الهدنة ضرورة أمريكية هروبا من حافة الهاوية
تاريخ النشر: 24th, December 2023 GMT
الهدنة ضرورة أمريكية هروبا من حافة الهاوية
مقترحات الهدنة هروب من حافة الهاوية التي تهدد تماسك حكومة الطورائ، ومعها الشراكة والتحالف الصلب مع بايدن وإدارته.
خسارة ورقة الهدنة رفع مستوى توتر المعسكر الأمريكي الإسرائيلي، إذ لم يعد أمامه سوى محاولة شراء الوقت بالمفاوضات، وإشراك الوسطاء.
إصرار المقاومة على وقف إطلاق النار كشرط للمضي في صفقة إطلاق سراح الاسرى وحرمان نتنياهو وحكومته والأمريكان من ورقة الهدن، وضع الشريكين في مأزق.
أعباء جديدة لنتنياهو حاول معالجتها من خلال رفع السقوف بحديثه عن المضي قدماً في الحرب على قطاع غزة، متوعدا المقاومة بالقول: إما الاستسلام أو الموت..
موقف المقاومة وإرادتها الصلبة في رفض الهدنة؛ أفقد الكيان الصهيوني وأمريكا القدرة على المناورة لتخفيف الضغوط الداخلية والاقليمية والدولية، وعلى رأسها ضغوط عائلات الاسرى ومناصريهم.
* * *
مفاوضات الهدنة ووقف إطلاق النار؛ تضع حكومة بنينامين نتنياهو على حافة الهاوية، فإيتمار بن غفير يهدد بانسحاب حزبه من الائتلاف الحاكم في حال التوقيع على اتفاق هدنة يفضي لوقف إطلاق النار.
في الآن ذاته؛ دعا بن غفير لاستعادة الحكومة الموسعة الصلاحيات من حكومة الطوارئ بإخراج الجنرالات السابقين منها، وعلى رأسهم بيني غانتس وغادي آزينكوت عن المعارضة، ويوآف غالانت شريك نتنياهو المشاكس في الائتلاف الحاكم، وخصمه الذي اصطف مع المعارضة، وكاد يطيح في الحكومة؛ لاعتراضه على الطريقة التي أدير فيها ملف التعديلات القضائية قبيل عملية طوفان الاقصى.
أعباء جديدة لنتنياهو حاول معالجتها من خلال رفع السقوف بحديثه عن المضي قدماً في الحرب على قطاع غزة، متوعدا المقاومة بالقول: إما الاستسلام أو الموت.. وهو المصير الذي يحاول نتنياهو الهروب منه بإسقاطه على قطاع غزة ومقاومتها التي وضعته في مأزق يهدد بتفكيك حكومته وائتلافه الحاكم المتهالك.
فإصرار المقاومة على وقف إطلاق النار كشرط للمضي في صفقة إطلاق سراح الاسرى وحرمان نتنياهو وحكومته والأمريكان من ورقة الهدن، وضع الشريكين في مأزق؛ لا يمكن الخروج منه دون تقديم تنازلات مؤلمة تهدد بانفجار تحالفهم الهش، أو حرق المزيد من الاوراق الاستراتيجية في معارك ثانوية، لإنقاذ نخبة متهالكة استنفذت حظوظها السياسية والعسكرية.
موقف المقاومة وإرادتها الصلبة في رفض الهدنة؛ أفقد الكيان الصهيوني وأمريكا القدرة على المناورة سياسيا وإنسانيا للتخفف من الضغوط الداخلية والاقليمية والدولية، وعلى رأسها ضغوط عائلات الاسرى ومناصريهم، التي تتفاعل مع الضغوط الميدانية والسياسية القادمة مما وراء الحدود من لبنان وسوريا وباب المندب، والرأي العام العالمي.
ختاماً.. خسارة ورقة الهدنة رفع مستوى التوتر في المعسكر الأمريكي والإسرائيلي، إذ لم يعد أمامه سوى محاولة شراء الوقت بالمفاوضات، وإشراك الوسطاء، هروبا من حافة الهاوية التي تهدد تماسك حكومة الطورائ، ومعها الشراكة والتحالف الصلب مع بايدن وإدارته.
*حازم عياد كاتب صحفي من الأردن
المصدر | السبيلالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: غزة الاحتلال أمريكا هدنة المقاومة فلسطين حافة الهاوية الكيان الصهيوني وقف إطلاق النار من حافة الهاویة إطلاق النار
إقرأ أيضاً:
احذروا من نتنياهو فهو لم يوقع الاتفاق إلا لمصلحة شخصية
ترجمة: أحمد شافعي
في غزة بدأ الأطفال والصحفيون وعمال الإغاثة الذين شهدوا مقتل أندادهم وزملائهم أمام أعينهم يبتهجون لاحتمال أن يكون هذا الكابوس المعيش على وشك الانتهاء. وكذلك أسر الأسرى الإسرائيليين الذين وقر في نفوسهم أنهم لن يروا أحباءهم مرة أخرى. وليس بوسعنا إلا أن نشاركهم الارتياح. ومع ذلك فإن أسباب الحذر من مستقبل وقف إطلاق النار في المدى البعيد لا حصر لها.
