RT Arabic:
2025-06-06@22:54:17 GMT

إلى أين يقود إعلان الحوثيين التعبئة لنصرة غزة؟

تاريخ النشر: 21st, December 2023 GMT

إلى أين يقود إعلان الحوثيين التعبئة لنصرة غزة؟

كتب كل من ألكسندر كاربوف ويكاتيرينا كييكو وفلاديمير دوون مقالا على موقع RT باللغة الروسية تناول تداعيات إعلان الحوثيين في اليمن للتعبئة لتقديم مساعدة محتملة لقطاع غزة.

وجاء في المقال المنشور اليوم الخميس 21 ديسمبر:

أعلن الحوثيون في اليمن عن تعبئة شعبية عامة لإعداد مقاتلين للمشاركة إلى جانب الفلسطينيين في الصراع مع إسرائيل.

جاء ذلك نقلا عن بيان للمكتب السياسي لحركة «أنصار الله»، جاء فيه أن المقاتلين سيشاركون في الصراع "إذا توفرت الظروف والفرص للوصول إلى قطاع غزة والمشاركة في العمليات العسكرية".

إقرأ المزيد وبدأ انهيار الولايات المتحدة الأمريكية

وكانت الولايات المتحدة، وسط هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر، قد أعلنت في وقت سابق إطلاق عملية "حارس الازدهار" لضمان الملاحة الآمنة، والتي تشارك فيها إلى جانب الولايات المتحدة كل من بريطانيا والبحرين وكندا وفرنسا وإيطاليا وهولندا والنرويج وسيشيل وإسبانيا، فيما يشير الخبراء إلى أن هناك خطر تصاعد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلى مواجهة إقليمية واسعة النطاق.

في شمال اليمن، الخاضع لسيطرة الحوثيين (حركة "أنصار الله")، تم الإعلان عن تعبئة عامة شعبية لتدريب المقاتلين للمشاركة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بحسب ما قال خزام الأسد عضو المكتب السياسي للحركة، الذي قال: "أما فيما يتعلق بالتعبئة الشعبية العامة لنصرة أهلنا في قطاع غزة، فقد انطلقت في كافة المحافظات، وافتتحت معسكرات تدريب، وتطوع عشرات الآلاف من الشباب لتعلم المهارات العسكرية، وقد تخرجت بالفعل عدة مجموعات في مختلف المحافظات اليمنية".

وبحسب عضو المكتب السياسي، فإن المقاتلين سيشاركون في الصراع "إذا ما توفرت الظروف والفرص للوصول إلى قطاع غزة والمشاركة في العمليات العسكرية".

المعركة البحرية

وكان الحوثيون قد أعلنوا نهاية أكتوبر الماضي عن بدء عمليات عسكرية ضد إسرائيل دعما للفلسطينيين. وبحلول ذلك الوقت كانت عدة طائرات مسيرة وصواريخ باليستية قد أطلقت على إسرائيل من الأراضي الخاضعة لسيطرتهم.

كما وجه ممثلو حركة "أنصار الله" تهديدات ضد الولايات المتحدة التي تدعم تل أبيب، وأعلن الحوثيون في وقت لاحق عزمهم مهاجمة أي سفن مرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر، ووصفوا أفعالهم بأنها رد على "العدوان الإسرائيلي الأمريكي" في قطاع غزة.

وبعد تقارير التعبئة، كرر ممثلو الحركة مرة أخرى التهديدات ضد الولايات المتحدة، معلنين استعدادهم لمهاجمة السفن الأمريكية إذا استمرت في التدخل في شؤون البلاد أو مهاجمة اليمن.

وقال زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي: "سنجعل السفن الأمريكية هدفا لصواريخنا، ويجب ألا نخاف من هذه التهديدات".

وقد تعرضت السفن التجارية في البحر الأحمر لهجمات متكررة من الأراضي اليمنية، وتم الاستيلاء على عدد منها.

