«وائل» ورفاقه.. ومصاحبة الموت!
تاريخ النشر: 22nd, December 2023 GMT
هو كما غزة، صامدٌ كالصخر، يحمل أوجاعه فى قلبه ويدفنها بين ضلوعه، ينهض مع كل محاولة لكسره أشد وأقوى.
يواصل من حيث توقف، «وائل الدحدوح»، أسد غزة العنيد، كما أطلق عليه رواد السوشيال ميديا، يرفض الاستسلام، تلقى تهديداً بالقتل من جيش الاحتلال الإسرائيلى أكثر من مرة عبر قناة «الجزيرة»، التى حاولت بدورها إقناعه بمغادرة غزة عبر مصر إلى قطر، لأنه مستهدف، لكنه رفض رفضاً قاطعاً، وأصر على البقاء، فقامت إسرائيل باغتيال أربعة من أفراد عائلته، زوجته وابنه وابنته وحفيده، وبعد ذلك محاولة فعلية لاغتياله، نجا منها بأعجوبة، واستشهد فيها زميله المصور «سامر أبودقة» الذى ظل ينزف لأكثر من خمس ساعات.فى كل مرة، ينهض «وائل» من كبوته متحاملاً على نفسه، يضغط على جرحه ويكمل المشوار، يحمل الميكروفون وينقل للعالم بشاعة ما يرتكبه الاحتلال الإسرائيلى فى قطاع غزة من جرائم بالكلمة والصورة، ليوثِّقها للتاريخ، بشجاعة وإصرار وثبات، شارك «وائل» فى تشييع جثمان «سامر» وهو مصاب، بالكاد يقف على قدميه يتلقى العزاء ولا ينهار، مثلما فعل مع أفراد أسرته.
عندما حمله المسعفون إلى المستشفى لم يحفل بنفسه، ولم يفكر فى إصابته، كان همه الوحيد إنقاذ «سامر»، يملأه الخوف والقلق على زميله، ظل يردد.. «أنقذوا سامر».. «سامر ما زال هناك».. «هاتوا سامر»، لكن «سامر» رحل.. الشاهد والشهيد، وبقيت الصورة، لتنشط الذاكرة بأنهما وُلِدا هنا وسيبقيان هنا ولن يرحلا.
«سامر» كان محبوباً من زملائه، معروفاً بخفة ظله حتى فى أحلك لحظات الحرب، لا ينام أكثر من 3 ساعات، كما قال فى لقطة مصورة، رفض اللحاق بعائلته المقيمة فى بلجيكا، وفضل البقاء والعمل فى غزة، وكان يفكر فى إعادتهم بعد انتهاء الحرب، لم يمهله القدر، الذى أعطى «وائل» عمراً آخر، ليأخذ فيه العزاء.
«وائل» مثل الآلاف فى غزة، الذين ذاقوا مرارة الفقد، وظلوا على يقينهم، وإيمانهم بعدالة قضيتهم، لم تُثنِهم أوجاع فراق أحبتهم عن الصبر والصمود، فى مواجهة أكبر كارثة إنسانية فى تاريخ البشرية. إسرائيل تتفنن فى صناعة «الموت»، وتتلذذ بمراقبة «ضحاياه»، دولة سادية عنصرية متطرفة، أكثر من 97 صحفياً ارتقوا خلال 70 يوماً من الحرب! أو استشهد ذووهم، مثل مراسل الجزيرة «أنس الشريف» الذى تلقى تهديداً بالقتل إن لم يتوقف عن بث تقاريره عن المجازر التى يرتكبها جيش الاحتلال، فلم يتوقف!
وكانت النتيجة قصف منزله واستشهاد والده، لم ينسحب «أنس» من الميدان، ودّع والده، وعاد لينقل الصورة غير مكترث بتهديد جيش الاحتلال، كذلك المراسل الصحفى «مؤمن الشرافى» الذى فقد 22 من عائلته، بمن فيهم والده ووالدته وبعض أشقائه وأولادهم، والصحفى عادل زغرب، الذى وثّق شهادته حول المجازر البشعة التى يرتكبها الجنود بحق الأطفال والنساء أمام كاميرات المراسلين، فقصف الاحتلال منزله قبل يومين واستشهد، كذلك مراسلة قناة TRT التى قضت نحبها فى قصف منزلها فى خان يونس، وغيرهم كثيرون، أراد الاحتلال الغاشم إسكات أصواتهم فلم يفلح.
