انتبهوا إلى الفنان محمود زعيتر.. «والله احنا غلابة.. والله نحن نحب الحياة»
تاريخ النشر: 20th, December 2023 GMT
لم أعرفه من قبل، عرّفتني عليه حرب غزة ودماء أطفالها، بحثت عنه على اليوتيوب، في منتصف يأسي وخوفي ودمار غزة رأيت له فيديو قصيرا، يمشي فيه مع كاميرته وابتسامته تمشي معه ومع أطفال، يتحدث عن الحب والحياة، والأيام الجميلة القادمة والصبر، سحرني هذا الفنان الكوميدي الغزّي محمود زعيتر، وأجبرني على التوقف عن زيارة طبيبي النفسي وتناول المهدئات، قلت لطبيبي الذي هو صديقي: لن أحتاجك؛ فقد اكتشفت دوائي عند محمود زعيتر، من هو محمود زعيتر؟ أطبيب آخر؟ هل قصّرت في حقك يا صديق؟ ضحكتُ طويلا وأنا أحكي له عن محمود، «يعني هيك محمود راح يقطع رزقي»، قال صديقي مازحا ثم انضم إليّ في حب محمود ومتابعة قصصه المصورة مع الأمل والحب والبسكوت والضحك، وأعلنها عالية وعميقة: قصص محمود دوائي أنا أيضا.
بعد كل مجزرة في غزة، أسرع إلى ابتسامة محمود، وقبل كل مجزرة أحصّن نفسي بقصص محمود، يحتاج الفلسطيني إلى جانب آخر من الحرب، جانب يعيشه بكل ما فيه من قلب وعقل، أن تقرأ الواقع الفظيع بعيون متفائلة ليس بالأمر السهل، فقرب جثة كل طفل شهيد من غزة تدور مناحة أم أو جثتها، هذا يغلق الدائرة تماما، هذا يشوش الحياة بغمامة من ظلام قاتل، ويعطي الفلسطيني إحساسا قياميا، يقود إلى استسلام كامل وهزيمة الإرادة، وحده الفنان بقدراته وموهبته وحس الحياة الفادح داخله من ينتزع (وهذا ليس كلاما إنشائيا) الحياة من أنياب مذبحة، لا تكفي قصائد الشعراء ولا قصص الساردين المكتوبة، في جلب الإحساس بالحياة في هذه المذبحة المستمرة، نحتاج إلى صور وقصص مصوّرة وكاميرا فنان ذكي ومثقف ومحبوب ليأخذ الأطفال المصدومين المرعوبين إلى إحساس آخر غير الإحساس القيامي الذي يحاول المحتلون تعزيزه في الناس كافة تمهيدا لهزيمتهم وشل روح الإرادة والصمود داخلهم.
يخرج محمود من بيته، تمشي خلفه دعوات أمه التي يحبها، حاملا كيسا وكاميرا وحبا كبيرا لغزة وثقة بحقها في الحياة، يتجوّل محمود في الشوارع والأزقة، يستوقف العشرات، بطريقته المرحة حاضنا إياهم، ومتحدثا معهم بلطف وعفوية، وساخرا معهم من كل شيء، يتدفق الأطفال على محمود، من كل الأزقة: «هاي حمود زعيتر، هاي محمود زعيتر»، يتصايحون، فيسمع أطفال آخرون الصوت، وتُسمع أصوات أبواب بيوت تصفق بقوة، يسيل أطفال غزة على ابتسامة الفنان الدمث، ويعانقونه، فيُخرج على الفور من الكيس بسكويتا لذيذا، ويبدأ بتوزيعه على الأطفال الفرحين، ينتشر الجمال في المكان، الجمال المكون من أصوات أطفال وضحكة فنان وإطلالات أمهات من الشرفات راضيات بخوف عن المشهد، المشهد الذي من المحتمل أن تقصفه بعد قليل طائرة لا تحب البسكوت ولا تطيق فرح الأطفال.
