من رحم المعاناة يولد الأمل.. قصة رواندا من المجاعة إلى التنمية والريادة
تاريخ النشر: 20th, December 2023 GMT
في دولة صغيرة أنهكتها الحرب والمذابح تسمى رواندا، تقودك البوصلة إلى قصة نجاح ونموذج معجزة اقتصادية تصل بك إلى مرحلة الانبهار وتتوق النفس إلى محاكاتها والحديث عنها، الدولة التي غرقت لسنوات في مستنقع الحرب التي أتت على كل شيء، لم تلبث أن نفضت غبارها ونهضت من تحت ركامها، واستلهمت طريق الكبار لتحقق الإنجاز في غضون سنوات.
يعود النزاع في رواندا إلى الستينيات من القرن الماضي، إذ تركت سياسات وممارسات الاستعمار الأجنبي تأثيرًا كبيرًا على المجتمع والسلم الأهلي الرواندي. حيث أدت السياسات الاستعمارية إلى انقسامات عميقة منذ ذلك الحين بين أقلية (التوتسي) الذين يمثلون حوالي 10 %، وأغلبية (الهوتو) الذين يمثلون حوالي 85 % من مجمل سكان البلاد إذ عمد الاستعمار البلجيكي إلى تفضيل ومحاباة الأقلية، على حساب الأغلبية، في كل مناحي الحياة تقريبًا؛ فكانت أغلب مجالات التعليم والمناصب السياسية والرسمية والحكومية والمناصب الإدارية، وما إلى ذلك، حكرًا على أقلية التوتسي؛ وقد زاد هذا الأمر من شعور الهوتو بالظلم والتعسف، وأدى في الوقت نفسه إلى حدوث تعطش للسلطة، بين أغلبية الهوتو الذين اغتنموا الفرصة عند جلاء الاستعمار لتحويل واقع فظ سِمَتُهُ ممارسات الإقصاء والتمييز ضدهم، إلى ممارسات انتقام وعنف تجاه أقلية التوتسي، عند أول فرصة لاحت لهم في الأفق.
وبين عامي 1993 و1995 وقعت رواندا فريسة لحرب أهلية بين الأغلبية من عرقية الهوتو التي تشكل أكثر من 80% من السكان وقبائل التوتسي التي تشكل النسبة الباقية وكانت الغلبة بداية الحرب للأغلبية، لكن بول كاغامي الاسم الذي سيحفظه التاريخ نظم صفوف الجبهة الوطنية خارج البلاد، ونفذ حربا انتقامية واستطاع أن يحتل العاصمة كيغالي عام 1995.
واقترب عدد ضحايا مذابح الإبادة من مليون قتيل من عدد السكان البالغ آنذاك نحو 11 مليونا، واضطر أكثر من مليونين من الهوتو إلى الهرب من شبح الانتقام إلى الكونغو المجاورة، وفي الداخل ازدحمت السجون بأكثر من 120 ألفا من المتهمين بارتكاب جرائم الإبادة وبعد تلك الحرب تمكنت الجبهة الوطنية من السيطرة على البلاد، وعُين كاغامي نائبا للرئيس بيزي مونجو، لكن البلاد غرقت في الفوضى في السنوات الخمس التي تلت الحرب، وفشلت الحكومة في إيجاد حل وعاشت البلاد أسوأ فتراتها على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وبدا الأفق ضيقا أمام مونجو وحكومته، فتنازل عن منصبه إلى نائبه كاغامي عام 2000.
توحيد الشعبوبعد تولي كاغامي السلطة، حدد هدفين واضحين: أولهما توحيد الشعب، والثاني انتزاع البلاد من الفقر. وشرع الرئيس في خطة من عدة محاور، في مقدمتها تحقيق المصالحة المجتمعية، وإنجاز دستور جديد حظر استخدام مسميات الهوتو والتوتسي، وجرم استخدام أي خطاب عرقي ، ونجحت خطط الحكومة المتنوعة في تحقيق المصالحة بين أفراد المجتمع، وعاد اللاجئون إلى بلادهم، ونظمت محاكم محلية لإعادة الحقوق وإزالة المظالم.
