بحضور لافروف وغياب الجزائر.. وزير الخارجية بوريطة يوجه رسائل صريحة وواضحة إلى روسيا
تاريخ النشر: 21st, December 2023 GMT
انطلقت، اليوم الأربعاء بمراكش، أشغال الدورة السادسة لمنتدى التعاون العربي الروسي.
ويرأس هذا الاجتماع، ذو الطابع الإقليمي على مستوى وزراء الخارجية، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة.
ويحضر هذا الاجتماع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف والأمين العام المساعد للجامعة العربية حسام زكي، والوفود الوزارية للدول العربية المشاركة، باستثناء الجزائر.
ودعا بوريطة إلى الرقي بمنتدى التعاون العربي - الروسي إلى مستوى حوار استراتيجي فعلي وفاعل.
وقال بوريطة في كلمة افتتاحية خلال ترؤسه أشغال الدورة السادسة لمنتدى الحوار العربي - الروسي، "إننا نصبو إلى الرقي بهذا المنتدى إلى مستوى حوار استراتيجي عربي-روسي فعلي وفاعل، يكون فضاءا حقيقيا للتنسيق، ولشراكة بناءة وعملية ومثمرة، تخدم بشكل متوازن مصالح الطرفين وتساهم في أمن واستقرار منطقتنا العربية".
وأضاف أن هذه الشراكة يتعين أن تبنى على الاحترام المتبادل وتعلو بالمسؤولية المشتركة، " شراكة تتفرد في مضمونها وتبقى منفتحة في حكامتها ويكون التضامن عنوانها والوفاء بالالتزامات مبدأها " .
كما أن هذه الشراكة، يؤكد الوزير، ينبغي أن توازن بين الحرص على المصالح السياسية والاقتصادية من جهة وواقع الشركاء وبإمكاناتهم وتطلعاتهم من جهة أخرى.
وفي هذا الصدد أعرب بوريطة عن تطلعه إلى تفكير جماعي لرسم خارطة طريق لشراكة ناجحة وفاعلة تأخذ في الاعتبار الإطار المنظم للتعاون بين الجانبين، بغرض الانتقال به من نمط التداول السياسي التقليدي إلى مرحلة الحوار الاستراتيجي، وفق رؤية استشرافية تأخذ بعين الاعتبار التطورات على المستويين العالمي والإقليمي، وتراعي المصالح المشتركة للطرفين.
تجاوز منطق الحوار الدبلوماسي الكلاسيكي
كما يتعين أن تراعي هذه الشراكة، يضيف الوزير، الانفتاح على هيئات وفاعلين اقتصاديين وثقافيين عبر إنشاء "منتدى اقتصادي وثقافي" كما هو الشأن في منتدى التعاون الروسي-الإفريقي على سبيل المثال، وهو ما من شأنه المساعدة على تجاوز منطق الحوار الدبلوماسي الكلاسيكي، نحو أنماط تعاون مبتكرة وملموسة.
وفضلا عن ذلك، يؤكد بوريطة، يتعين التفكير في مراجعة دورية اجتماعات المنتدى، بما يسمح بالإعداد الجيد لها، وحتى يترك الوقت الكافي لتنفيذ خطة العمل المشتركة بالتنسيق مع مختلف المتدخلين في الدول الأعضاء، والاستفادة من تجارب الشراكات الإقليمية وممارساتها الفضلى، بما فيها منتدى " الروسي-الإسلامي "و"منتدى التعاون الروسي-الإفريقي".
من جهة أخرى، أكد الوزير أن هذا المنتدى ينعقد بالتزامن مع استمرار موجة العنف المسلح التي يتعرض لها قطاع غزة، وما خلفته - ولازلت - من ضحايا بالآلاف في صفوف المدنيين ومن تخريب ودمار وحصار شامل.
