هل تشهد أزمة المعيشة في بريطانيا انفراجة وشيكة في 2024؟
تاريخ النشر: 27th, December 2023 GMT
تشهد المملكة المتحدة أزمة معيشية حادة، تضع البريطانيين أمام تحديات وصعوبات في تأمين الغذاء بسبب ارتفاع الأسعار غير المسبوق، وكذلك بسبب شح بعض المواد المطلوبة.
هذا الوضع دفع كثيراً من الأسر إلى تقليص ميزانياتها بسبب ارتفاع التكلفة فيما يتعلق بالمعيشة، في حين اضطر الكثيرون للبحث عن طرق بديلة للحصول على السلع الضرورية التي تقلصت في عديد من الأحيان.
وسجلت المملكة المتحدة تزايداً في سرقات السلع الغذائية من المتاجر، طبقاً لتقرير نشرته صحيفة "الغارديان"، ومع بزوغ سوق سوداء للغذاء يلجأ إليها البعض من أجل الحصول على الغذاء.
وبحسب الصحيفة، فإن البيانات تشير إلى أن العام الجاري 2023 سجل معدلات قياسية في عمليات سرقة البقالات والمتاجر، وهو ما كلف صناعة التجزئة ما يصل إلى مليار جنيه استرليني، بحسب التقديرات الصادرة عن اتحاد التجزئة البريطاني.
كما أن البيانات الصادرة عن وزارة الداخلية البريطانية، تكشف عن أن معدلات الجريمة بلغت أعلى مستوياتها في هذا السياق.
عوامل تفاقم الأزمة
وفي هذا الإطار، يشير الباحث في الشؤون السياسية والاقتصادية الدكتور حميد الكفائي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إلى أن أهم عامل تسبب في تفاقم مشاكل أزمة المعيشة في بريطانيا هو ارتفاع أسعار الطاقة الناتجة عن اندلاع الحرب في أوكرانيا، إلى جانب اندلاع أزمة الطاقة مباشرة بعد أزمة كورونا، حيث كان العالم شبه مغلق خلال سنتين وفجأة ترتفع أسعار الطاقة وتندلع أزمة عالمية جديدة.
ويضيف الكفائي، بأن هناك أيضا أزمة البريكست على إثر خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والتي وتسببت في مغادرة عديد من الشركات لبريطانيا وكذا الكفاءات، حيث حدثت في بريطانيا أزمة كبيرة في سائقي الشاحنات، وهذه الأزمة جاءت متزامنة مع أزمتي كورونا والطاقة، وهذه الأسباب الثلاثة (بريكسيت والحرب في أوكرانيا وأزمة كورونا) تضافرت لتفاقم أزمة تكاليف المعيشة في بريطانيا.
وعن تأثير الأزمة في الطلب والعرض، يوضح أنه عندما تتقلص الأموال بالتأكيد فإن الطلب سيتقلص وهذا هو السعي لتقليص معدل التضخم بأن تحدث الحكومة كسادا؛ بحيث يتقلص الطلب بتقلص الأموال والتي لا تتقلص إلا عندما تكون القروض صعبة أو مكلفة؛ لذلك فإن ارتفاع أسعار الفائدة يقلص من توفر الأموال المتاحة لدى المستهلكين ما يدفعهم إلى التحفظ والاقتصاد.
فيما يخص تأثير انخفاض معدل التضخم على الأزمة، يبين أن هناك معدلين للتضخم؛ الأول التضخم الأساسي: وهذا يستثني أسعار الطاقة وأسعار المواد الغذائية وكل المواد المتقلبة الأسعار. والثاني هو التضخم الرئيسي، وهو مقياس للتضخم يستبعد بعض السلع والخدمات التي تتأثر بالتغيرات الإدارية أو المؤقتة في الأسعار، إذ عندما يتقلص يمكن أن نتحدث عن انفراج تدريجي لأزمة تكاليف المعيشة.
وينبه بأن مؤشر الأسعار الاستهلاكية والذي مازال مرتفعا ويقترب من 5 بالمئة هو ما يهم الناس بالأساس لأنه يشمل المواد الغذائية والمواد الأساسية، وليس معدل التضخم.
أسعار الفائدة
ويلفت إلى أن خفض معدل التضخم له ثمن كونه يأتي على حساب سعادة الناس وحريتها وصحتها، معتبرا أنه لولا تعاون البنوك العقارية مع المقترضين لرأينا عمليات إخلاء واسعة النطاق من المنازل بسبب عدم قدرة المقترضين على تسديد أقساط القروض العقارية.
