أوليفييه دوزون يكتب: مغادرون إجباريًا!.. تراجع سيطرة فرنسا فى أفريقيا يفسر ظاهرة انسحاب البنوك الفرنسية!.. هناك نفوذ متزايد لدول جديدة فى القارة السمراء من بينها مصر
تاريخ النشر: 18th, December 2023 GMT
بعد انفصال بنك كريدي أجريكول عن القارة، ثم بنك BPCE، ثم بنك بي إن بي باريبا، أصبح من المنتظر أن يبدأ بنك سوسيتيه جنرال، البنك الفرنسي صاحب أكبر حضور في القارة، في تقليص حجمه في أفريقيا.
وقد باعت المجموعة للتو أربعة من فروعها الأفريقية. وهي الشركات التابعة بنك سوسيتيه جنرال الكونغو (٩٣.٥٪)، وسوسيتيه جنرال بنوك غينيا الاستوائية (٥٧.
وفي الوقت نفسه، باع البنك بعض فروعها الأصغر حجما، ولا سيما في تشاد وغينيا الاستوائية وموريتانيا.
على أي حال، لا ينبغي لهذه المبيعات أن تحجب الاتجاه الذي لوحظ في السنوات الأخيرة والذي أدى إلى انسحاب البنوك الفرنسية الكبرى من القارة، وهذا هو الحال بالنسبة لشركات كريدي أجريكول، وبي بي سي إي، وبي إن بي باريبا، التي غادرت أو باعت جميع فروعها الأفريقية بشكل دائم. وهو اتجاه بدأ في نهاية التسعينيات، ثم تسارع بعد ذلك.
في الواقع، بدأت مجموعة كريدي أجريكول "فك الارتباط القاري" في نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين من خلال بيع فرعها كريدي دو ماروك إلى المجموعة المغربية هولماركوم.
وبالمثل، أصبح لدى بنك كريدي أجريكول الآن فرع واحد فقط في أفريقيا، وهو فرع مصر. ومن المؤكد أن مجموعة البنك الشعبي وصندوق ديبارني (BPCE) أكدت هذا التطور.
وحذا بنك بي إن بي باريبا، الذي يمكن أن يتباهى بكونه أكبر بنك أوروبي من حيث الأصول، حذو المجموعتين الفرنسيتين. وإذا كان البنك قد بدأ "فك الارتباط" في عام ٢٠١٠ ببيع فرعه الموريتاني، فإنه لم يتردد في بيع القليل من ستة فروع تابعة في جزر القمر والجابون وتونس ومالي وبوركينا فاسو وغينيا كوناكري.
وللعلم، في عام ٢٠٢٢، باع بنك BNP Paribas أيضًا فرعه السنغالي ولديه الآن شركتان تابعتان فقط في ساحل العاج والمغرب. يقول موسى ديوب لـ Afrique le ٣٦٠ إن فرع المجموعة الإيفواري موجود على قائمة الشركات الأفريقية التي سيتم بيعها. وبالتالي، يجب على المجموعة أن تحتفظ فقط بفرعها المغربي، BMCI، كما يشير موسى ديوب.
ولذلك، فإننا سوف نؤكد بسهولة أن النظام المصرفي المغربي هو الذي يستفيد بشكل كبير من "فك الارتباط" إن لم يكن انسحاب البنوك الفرنسية. ومن هذا المنظور، تفسر عوامل عديدة هذه الانفصالات.
وتعتمد "إعادة تركيز" البنوك الفرنسية على أهداف الربحية وتحسين مؤشراتها المالية.
ولكنه أيضًا وقبل كل شيء فقدان النفوذ الاقتصادي الفرنسي في أفريقيا والصعود الملموس لأبطال الأعمال المصرفية الجدد في القارة مثل التجاري وفا بنك، وبنك أفريقيا، والبنك الشعبي، وكوريس بنك، وفرست بنك، ومجموعة ستاندرد بنك، وأبسا. Bank أو Ecobank أو حتى United Bank for Africa وOragroup...
ولا يمكننا إخفاء النفوذ المتزايد لدول جديدة في القارة مثل المغرب وجنوب أفريقيا ونيجيريا أو حتى مصر أيضا ودول أجنبية مثل الصين وتركيا وروسيا أو حتى الهند، على حساب فرنسا في المنطقة الناطقة بالفرنسية في القارة.
وبالتالي، سنكون قد فهمنا، بعد كريدي أجريكول، وبي بي سي إي، وبي إن بي باريبا، أن سوسيتيه جنرال يبيع أصغر فروعه في القارة، وبطبيعة الحال، فإن الانخفاض في حجم البنوك الفرنسية يمكن تفسيره أيضًا بخسارة فرنسا المتزايدة لنفوذها في أفريقيا.