وفي هذا الصدد، ذكر بوريطة بدعوة صاحب الجلالة الملك محمد السادس انطلاقا من التزام جلالته بالسلام، وبصفته رئيسا للجنة القدس، إلى التحرك الجماعي كل من موقعه لخفض التصعيد ووقف إطلاق النار بشكل دائم وقابل للمراقبة، وضمان حماية المدنيين وعدم استهدافهم، والسماح بإيصال المساعدات الانسانية بانسيابية وبكميات كافية لساكنة غزة، وإرساء أفق سياسي للقضية الفلسطينية كفيل بإنعاش حل الدولتين المتوافق عليه دوليا.
ومن هذا المنطلق، يضيف بوريطة، أكد جلالة الملك غير ما مرة، أنه لا بديل عن سلام حقيقي في المنطقة يضمن للفلسطينيين حقوقهم المشروعة في إطار حل الدولتين وعن دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، ولا بديل ايضا عن تقوية السلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس أبو مازن ووضع آليات الأمن إقليمي مستدام قائم على احترام القانون الدولي والمرجعيات الدولية المتعارف عليها.
وبخصوص الأزمة المؤسساتية الليبية، أعرب بوريطة عن أمله في اكتمال فصول العملية السياسية في هذا البلد في أقرب الآجال، بواسطة الأشقاء الليبيين أنفسهم، عبر تنظيم الاستحقاقات الانتخابية في موعدها المحدد، بعيدا عن التأثيرات والتدخلات الخارجية، وهو ما سيشكل بداية لمرحلة جديدة في هذا البلد الشقيق، أسسها الاستقرار والشرعية والاستجابة لمتطلبات الشعب الليبي. ومضى قائلا "كما يحدونا أمل كبير في أن تستقر الأوضاع في سائر ربوع الوطن العربي على أساس تغليب الحوار والمبادرات السلمية".
وبحكم موقع روسيا الاتحادية في المنتظم الدولي، وبالنظر لدورها الإقليمي الفاعل وعلاقاتها الوطيدة بالعالم العربي واطلاعها المعمق على واقعه، يؤكد الوزير "فإننا نرى في روسيا شريكا قادرا على لعب دور بناء في حل هذه القضايا، وفقا لمبادئ التضامن الفاعل والتأثير الايجابي".
بوريطة يطالب روسيا بتغيير نظرتها إلى العرب
وفي هذا السياق، اكد الوزير أنه حان الوقت، للتعامل مع العالم العربي وفق مقاربة مغايرة في التعاطي مع قضاياه وانشغالاته، مقاربة تستجيب للتحديات الراهنة التي يعرفها العالم والمنطقة العربية، وتتعامل مع الدول العربية كمنظومة متسقة، لها وزنها الإقليمي والدولي.
وعلى صعيد آخر، أكد بوريطة أن المملكة المغربية تعتبر منتدى التعاون العربي - الروسي امتدادا للعلاقات التاريخية القائمة بين المغرب وروسيا، تلك العلاقات الضاربة جذورها في القدم لأكثر من قرنين من الزمن اتسمت على الدوام بالحوار، والتعاون، والتقدير، والاحترام، مذكرا بأن هذه العلاقات عرفت قفزة نوعية، إثر الزيارتين الرسمتين اللتين قام بهما جلالة الملك، لروسيا الاتحادية سنتي 2002 و2016 حيث توجت الزيارة الأخيرة لجلالته بتوقيع إعلان الشراكة الاستراتيجية، الذي أرسى أسسا جديدة للعلاقات بين البلدين.
وإذا كانت المملكة المغربية تحتل الرتبة الثالثة ضمن قائمة أهم خمسة شركاء تجاريين لروسيا في القارة الإفريقية، يردف الوزير، فإن هذه الرتبة تبقى، "دون طموحنا ورغبتنا في الارتقاء بهذه الشراكة الاستراتيجية إلى مستويات أعلى وافاق أرحب"، مشددا على أن انخراط المملكة في تقوية المنتدى العربي- الروسي والمضي به قدما على جميع الأصعدة، إلا تعبير عن رغبتها في تطوير العلاقات متعددة الأبعاد التي تربطها بروسيا الاتحادية.