من جانبها، اعترضت السفن الحربية التي وصلت إلى المنطقة مع مجموعات حاملة الطائرات الأمريكية لدعم إسرائيل عدة مرات طائرات مسيرة وصواريخ بالستية تم إطلاقها من اليمن.

كما أوقفت شركة "ميرسك" Maersk، إحدى أكبر الشركات اللوجستية في العام النقل في البحر الأحمر بسبب القصف المستمر والاستيلاء على السفن من قبل الحوثيين، وحذت حذوها عدد من الشركات، وعلى وجه الخصوص، رفضت شركة النفط والغاز العملاقة BP أيضا نقل النفط عبر هذه المنطقة.

وردا على تصرفات الحوثيين، أعلنت الولايات المتحدة، 18 ديسمبر الجاري، عن بدء عملية "حارس الازدهار" في البحر الأحمر.

ونص بيان صادر عن البنتاغون باسم رئيسه لويد أوستن على أن "التصعيد الأخير لهجمات الحوثيين المتهورة من اليمن يهدد التدفقات التجارية الحرة، ويعرض حياة البحارة الأبرياء للخطر، ويتعارض مع القانون الدولي"، وأكد البيان على أن البحر الأحمر أحد أهم الطرق البحرية التي لا يمكن تصور حرية الملاحة بدونها، كما أنه ممر تجاري رئيسي يضمن التجارة الدولية، وهذا "تحد دولي يتطلب عملا مشتركا" على حد تعبير البيان.

ولتنفيذ هذه العملية، قامت الولايات المتحدة بتشكيل تحالف دولي شمل بريطانيا والبحرين وكندا وفرنسا وإيطاليا وهولندا والنرويج وسيشيل وإسبانيا.

جدير بالذكر أن بيان البنتاغون لم يشر إلى أي أهداف عسكرية محددة سيحققها هذا التحالف وقواته. في الوقت نفسه، أوضح منسق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي، خلال مؤتمر صحفي، أنهم لن يرافقوا السفن المدنية باستمرار عبر البحر الأحمر لضمان الأمن.

إقرأ المزيد يوشكوف: الأزمة في البحر الأحمر ستنعكس على سوق الكربوهيدرات في العالم

وتابع كيربي: "ليست هناك حاجة لعقد أوجه تشابه هنا مع توحيد الأساطيل خلال الحرب العالمية الثانية. وستعمل هذه السفن كعناصر تشكيل واحد ضمن مجموعة خاصة. لكن انتشارها في البحر الأحمر سيكون متناسبا مع وجود السفن التجارية والتهديد الذي يشكله اليمن".

في الوقت نفسه، تجنب كيربي الإجابة بشكل مباشر على سؤال حول سبب عدم مشاركة السعودية والإمارات، اللتين قاتلتا سابقا ضد الحوثيين في اليمن، في عملية "حارس الازدهار".

جغرافيا الصراع الجديدة

وفي حديث لـ RT، قال رئيس قسم التحليل السياسي والعمليات الاجتماعية والنفسية بجامعة بليخانوف الروسية للاقتصاد، أندريه كوشكين، إن تصريح الحوثيين بشأن عزمهم إرسال مقاتليهم إلى غزة يشير إلى أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني قد بدأ في توسيع حدوده.

ويتابع كوشكين: "لقد أراد الحوثيون القيام بدور نشط في الصراع من قبل، لكن الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية لم تسمحا لهم بالمرور عبر أراضيهم. ثم بدأوا في إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة ومهاجمة سفن الحاويات وناقلات البضائع الجافة. وبعد شهر، بدأت الولايات المتحدة عمليتها، لكن اليمن يواصل مهاجمة جميع السفن التي تقترب. ونحن نرى الآن كيف بدأ الصراع بين فلسطين وإسرائيل في التوسع جغرافيا بمشاركة أطراف أخرى".

وأضاف كوشكين أنه من الواضح أن الوضع الراهن يقلق الولايات المتحدة، لكن من غير الواضح كيف سيتمكن الأمريكيون وحلفاؤهم من تحييد الحوثيين. وتابع: "إن مجرد ضمان المرور الآمن لناقلات البضائع الجافة وسفن الحاويات المدنية هو أمر غير فعال. ومن الضروري القيام بعملية برية، لكن من غير المرجح أن تقرر الولايات المتحدة القيام بذلك".

