إضراب عام غدا في إسبانيا دعما لغزة ورفضا للعلاقات مع إسرائيل
تاريخ النشر: 14th, October 2025 GMT
تستعد إسبانيا غدا الأربعاء لتنفيذ إضراب عام دعت إليه أبرز النقابات العمالية والطلابية، احتجاجا على الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الفلسطينيون في قطاع غزة منذ عامين.
ويطالب المشاركون في الإضراب بقطع كافة أشكال العلاقات مع إسرائيل وتفعيل العقوبات عليها، وتحويل الإنفاق العسكري بين الحكومة الإسبانية وإسرائيل إلى المجالات الاجتماعية الحيوية التي تهم المجتمع الإسباني، مستندين في ذلك إلى نماذج من الإضرابات والمقاطعة الدولية السابقة مثل ما قامت به جنوب أفريقيا ضد نظام الفصل العنصري.
ويأتي هذا الإضراب في خضم الاتفاق على وقف إطلاق النار الذي أعلن عنه الأسبوع الماضي ودخل حيز التنفيذ، لكن المنظمين يصرون على استمرار تحركاتهم حتى "تحقيق العدالة ووقف كافة أشكال التعاون مع إسرائيل"، في ظل ما يعتبرونه "تقاعسا حكوميا" في اتخاذ إجراءات عملية نصرة للفلسطينيين.
كما تأتي هذه الدعوات مترافقة مع موجة تصاعدية من الاستياء الشعبي والمواقف النقابية في إسبانيا بعد مهاجمة إسرائيل "أسطول الصمود" الذي انطلق من برشلونة بمشاركة أوروبية واسعة، وسط انتقادات لموقف الحكومة الإسبانية التي اكتفت -حسب النقابات- بتدخل إجرائي دون اتخاذ تدابير فعلية ضد إسرائيل.
وفي الشهر الماضي، شهد ميناء مدينة برشلونة بإسبانيا انطلاق أولى سفن "أسطول الصمود" لكسر الحصار المفروض على قطاع غزة ووقف الإبادة الجماعية التي يتعرض لها سكان القطاع منذ عامين، وسرعان ما انضمت إلى الأسطول عدة سفن من محطات عربية وأوروبية، ووصل عددها إلى نحو 50 سفينة وعلى متنها أكثر من 1000 ناشط من مختلف الجنسيات، لكن البحرية الإسرائيلية هاجمت الأسطول في المياه الدولية واعتقلت المشاركين فيه.
أهداف الإضراب العام في إسبانيا
وأجرى الجزيرة نت عددا من المقابلات الصحفية مع مسؤولين بالنقابات الإسبانية الداعية لهذا الإضراب، حيث صرح المتحدث باسم الاتحاد العام للعمال سانتياغو دي لا إيغليسيا بأن الإضراب الحالي "ليس مجرد تعبير رمزي، بل هو تكثيف لمسار نقابي طويل يهدف إلى فرض تغيير فعلي في سياسات الحكومة تجاه إسرائيل".
إعلانوأوضح لا إيغليسيا أن دوافع الإضراب تتوزع بين التضامن مع نضال الشعب الفلسطيني، وضرورة الضغط لقطع العلاقات السياسية والتجارية والرياضية والثقافية مع إسرائيل، مطالبا بإجراءات مماثلة لتلك التي فُرضت على نظام الفصل العنصري في دولة جنوب أفريقيا.
ويؤكد أن الإنفاق الإسباني على التسلح وعلاقات ذلك التجارية مع إسرائيل يجب أن يتحول لصالح القطاعات الاجتماعية في البلاد كالصحة والتعليم، مبرهنًا على ذلك بما وصفه "بتقاعس الحكومة على مدار عامين" إذ اكتفت بالإعلان عن دعم رمزي من دون فرض أي حظر حقيقي على تصدير الأسلحة أو اتخاذ تدابير ضد الشركات المتواطئة مع الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية، حسب قوله.
من جهته، يرى ممثل التضامن العمالي والناطق الرسمي باسم الإضراب ألفارو أوبيرا أن الإضراب وسيلة لإجبار الحكومة على "إنهاء التواطؤ مع دولة تمارس الإبادة الجماعية"، منتقدًا قرار الحكومة بشأن حظر السلاح الذي أُقر الأربعاء الماضي، معتبرًا أنه لا يتجاوز كونه محاولة لتجميل الصورة أمام الرأي العام، إذ يتضمن استثناءات كثيرة تتيح استمرار التجارة العسكرية، مشددا على ضرورة فرض عقوبات رادعة والمطالبة بمحاكمة مرتكبي جرائم الحرب في فلسطين أمام المحكمة الجنائية الدولية.