وجرى اختيار المغرب لاحتضان هذه النسخة من المنتدى خلال الدورة المنصرمة التي انعقدت بموسكو في ابريل 2019.
وتبحث هذه النسخة قضايا التعاون بين روسيا والعالم العربي، وذلك وفقا للممارسات الجاري بها العمل.
وتعززت أهمية هذا المنتدى خلال السنوات الأخيرة كمنصة لتبادل وجهات النظر وتنسيق المواقف بشأن القضايا المختلفة على المستوى الإقليمي والدولي، أخذا في الاعتبار الاهتمامات والأولويات المشتركة التي تجمع الجانبين العربي والروسي في العديد من المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية.
المصدر: أخبارنا
كلمات دلالية: منتدى التعاون هذه الشراکة فی هذا
إقرأ أيضاً:
تعاون عسكري جزائري أمريكي وتمرين بحري مشترك.. رسائل لمن؟
رست المدمّرة الأمريكية "USS FORREST SHERMAN (DDG-98)"، وهي واحدة من المدمرات المتطورة التابعة للأسطول الأمريكي، بميناء الجزائر في زيارة تمتد إلى غاية 20 أيار / مايو 2025. وتأتي هذه الزيارة في إطار تنفيذ تمرين بحري مشترك من نوع "PASSEX"، يهدف إلى تبادل الخبرات وتعزيز التعاون العملياتي بين القوات البحرية الجزائرية ونظيرتها الأمريكية.
ويُعد تمرين "PASSEX" (Passing Exercise) أحد أشكال التمارين البحرية السريعة التي تجرى عادة بين قوات بحرية حليفة أو شريكة، ويُركّز على تنسيق التحركات البحرية، تحسين قدرات التواصل، وتعزيز جاهزية القوات البحرية في مهام الأمن البحري.
وشهدت العلاقات الجزائرية ـ الأمريكية خلال العقود الأخيرة تطوراً لافتاً، خاصة في مجالات الأمن ومكافحة الإرهاب. فبعد أحداث 11 سبتمبر 2001، برزت الجزائر كشريك محوري للولايات المتحدة في مكافحة التطرف العنيف في منطقة الساحل وشمال إفريقيا. وقد تجسدت هذه الشراكة في لقاءات سياسية وأمنية متكررة، إضافة إلى برامج تدريب وتبادل معلومات.
وفي الجانب العسكري، شهد التعاون تقدماً تدريجياً، من خلال زيارات متبادلة لسفن حربية، ومشاركة في تمارين تكتيكية مثل "فلينتلوك" و"PASSEX"، إضافة إلى لقاءات على مستوى القيادات العسكرية. ويُنظر إلى هذا التعاون البحري الحالي كامتداد لرغبة الطرفين في ترسيخ شراكة أمنية قائمة على المصالح المشتركة، خاصة في ظل التحديات الإقليمية المتزايدة مثل تهريب السلاح، الإرهاب البحري، والهجرة غير النظامية.
وتأتي زيارة المدمّرة "USS FORREST SHERMAN" في توقيت إقليمي حساس، إذ تعرف منطقة غرب البحر الأبيض المتوسط ديناميكية أمنية متزايدة بسبب الصراعات الجيوسياسية، والتحركات البحرية المتصاعدة لبعض القوى. وتمثل التمارين المشتركة من هذا النوع فرصة لتعزيز الجاهزية العملياتية وتأكيد التزام البلدين بحفظ أمن الملاحة في هذا الممر البحري الحيوي.
ويُتوقع أن يشمل تمرين "PASSEX" سلسلة من الأنشطة البحرية مثل المناورات التكتيكية، التواصل عبر الأنظمة البحرية، وتدريبات على الاستجابة للطوارئ. كما ستسمح الزيارة بتبادل الخبرات بين طواقم السفينتين، والاطلاع المتبادل على القدرات والتقنيات المستخدمة من الجانبين.