وأشار الخبير إلى أن إدارة بايدن الآن لا تستطيع الاتفاق على التمويل العسكرية لأوكرانيا وإسرائيل، والوضع في اليمن أصبح طارئا، ولا توجد أموال لعملية برية كهذه، كما أن "أعضاء التحالف الآخرين لن يرغبوا أيضا في تحمل مثل هذه النفقات" وفقا لكوشكين.

في الوقت نفسه، أكد الخبير أن الوضع في البحر الأحمر قد يؤثر بالفعل بشكل مباشر على الرفاهية الاقتصادية للدول الغربية.

ووفقا لكوشكين، "ارتفعت أسعار النفط والغاز بشكل كبير، حيث أن السفن التي تنقلهما تضطر الآن إلى الدوران حول إفريقيا للذهاب إلى أوروبا، ما يؤدي إلى إطالة الطريق البحري".

 بدورها رجحت المتخصصة في شؤون الشرق الأوسط والخبيرة بمجلس الشؤون الدولية الروسية يلينا سوبونينا، في حديث لها مع RT، ألا تتمكن حركة "أنصار الله" من المشاركة بشكل مباشر في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على خط المواجهة.

إقرأ المزيد أمريكا لا تفعل شيئا إزاء التحديات الإيرانية!

وأضافت سوبونينا: "يطلق الحوثيون هذه التصريحات للاستخدام المحلي، وكذلك لتعزيز علاقاتهم الإقليمية. وليس لديهم القدرة المادية على إرسال مقاتلين إلى قطاع غزة، وهذا الجزء من الأراضي الفلسطينية يقع الآن تحت حصار كامل من قبل الإسرائيليين، كما أنه من المستحيل دخول القطاع من الجانب المصري. أقصى ما يمكن أن يفعله الحوثيون هو شن هجمات صاروخية. ومع ذلك، فإن الأهمية الرمزية لهذا التضامن مع الفلسطينيين هي بالطبع كبيرة جدا".

وبحسب الخبير العسكري إيفان كونوفالوف، فإن التعبئة التي أعلنها الحوثيون وبدء العملية البحرية الأمريكية تشير إلى أن الوضع في الشرق الأوسط قد أصبح متوترا وهذا التصعيد لا يتراجع.

ويتابع كونوفالوف: "يعود ذلك بالطبع إلى حد كبير إلى حقيقة أن الأطراف المتصارعة لا تستطيع إيجاد أرضية مشتركة، كما أن حلفاءهم من مختلف الأطراف لا يحاولون القيام بذلك أيضا. فالأطراف غير قابلة للتوفيق، ويجب اتخاذ تدابير جادة لتوجيه الوضع في الاتجاه التفاوضي. هناك احتمالات لذلك، لكن من الضروري أن يصر على ذلك أحد غير روسيا. مع ذلك، لا تزال الولايات المتحدة تبذل جهودا لضمان عدم انتهاء الصراع".

ويتشكك كونوفالوف في أن الولايات المتحدة ستكون قادرة بطريقة أو بأخرى على التأثير على الحوثيين من خلال الوسائل العسكرية، ويتساءل: "إن الحرب في اليمن مستمرة منذ فترة طويلة، ويخوضها تحالف تقوده المملكة العربية السعودية، وفي إطاره يتم تنفيذ ضربات ضد الحوثيين بانتظام، إلا أن هذا لم يغير في الأمر شيئا، لهذا يطرح السؤال نفسه: كيف ستغير ضربات الولايات المتحدة الوضع؟".