ويقول إنه لا يوجد نمو اقتصادي بينما يتجه البلد الآن نحو الكساد الخفيف، وهذا يتسبب في تقلص الطلب وفي المقابل يتقلص العرض أيضا، في الوقت الذي تسببت فيه أزمة البريكست في غياب الكفاءات الأوروبية؛ ما أدى إلى ارتفاع الأجور والذي رغم أهميته لتعويض الناس عن ارتفاع أسعار الفائد إلا أن التضخم بشكل عام ما زال مرتفعا وخصوصا مؤشر الأسعار الاستهلاكية والمواد الغذائية وأسعار الطاقة.
وحول تقييمه للإجراءات التي تتخذها الحكومة للتخفيف من الأزمة، اعتبر أنها محدودة لأنها معنية بخفض معدل التضخم، وهذا يعني إبقاء أسعار الفائدة مرتفعة، الأمر سوف يقلص الاستثمارات؛ ما معنى ارتفاع البطالة وتقلص الطلب، كما أن النمو الاقتصادي مازال معدوما أو سالبا.
ويرى أن الإجراء الذي يمكن أن تتخذه الحكومة هو فرض ضريبة على شركات الطاقة التي حققت أرباحًا هائلة خلال هذه الأزمة، مشيرا إلى حكومة المحافظين فرضت ضريبة ولكنها ليست بالقدر الكافي أو بالمستوى الذي يعتزم أن يفرضه حزب العمال حال تسلمه السلطة وخاصة أن المتوقع فوزه في الانتخابات المقبلة نظرا لتدني شعبية حزب المحافظين بسبب عدم قدرة الحكومة على حل المشاكل.
ولكن بمرور الزمن يمكن أن يكون هناك حلول في ظل حكومة مختلفة غير حكومة المحافظين التي تسببت في معظم هذه الأزمة حيث إن أزمة بريكسيت من صناعة حكومة المحافظين كذلك تأخرت الحكومة البريطانية في فرض الإغلاق خلال أزمة كورونا ما اضطرها إلى زيادة مدة الإغلاق فيما بعد.
ووفق إحصاءات رسمية، تراجع التضخم في المملكة المتحدة- وفقا لمؤشر أسعار المستهلكين- إلى أدنى مستوى منذ أكثر من عامين، وهو تطور من المرجح أن يعزز التكهنات بأن بنك إنجلترا قد يبدأ في خفض أسعار الفائدة في وقت أقرب مما كان متوقعا.
وقال مكتب الإحصاء الوطني البريطاني ان التضخم انخفض إلى 3.9 بالمئة في نوفمبر، وهو أدنى مستوى له منذ سبتمبر 2021، من 4.6 بالمئة المسجلة في أكتوبر.
ترك بنك إنجلترا سعر الفائدة الرئيسي عند أعلى مستوى له منذ 15 عاما عند 5.25 بالمئة قبل أسبوعين، وهو نفس المستوى الذي ظل عليه منذ أغسطس بعد نهاية ما يقرب من عامين من الارتفاعات.
التضخم والأجور
ومن جانبه، يعزو الرئيس التنفيذي في مركز كوروم للدراسات الاستراتيجية، طارق الرفاعي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أزمة تكلفة المعيشة لدى البريطانيين إلى أنها بدأت مع ارتفاع نسبة التضخم أسرع من ارتفاع الأجور، معتبرا أن هذه المشكلة التي تواجهها اليوم بريطانيا وهي أن نسبة التضخم ارتفعت إلى مستويات تاريخية.
وفي محاولة للحد من التضخم، قام بنك إنجلترا في أغسطس، بزيادة أسعار الفائدة إلى 5.25 بالمئة، للمرة الرابعة عشرة على التوالي، لكنه أبقى أسعار الفائدة في اجتماعاته الثلاثة اللاحقة في سبتمبر ونوفمبر وديسمبر.
وتوقّع صندوق النقد الدولي، في شهر أكتوبر الماضي، أن تشهد المملكة المتحدة أعلى معدلات تضخم بين أي اقتصاد من مجموعة الدول الصناعية السبع في عامي 2023 و2024.
ويوضح الخبير الاقتصادي، أن نمو الأجور لم يقترب من نسبة التضخم، ولذلك نرى الأزمة اليوم في ارتفاع تكلفة المعيشة في بريطانيا، والحل هو لا بد من رفع الأجور إلى نسبة تعادل أو تقترب من نسب ارتفاع التضخم.