أوليفييه دوزون: مستشار قانونى للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبى والبنك الدولى. من أهم مؤلفاته: «القرصنة البحرية اليوم»، و«ماذا لو كانت أوراسيا تمثل الحدود الجديدة؟» و«الهند تواجه مصيرها».. يتناول فى مقاله، مظهرًا مهمًا من مظاهر مغادرة المؤسسات الفرنسية من عدة دول أفريقية.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: البنوك الفرنسية الكونغو تشاد غينيا الإستوائية موريتانيا کریدی أجریکول فی أفریقیا فی القارة
إقرأ أيضاً:
بعد انسحابات متتالية.. التكتلات الرئيسية بأفريقيا تواجه شبح التفكك
بشكل مُتزايد، بدأت مخاطر تفكّك التكتلات الأفريقية الرئيسية تلوح في الأفق، وسط تحولات كبيرة تشهدها المنطقة، وصراع نفوذ دولي بين العديد من الدول، أبرزها الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وتركيا والصين.
وبعد نحو 50 سنة ظلت خلالها التكتلات الأفريقية الرئيسية وهي: "المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا" (إيكواس) و"المجموعة الاقتصادية لدول وسط أفريقيا" (إيكاس)، رائدة في مجال التكامل الإقليمي؛ باتت هذه التكتلات تواجه خطر التفكك بفعل تضارب المصالح السياسية وصراع النفوذ الدولي.
انسحابات من إيكواس
منذ بداية العام الماضي، عرفت التكتلات الأفريقية الرئيسية، انسحابات متتالية، حيث أعلنت ثلاث دول أفريقية هي: مالي وبوركينافاسو والنيجر، انسحابها من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، وذلك في خطوة فاجأت المتابعين للشأن الأفريقي.
ووجّهت البلدان الثلاثة، عبر بيان مشترك، حينها، اتهامات وصفت بـ"المثيرة" لـ"إيكواس"، قائلة إنّ: "قرار الانسحاب جاء استجابة لتوقعات وتطلعات شعوبها"، معتبرة في الوقت نفسه أنّ: "المنظمة حادت عن المثُل العليا لآبائها المؤسسين وروح الوحدة الأفريقية".
وشدّدت هذه الدول على أن المجموعة لم تساعدها في حربها ضد الإرهاب؛ و"عندما أرادت البلدان المعنية اتخاذ خطوات بشأن مكافحة الإرهاب، تعرّضت لعقوبات لا يمكن تصورها، وغير قانونية".
وعلى مدى الأشهر الأخيرة فشلت الجهود الأفريقية في إقناع الدول الثلاثة بالعدول عن قرار انسحابها من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس". فيما توترت علاقات مالي والنيجر وبوركينا فاسو مع "إيكواس" على خلفية الانقلابات العسكرية التي عرفتها هذه الدول، وفرض المنظمة الإقليمية عقوبات اقتصادية عليها وصفت بـ"المجحفة".
وعلى إثر العقوبات واتهام البلدان الثلاثة المنظمة بأنها "تأتمر بأوامر فرنسا"، أعلن قادة هذه الدول الانسحاب جماعيا من "إيكواس"، حيث دخل القرار رسميا حيز التنفيذ أواخر كانون الثاني/ يناير 2025.
ما هي "إيكواس"؟
تأسّست المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) سنة عام 1975 بهدف تعزيز التنمية الاقتصادية بين أعضائها. وتضم 15 دولة أفريقية هي: غامبيا وغينيا وغينيا بيساو وليبيريا ومالي والسنغال وسيراليون وبنين وبوركينا فاسو وغانا وساحل العاج والنيجر ونيجيريا وتوغو والرأس الأخضر.
ويبلغ مجموع سكان دول المجموعة 350 مليون نسمة، فيما تبلغ مساحتها الإجمالية 5 ملايين كيلومتر مربع، أي 17 في المئة من إجمالي مساحة قارة أفريقيا.
تفكك مجموعة الساحل "G5"
قبل انسحابها من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس" انسحبت بوركينا فاسو والنيجر ومالي، من مجموعة الساحل الأفريقي "G5"، ليكون ذلك بمثابة نهاية هذه المجموعة الإقليمية عمليا، التي تأسّست 2014 في نواكشوط، بهدف مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية بمنطقة الساحل الأفريقي.
وبرّرت البلدان الثلاثة انسحابها من "G5" بالقول إنّ: "المجموعة لم تحقق أهدافها بعد مرور حوالي 9 سنوات على تأسيسها".
وبعد أيام من انسحاب بوركينا فاسو والنيجر ومالي، أعلنت موريتانيا، رسميا، أنّ: "المجموعة لم تعد موجودة على النحو الذي كانت عليه، بعد انسحاب ثلاث من دولها".
الانسحابات تطال "إيكاس"
كان أحدث مؤشرات تفكك التكتلات الأفريقية الرئيسية، هو: إعلان رواندا، قبل أيام انسحابها من "المجموعة الاقتصادية لدول وسط إفريقيا" (إيكاس).