بدورها تعتقد يلينا سوبونينا أن خطر نشوب صراع كبير في المنطقة لا يزال قائما، حيث تقول: "لقد ابتعد الجميع الآن قليلا عن الهاوية التي تبدأ بعدها حرب إقليمية كبيرة، إلا أنهم لم يتحركوا بعيدا. كان شهر أكتوبر هو أخطر مرحلة في الصراع. لكن الجولة الجديدة من المواجهة، المرتبطة الآن بالحوثيين، تقربنا مرة أخرى من هذه الحافة. وشبح حرب كبيرة بين إيران من جهة وإسرائيل والولايات المتحدة وحلفائهم من جهة أخرى سيلوح في المستقبل القريب. ومع ذلك، فهناك شعور بأن الكثيرين، بما في ذلك واشنطن، يريدون تجنب ذلك. فالوضع خطير للغاية، لكن لا تزال هناك فرصة لتجنب العواقب الأكثر خطورة".

المصدر: RT

المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب

المصدر: RT Arabic

كلمات دلالية: لحركة أنصار الله الولايات المتحدة هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر حارس الازدهار بريطانيا البحرين كندا فرنسا إيطاليا هولندا النرويج إسبانيا الصراع الفلسطيني الإسرائيلي اليمن الحوثيين عبد الملك الحوثي أخبار اليمن الأزمة اليمنية البحر الأحمر البنتاغون الجيش الأمريكي الحرب على غزة الحوثيون السلطة الفلسطينية القضية الفلسطينية جو بايدن حركة حماس حركة فتح طوفان الأقصى عبد الملك الحوثي قطاع غزة قناة السويس لويد أوستن مضيق باب المندب منظمة التحرير الفلسطينية هجمات إسرائيلية الولایات المتحدة فی البحر الأحمر أنصار الله فی الصراع الوضع فی قطاع غزة فی الیمن إلى أن کما أن

إقرأ أيضاً:

كاتب إسرائيلي زار اليمن يروي عجائبها.. وهآرتس تتساءل: من يحمي كنوز البلد في ظل نظام الحوثيين وهجمات إسرائيل؟ (ترجمة خاصة)

في أوائل مايو، قصفت إسرائيل شمال اليمن بعد سقوط صاروخ باليستي أطلقه الحوثيون قرب مطار بن غوريون الدولي، خارج تل أبيب.

 

بعد الهجوم بوقت قصير، نُشر فيديو على موقع X يُظهر ثلاثة شبان يمنيين في لحظة غضب: كانوا يمضغون القات، ويحملون البنادق، ويرتدون الجلابيب التقليدية مع الجنبية، وهي خنجر قصير معقوف، تُزيّن أحزمتهم.

 

انتشر الفيديو على نطاق واسع في إسرائيل، مستقطبًا مئات التعليقات، وكثير منها ساخر. كتب مستخدم يُدعى أفيخاي بيليخ: "يبدو الأمر كما لو أن الطائرات حلقت بسرعة هائلة لدرجة أنها عادت بالزمن إلى الوراء وقصفت في القرن السابع".

 

وأضاف معلق آخر، يُدعى مائير كادمون: "إنهم ينافسون طالبان من حيث الملابس"، بينما أشار لافي آيزنمان: "كان عليّ أن أقنع نفسي بأن هذا ليس فيلمًا مُلوّنًا من عشرينيات القرن الماضي".

 

خلف هذا المظهر "المبالغ في أصالة المشهد" (في نظر الإسرائيليين)، يكمن دليل حي على ثقافة عريقة، تقليد عريق نجا من ويلات الزمن والحرب. يُلقي الفيديو، دون قصد، الضوء على العمق الثقافي لليمن، بلد مزقته الحروب، لكنه متجذر في تراثه.

 

يقول الكاتب والصحفي تسور شيزاف: "اليمن على بُعد أقل من ثلاث ساعات طيران من هنا، ولا نعرف عنه إلا القليل. إنه من أكثر البلدان سحرًا، بلد عالق في الزمن، متأخر بعقود عن بقية العالم". في عام 2007، سافر شيزاف إلى اليمن للقاء آخر يهود البلاد.