ويشدد على أن الحل يكمن في أن تتساوى نسبة ارتفاع التضخم مع ارتفاع الأجور، موضحاً أنه إذا ارتفعت الأجور بنسبة أكبر من المطلوب ستشتعل أزمة التضخم مرة أخرى. كما يشدد على أن أزمة ارتفاع تكلفة المعيشة لن تنحل ببريطانيا في الوقت القريب.
ويعول البريطانيون على انفراجة وشيك في أزمة تكلفة المعيشة خلال العام المقبل 2024، لا سيما في ظل الإشارات الإيجابية التي تبعث بها الأسواق العالمية بخصوص إنهاء دورة التشديد النقدي، وإن كانت بوتيرة مختلفة بين البنوك المركزية الكبرى.
المصدر: سكاي نيوز عربية
كلمات دلالية: ملفات ملفات ملفات السلع المملكة المتحدة البقالات والمتاجر التجزئة البريطاني أزمة المعيشة بريطانيا بريطانيا الاتحاد الأوروبي أوكرانيا كورونا تكاليف المعيشة الطلب التضخم الطاقة البنوك المقترضين الطلب المملكة المتحدة بنك إنجلترا التضخم بنك إنجلترا صندوق النقد الدولي بريطانيا الأجور الأجور التشديد النقدي البنوك المركزية الكبرى أزمة المعيشة بريطانيا اقتصاد بريطانيا التضخم في بريطانيا تكلفة المعيشة السلع المملكة المتحدة البقالات والمتاجر التجزئة البريطاني أزمة المعيشة بريطانيا بريطانيا الاتحاد الأوروبي أوكرانيا كورونا تكاليف المعيشة الطلب التضخم الطاقة البنوك المقترضين الطلب المملكة المتحدة بنك إنجلترا التضخم بنك إنجلترا صندوق النقد الدولي بريطانيا الأجور الأجور التشديد النقدي البنوك المركزية الكبرى أخبار بريطانيا المعیشة فی بریطانیا المملکة المتحدة أسعار الفائدة تکلفة المعیشة أسعار الطاقة معدل التضخم إلى أن
إقرأ أيضاً:
الدرس الخفي للتضخم: إعادة النظر في القيمة في اقتصاد متحول
د. عبدالعزيز بن محمد الصوافي **
بينما يُصارع العالم تداعيات التضخم، من ارتفاع فواتير البقالة والكهرباء والماء إلى ارتفاع تكاليف إيجار السكن، يبرز سؤال جوهري واحد فوق كل اعتبار: ما الذي تعلمناه من كل ذلك؟
التضخم ليس مجرد مفهوم مالي عابر أو خبر مقتضب في نشرة الأخبار المسائية. إنه قوة لا يمكن تجاهلها تمس كل جانب من جوانب حياتنا اليومية؛ يتأثر به الكبير والصغير والغني والفقر والعامل والباحث عن عمل والرجل والمرأة والمواطن والمقيم. إنه قوة تُعيد تشكيل طريقة تفكير الناس وتصرفهم وإنفاقهم في صمت وبشكل تدريجي وإجباري في كثير من الأحيان. وبينما يُناقش الاقتصاديون وخبراء السوق الأسباب الكامنة وراء التضخم وارتفاع الأسعار- مثل: اضطرابات سلاسل التوريد، والتوترات الجيوسياسية، والتعافي بعد الجائحة- يُترك الناس العاديون ليواجهوا عواقب التضخم ودفع ثمنها. ومع ذلك، يكمن في هذه المحنة درس قيّم، غالبًا ما يُغفل عنه ألا وهو: ضرورة إعادة النظر في فهمنا للقيمة.
لعقود من الزمن، ربط الكثير منا القيمة بالسعر. إذا كان الشيء غالي الثمن، فلا بد أنه ذو جودة يستحق ثمنه؛ فالسيارة التي تبلغ قيمتها 50 ألف ريال تعني الجودة والفخامة، والهاتف النقال الذي يبلغ ثمنه 700 ريال يعني امتلاكه المكانة الاجتماعية والبرستيج، وامتلاك فيلا في وسط المدينة تعني النجاح والرقي. لكن مع ارتفاع الأسعار، تبدأ هذه المعادلة بالانهيار. لقد أزال التضخم وهم ربط التكلفة العالية بالقيمة والجودة العالية. حيث أصبح المتسوق العادي يٌفكر مرتين، ويتردد ويقارن قبل القيام بأي عملية شراء.