ومع التقدم في الملفات الاجتماعية، وجهت الحكومة طاقتها للتنمية وتطوير الاقتصاد، وقدم الخبراء والمختصون دراسات تحولت للرؤية الاقتصادية، وتشمل 44 هدفا في مجالات مختلفة ، وتمكنت هذه الأهداف من تحقيق المعجزة، وارتفع متوسط دخل الفرد عام 2015 إلى ثلاثين ضعفا عما كان عليه قبل عشرين عاما.
الإستفادة من تجارب الآخرينالخبير الاقتصادي الرواندي كليت نييكزا لا يرى في الأمر أية معجزة، ويقول “لكي تنشئ دولة ناجحة، لا تحتاج إلى إعادة اختراع العجلة، وإنما يكفي أن تستفيد من تجارب الآخرين” فعلى هذا الصعيد تحديدا أوفدت الحكومة عددا كبيرا من اللجان إلى دول أخرى للاستفادة من تجاربها وأنه إذا استطعت أن تجعل المطار خاليا من الفساد والرشوة، وخدمة الإنترنت في البلاد سريعة، وإجراءات الاستثمار بسيطة، والشباب يتحدثون الإنجليزية، فإنك ستحصل على دولة فعالة، وسوف تجذب الشركات والمستثمرين من كل العالم.
وابتكرت الحكومة نظام “الشباك الواحد” للاستثمار، فبينما يحتاج المستثمر في دول كثيرة إلى أسابيع أو شهور لكي يحصل على ترخيص للاستثمار، كانت القصة هنا مختلفة، إذ يمكن للمستثمر أن يقوم بجميع الإجراءات القانونية في مكان واحد، ويمكن إنشاء شركة في يوم واحد أو بضع ساعات فقط.
أسرع معدلات النمو في أفريقيابات اقتصاد البلاد الأسرع نمواً في أفريقيا خلال السنوات الأخيرة. وخلال الفترة بين عامي 2000 و2015، حقق اقتصادها نموا في ناتجه المحلي بمعدل 9% سنويا، وأصبحت واحدة من أهم وجهات المستثمرين والسياح بالعالم وتراجع معدل الفقر من 60% إلى 39%، ونسبة الأمية من 50% إلى 25%، وبحسب تقارير أفريقية فإن رواندا شهدت التطور الاقتصادي الأكبر على مستوى العالم منذ 2005، وارتفعت قيمة الناتج الإجمالي المحلي إلى نحو 8.5 مليارات دولار العام 2016 بينما كان نحو 2.6 مليار عام 2005.
وأصبحت الدولة الوجهة السياحية الأولى وسط أفريقيا، وتعتبر العاصمة كيغالي من أكثر المدن آمنا على مستوى القارة، وتحتل مكانة متميزة بوصفها واحدة من أنظف المدن الأفريقية وأجملها، وقد بلغت إيرادات السياحة أكثر من أربعمئة مليون دولار عام 2016
السياحة في روانداساعد الأستقرار وإنتهاء الحروب الداخلية في رواندا والترويج لمجال السياحة جعلها مقصدًا لمحبي المناظر الطبيعية وتعد دولة رواندا واحدة من أهم الوجهات السياحية لمشاهدة الأدغال الأفريقية والحيوانات الأفريقية الجميلة مثل فصيلة الغوريلا الجبلية النادرة إضافة إلى وجود الغابات المطيرة والجبال والوديان والحياة البرية والبحيرات والهواء النقي ، كما يمكن التنزه في الحدائق والشواطئ الموجودة هناك والإستمتاع بالمناظر الطبيعية الخلابة ، كذلك يستطيع الشخص الإستمتاع برحلات السفاري الرائعة والتي يتعرف من خلالها على الأسود الأفريقية والظباء والفهود والزرافات والفيلة وغيرها من الحيوانات البرية التي تنتشر في الدول الأفريقية.