 

"هبطتُ في الثالثة فجرًا في مدينة أجنبية. أضاءت أضواء صفراء الطريق. ظهر باب اليمن، البوابة الحجرية الشهيرة لمدينة صنعاء القديمة، على يميني. ثم انزلقت سيارة الأجرة في طريق غائر، أشبه بقناة مائية بجدران على جانبيها. كان قاع الخندق مبللًا، فأشار السائق إلى علامة ارتفاع المياه على الجدران على ارتفاع متر ونصف (5 أقدام).

 

إنه نوع من طريق أيالون اليمني السريع في وسط المدينة"، كما كتب في مقال نُشر في مجلة "ماسا آخر" (اللغة العبرية) للسفر بعد الرحلة. جلس شيزاف قرب حي السائلة، الذي بناه يهود صنعاء داخل أسوار المدينة القديمة، يرتشف كوبًا من الشاي الساخن.

 

 أمام عينيه، كان الأطفال يسخرون من بعضهم البعض، ويتسابقون في مياه الفيضان، ويقفزون على السيارات البطيئة، ويرمون قصاصات الورق التي جرفتها المياه. كتب: "ما أروع الماء وهو يتدفق عبر المباني المكونة من خمسة وستة طوابق، مبانٍ من الطوب الأحمر بثمانية أو ربما عشرة أنواع من الأقواس، محاطة بالأبيض... نوافذ من الزجاج الملون، وأبواب خشبية منخفضة ذات قوائم ثقيلة وأقفال متينة".

 

لماذا لا تستطيع إسرائيل والولايات المتحدة هزيمة الحوثيين في اليمن؟ هجوم الحوثيين على مطار إسرائيل الرئيسي يُثير صدىً في العالم العربي.

 

أدرجت اليونسكو مدينة صنعاء القديمة كموقع للتراث العالمي عام 1986. نفتالي هيلجر، المصور والمحاضر والباحث الثقافي، زار اليمن سبع مرات؛ ويصف مناظرها الطبيعية الخلابة. يقول: "كانت زيارتي الأولى لليمن عام 1987، وكانت الأخيرة قبيل وصول الحوثيين إلى السلطة عام 2014".

 

ويضيف: "مدينة صنعاء القديمة من أجمل المدن التي رأيتها. مبانيها عمرها حوالي 500 عام، ولا مثيل لها. هندستها المعمارية آسرة: أقواس فوق النوافذ، وزجاج ملون، وزخارف على الجدران، وأسلوب بناء فريد". عندما دخلتُ المدينة القديمة، شعرتُ وكأنني أدخل في نفق زمني. ترى مدينةً تبدو تمامًا كما كانت قبل ألفي عام، لكنها اليوم تنبض بالحياة. الأزقة ضيقة، ولا مكان للسيارات.

 

إنها ليست موقعًا أثريًا، بل مدينةٌ حية. إنها فرصةٌ نادرةٌ جدًا لرؤية مدينةٍ كهذه. يهتم اليمنيون كثيرًا بمظهر المباني، ولم أرَ مثل هذا الجمال المعماري في أي مكانٍ آخر.

 

لم يمنع تصنيف اليونسكو للمنطقة السعودية من قصفها عام 2015، خلال حربها مع الحوثيين. يقول هيلجر: "أعلم أن المدينة القديمة لحقت بها أضرار نتيجة الهجمات. كانت هناك أماكن يُفترض أن الحوثيين أخفوا فيها ذخائر وأسلحة، وقام السعوديون بقصفها. هناك مبانٍ دُمرت بسبب الهجمات. لا أرى أي قصف للمدينة القديمة حاليًا، لأنها ليست هدفًا استراتيجيًا".

 

يقول هيلجر إن من أبرز سمات الثقافة اليمنية الحفاظ على العمارة التقليدية. "في صنعاء، رأيت ورشًا لصنع الأقواس باستخدام أساليب البناء الحديثة. رأيت الناس يرسمون واجهات منازلهم، ويحافظون على هذه المباني ويدركون جمال هذا البناء".