هل من الممكن اعتياد الموت إلى هذا الحد؟! من أين أتوا بهذا الثبات وتلك الشجاعة فى مواجهة الموت؟ فجأة يفقدون أغلى ما لديهم: عائلاتهم، آباءهم، أمهاتهم، أشقاءهم، شقيقاتهم، أصدقاءهم، جيرانهم، الكل تحول إلى مشروع شهيد، ثم «شهيد يودع شهيداً»، إن ما يثير العجب والإعجاب معاً هذا الجلد المحفور فى ملامح الوجوه، تماماً كالنقش على الحجر، يقارعون الحياة ويصاحبون الموت!
إنه إعجاز هذا الجيل الذى جُبل على الحرب، ورضع الشقاء، وتأقلم مع فكرة الموت والفقد. لن أنسى مشهد السيدة التى فقدت جميع أطفالها، وهى تقف محتضنة جثة أحدهم يعتصرها الألم وتناجى الله وهى تبكى وتقول: «المهم تكون راضى يا رب»!.
غزة أثخنتها الجراح، وأجهدها الجوع، وأوجعها الخذلان، لكنها صابرة، مرابطة، مرفوعة الرأس، عصيّة على الانكسار، ولم يقتلها اليأس، جحافل الجنود وأسلحة العدو الصهيونى الأكثر فتكاً وتطوراً فى العالم، تحاول دهس كبريائها، لكنها صامدة!
فمن ينقذها من براثن المؤامرة التى تحاك ضدها فى الغرف المغلقة؟ وحدها تقف شامخة فى وجه العدوان بعزيمة رجالها، وشجاعة نسائها، ورباطة جأش أطفالها، وثبات شيوخها، وبسالة وإيمان مقاومتها بعدالة قضيتها، تنهض من وسط الركام والدمار، تضمد جراحها النازفة، تطلق صرخات الاستغاثة برب العباد، «الله أكبر» مع كل تفجير آلية عسكرية للعدو، أو قنص جنوده، أو صاروخ يحط رحاله فى قلب تل أبيب، فيقض مضجع العابثين بمصير هذا الشعب الأبىّ، فما زالت الحرب على أشدها، وما زالت المقاومة صامدة، لم تتراجع قدراتها العسكرية، ولم تهن عزيمتها، أما العبرة، فهى بالخواتيم.
a
..واقرأ لهؤﻻء
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي أحداث السودان سلطان النيادي غزة وإسرائيل مونديال الأندية الحرب الأوكرانية عام الاستدامة غزة وإسرائيل
إقرأ أيضاً:
ارتفاع أعداد المنتحرين في جيش الاحتلال
الجديد برس|
كشفت أوساط الاحتلال عن تزايد أعداد الجنود المنتحرين، ومعظمهم من جنود الاحتياط، وسط تحذيرات من أن الموجة الكبرى لا تزال قادمة في الطريق، لأن العديد منهم يشكلون قنابل موقوتة لا يعلم أحد متى قد تنفجر.
موقع “شومريم” ويعني بالعبرية “الحراس” ذكر أن قصص الجنود النظاميين والاحتياط الذين انتحروا عقب بدء العدوان الدموي على غزة في السابع من أكتوبر بقيت طي الكتمان حتى يومنا هذا، لكن في أوائل يناير 2025، نشر الجيش أرقام من أسماهم “الضحايا” لعامي 2023-2024، وتشير الأرقام لزيادة في عدد حالات الانتحار، حيث انتحر 21 جنديا في عام 2024، و17 في عام 2023، وهو أعلى رقم منذ عام 2011.
وأضاف في تقرير ” أن “البيانات تظهر أن معظم الجنود الذين انتحروا خلال العام الماضي كانوا من جنود الاحتياط، ويزعم الجيش أن العدد ليس مرتفعا، بالنظر إلى أن عدد جنود الاحتياط الذين تم تجنيدهم منذ اندلاع الحرب قد تضاعف تقريبا”.