قمر اصطناعيوتتويجا لمسيرة الإنجاز، أطلقت رواندا أول قمر اصطناعي خاص بها للاتصالات في فبراير2019 من مركز كوروا للفضاء بغويانا الفرنسية، في إطار تطوير النظام التعليمي، إذ تمكنت البلاد خلال فترة زمنية قصيرة من خفض نسب الأمية لتصبح من أقل دول القارة أمية.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: رواندا اقتصادية الحرب الاهلية توحيد الشعب قمر اصطناعي فی رواندا أکثر من
إقرأ أيضاً:
وزير إسرائيلي: مهاجمة الحكومة للجيش تضعفه وتقلّل فرص نجاح الحرب على غزة
في الوقت الذي تتواصل فيه الصراعات الداخلية بدولة الاحتلال، ما يُهدد سير العدوان على غزة، فإن الشكاوى ضد جيش الاحتلال تستمر، ممّا ينذر بعدم تحقيق النتائج المرجوة، في ظل حكومة يمينية تُضعف تحقيق فرص النصر المزعوم.
وقال وزير القضاء الأسبق، دانيال فريدمان، إنّ "وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، الذي هاجم رئيس هيئة الأركان إيال زامير، يفتقر للثقافة السياسية مع شخص كرّس عقودًا من حياته للخدمة في أدوار قتالية في الجيش".
وتابع في مقال نشرته صحيفة "معاريف" العبرية، وترجمته "عربي21": "مهاجة سموتريتش لزامير تكشف عن انفصاله عن الواقع، وليس لديه السلطة السياسية للقيام باستبداله، كما هدّده بذلك، بل يفتقر لأي منطق في حديثه هذا".
استبدال نتنياهو
أضاف فريدمان بأن: "هجوم سموتريتش على زامير يُغفل عوامل خارجة عن سيطرته تمنع تحقيق "النصر المزعوم" في غزة، فحماس ليس لها أعداء في الساحة الداخلية، حكمها في غزة مطلق، ولديها شبكة طويلة من الأنفاق، وهي مسألة مؤلمة تُثقل كاهل إدارة الحرب، وطوال الحرب الطويلة، لم يسع نتنياهو لتشكيل حكومة تُنافس حماس، وهكذا، ظلّت الحركة الحاكم الوحيد في القطاع".
وأشار إلى أنّ: "الصعوبات في غزة تفاقمت على الاحتلال، بسبب إدارة نتنياهو للحرب، المسؤول الأول عن السابع من أكتوبر، والأقل ملاءمة لإدارة الحرب، ودعونا نتذكر ما حدث في دول أخرى، في إنجلترا على سبيل المثال، حين وقّع رئيس الوزراء نيفيل تشامبرلين، اتفاقية ميونيخ مع ألمانيا، التي عززت هتلر، وسلّمته تشيكوسلوفاكيا".
"كانت خطوة على طريق الحرب العالمية الثانية، وبعد اندلاعها، تم استبداله، في عملية داخل الحزب دون انتخابات عامة، وعُيّن ونستون تشرشل مكانه، وتم تشكيل حكومة وحدة وطنية" وفقا لفريدمان.
وأوضح أنه: "لو بقي تشامبرلين في منصبه، فمن المشكوك فيه ان تكون إنجلترا نجت من الحرب، هذا ما كان يجب أن يحدث بدولة الاحتلال، لو ظلّ الليكود عمودًا فقريًا، وعمل بشكل صحيح، وعمل على استبدال زعيمه، وتشكيل حكومة وحدة وطنية تدير الحرب، ولهذا، لم تكن هناك حاجة للانتخابات".
وأردف: "لكن عدم حدوث ذلك يُظهر ضعف النظام السياسي الإسرائيلي، الذي دخل في حربٍ عصيبة مع قائدٍ لا يحظى بثقة الجمهور، لأنه لو أُجريت انتخاباتٌ قرب السابع من أكتوبر، لكان الليكود بقيادة نتنياهو تجاوز العتبة الانتخابية بفارقٍ ضئيل".
أكتوبر
أكد أنه "كما حدث في إنجلترا في عهد تشامبرلين، فقد شهد الاحتلال استبدال الحكومة بإجراءاتٍ حزبيةٍ داخلية عقب حرب 1973، بحيث انتهت الحرب الصعبة على الجبهة المصرية في غضون ثلاثة أسابيع تقريبًا، على عكس الحرب الحالية التي لا تزال بلا نهاية في الأفق".
ومضى بالقول إنه: "نتيجةً لهذا الفشل الذريع، اضطرت رئيسة الوزراء، غولدا مائير للاستقالة، تحت ضغط شعبي، ومن خلال عملية داخلية للحزب، ودون انتخابات عامة، وأُجريت الانتخابات بعد الحرب، فاستقالت غولدا في أبريل 1974، وانتُخب زعيم جديد مكانها هو إسحاق رابين".