أما الأمينة العامة لاتحاد الطلاب في إسبانيا كورال كامبوس فأشارت إلى أن الإضراب الطلابي يُعدّ ردا مباشرا على مشاهد القتل والتشريد في غزة، حيث يدعو الاتحاد إلى إفراغ الفصول الدراسية واحتلال الشوارع، تعبيرا عن رفض خطة السلام المفروضة التي "تُجمل الاحتلال وتمنحه شرعية دولية"، مع مطالبة الحكومة الإسبانية بقطع العلاقات الفورية وحظر تصدير الأسلحة من دون استثناءات، وضمان عدم مشاركة أي جهة إسبانية في دعم الصناعة الحربية الإسرائيلية.
وتشير تصريحات المتحدثين السابقة إلى أن موقف الحكومة الإسبانية لم يرتق لمستوى المطالب الشعبية والنقابية، وذلك على الرغم من مواقفها المتقدمة في الاعتراف بالدولة الفلسطينية والمطالبة بوقف الإبادة الجماعية والعدوان على غزة في أكثر من خطاب سياسي.
لكن المتحدث باسم الاتحاد العام للعمال في إسبانيا يرى أن التصريحات الرسمية لم تترجم إلى أفعال، مؤكدا أن الحكومة لم تفرض حظرا حقيقيا على تصدير الأسلحة، ولم توقف العلاقات التجارية مع إسرائيل رغم تصاعد الاحتجاجات وتعاظمها خلال السنتين الماضيتين.
ويضيف لا إيغليسيا -في تصريحات للجزيرة نت- أن "الإجراءات الحكومية حتى الآن غير كافية بشكل واضح، واقتصرت أساسًا على إصدار بيانات من دون تدابير عملية كالتي فُرضت سابقا ضد نظام الفصل العنصري".
أما أوبيرا، فيسهب في انتقاد قرار الأربعاء الماضي المتعلق بحظر الأسلحة، موضحا أن القانون الملكي أُقرّ الأسبوع الماضي واحتوى على العديد من الاستثناءات التي تفقده فعاليته، لافتا إلى أن الاعتراف الإسباني العام الماضي بالدولة الفلسطينية لم يكن ذا أثر عملي، إذ تم في ظل استمرار احتلال معظم الأراضي الفلسطينية، مما يمنح شرعية للوجود الإسرائيلي ويقوض أي فرص للحل.
إعلانلكن كامبوس تؤكد أن الحكومة الإسبانية تواصل سياسات متناقضة، فالرئيس يدين الإبادة الجماعية ويعد بدعم غزة، لكنه يرفض تطبيق الحظر الكامل ويستمر في علاقاته التجارية مع إسرائيل، ويرسل الشرطة لقمع المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين.
وتشير الأمينة العامة لاتحاد الطلاب في إسبانيا -في تصريحات للجزيرة نت- إلى أن رد فعل الحكومة تجاه الاعتداء على أسطول الصمود لم يتجاوز طلب العودة الآمنة للنشطاء بدلا من التصعيد السياسي والدبلوماسي، مما اعتبره الطلاب دليلا على التردد الرسمي والتواطؤ مع السياسات الإسرائيلية.
ويمثل هجوم البحرية الإسرائيلية على "أسطول الصمود" نقطة تحول في المشهد الإسباني، كما يقول المتحدثون للجزيرة نت، حيث يشدد المتحدث باسم الاتحاد العام للعمال الدور النقابي الذي قام به في مناصرة أحد أعضائه المعتقلين ضمن الأسطول، مبينا أن الهجوم يمثل "انتهاكا صارخا للقانون الدولي وقانون الملاحة البحرية"، وطالب الحكومة الإسبانية برفع شكاوى رسمية لدى المؤسسات الدولية لمحاسبة إسرائيل على تصرفاتها.
ويمضي الناطق الرسمي باسم الإضراب -في تصريحاته للجزيرة نت- نحو اتخاذ موقف أكثر تشددا ضد الحكومة، مطالبا إياها باتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه الاعتقال غير القانوني للنشطاء المشاركين في أسطول الصمود، معتبرًا أن ما حدث معهم جزء من سياسات الاحتلال المستمرة ضد التضامن الدولي، مشددا على ضرورة عدم الاكتفاء بالإفراج عن المعتقلين بل الدفع نحو محاكمة مرتكبي الإبادة الجماعية أمام الجهات الدولية المختصة.
لكن لا توري ركزت على الجانب الإنساني، مؤكدة أن الدفاع عن الضحايا لا يرتبط بجنسياتهم، وذلك في ظل ما تعرض له النشطاء من تعذيب وانتهاك على يد إسرائيل، معتبرة أن "موقف الحكومة الإسبانية تجاه الأسطول كشف عن تواطؤ أوروبي أوسع في حماية المعتدين أكثر من حماية النشطاء". وترى أن حادثة الأسطول عززت حملة المقاطعة (BDS) والنضال الطلابي الميداني، مطالبة الحكومة باتخاذ إجراءات تضامنية أكبر وتحويل القضية إلى ملف دولي.
