدة.فالحرب يشعلها الأغبياء التافهون حسب توصيف الفيلسوف البريطاني برتراند راسل.
*****
في خضم انفجار الثورة الديسمبرية انفجر الخيال الشبابي عن ابداعات مبهرة على جبهات ثقافية عدة. ذلك الانفجار أعقب خمولاً كسولاً مترهلا إبان عهد الإنقاذ .ففي ظل النظام المتزمت جفّت منابع التحديث ،تيبّست عروق الخلق والابتكار فحلّ الاجترار بدل الإبداع . لعل التطريب أبسط أبرز الشواهد . حتى في فن المديح لجأ المنشدون لاجترار القصائد العتيقة بايقاعات الأغاني الخالدة في الذاكرة الجمعية .الحرب الهمجية لم تدمر فقط منصات الاجترار بل فقعت فقاعات التقليد والمحاكاة مثلما زادت عذابات من تبقى من الشعراء والمبدعين .هؤلاء حملوا على كواهلهم الموسومة بالصدق والشجاعة همَ شعبٍ ظل يبحث عن رجلين عناهما جبران في مقولته (الحق يحتاج إلى رجلين ؛رجل ينطق به وآخر يفهمه).بغية إخراج الشعب من هاوية بلا قرار.
*****
الحرب لم تطردك فقط من مسرح ذكرياتك بل جردتك من هويتك (مواطنا)لتصبح (لاجئا). الحي السكني حيث نشأت وتعرفت على ابنة الجيران في البيت عند ناصية الشارع ثم صارت زوجتك لم يعد على تلك السكينة الحميمة. بل توشّح بالخواء والخوف . بعدما سكت التلفاز عن الكلام ضاع الهاتف تحت الركام قبل انجرافك ضمن المغادرين كسيل يحفر مجراه للمرة الأولى في سهل منبسط. لو أن سجنا لايزال مغلقا على نزلائه لما اخترت الهروب الخجول الذليل إلى المجهول. لكن كل السجون كما الوطن فقدت بغتة ترف الأمان .فلا أحد يهجر البلد طالما توفر الإحساس بالاستقرار . واحسرتاه إذ انتهت الحرب بمصافحة بين الجنراليْن المزيفيْن بينما تلك العجوز تنتظر عودة ابنها الشهيد كما في شعر محمود درويش.
*****
معروف عبر التاريخ نشوب الحروب بين جماعات عدائية متباينة، لكن حربنا الفاجرة وقعت بين جماعتين حليفتين ينتميان إلى جزع واحد! مثل غيرها من الحروب الأهلية تزهق حربنا اللعينة الأرواح، تمزق نسيجنا الاجتماعي ، تفشي الأوبئة، تنفث ثقافة الكراهية ، تعطّل حركة التقدم ،تدمر الاقتصاد وتهدر فرص الأجيال في الحياة الكريمة. أكثر من ذلك إيلاما أنها تحدث شروخا شائهة في الصحة النفسية. هذه عاهات تستفحل تشوهاتهاكلما طال بنا الزمان في المنافي أو عدنا إلى البيوت الخراب. يا لله بقايا الجثث المنسية تزكم الأنوف مثلما كانت روائح الفساد في المدينة المظلومون أهلها. خلال فترة ليس مؤطر أوانها تظل العائلات تحتاج للنوم معا كما هو حال عائلات لازت بحي الرمال في غزة وفق تصوير الزميلة حنان أبو دغيم بحثا عن الدفء أو الموت الجماعي .
*****
قبل العودة -لابد للمرء ان يتفاءل كما قال لينين - علينا الاغتسال من درن الحرب ورمادها.كما علينا التطهر من كوابيس القتل ، النهب والاغتصاب وكل مشتقات العنف الممنهج والعشوائي إن أردنا الانتساب مجدداً إلى العالم المتحضر .قبل ذلك كله ينبغي تمزيق قاموس زمن الحرب المحشو بالغثاثة و الفجاجة حد الانحطاط .فمما يفاقم الأسى عدم تورع الفئة المستنيرة -المفترضة - عن ترديد مفردات الحرب الهابطة. وبعضها يتأصل في البذاءة مثل(البل ، بل بس والبلابسة ) ومنها (جقم والجقم و (الكوز) .كذلك التهليل والتكبير المفرغان من مضامينهما الروحي أذ يرددهما القاتل فوق جثة القتيل البريء والناهب السالب فوق رأس السليب المغدور المجرد. كما نحتاج إلى تنقية قاموس حياتنا اليومي من مفردات الحرب والتدمير من طراز تاتشر ودانة.
*****
في الحرب يدفن الأباء الأبناء كما يقول الشاعر الإسباني الشهير فيديريكو لوركا.لكن مدافع الحرب لا تخرس الابداع .فالشبان أصحاب الاعمال التشكيلية المنجزة في ميدان الاعتصام قادرون على انتاج لوحات مثلما فعل مشاهير من طراز بيكاسو وسلفادور دالي من وحي الحرب . لدينا روائيون وكتاب قصص لديهم قدرات على انتاج سرديات من وحي الأرض الخراب ومعاناة النزوح المعيشة على نحو جماعي وبطولات الثبات في وجه العنصرية المسلحة . عند استرداد منابر الإعلام والتنوير الواقعة تحت طائلة الاسكات القهري يمكن ازاحة قدر من الإحباط الجماعي المفروض تحت الإرهاب المسلح. بالتأكيد سنستعيد تأسيس مكتباتنا المحروقة ودور نشرنا المنهوبة . موعد الخلاص يأتي حتما لأنه حداء ملتقى النور والشرفاء بناة الغد ناشري ثقافة السلام و الحب والخير الجمال.