 

لكن الحفاظ على التقاليد مسألة أوسع نطاقًا. نحن نتحدث عن بلد منغلق ومحافظ، لذا فإن ثقافته أيضًا خالية من التأثيرات الخارجية. على سبيل المثال، تُقام حفلات الزفاف مساء كل خميس. وقد حُفظت الموسيقى والإيقاع والرقص اليمني لمئات السنين دون تغيير. أي شخص يحضر حفل حناء يمنيًا في إسرائيل يرى نفس الرقصات ويسمع نفس الأصوات كما في اليمن اليوم.

 

رقصات بالخناجر

 

يقول هيلجر: "في عصر كل جمعة، يجتمعون في وسط المدينة لرقص الجنبية، وهو خنجر يمني يُستخدم أيضًا كقطعة من الحلي للرجال ورمز للمكانة الاجتماعية - وهذا هو أساسًا ترفيههم.

 

أما زيارات المتاحف والمسارح ودور السينما، فهي نادرة". ويضيف أنه بمجرد مغادرة صنعاء، تشعر فورًا أن اليمن من أفقر دول العالم. "لا توجد بنية تحتية، ولا مواصلات عامة، كل شيء هزيل".

 

كما يلعب نبات القات، وهو منشط يُشعر بنوع من النشوة عند مضغه، دورًا محوريًا في الثقافة المحلية. يقول هيلجر: "إنه مناسبة اجتماعية بارزة توحد حتى القبائل المتنافسة. يمضغون أوراق القات، ويأخذون كمية كبيرة منها ويمتصون عصارتها المرّة لساعات".

 

ونتيجةً لذلك، يغرق اليمن في غيبوبة القات بعد الظهر. "يتوقف كل شيء. يمضغ جميع الرجال تقريبًا القات، والنساء أيضًا. تبلغ قيمة سوق القات في اليمن حوالي 1.5 مليار دولار سنويًا، أي ثمانية أضعاف قيمة سوق القمح".

 

في الأيام التي سبقت الحرب الأهلية في اليمن، التي اندلعت عام 2004 وأدت إلى صعود الحوثيين، بدأت السياحة بالظهور تدريجيًا في البلاد. في صنعاء، افتُتحت العديد من الفنادق والمطاعم، وسُمح للسياح بالإقامة داخل المدينة القديمة. ووفقًا لهيلجر، شهدت السياحة أيضًا نموًا في الثمانينيات والتسعينيات، لكنها توقفت فجأة.

 

ويقول: "بدأت بعض القبائل في الشمال وفي المنطقة الجبلية باختطاف السياح كمصدر دخل. أقاموا حواجز على الطرق، ودعوا السياح إلى منازلهم، ثم منعوهم من المغادرة حتى دفعت الحكومة فدية. في النهاية، بدأت عمليات اختطاف السياح تحدث حتى في صنعاء. وقد قضى هذا بشكل شبه كامل على أمل تطوير السياحة في البلاد".

 

لولا الحوثيين وعمليات الاختطاف والحروب التي تعصف باليمن، لكانت البلاد وجهة سياحية للزائرين من جميع أنحاء العالم. أرخبيل سقطرى، وهو محافظة يمنية تتألف من مجموعة جزر في المحيط الهندي بالقرب من القرن الأفريقي، تصدّر عناوين الصحف مؤخرًا عندما احتلت بحيرة ديتواه التابعة له المرتبة الخامسة عشرة على قائمة أجمل شواطئ العالم.

 

أُدرج الأرخبيل كموقع للتراث العالمي الطبيعي لليونسكو عام 2008. كانت الجزر في وقت ما تحت سيطرة الحوثيين، لكنها في عام 2020 خضعت لسيطرة الحكومة في جنوب اليمن، المدعومة من الإمارات العربية المتحدة.

 

ومن الأمثلة الأخرى على الثراء الثقافي لليمن مدينة شبام، في محافظة حضرموت، التي تمتد من الحدود السعودية شمالًا إلى بحر العرب جنوبًا. وتُعتبر مدينة شبام القديمة المسورة، التي تعود إلى القرن السادس عشر، والمدرجة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي، نموذجًا للتخطيط الحضري القائم على مبدأ البناء العمودي.