وفي مشوار حب وحياة آخر يفاجئ محمود الناس في الشوارع بإبريق قهوة حقيقية، يصب للمارة، فيسألونه: «اوع اتكون زي قهوة زي هاي اللي بنشربها في الحرب»، فيصب لهم فنجانا بلاستيكيا ويقول لهم: «طب جرّب بس». فيجربون، فنرى عيونهم وهي تغمض لثوان نشوة من استرجاعهم طعم القهوة الحقيقية، وفي تجوال آخر، يصوّر الفنان الجميل لقاء مرحا مع عجوز فلسطينية يحكي فيه عن الحل الذي وجده أهل غزة في صراع البقاء والاختراع مع قصة الطحين، تجلس العجوز أمام جاروشة، (حجر الرحى) وتبدأ تشرح عن مراحل طحن الطحين، تنظيف القمح باليد ثم طحن مرحلة أولى ثم ثانية ويبدأ الطحين في الظهور دقيقا ناعما، وهكذا يخبز الغزّيون الطحين على نار المواقد. ويظهر الفنان في فيديو جديد وهو يحكي عن قبضة مكسرات في يده ملفوفة بقطعة قماش، اشتراها بمبلغ ضخم، ويبدأ الناس ممازحته: «كل يوم لازم توكل لوزة وحدة، يا محمود»، فيضحك محمود والناس المجتمعون، وتضحك الدنيا في غزة، ويبدأ في توزيع حبات اللوز والجوز والفستق على الناس، وتسمع بالقرب منهم أصوات انفجارات، ونضحك طويلا ونحن نرى محمود يعرض على أصحاب العربات تبديل سيارته بعربة خيول يستخدمها أهل غزة الآن للتنقل ونقل الأغراض والجرحى وحتى الشهداء في ظل انعدام البنزين وصعوبة وصول سيارات الإسعاف وانعدام سيارات الأجرة، يرفض الناس العرض وهم يضحكون: «أنت مجنون؟ شو بدي بالسيارة؟ والله لو جبتلي طيارة ما ببدل»، وفي فيديو مؤثر جدا، يفاجئنا الفنان بلقاء في مدينة دير البلح مع فنانين غزّيين شباب وهم أعضاء فرقة غنائية شهيرة في غزة هي (صول باند)، يتجمع الأطفال من كل مكان، فيغني العالم كله مع الفنانين والأطفال ومحمود فوق أنقاض البيوت المهدمة: «أرض المجد وأرض العزة بلدي الغالية الحلوة غزة، بلدي غزة يا غزة، بلدي غزة يا غزة، أرض المجد وأرض العزة، غزة فجري وشروقي منها بستلهم شوقي، لتراب القدس الغالي هو نبضي وعروقي».
وفي فيديو مفاجئ، صوّره الفنان مع نفسه ليلا في بيته يحكي لنا بصوت خفيض وملامح متعبة عن أهل غزة البسطاء الغلابة الذين لا يستحقون كل هذا الدمار، شعرت مع صديقي طبيبي النفسي أن محمود كان حزينا بعض الشيء، لكن المفاجأة المؤلمة كانت ظهور محمود وهو يبكي، مع أشخاص آخرين أمام جثث ملفوفة بأكفان بيضاء، ونستنتج من الفيديو الصامت الذي صوّره شخص آخر أن أبناء عم محمود استشهدوا في قصف على بيتهم، غابت ضحكات محمود وجولاته المرحة وسخريته التي كانت تحررنا وتطمئننا، قال لي صديقي الطبيب: «اسمع زياد، محمود بشر مثلنا، يبكي ويفرح ويحب ويخاف، هذا طبيعي، لماذا نطلب منه أن يستمر في طمأنتنا؟»، الألم هناك فظيع ولا يمكن تحمّله، وافقت صديقي على رأيه، وانتظرنا الفيديو الأخير من محمود الذي جاء كالصاعقة: (يا رب كل الحاجات اللي بنحبها بتتأذى، قديش حبينا غزة وقديش غزة تعبانة ومجروحة، قديش بحب أمي وهي عمودي الفقري هيها تعبانة بالمشفى، ما فقدنا الثقة فيك يا رب، ادعوا لغزة ولأمي، عندي أمين تنتين، والتنتين تعبانين، ما فقدنا الثقة فيك يا رب، دعواتكو، لأمي ولغزة). كان محمود يبكي وهو يطلب من متابعيه الدعوة لشفاء أمه وغزة.