ما بعد اتفاق وقف إطلاق النار
وينظر النقابيون والطلاب إلى اتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ الأسبوع الماضي بوصفه حدثا محوريا وضروري جدا لسكان القطاع، لكنه غير كافٍ لإنهاء الإضراب أو خفض سقف المطالب.
ويوضح المتحدث الرسمي باسم الاتحاد العام للعمال أن جميع الإجراءات التضامنية ستستمر، مؤكدا أن المطالبة بقطع العلاقات ومحاسبة مجرمي الحرب على رأس أولويات الحركة النقابية، إذ يعتبر أن السلام الحقيقي لا يتحقق من دون عدالة وضمانات دولية.
ويلفت ممثل التضامن العمالي إلى أن الاتفاق الأخير لم يتضمن إنهاء الاحتلال الإسرائيلي أو معالجة آثاره، ويرى أن أي تهدئة لن تصمد أمام استمرار الانتهاكات الإسرائيلية، مطالبًا بمواصلة الضغط الشعبي والعمل على عزل إسرائيل دوليا.
وتشير كومباس إلى أن اتفاق وقف إطلاق النار لم يوقف القصف الإسرائيلي أو قتل الصحفيين في غزة حتى الآن، مؤكدة أن النضال الطلابي والعمالي سيبقى مستمرا حتى تتحرر فلسطين وتُفرض العقوبات اللازمة على إسرائيل، مشددة على أن الجهود الدولية لن تُجدي نفعا إلا إذا رافقها عمل شعبي منظم وضاغط.
ويجمع المتحدثون جميعا على أن الهدف من الإضراب ليس مجرد رد فعل ظرفي، بل هو تعبير عن قناعة راسخة بأن أي تسوية غير عادلة أو تكرّس الاحتلال لن تكون مقبولة شعبيا، وأن التحرك سيبقى متواصلا مهما تغيرت التفاهمات الرسمية.
وشهدت إسبانيا خلال العامين الماضيين مظاهرات وفعاليات تعد هي الأبرز في القارة الأوروبية، وذلك من أجل التضامن مع القضية الفلسطينية وضد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وما تخلله من حصار خانق وإبادة جماعية ونزوح جماعي لأكثر من مليوني فلسطيني، هم كل سكان القطاع.
إعلانالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: غوث حريات دراسات موقف الحکومة الإسبانیة الإبادة الجماعیة أسطول الصمود للجزیرة نت فی إسبانیا مع إسرائیل وقف إطلاق أکثر من إلى أن من دون
إقرأ أيضاً:
سفارة إيران في فنزويلا: منح نوبل لمُبَرِّرَة الإبادة الجماعية في غزة سخرية من مفهوم السلام
أوضحت السفارة الإيرانية في فنزويلا منح جائزة "السلام" لمُبَرِّرَة الإبادة الجماعية في غزة ليس سوى سخرية من مفهوم "السلام"، وذلك ردا على منح جائزة نوبل للسلام إلى "ماريا كورينا ماتشادو"، زعيمة معارضي حكومة فنزويلا وأيضا المؤيدة للكيان الصهيوني.
وكتبت السفارة الإيرانية في حسابها الرسمي على منصة إكس: "منح جائزة 'السلام' لمُبَرِّرَة الإبادة الجماعية في غزة والمطالبة بالعدوان العسكري الأجنبي على دولة فنزويلا، ليس سوى دليل آخر على العقلية المُفَرِّقَة والمتدخلة للغرب في الدول النامية".
وأكدت السفارة الإيرانية: "هذا الاختيار ليس سوى سخرية من مفهوم 'السلام'".
ماريا كورينا ماتشادو، المولودة في 7 أكتوبر 1967 في كاراكاس، هي مهندسة صناعية وسياسية دخلت المعترك السياسي عام 2002 بتأسيس منظمة غير حكومية باسم "سوماته".
وقد اختارتها لجنة جائزة نوبل للسلام كفائزة بجائزة نوبل للسلام. وماتشادو هي زعيمة معارضي حكومة فنزويلا.
هي تصف نفسها بأنها ليبرالية وتطلق على حكومة نيكولاس مادورو اسم "مافيا إجرامية"، لكن منتقديها، بما في ذلك أنصار اليسار ومحللون مستقلون، يتهمونها بالارتباط برأس المال الأجنبي ولعب دور في تفاقم الأزمة الاقتصادية في فنزويلا.