ونقل عن البروفيسور يوسي ليفي بلاز، رئيس مركز أبحاث الانتحار بمركز روبين الأكاديمي، “تحذيره من أن موجة الانتحار في صفوف الجنود قادمة، معتبرا أرقام الانتحار لـ2023-2024 ليست مرتفعة، لأن حالات الأزمات الحادة التي يمر بها الاسرائيليون تقلل منها، وفي هجوم السابع من أكتوبر، شعروا أنهم ليسوا وحيدين، وأن هناك عدوا خارجيا أكبر من العدو الداخلي، الذي يصبح حينها أقل أهمية، ولكن عندما يعودون لرشدهم، نجد أن عددا لا بأس به منهم كجنود الاحتياط، معرضين للخطر بشكل مفرط، فشدة الصعوبات لا تخف، ويستمرون بالتعامل مع اضطرابات ما بعد الصدمة، مما يجعل الفترة الحالية أكثر خطورة على الانتحار”.
شيري دانيلز، المديرة المهنية الوطنية بجمعية آران، قالت إنه “عندما يخوض الجنود قتالا عنيفا في غزة، يشعرون بتسارع نبضات قلوبهم، وتدفق الأدرينالين في عروقهم، ثم يعودون لمنازلهم من ساحة المعركة، يصدمهم الواقع، وهذا ما يحطمهم، في زمن الحرب، نواجه فترات انتقالية بين الروتين والطوارئ، ثم نعود مجددا مثل لعبة قاسية بين البر والبحر، من الصعب جدا التكيف مع هذه الانتقالات، لأن الصفات التي نحتاجها في الحرب تختلف تماما عن تلك التي نحتاجها في البيت”.
وأضافت أن “الجنود الذين التقتهم بعد عودتهم من غزة، وظهرت عليهم علامات الضغط النفسي، أكدت لهم أنه عندما تكونون في غزة فإنكم تركزون على القتال، بينما في البيت تحتاجون مهارات مختلفة تماما، وحالة ذهنية مختلفة، وهذه الانتقالات تزعزع الاستقرار بشدة”.
ونقلت عن “الكثيرين من الجنود أنهم يعانون في كثير من الأحيان من عجز في العودة للحياة اليومية، و يشعرون فجأة بأنهم غرباء، ولإن كان القتال في غزة واضحا، بينما العودة للمواطنة معقدةٌ للغاية”.
ومن القصص التي لاقت رواجا في الشهور الأخيرة للجندي إيليران مزراحي، الذي تصدرت قضيته عناوين الصحف بعد رفض وزارة الحرب في البداية الاعتراف به من ضحايا الحرب بسبب انتحاره، تقول عائلته، إن ”الابتسامة لم تكن تفارق وجهه، لكن بعد عودته من غزة، وفي الأسابيع التي سبقت انتحاره، كان يتجول باستمرار مرتديا نظارة شمسية، حتى داخل المنزل، لإخفاء الحزن في عينيه، حيث عانى من صدمة ما رآه يوم السابع من أكتوبر داخل كيبوتسات غلاف غزة خلال حصارها من المقاومين، ثم خدم لاحقا كضابط على جرافة D9 في سلاح الهندسة لمدة 187 يوما في غزة”.
وأضافت أنه “خدم في خانيونس وتل السلطان وجميع المواقع الصعبة، وأصيب في ركبته مرتين؛ في المرة الثالثة تم تسريحه من الجيش، ورغم اعترافه بأنه يعاني من أعراض ما بعد الصدمة، لكنه تلقى أمرا احتياطيا آخر للجيش، مما دفعه قبل يومين من الموعد المفترض لدخوله غزة مرة أخرى، للإقدام على الانتحار، مما جعل قضيته حديث الإسرائيليين لأيام طويلة، لأنه بات معروفا عن معاناته من صعوبات نفسية، وبدأ العلاج النفسي”.
تقول عائلته إنه “كان يتحدث عن غزة طوال الوقت، كنا نشاهد معا مقاطع فيديو صورها هناك، وكان يروي كيف دخلوا جميع أنواع الأماكن، لكنه لم يتحدث عن صعوباته النفسية، لم نكتشف الكثير إلا بعد وفاته، فقد كان لا ينام ليلا، والكوابيس تطارده، خاصة وأنه جمع مئات الجثث لعدة أيام في غلاف غزة بعد تنفيذ هجوم السابع من أكتوبر، أحد رفاقه تلقى رصاصة في رأسه، فانفجر تماما، بدأ بالتقاط بقايا دماغه من على الأرض”.