هذا التحول لا يقتصر على التوفير فحسب، بل يتعلق بالوعي. بدأ الناس يطرحون أسئلة أكثر عمقاً: هل أحتاج لشراء هذا حقًا؟ هل يستحق هذا الثمن؟ ما هي فوائده على المدى الطويل؟ هذه ليست أسئلة مالية فحسب، بل أسئلة فلسفية أيضًا. لقد أحدث التضخم، بطريقة غير مقصودة، ثورة هادئة في كيفية قياس الرضا والنجاح.
إن ازدهار الأسواق والمنتجات المحلية ما هو إلا نتاج لهذا الوعي في تفكير وسلوك الناس؛ وذلك بسبب ابتعاد الناس عن شراء السلع والماركات المستوردة الباهظة الثمن ويتجهون نحو المنتجات المنتجة محليًا، ليس فقط لأنها أرخص، ولكن لأنها أكثر استدامة، وتدعم الشركات الصغيرة الوطنية، وتعيد ربط المستهلكين بمجتمعهم. بمعنى آخر، لم تعد القيمة مالية فحسب، بل اجتماعية وبيئية ووطنية.
وينطبق الأمر نفسه على كيفية استغلالنا لوقتنا. مع ارتفاع الأسعار وتضييق الميزانيات، يُعيد الكثيرون النظر في كيفية قضاء ساعات عملهم. يختار البعض قضاء وقت أطول مع عائلاتهم بدل الجلوس في المقاهي التي تستنزف ميزانياتهم. ويتعلم آخرون الطبخ في المنزل بدلاً من تناول الطعام في الخارج، حيث وجدوا متعة أكبر في روتين أبسط وأقل تكلفة. تُعدّ إعادة ترتيب الأولويات أحد أهم الهبات وفوائد التضخم الصامتة: فهي تُجبرنا على إعادة اكتشاف معنىً يتجاوز المال.
ولكن لعلّ أهم درس هو أن الهشاشة الاقتصادية ليست مُوزّعة بالتساوي؛ فبينما يُثقل التضخم كاهل الجميع، فإنه يُثقل كاهل الأفقر. فقد ارتفعت أسعار السلع الأساسية، كالغذاء والوقود والإيجار، بشكل غير متناسب مع الدخل، وضاقت فرص القدرة على توفير سبل الحياة الدنيا بالنسبة للعديد من العائلات. لذا ينبغي أن يحثّنا هذا الواقع ليس فقط على التكيف شخصيًا، بل على الدعوة جماعيًا - من أجل أجور أكثر عدالة، وشبكات أمان وحماية اجتماعية أقوى، وسياسات تُعطي الأولوية لرفاهية الأغلبية، لا لاستقرار الأسواق فحسب.
يجب على الحكومات والمؤسسات أيضًا أن تُدرك ذلك؛ فالتضخم ليس مجرد إشارة اقتصادية عابرة؛ بل هو اختبار ضغط مجتمعي. يكشف التضخم عن نقاط ضعف في الأنظمة والسياسات العامة، ويكشف عن عدم المساواة، ويطالب بالمساءلة. إذا استجاب القادة بتعاطف وبصيرة، فقد تصبح هذه اللحظة نقطة تحول. ولكن إذا ركزوا فقط على الحلول التقنية والاقتصادية من خلال رفع أسعار الفائدة، وتعديل السياسات المالية؛ إذ إنهم يخاطرون بإغفال الرسالة الأعمق التي يُرسلها التضخم.
في النهاية، قد ينحسِر التضخم، كما يحدث في جميع الدورات الاقتصادية في نهاية المطاف. ستستقر الأسعار، وستتغير العناوين الرئيسية، وستتحرك الأسواق وتنشط. ولكن لا ينبغي نسيان الدروس التي يتركها وراءه. لقد تعلمنا أن القيمة الحقيقية لا تقاس دائمًا بالسعر. لقد رأينا أن المرونة لا تُبنى على الاستهلاك، بل على التواصل ووضوح الهدف. وتذكرنا أنه عندما يتغير الاقتصاد، يجب علينا أن نتغير أيضًا ونتكيف، ليس بدافع الذعر والخوف، ولكن من منظور مستقبلي.
وفي الختام.. علينا أن نتذكر أنه في عصر التضخم والغلاء وتذبذب الأسواق، قد لا تكون أعظم عملة هي المال على الإطلاق؛ بل الحكمة والقدرة على التكيف وترتيب الأولويات.
** باحث أكاديمي