عمرو عاطف البنا يكتب: العدالة الاجتماعية بين الحلم والإرادة
تاريخ النشر: 26th, December 2023 GMT
العدالة الاجتماعية هى العدالة من حيث توزيع الثروة، والفرص، والامتيازات داخل المجتمع، وغالباً ما يشير مفهوم العدالة الاجتماعية إلى عملية ضمان قيام الأفراد بأدوارهم المجتمعية والحصول على ما يستحقونه من المجتمع. وفى حركات العدالة الاجتماعية الحالية، تم التركيز على كسر الحواجز للحراك الاجتماعى، وإنشاء شبكات الأمان، وتأمين العدالة الاقتصادية.
تعتبر العدالة الاجتماعية واحداً من أشهر المطالب التى نادت بها الثورات السلمية فى مختلف بلدان العالم وبالأخص مصر، وعول على ذلك كونها غريزة إنسانية فى المجتمعات والبلدان، فمن الصعب أن يعيش الفرد فى مجتمع لا يشعر فيه بالعدالة بين طبقات المجتمع، وكان ذلك من أهم المحاور التى قامت عليها ثورة يناير المجيدة.
من أهم نجاحات الدولة المصرية الحديثة؛ نجد أن مشروع «حى الأسمرات» قام من أجل القضاء على العشوائيات الخطرة فى مناطق الدويقة وعزبة خير الله وإسطبل عنتر فى إطار التكافل الاجتماعى، وما حدث لمنطقة غيط العنب بالإسكندرية وتحويلها من منطقة حاضنة لمسببات الفقر وأركان البلطجة ومنازل غير آمنة على قاطنيها إلى مناطق مبنية على طراز عصرى وآدمى وتوفير سوق ومحلات تجارية ووحدات خدمية ومسجد ومستشفى.
من أبرز أهداف مشروع «بشاير الخير» تنمية قدرات قاطنى المشروع بعد تسكينهم فى منازلهم الجديدة من خلال توفير فرص عمل لهم بعد تأهيلهم فى مراكز للتدريب المهنى والحرف اليدوية وإنشاء مركز لتدريب وتأهيل ذوى الهمم والتوحد، ونصل إلى المشروع الأضخم فى الدولة المصرية الحديثة وهو مشروع «حياة كريمة» وذلك لقيامه على تحديث البناء الاجتماعى فى المجتمع المصرى، إلى جانب تطوير البنية التحتية فى الريف المصرى، ما يوفر لهم أكبر قدر من العيشة الآدمية ويحقق العدالة الاجتماعية بين نسيج المجتمع المصرى.
نصل أخيراً إلى أن الوعى المجتمعى هو ما يشعرنا بالإنجازات التى تقوم بها الدولة المصرية الحديثة، فلا بد من التفاعل مع تلك المشروعات وإدراك أن التغيير لا بد أن يشمل نظرة الفرد للمجتمع، ومتى تحققت هذه العدالة الاجتماعية تؤدى إلى هدفها الأسمى وهو ترسيخ وعلو قيم الولاء والانتماء للوطن، ما يحقق الأمن المجتمعى، وهذا من أهم مقومات الأمن القومى.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: العدالة الاجتماعية الدولة المصرية العدالة الاجتماعیة
إقرأ أيضاً:
إبراهيم شقلاوي يكتب: أمن المعلومات واستعادة البيانات
يكتنف المشهد السوداني الراهن تحديات معقدة وأزمات بنيوية ملتبسة، تمسّ سيادة الدولة واستقلال قرارها الوطني. خلال هذه الظروف، تمرّ أحيانًا بعض الأخبار المهمة دون أن تحظى بما تستحقه من اهتمام وتأمل.
من ذلك ما تداولته الوسائط الإعلامية مؤخرًا حول استعادة وتشغيل المركز القومي للبيانات بالخرطوم، وهو خبر يعكس تحوّلًا كبيراً في بنية الدولة السودانية، وربما لحظة سيادية فارقة في مسارها المعقد نحو استعادة تماسكها الأمني .
إن إعلان وزير التحول الرقمي والاتصالات، المهندس أحمد الدرديري، عن إعادة تشغيل المركز القومي بعد اكتمال تأهيله الفني والتقني، على مساحة تُقدّر بـ1300 متر مربع، وتجهيزه بأنظمة الحوسبة السحابية وأمن البيانات والذكاء الاصطناعي، لا يمكن اعتباره مجرد إنجاز إداري، بل هو إشارة إلى تحوّل في الذهنية الرسمية للدولة، التي بدأت – على ما يبدو – في إعادة التفكير في أدوات السيطرة، ومفاتيح القرار، ومنطلقات إعادة البناء للمرحلة المقبلة.