حطمنا هذا الفيديو الأخير، وعدت مع صديقي الطبيب لتناول المهدئات بعد أن غاب سيد فرح غزة، كل الحب والحياة لأمك ولغزة ولفلسطين يا محمود.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
فى ذكرى ميلاد رفعت الجمال.. قصة خلاف الزعيم والساحر لتقديم مسلسل رافت الهجان
تحل اليوم ذكرى ميلاد رفعت الجمال او رافت الهجان العميل الذى سافر الى اسرائيل وقد حرصت الدراما المصرية على أن تقدم سيرته الذاتية فى عمل فني يحمل اسمه.
ويظل مسلسل رأفت الهجان، أحد أهم الأعمال التي تركت علامة واضحة في الأعمال الوطنية ، مثلما كان عملا ضخما كان أيضا مليئا بالكواليس والأسرار.
وفي هذه السطور نرصد أبرز ما قاله محمود عبد العزيز عن هذا العمل، الذى كان سيقدمه بدلا منه عادل إمام.
خرجت العديد من التفاصيل بشأن وجود خلاف بين الفنان محمود عبد العزيز والفنان عادل إمام ، حيث تردد أن العمل سببا رئيسيا فى خلاف كل من محمود عبد العزيز وعادل إمام.
وتضاربت الآراء حول بطل العمل، حيث هناك روايتين، الأولى أن العمل عرض على عادل إمام الذى اعترض على بعض تفاصيل العمل ، ولم يخضع لها المخرج يحيى العلمى مما دفع الزعيم للاعتذار وعليه تم اسناد الدور إلى الفنان محمود عبد العزيز الذى قدمه بحرفية شديدة ونجاحه اغضب عادل إمام.
روايتينأما الرواية الثانية، وهى أن كان محمود عبد العزيز المرشح الأول للدور ، وبالفعل جلس مع المخرج يحيى العلمى إلا أنه فوجئ بقرار من صناع المسلسل باستبعاده من العمل، على أن يقوم بتقديم فوازير رمضان، وهو الأمر الذى دفعه للسفر إلى السعودية ، وتم إسناد العمل إلى عادل إمام ولكن بعد الخلاف عاد يحيى العلمى إلى بطله الأول محمود عبد العزيز.
رواية محمود عبد العزيزوالرواية المؤكدة ، رواها الفنان الراحل محمود عبد العزيز مع الإعلامي عماد الدين أديب فى عام 1998 حيث قال : إن حلقات المسلسل كانت معروضة عليه فى البداية ، ولكن بعد فترة فوجئ باتصال من المؤلف وحيد حامد الذى أبلغه بتقديمه فوازير، وعندما سأل على رأفت الهجان كانت الإجابة بأن عادل إمام سيقوم بالدور.
وأكمل محمود عبد العزيز حديثه قائلا: قررت بعد ذلك السفر الى السعودية لأداء العمرة والصدفة وحدها قادتني إلى لقاء الرئيس مبارك، ورويت له ما حدث ليؤكد أننى من سأقوم بالدور وبعد عودتي وجدت اتصالا هاتفيا من المخابرات لتخبرني بعودتي مرة أخرى إلى العمل.
وأكد على هذه الرواية الفنان أحمد شاكر عبد اللطيف، الذى كان مقربا من الفنان الراحل محمود عبد العزيز ، وهو ما رواه أيضا فى برنامج “الستات ما يعرفوش يكذبوا”، حيث كان وقتها أحد جيران الفنان الراحل.