وأكد أنّ: "عجز الليكود، بعد السابع من أكتوبر، عن القيام بخطوة مماثلة، يشير لضعف النظام السياسي الإسرائيلي مقارنةً بوضعه آنذاك، والنتيجة أن نتنياهو يُدير الحرب، وله مصلحة واضحة بإطالتها قدر الإمكان، للحفاظ على حكمه، والنأي بنفسه عن أحداث السابع من أكتوبر".
"بذلك، وجد نفسه في صراع مصالح حاد بين مصلحته الشخصية في إطالة أمد الحرب، ومصلحة الدولة في خوض حرب في أقصر وقت ممكن" أكد فريدمان خلال المقال نفسه.
وأضاف: "نتنياهو كان لديه عدد من الشخصيات في الجيش والمؤسسة الأمنية المسؤولة عن السابع من أكتوبر بجانبه، وكان من الضروري استبدال بعضهم على الأقل في أسرع وقت ممكن، ومن بين أمور أخرى، تعيين رئيس أركان جديد ورئيس جديد لجهاز الأمن العام (الشاباك)".
واسترسل: "لكن حكومة جديدة فقط هي القادرة على القيام بذلك، لأن نتنياهو وحكومته فقدت كل شرعية شعبية، ولم تتمكن من تفسير سبب الحاجة لاستبدال رئيسي الأركان والشاباك، مع بقاء رئيس الوزراء في منصبه".
لجنة التحقيق
أكد أنّ: "عذر نتنياهو في التهرب من تحمل المسؤولية، ضرورة انتظار لجنة تحقيق، ومن المشكوك للغاية أنه كان ينوي تشكيلها، والنتيجة أنه لم يتم إجراء التغييرات اللازمة، وشُنّت الحرب بالكامل من قبل المسؤولين عن السابع من أكتوبر، حتى باتت الحكومة اليوم في مواجهة الجيش".
واستدرك: "لا عجب أن نتائج حرب غزة غير مُرضية، ولذلك نشهد موجة من الهجمات من أنصار نتنياهو على الجيش، خاصةً على من ترأسه حتى وقت قريب، رئيس الأركان هرتسي هاليفي، لكن هذا ارتدّ على نتنياهو".
وذكر أنّه: "إذا فشل رئيس الأركان فعلاً في إدارة الحرب، فلماذا لم يُعيّن رئيس الوزراء بديلاً له، أليس هذا فشلاً ذريعاً آخر له، فيما يشنّ صراعا جديدا ضد رئيس الشاباك، رونين بار، بدعوى فشله في منع السابع من أكتوبر، التي وقعت قبل أكثر من عام ونصف".
وأكد أنه "في الوقت نفسه، يُطلق أنصاره دعايةً مُضادة لسلسلة من أنشطة الشاباك، بما فيها الاعتقالات الإدارية ضد المتطرفين اليهود، ورفض تعيين لجنة تحقيق رسمية، وإنكار شرعيّتها، والآن، فُتحت جبهة جديدة ضد زامير، الذي عيّنته الحكومة مؤخرًا، وبالتالي فإن الحكومة تخوض صراعًا ضد مؤسسات الدولة بزعم أنها فاسدة تمامًا".
واختتم فريدمان المقال بالقول إنّ: "الوقت، عنصر محوري في إدارة الحرب، لأن تكاليفها في غضون أسابيع قليلة تختلف إن استمرت لعام ونصف، لذا، من الواضح أن الصراع الذي تخوضه الحكومة ضد القيادة العسكرية والأمنية يُضعف فرص نجاح الحرب".
واستطرد: "مع أنها مسؤولة عن عوامل إضافية أضرت بالاحتلال، وفاقمت وضعه، بما في ذلك اختيار استراتيجية أدت لإطالة أمد الحرب، ومنع تشكيل حكومة بديلة لحماس، وليس من المستغرب أن تظهر استطلاعات الرأي أن غالبية الجمهور تعتقد أن اعتبارات نتنياهو في إدارة الحرب حزبية أكثر منها جوهرية".