 

يقول هيلجر: "يُطلق عليها اليمنيون اسم 'مانهاتن اليمن' نظرًا للأبراج السكنية المصنوعة من الطين - وهو مزيج من الطين والقش - والتي يتراوح ارتفاعها بين 13 و14 طابقًا". ويضيف أن مواد البناء في اليمن تختلف باختلاف المنطقة. فصنعاء، على سبيل المثال، بُنيت بالحجر المحمر الموجود في المنطقة، بينما في حضرموت، الأكثر جفافًا، تُبنى المباني بالطين والقش. وفي القرى القريبة من البراكين، يُستخدم البازلت الداكن. ويشير هيلجر إلى أن شبام نفسها قائمة منذ حوالي 2000 عام، وكانت محطة مهمة على طريق التوابل والبخور.

 

أما المباني الشاهقة التي نراها هناك اليوم، فقد بُنيت قبل 400 إلى 600 عام. وقبل حلول موسم الأمطار في شهري يوليو وأغسطس، يُغلق السكان أي شقوق في الجدران.

 

بخلاف المواقع الأخرى، لم تكتفِ اليونسكو بإعلان مدينة شبام القديمة موقعًا للتراث العالمي، بل خصصت أيضًا أموالًا للحفاظ عليها. ووفقًا لهيلجر، فهي من المواقع القليلة في العالم التي تدفع فيها اليونسكو لسكانها أموالًا ليس فقط لصيانة منازلهم، بل أيضًا لصيانة منازل جيرانهم الذين هاجروا إلى دول أخرى في الشرق الأوسط.

 

ويضيف هيلجر أن هذا إجراء بالغ الأهمية، "لأن المنازل غير المحمية قد تنهار، وعندما ينهار منزل واحد، قد يجرف معه الحي بأكمله، كتأثير الدومينو".

 

كيف يسمح الحوثيون بذلك؟ يقول هيلجر: "ليس لديهم سيطرة حقيقية على شبام وحضرموت وعدن. كانت هذه المنطقة في السابق معقلًا لتنظيم القاعدة، لذلك لم يكن من السهل عليهم حكمها. لقد نجحت اليونسكو في الحفاظ على العمارة في شبام ببراعة".

 

المسرح وفنون الأداء

 

بالنسبة للشباب اليمني، الثقافة ليست مجرد تعبير عن الهوية، بل هي أيضًا وسيلة للعصيان المدني. تقول إنبال نسيم-لوفتون، الخبيرة في شؤون اليمن في مركز موشيه ديان لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا بجامعة تل أبيب وفي الجامعة المفتوحة في إسرائيل، إنه في ظل واقعٍ تُقمع فيه حرية التعبير، يُصبح الفن أداةً سياسيةً واجتماعيةً - وخاصةً للنساء والشباب.

 

وتضيف: "يعيش الناس في ظل الحرب منذ أكثر من عقد. وفي خضم هذه الحياة اليومية، تُقام مبادرات ثقافية: مشاريع غرافيتي، وفنون أداء، ومسرح، تشارك فيها النساء بنشاط. إنهن عوامل تغيير في الفضاء الذي يعشن فيه، ويتمكنّ من التعبير عن أنفسهن رغم القيود".

 

وعلى سبيل المثال، تذكر أنشطة منظمة "نسيج"، التي تعمل مع الأطفال، وقد قدّمت عروضًا مسرحيةً للتوعية بقضية زواج الأطفال. وتقول نسيم-لوفتون إن هذه الأنشطة أصبحت ذات أهمية خاصة منذ وصول الحوثيين إلى السلطة، وهو تطورٌ أدى إلى مزيد من القيود على النساء، وخاصةً فيما يتعلق بحرية التنقل.

 

في بعض الأماكن، يُدير الحوثيون وحدات تُسمى "الزينبيات": نساء يرتدين ملابس سوداء، ويرتدين النقاب (غطاء كامل للجسم لا يُظهر سوى عيني المرأة) ويحملن أسلحة، ومهمتهن فرض قواعد سلوكية صارمة تجاه النساء.