لقد عشنا هذا من قبل. ولا يزال يسيطر عليَّ فيديو من شهر يناير يظهر فيه صحفي الجزيرة أنس الشريف البالغ من العمر ثمانية وعشرين عاما وهو يخلع الواقي الصحفي والخوذة على الهواء قبل أن يحمله حشد مبتهج على الأعناق وهو يعلن خبر وقف إطلاق النار. لقد أدى ذلك الاتفاق إلى تبادل ناجح لأسرى إسرائيليين وفلسطينيين، وأتى لغزة بشهرين من الانفراج النسبي قبل أن تمزق إسرائيل الاتفاق بإطلاقها أكثر من مائة غارة جوية على الأرض المحاصرة في ليلة واحدة، فتقتل أكثر من أربعمائة فلسطيني. وبعد خمسة أشهر قصفت إسرائيل خيمة صحفية خارج مستشفى مدينة غزة، فقتلت شريف وخمسة صحفيين.
صفقة سيئة خير من عدمها (وفي ظل وجود دونالد ترامب وتوني بلير على رأس مستقبل غزة فهذه يقينا صفقة سيئة)، ولكن المثير للقلق بصفة خاصة هو تغير الخطاب الرسمي الموحي بأننا قد لا نصل أصلا إلى ذلك المدى. فبحسب إعلان ترامب ليلة الأربعاء؛ يكون ما اتفقت عليه الأطراف في واقع الأمر «المرحلة الأولى»، وهذا مصطلح لا يرد ذكره مطلقا في نص الاتفاق نفسه، وهو يذكرنا باتفاق يناير الذي صاغته إسرائيل لتيسير استئنافها للحرب بعد إطلاق سراح بضع عشرات من الأسرى.
لم يكن ذلك التلاعب باللغة اعتباطيا. ومثلما قال الصحفي آميت سيجال ـ الذي يعد من أبواق بنيامين نتنياهو في الإعلام الإسرائيلي ـ صباح يوم الخميس: «لا وجود لمرحلة ثانية. وهذا واضح للجميع، أليس كذلك؟ المرحلة الثانية قد تحدث يوما ما، لكنها غير مرتبطة بما تم التوقيع عليه. الاتفاقية الموقعة الآن هي اتفاقية إطلاق سراح الأسرى. ولا تنطوي على أي شيء يتعلق بالمستقبل».
فهل ينبغي أن نفهم من هذا أن نتنياهو يخطط فعليا لاستئناف الحرب بعد إطلاق سراح بقية الأسرى مثلما فعل في المرة السابقة؟ هذه يقينا قراءة محتملة، لكن المراقبين الخبراء برئيس الوزراء الإسرائيلي سيعلمون أن ما أبقاه على القمة طوال سنين كثيرة هو قدرته على اللعب بكرات عدة في وقت واحد، والتنقل بينها لتحديد أيها أنفع لأجندته الشخصية والسياسية في أي لحظة معينة. وفي الوقت الراهن يبدو أن حساباته قد تغيرت.
لكي نفهم نتنياهو علينا أن نفهم ما الذي يؤثر على اتخاذه للقرار. العامل الأساسي الأول هو محاكمته المستمرة أمام القضاء الإسرائيلي بعد اتهامه في عام 2019 بالرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة بما يهدد بفترة سجن طويلة. منذ ذلك الحين بات نتنياهو أشد تصميما من ذي قبل على الاحتفاظ بمنصبه رئيسا للوزراء من أجل أن يطيل أمد المحاكمة، ويدرأ عن نفسه التهم. وهذا هو ما أفضى به إلى إلقاء ثقله السياسي على الأصوليين المشيحانيين قبل انتخابات 2022 من أجل ضمان رجوعه إلى رئاسة الوزراء، وكان ذلك دافعا أساسيا لحملة حكومته الصليبية على استقلال النظام القضائي في إسرائيل.
العامل الثاني هو سبب دخوله السياسة في المقام الأول: أن يمنع أي تقدم ذي شأن نحو إقامة دولة فلسطينية. فمن قضائه على البقية الباقية من عملية سلام أوسلو لدى توليه المنصب للمرة الأولى في تسعينيات القرن الماضي إلى تظاهره بالولاء لمبادرات السلام الأمريكية التالية مع تشريعه الضم التدريجي للضفة الغربية المحتلة جعل نتنياهو مهمة حياته هي أن يضمن عدم قيام دولة فلسطينية أبدا في ما بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط.
منذ السابع من أكتوبر انصهرت هذه الدوافع فبات لها أثر مدمر؛ فبعد أدمى هجمة على الإسرائيليين في تاريخهم تهاوت شعبية نتنياهو إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق. فأفضى به تشبثه اليائس بالسلطة إلى الانغماس في حرب إبادة بلا أهداف واضحة على أمل أن تحافظ على تماسك حكومته لوقت كاف لاستعادة شيء من الشبه بمقامه السابق. فكان معنى هذا تخريب مفاوضات وقف إطلاق النار عند كل منعطف تقريبا، وإلغاء الاتفاق الذي وقعه في يناير الماضي فور أن يصبح ذلك مناسبا له.