وجاء إعلان رواندا الانسحاب من (إيكاس) على وقع توتر دبلوماسي بالمنطقة بسبب هجوم شنّه متمردو حركة (إم23) المدعومون من رواندا قبل أشهر في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية. فيما برّرت رواندا، انسحابها، بالقول إنّ: "سببه هو منعها من تولي رئاسة التكتل، متهمة كينشاسا بعرقلة توليها رئاسة المجموعة".
وندّدت رواندا، في بيان، بما وصفته بـ"استغلال" الكونغو للتكتل، ورأت أنه "لا يوجد سبب مقبول للبقاء في منظمة يتعارض عملها حاليًا مع مبادئها التأسيسية".
إلى ذلك، يأتي انسحاب رواندا من "إيكاس" في وقت قدم فيه الوسيط القطري، مقترحا، لإحياء مفاوضات السلام بشرق الكونغو، ما جعل متابعين للشأن الأفريقي يعتقدون أن المفاوضات ستواجه صعوبات بفعل التطورات الجديدة.
وتتّهم الكونغو الديمقراطية، رواندا، بدعم "حركة 23 مارس" (M23) ومحاولة احتلال أراضيها الغنية بالمعادن مثل: الذهب وغيره.
وتقول كينشاسا (عاصمة الكونغو) إنّ: رواندا تسعى إلى نهب مواردها الطبيعية، لكن الأخيرة تنفي وتتحدث عن التهديد الذي تشكّله الجماعات المسلحة المعادية لها في شرق جمهورية الكونغو، خصوصا تلك التي أنشأها زعماء من الهوتو، وتعتبرهم مسؤولين عن الإبادة الجماعية للتوتسي في رواندا عام 1994.
وتعد منطقة شرق الكونغو ساحة صراع تتداخل فيها عوامل داخلية وإقليمية، وتنتشر فيها جماعات متمردة ومليشيات محلية تسعى للسيطرة على الموارد الطبيعية، خاصة المعادن.
ماهي "إيكاس"؟
تأسّست عام 1983، وتضم 11 دولة من وسط أفريقيا، هي: أنغولا وبوروندي والكاميرون وغينيا الاستوائية وجمهورية أفريقيا الوسطى والكونغو والغابون وجمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا و"ساو تومي وبرينسيبي" وتشاد.
وحسب إحصائيات رسمية بلغ مجموع عدد سكان أعضاء مجموعة إيكاس 200 مليون نسمة سنة 2020 ويقدر الاحتياطي النفطي المؤكد للدول الأعضاء في "إيكاس" بـ31.3 مليار برميل.
وتضم المجموعة هيئة تسمى "مجلس السلام والأمن في وسط أفريقيا" (كوباكس)، لتعزيز قدرات الدول الأعضاء والمشاركة في القوات متعددة الجنسيات. وتقول المنظمة إنها: "تهدف إلى التكامل الاقتصادي والمالي، والتكامل الاجتماعي والتنمية البشرية".
مخاطر كبيرة
يرى المحلل السياسي المتابع للشأن الأفريقي، أحمد محمد فال، أنّ: "تزايد الانسحابات من هذه التكتلات خلال الفترة الأخيرة، ينذر بخطر كبير يهدد هذه الهيئات الرائدة في مجال التكامل الإقليمي بأفريقيا".
وأشار فال في تصريح لـ"عربي21" إلى أنّ: "المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، و"المجموعة الاقتصادية لدول وسط إفريقيا" قد تواجه مصير مجموعة دول الساحل الأفريقي، التي تفككت رسميا بعد انسحاب ثلاث من أعضائها".
ولفت إلى أنّ: "الصراع الدولي على المنطقة قد ساهم بشكل كبير، في التصدع الحاصل في التكتلات الأفريقية"، مضيفا أنّ: "الدعم الكبير الذي تتلقاه بعض الدول الأفريقية من روسيا بما في ذلك الدعم العسكري، شجّعها على الانسحاب من هذه التكتلات، في ظل التحديات الداخلية".
وأوضح أنّ: "هذه التكتلات كان لها دور كبير في تنسيق السياسات الاقتصادية وتشجيع حركة التنقل بين مختلف بلدان القارة الأفريقية"، مردفا أنّ: "بلدانا مثل نيجيريا والسنغال ستعمل بقوة من أجل المحافظات على هذه التكتلات".
صراع نفوذ دولي
تشهد أفريقيا حاليا صراع نفوذ محتدم، حيث تزايد الحضور الروسي بشكل كبير، خصوصا بغرب القارة، بعد أن تدخلت موسكو لحماية ودعم عدد من القادة العسكريين الممسكين بالسلطة في دول أفريقية، ما مكنها من تعزيز نفوذها بالمنطقة.
في المقابل، كثّفت الولايات المتحدة الأمريكية من حضورها وبدأت الاستعداد لإنشاء قاعدة للطيران المسير في ساحل العاج، بهدف مراقبة أجواء القارة السمراء، فيما تراجع النفوذ الفرنسي بشكل متسارع في أفريقيا، ودخل لاعبون جدد، بينهم تركيا والصين وإيران.