يعكس التمرين المشترك بين الجزائر والولايات المتحدة مدى التطور الذي بلغته العلاقات الثنائية في المجال العسكري، كما يُبرز الأهمية المتزايدة للجزائر كشريك أمني فاعل في المنطقة. ومن شأن هذه الخطوات أن تُعزّز ثقة الطرفين وتفتح آفاقاً جديدة لتعاون مستدام في مواجهة التحديات الأمنية المشتركة.
هل يحمل هذا التمرين أي رسالة جزائرية مثلا إلى فرنسا أو روسيا
وفي تصريحات خاصة لـ "عربي21"، قال الخبير الأمني المنشق عن النظام الجزائري كريم مولاي: إن التمرين البحري المشترك بين الجزائر والولايات المتحدة، وزيارة المدمّرة الأمريكية "USS FORREST SHERMAN"، تحمل أبعاداً ورسائل متعددة، بعضها غير معلن، وقد يُفهم على أنه يحمل إشارات غير مباشرة إلى قوى مثل فرنسا وروسيا.
1 ـ رسالة إلى فرنسا: تنويع الشركاء الاستراتيجيين
الجزائر في السنوات الأخيرة عملت على إعادة صياغة علاقاتها التقليدية مع فرنسا، وسط توترات سياسية ودبلوماسية متكررة. التعاون مع الولايات المتحدة، ولا سيما في المجال العسكري، يُمكن قراءته كرسالة مفادها أن الجزائر قادرة على تنويع شركائها، ولا تُراهن على شريك تقليدي واحد. تمرين بهذا الحجم مع قوة عسكرية كبرى كالولايات المتحدة يعزز صورة الجزائر كدولة ذات سيادة قادرة على تحديد خياراتها الاستراتيجية بعيداً عن الإملاءات الفرنسية أو غيرها.
2 ـ رسالة إلى روسيا: توازن استراتيجي لا قطيعة
روسيا تُعد شريكاً تقليدياً ومورّداً رئيسياً للسلاح للجزائر، والتعاون بينهما في المجال الدفاعي يمتد لعقود. غير أن الجزائر في السنوات الأخيرة أظهرت ميلاً واضحاً إلى تنويع مصادر تسليحها وتعاونها العسكري، دون قطيعة مع موسكو. وبالتالي، يمكن أن يُفهم التمرين مع الولايات المتحدة كإشارة إلى أن الجزائر تحرص على الحفاظ على استقلالية قرارها العسكري، والبحث عن توازن بين الشرق والغرب، في وقت يشهد فيه العالم استقطاباً متزايداً بسبب الحرب في أوكرانيا والضغوط على الدول غير المنحازة.
3 ـ رسالة إقليمية: دور الجزائر كفاعل أمني
الرسالة الأوضح قد تكون موجهة إلى الفاعلين الإقليميين في المتوسط والساحل. الجزائر تريد أن تقدم نفسها كشريك موثوق في حفظ الأمن البحري، وتأكيد جاهزيتها للمساهمة في الاستقرار الإقليمي، بما يتماشى مع عقيدتها الدفاعية القائمة على اللامحورية، دون تبعية لأي محور دولي، لا سيما في ظل ما يقال عن أن الجزائر باتت معزولة إقليميا بسبب توتر علاقاتها مع مالي وليبيا والنيجر والمغرب..
ووفق مولاي فإن التمرين لا يُعد في الظاهر موجهاً ضد أي طرف بعينه، لكنه يحمل رسائل دبلوماسية دقيقة: إلى فرنسا: "لسنا تحت وصاية أحد"، إلى روسيا: "التوازن لا يعني القطيعة"، إلى الإقليم والعالم: "الجزائر ليست معزولة وهي لاعب مستقل، وشريك أمني موثوق".
وأضاف: "يمكن فهم هذه التحركات ضمن استراتيجية جزائرية جديدة قائمة على التعددية والانفتاح المدروس، وهي أيضا جزء من سياسات النظام الجزائري التقليدية في دفع الجزائريين إلى الانتباه إلى الخارج، والخشية من عدو خارجي دائم، وبالتالي الاستمرار في كبح الأصوات المنادية بالديمقراطية والمحاسبة الداخلية"، على حد تعبيره.