 

تُوثّق المصورة بشرى المتوكل، المولودة في صنعاء، والتي انتقلت إلى الولايات المتحدة ثم إلى فرنسا، وضع المرأة اليمنية. يتتبع مشروعها "نساءٌ في زوال" التغيرات في ملابس المرأة اليمنية عبر التاريخ، من الملابس الملونة ذات الوجوه المكشوفة والابتسامات إلى النساء والفتيات المُغطات بالسواد، ووجوههن مُغطاة بالنقاب. تُعبّر صورها عن عملية محو المرأة.

 

ترسم الفنانة هيفاء سبيع، التي تعيش في عدن، خارج سيطرة الحوثيين، رسومات غرافيتي في شوارع المدينة. تُعبّر في عملها عن عواقب الحرب الدائرة في اليمن التي يخوضها الحوثيون منذ وصولهم إلى السلطة. جداريتها، المعنونة "سننجو معًا"، تُصوّر حملها كفضاء للأمل، وقوة المرأة، ورغبة في السلام.

 

في مقابلة مع مجلة "ذا أوربان أكتيفيست" المستقلة، قالت سبيع: "للألم والأمل معنيان مختلفان، لكنهما مرتبطان بكل تجربة أمومة تمر بها المرأة. في مواجهة الصراع الدائر وتأثيره على النساء والأطفال، تُحدث النساء انخراطًا غير مرئي من أجل السلام". في عام 2019، عرضت أعمالها في بينالي سنغافورة ضمن معرض "الحرب والبشر" بالتعاون مع متحف سنغافورة للفنون.

 

واجهت محاولات سبيع للرسم في صنعاء معارضة. استولى الحوثيون على لوحاتها، وأُجبرت على العودة إلى عدن. قالت آنذاك: "واجهتهم، وحاولت أن أشرح لهم أنني أيضًا ضحية للحرب". لكن هذه هي النقطة تحديدًا: كانوا يخشون أن يبدأ الناس بطرح أسئلة حول ما كُتب على الجدران. الناس هناك لا يتقاضون رواتبهم، ولا كهرباء ولا ماء. كانت الحياة في اليمن صعبة من قبل، ولكن على الأقل كانت هناك خدمات أساسية.

 

لكن سبيع لم تستسلم للفن. قالت: "أحاول توجيه رسالة للنساء الأخريات: أنهين الحرب وابني بديلًا بلا عنف. يجب ألا نستسلم".

 

*يمكن الرجوع للمادة الأصل: هنا

*ترجمة خاصة بالموقع بوست


مقالات مشابهة

  • قائد بعثة "أسبيدس": زيادة حركة السفن في البحر الأحمر 60% بعد تراجع هجمات مليشيا الحوثي
  • بعد تراجع هجمات الحوثيين.. الملاحة تعود تدريجياً للبحر الأحمر
  • غوتيريش يؤكد ضرورة معاقبة المسؤولين عن مقتل الموظفين الأمميين بغزة
  • واشنطن في ورطة.. تقارير غربية توثق الهزيمة الأمريكية أمام اليمن في البحر الأحمر
  • كاتب إسرائيلي زار اليمن يروي عجائبها.. وهآرتس تتساءل: من يحمي كنوز البلد في ظل نظام الحوثيين وهجمات إسرائيل؟ (ترجمة خاصة)
  • أسبيدس: حركة الملاحة ارتفعت في البحر الأحمر بنسبة 60% بعد تراجع الهجمات الحوثية
  • قائد البحرية الأوروبية: القوات اليمنية تستهدف فقط السفن المرتبطة بالكيان الصهيوني
  • قائد البحرية الاوربية: اليمن لا يستهدف سوى سفن «إسرائيل»
  • بينها اليمن.. ترامب يوقع أمراً بحظر دخول مواطني 12 دولة إلى الولايات المتحدة
  • هيئة بحرية تحذر السفن من مخاطر ميناء رأس عيسى في اليمن