 

aloomar@gmail.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

إسحق بريك: الجيش ينهار من الداخل.. ومقاتلون دون الـ18 بغزة كبدوه خسائر

قال اللواء المتقاعد في جيش الاحتلال، إسحق بريك، إن فشل جيش الاحتلال في مواجهة الجماعات المسلحة، يعود إلى خلل داخلي متراكم في منظومته العسكرية، يشمل غياب التخطيط بعيد المدى، وانهيار منظومة التحقيقات، وثقافة تنظيمية معطوبة.

وفي مقال نشرته صحيفة "هآرتس"، أشار بريك إلى أن الاحتلال، رغم ما يحققه أحيانا من نجاحات ميدانية، لا يزال عاجز عن "قطع رأس الأفعى".

وتابع: "الجيش لم ينجح في القضاء على حركات مثل حماس، رغم مضي عامين على القتال" وأضاف: "مقاتلون، دون الثامنة عشرة من العمر تمكنوا من إحراج الجيش، وتكبيده خسائر ميدانية، بسبب عجزه عن استغلال مزاياه البشرية والعسكرية".

ولفت إلى أما وصفها بجوانب مقلقة داخل جيش الاحتلال، وقال: إن "الجيش يتجاهل الإعداد طويل الأمد، والقيادة السياسية والعسكرية منشغلة بإطفاء الحرائق اليومية".



وأوضح: "هناك غياب في التخطيط العملياتي لتطوير سلاح المستقبل، وترك الصناعات العسكرية دون توجيه واضح".

وشدد على أن هناك تراجعا في التدريب المهني للجنود، لا سيما في صفوف قوات الاحتلال، التي شاركت في العدوان على غزة، دون استعداد مسبق، فضلا عن فقدان الضباط المميزين نتيجة تدهور البيئة العسكرية، وعزوف الشباب عن الخدمة الطويلة.

ورأى أن هناك "انهيارا في منظومة التحقيقات واستخلاص الدروس، مما أدى إلى نشوء جيل من القادة، لا يعرفون ما الذي يعرفونه" وفق وصفه.

وألقى اللواء المتقاعد، بالمسؤول عن ما قال إنها "ثقافة الكذب المنتشرة في الجيش، وعدم الانضباط وعدم المسؤولية، وتدهور الأداء"، وقال إنها ثقافة "سمحت بوصول ضباط غير مؤهلين إلى مناصب عليا، يفتقرون إلى الرؤية والتنفيذ وينشغلون بالتفاصيل الصغيرة على حساب التهديدات الكبرى".

مقالات مشابهة

  • انطلاق الموسم الأدبي الجديد بنوادي الأدب بأسيوط
  • انطلاق الموسم الصيفي المجاني بقصور ثقافة أسيوط
  • ورش وحكى عن معالم وحرف وصناعات دمياط فى قصور ثقافة
  • ورش تدريبية ولقاءات توعوية ضمن النشاط الصيفي بثقافة الفيوم
  • فن الواو وعروض فنية فى انطلاق مبادرة "مصر تتحدث عن نفسها" بثقافة قنا
  • فن الواو وعروض فنية فى انطلاق مبادرة مصر تتحدث عن نفسها بثقافة قنا
  • إسحق بريك: الجيش ينهار من الداخل.. ومقاتلون دون الـ18 بغزة كبدوه خسائر
  • ثقافة ونقد
  • إطلاق جائزة “أداء الصحة”
  • ثقافة ديروط فى أسيوط تطلق أولى فعاليات ورشة فن طى الورق للأطفال