وبريادته طويلا سياسة «إدارة الصراع» بهدف الحفاظ على إخضاع الفلسطينيين؛ سرعان ما بدأ نتنياهو اللعب بكرة أخرى. فبإغراء احتمال إخراج مليوني فلسطيني من المعادلة الديموغرافية مرة واحدة، وبتشجيع من افتتان ترامب المفاجئ بـ«ريفيرا غزة» تبنى رئيس الوزراء الإسرائيلي أجندة الطرد الخاصة باليمين المتطرف. وسلك مسارات مختلفة في محاولة لتطهير المنطقة عرقيا من الفلسطينيين، لكنه في نهاية المطاف اصطدم بحدود مصرية صارمة وبعالم غير مهتم باستيعاب مئات آلاف اللاجئين الجياع.
قرر نتنياهو تغيير المسار مرة أخرى، ووقع اتفاقية وقف إطلاق نار جديدة؛ فقد فشلت جهوده لإفراغ غزة من الفلسطينيين. وباتت إسرائيل تتحول إلى دولة منبوذة في العالم مع كل الأعباء الاقتصادية والثقافية المترتبة على ذلك. ولم ترتفع شعبيته بأي شكل برغم منجزات الجيش التي تباهى بها الشهر الماضي في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وفي الأفق انتخابات قادمة.
يبدو الآن أنه يعتقد أن ربحه من إعلان نصر شامل في غزة لإطلاق حملة إعادة انتخابه سيكون أكبر من ربحه من مواصلة الحرب؛ ففي حالة فقدان ائتلافه لليمين المشيحاني الذي يهدد زعماؤه بالانسحاب من الحكومة ردًا على وقف إطلاق النار، وليكن؛ سوف يتواصل مع الجانب الآخر باسم «المسؤولية الوطنية»، ويجد شركاء قدامى جددا.
وما من ضرر على الحملة في جلسات التصوير مع الأسرى الإسرائيليين العائدين وترامب المنتصر الذي ينتظر أن يزور إسرائيل في الأيام القادمة، ولا الخطوات إلى مزيد من اتفاقيات التطبيع التي قد تتيسر باتفاق وقف إطلاق النار، وقد تكون مع إندونيسيا والمملكة العربية السعودية وربما سوريا. ونتيجة لحساباته الخاصة والمزيد من الضغط القليل الذي لم يعهده من البيت الأبيض؛ يميل نتنياهو إلى صفقة مشيدا بمزاياها ومداعبا نرجسية ترامب. وآخر أمثلة ذلك صورة مولدة بالذكاء الاصطناعي نشرها عبر موقع إكس، ويظهر فيها وهو يضع على عنق ترامب «جائزة نوبل عملاقة للسلام» أمام حشد من المعجبين.
غير أنه بفصل تنفيذ وقف إطلاق النار إلى مراحل فيها يمنح رئيس الوزراء الإسرائيلي نفسه مجددا خيار تخريب الاتفاق في حال تغييره رأيه. ومن المؤكد أنه ليست لديه أي نية في تمهيد «طريق حقيقي إلى حق تقرير مصير ودولة للفلسطينيين» بحسب نص الاتفاقية. وبقية المجتمع الدولي التي تجاهلت أو دعمت إسرائيل لسنتين وهي تدمر غزة لا يمكنها ببساطة السماح لنتنياهو بتخريب اتفاق آخر، ويجب أن تتدخل لضمان مقابلة أي انحراف ببأس دبلوماسي.
وليس بوسع المجتمع الدولي أن يتراخى؛ إذ تتحول إسرائيل حتما إلى الضفة الغربية حيث أرغمت عشرات آلاف الفلسطينيين على النزوح خلال العامين الماضيين. فليس للاعتراف بدولة فلسطينية من معنى طالما ظل مسموحا لإسرائيل أن تواصل التهام الأرض الفلسطينية آمنة من أي عقاب. ولن تتلاشى بين عشية وضحاها حمى التدمير التي استولت على قطاع ضخم من المجتمع الإسرائيلي؛ ولذلك حذرت جماعة بيتسليم الحقوقية الإسرائيلية من أن الإبادة الجماعية قد تنتقل ببساطة إلى الضفة الغربية.
وحتى في حال صمود وقف إطلاق النار لا يمكن الرجوع إلى وهم «الوضع المعهود» السابق للسابع من أكتوبر؛ فالجرائم ضد الإنسانية تستوجب الحساب والعدل، وبخاصة لمن قضوا نحبهم قبل أن يروا نهايتها. لا بد من إعادة بناء غزة، ولا بد من تحرير الفلسطينيين من قبضة إسرائيل الخانقة.
بين ريف كبير المحررين في مجلة 972+الترجمة عن الجارديان