سودانايل:
2025-12-12@20:33:51 GMT

ثقافة الانحطاط

تاريخ النشر: 17th, December 2023 GMT

بفعل صدمة الدمار العشوائي للحرب النتنة لم نلتفت كما ينبغي إلى الخراب الثقافي تحت أدخنة هذه الحرب البلهاء .الحرب أصلا عدوٌ للثقافة.فهي فعل عدوانيٌ أحمق طارئ بينما الثقافة جهدٌ إبداعي تراكمي. بما أن هذه حرب عبثية عشوائية فقد خلت أحداثياتها من كل روح وطنية. ربما يحاول البعض اسباغ أحد الأنساق الثقافية مبررا للحرب ، من منطلق أنها عنفٌ منظم ضد الإستعلاء الإجتماعي -الثقافي -.

لكن هذه الحرب كسرت قالب العنف المنظم فأمست تدميرا عشوائيا لإنجازات وأيقونات خاصة وعامة. كما هي تأطير للرؤية الفلسفية (الحرب انتصار لثقافة الموت ، النهب ،الكراهية والإبادة الجماعية)و التوحش .لأنها من بنات عقول البشر غير الخيرّة فانها تفضح شرور غرائزهم الفاسدة.فالحرب يشعلها الأغبياء التافهون حسب توصيف الفيلسوف البريطاني برتراند راسل.
*****
في خضم انفجار الثورة الديسمبرية انفجر الخيال الشبابي عن ابداعات مبهرة على جبهات ثقافية عدة. ذلك الانفجار أعقب خمولاً كسولاً مترهلا إبان عهد الإنقاذ .ففي ظل النظام المتزمت جفّت منابع التحديث ،تيبّست عروق الخلق والابتكار فحلّ الاجترار بدل الإبداع . لعل التطريب أبسط أبرز الشواهد . حتى في فن المديح لجأ المنشدون لاجترار القصائد العتيقة بايقاعات الأغاني الخالدة في الذاكرة الجمعية .الحرب الهمجية لم تدمر فقط منصات الاجترار بل فقعت فقاعات التقليد والمحاكاة مثلما زادت عذابات من تبقى من الشعراء والمبدعين .هؤلاء حملوا على كواهلهم الموسومة بالصدق والشجاعة همَ شعبٍ ظل يبحث عن رجلين عناهما جبران في مقولته (الحق يحتاج إلى رجلين ؛رجل ينطق به وآخر يفهمه).بغية إخراج الشعب من هاوية بلا قرار.
*****
الحرب لم تطردك فقط من مسرح ذكرياتك بل جردتك من هويتك (مواطنا)لتصبح (لاجئا). الحي السكني حيث نشأت وتعرفت على ابنة الجيران في البيت عند ناصية الشارع ثم صارت زوجتك لم يعد على تلك السكينة الحميمة. بل توشّح بالخواء والخوف . بعدما سكت التلفاز عن الكلام ضاع الهاتف تحت الركام قبل انجرافك ضمن المغادرين كسيل يحفر مجراه للمرة الأولى في سهل منبسط. لو أن سجنا لايزال مغلقا على نزلائه لما اخترت الهروب الخجول الذليل إلى المجهول. لكن كل السجون كما الوطن فقدت بغتة ترف الأمان .فلا أحد يهجر البلد طالما توفر الإحساس بالاستقرار . واحسرتاه إذ انتهت الحرب بمصافحة بين الجنراليْن المزيفيْن بينما تلك العجوز تنتظر عودة ابنها الشهيد كما في شعر محمود درويش.
*****
معروف عبر التاريخ نشوب الحروب بين جماعات عدائية متباينة، لكن حربنا الفاجرة وقعت بين جماعتين حليفتين ينتميان إلى جزع واحد! مثل غيرها من الحروب الأهلية تزهق حربنا اللعينة الأرواح، تمزق نسيجنا الاجتماعي ، تفشي الأوبئة، تنفث ثقافة الكراهية ، تعطّل حركة التقدم ،تدمر الاقتصاد وتهدر فرص الأجيال في الحياة الكريمة. أكثر من ذلك إيلاما أنها تحدث شروخا شائهة في الصحة النفسية. هذه عاهات تستفحل تشوهاتهاكلما طال بنا الزمان في المنافي أو عدنا إلى البيوت الخراب. يا لله بقايا الجثث المنسية تزكم الأنوف مثلما كانت روائح الفساد في المدينة المظلومون أهلها. خلال فترة ليس مؤطر أوانها تظل العائلات تحتاج للنوم معا كما هو حال عائلات لازت بحي الرمال في غزة وفق تصوير الزميلة حنان أبو دغيم بحثا عن الدفء أو الموت الجماعي .
*****
قبل العودة -لابد للمرء ان يتفاءل كما قال لينين - علينا الاغتسال من درن الحرب ورمادها.كما علينا التطهر من كوابيس القتل ، النهب والاغتصاب وكل مشتقات العنف الممنهج والعشوائي إن أردنا الانتساب مجدداً إلى العالم المتحضر .قبل ذلك كله ينبغي تمزيق قاموس زمن الحرب المحشو بالغثاثة و الفجاجة حد الانحطاط .فمما يفاقم الأسى عدم تورع الفئة المستنيرة -المفترضة - عن ترديد مفردات الحرب الهابطة. وبعضها يتأصل في البذاءة مثل(البل ، بل بس والبلابسة ) ومنها (جقم والجقم و (الكوز) .كذلك التهليل والتكبير المفرغان من مضامينهما الروحي أذ يرددهما القاتل فوق جثة القتيل البريء والناهب السالب فوق رأس السليب المغدور المجرد. كما نحتاج إلى تنقية قاموس حياتنا اليومي من مفردات الحرب والتدمير من طراز تاتشر ودانة.
*****
في الحرب يدفن الأباء الأبناء كما يقول الشاعر الإسباني الشهير فيديريكو لوركا.لكن مدافع الحرب لا تخرس الابداع .فالشبان أصحاب الاعمال التشكيلية المنجزة في ميدان الاعتصام قادرون على انتاج لوحات مثلما فعل مشاهير من طراز بيكاسو وسلفادور دالي من وحي الحرب . لدينا روائيون وكتاب قصص لديهم قدرات على انتاج سرديات من وحي الأرض الخراب ومعاناة النزوح المعيشة على نحو جماعي وبطولات الثبات في وجه العنصرية المسلحة . عند استرداد منابر الإعلام والتنوير الواقعة تحت طائلة الاسكات القهري يمكن ازاحة قدر من الإحباط الجماعي المفروض تحت الإرهاب المسلح. بالتأكيد سنستعيد تأسيس مكتباتنا المحروقة ودور نشرنا المنهوبة . موعد الخلاص يأتي حتما لأنه حداء ملتقى النور والشرفاء بناة الغد ناشري ثقافة السلام و الحب والخير الجمال.