فالمركز القومي للبيانات لا يمثل مجرد بنية تحتية رقمية، بل يُعدّ عصبًا حيويًا في جسد الدولة الحديثة، وأداة حاكمة في إعادة تنظيم المجال العام وضبط العمليات المؤسسية والإجرائية واستعادة الهيبة المركزية. وهنا يبرز سؤال جوهري: ما معنى أن تمتلك الدولة قدرتها على إدارة بياناتها؟
في الحالة السودانية يتجاوز الجواب الجانب الفني التقني إلى جوهر السياسة والسيادة والحاكمية، وينتقل من حقل البرمجيات إلى ميدان السلطة.
امتلاك البيانات يعني امتلاك أدوات الحكم والتحكم في الموارد، والتخطيط للتنمية، وحماية القرار الوطني من الارتهان، خصوصًا في بيئة تتنازعها الأطماع وصراعات النفوذ عبر بوابة أمن المعلومات.
ورغم ظروف الحرب وتحديات إعادة البنية التحتية، نجحت الوزارة المعنية في خوض معركة من نوع آخر: صامتة، وغير عسكرية، لكنها حاسمة. إنها معركة الحق في الوجود الرقمي، التي أعادت من خلالها الدولة نبضها المؤسسي، وبعثت رسالة وطنية تقول إن السودان، وإن بدأ محاصرًا بالضغوط، لا يزال حاضرًا في بنيته السيادية الأساسية، وأن التعافي ليس حلمًا نظريًا، بل مسارا واقعيا يبدأ من استعادة أدوات الإدارة.
فعودة مركز البيانات لا تعني فقط تشغيل أنظمة الأرشفة والمعاملات، بل إحياء نبض الدولة ذاته، ومنحها فرصة لترتيب أولوياتها من الداخل، بعيدًا عن فوضى الحرب.
فالإدارة الرقمية اليوم ليست رفاهية، بل شرط وجودي لاستمرار الدول وتماسكها، خصوصًا في لحظات التفكك البيروقراطي وتراجع السلطة التنظيمية الجامعة للخدمات وتأمين المعلومات.
لقد غدت البيانات في هذا العصر مكونًا أصيلًا من مكونات الأمن القومي، لا تقل أهمية عن الحدود أو السلاح أو الاقتصاد. والدولة التي تفقد مفاتيحها الرقمية تصبح عرضة للاختراق أو الهيمنة.
ومن ثم فإن استعادة المركز القومي للبيانات تعني أن السودان استعاد واحدة من أهم أدوات السيادة والحوكمة والقدرة على التنظيم والإدارة.
وعلى المستوى الإقليمي والدولي، باتت البنى الرقمية ساحة تنافس صامتة بين القوى الكبرى؛ منافسة أقل ضجيجًا من المدافع، وأكثر تأثيرًا من الدبلوماسية. وبما أن السودان يتموضع في قلب الجغرافيا الإقليمية الملا بالأطماع والتحديات ، فإن امتلاكه لبنيته الرقمية يوفّر له تحصينًا سياسيًا وأمنيًا، يضعه في موقع الندّية في التعامل مع الفاعلين الدوليين، فضلًا عن تهيئة بيئة جاذبة للاستثمار والشراكات التنموية.
ويكتسب هذا التحوّل أهمية إضافية لكونه شرطًا أساسيًا في أي عملية سياسية مقبلة؛ إذ لا يمكن تصور انتخابات نزيهة أو تحول ديمقراطي موثوق دون قواعد بيانات محمية ومنظومات رقمية شفافة. فغياب البنية المعلوماتية الصلبة يعني إعادة إنتاج العشوائية والفوضى ، وتفريغ العملية السياسية من مضمونها.
إن استعادة المركز القومي للبيانات ليست عملًا إداريًا فحسب، بل فعلًا سياديًا يعكس وعيًا جديدًا بالعلاقة بين السلطة والمعرفة، وبين الدولة والبيانات. إنها خطوة للحد من الهشاشة المعلوماتية التي تمثل أحد أخطر مظاهر الانهيار. فالدولة التي تفقد سيطرتها على بياناتها تفقد تدريجيًا قدرتها على حماية مواطنيها ومؤسساتها وكيانها القانوني.
لذلك، فإن هذا الحدث، مهما بدأ بسيطًا في نظر البعض، هو لحظة تأسيسية يمكن البناء عليها. فهو يعكس إرادة داخلية تحاول النهوض من تحت الطوق والخذلان، وإعادة تأسيس المشروع الوطني الجاد انطلاقًا من أدوات العصر ومقتضيات الحداثة الإدارية.
وبحسب وجه الحقيقة، فإن الخرطوم، حين تستعيد مركز بياناتها، فهي تستعيد وعيها السيادي ونبضها الرقمي، وتعلن أن الفوضى ليست قدرًا مفروضًا، بل حالة يمكن تجاوزها بالإرادة والتنظيم. وربما تكون هذه الإجراءات الرقمية هي الإشارة الأولى لمسار تعافٍ طويل ، يعيد النقاش حول مستقبل الدولة من مدخل المعرفة والتنظيم والسيادة الرقمية، لا من مدخل السلاح و الابتزاز الاقليمي والدولي.
إبراهيم شقلاوي
دمتم بخير وعافية.
14 أكتوبر 2025م Shglawi55@gmail.com