 

[email protected]  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

الطفولة الآمنة.. ندوة بمجمع إعلام مطروح

عقد مجمع إعلام مطروح اليوم الخميس  ندوة تحت عنوان (تعزيز ثقافة الحماية لدي الأسرة) بمشاركة عدد من الأخصائين النفسيين والاجتماعيين  وعدد من العاملين بالأجهزة التنفيذية بالمحافظة.

وأكدت خلود رفعت مدير مجمع إعلام مطروح أن هذه الندوة تأتي فى إطار  الحملة التوعوية التى أطلقها قطاع الإعلام الداخلى برئاسة دكتور أحمد يحيي  تحت شعار "تعزيز الوعي بالطفولة الآمنة". 
وصرح دكتور فارس عبدالشافي الأستاذ بكلية الآداب جامعة الأسكندرية أنه في إطار جهود الدولة لنشر الوعي حول حماية الأطفال من الاستغلال والتحرش، تأتي حمله الهيئة العامة للاستعلامات  لتعزيز المعرفة داخل الأسرة والمجتمع، وتمكين الأطفال من حماية أنفسهم داخل بيئة آمنة داعمة.
وأوضح عبدالشافي أن تحقيق مفهوم الطفولة الآمنة يكمن في توفير بيئة شاملة للطفل تضمن نموه الصحي نفسياً وجسدياً واجتماعياً وذلك عبر الحماية من جميع أشكال الإيذاء والاستغلال وتوفير الدعم العاطفي والتربوي وتنمية مهاراته وتعزيز ثقته بنفسه.
وأكد كذلك علي أهمية قيام  الأسرة بتوفير البيئة آلامنة لأطفالها  من خلال شرح الفرق بين السلوك الطبيعي وغير الطبيعي للطفل،  وتشجيع التربية القائمة على الحوار والثقة مع إزالة ثقافة الخوف واللوم داخل المنزل والاستماع للطفل دون توبيخ أو استهزاء.

 كما أشار عبد الشافي الي  أهمية دور المدرسة والمجتمع في حماية الطفل من خلال تدريب العاملين مع الأطفال في المدارس والمراكز والنوادي، تثقيف الطفل حول مخاطر مشاركة الصور والمعلومات، والإبلاغ الرسمي لحماية الطفل وفق القوانين المعمول بها و نشر ثقافة الوعي بديلا عن  ثقافة الخوف في المجتمع لخلق بيئة آمنة لتنشئة الأطفال. 
وفي ختام الندوة شدد  عبدالشافي علي  أهمية  دور المؤسسات الصحية والنفسية وأنه دور  لا يقل أهمية عن دور كل من الأسرة والمجتمع والمدرسة في تقديم المشورة والتوعية والدعم للفرد والمجتمع  و في الحد من الآثر النفسي علي الأسرة والطفل.وقد أوصت الندوة بضرور تضافر جهود الأجهزة المعنية في بناء منظومة فعالة لحماية الأطفال من كافه اشكال الاستغلال  مع توفير بيئة أمنة لهم.

طباعة شارك مطروح محافظة مطروح اخبار المحافظات اخبار محافظة مطروح مرسي مطروح

مقالات مشابهة

  • يوم ثقافي فني للطلاب في أبوقرقاص بالمنيا
  • البابا تواضروس يشهد احتفالية «يوم الصحافة والإعلام القبطي»
  • ثقافة البحر الأحمر تحتفي باليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة (صور)
  • "صحح مفاهيمك".. ثقافة القاهرة تنظم لقاءات توعوية متنوعة
  • الطفولة الآمنة.. ندوة بمجمع إعلام مطروح
  • محاضرات ثقافية وورش فنية بثقافة البحر الأحمر
  • جامعة حفر الباطن تحتفي باليوم العالمي للتطوع
  • مني زكي تواكب موضة القفازات في العرض الخاص لفيلم الست
  • لقاءات تثقيفية وتوعوية وقوافل لاكتشاف المواهب
  • قدامى اللاعبين… نجوم الأمس وصُنّاع جيل الغد