العمل الحر عبر الإنترنت يفتح آفاقا جديدة لشباب العالم
تاريخ النشر: 28th, December 2023 GMT
يُعد اقتصاد العمل الحر المؤقت عبر الإنترنت الذي يشار إليه أحيانا باسم اقتصاد الوظائف المؤقتة اتجاها متناميا في الاقتصاد العالمي، ويمثل هذا الاقتصاد ما يصل إلى 12% من سوق العمل العالمي، ويوظف نحو 435 مليون شخص حول العالم.
وفي البلدان النامية، تفتح منصات العمل الحر عبر الإنترنت آفاقا فريدة للعمل، فضلا عن إتاحة إمكانات كبيرة للشباب والنساء والأشخاص في المناطق النائية الذين ربما تم استبعادهم من أسواق العمل التقليدية وفق ما ذكر البنك الدولي في تقرير موسع صدر مؤخرا.
ولكن، وقبل الدخول في التفاصيل يجدر بنا التفريق بين نوعين من اقتصاد العمل الحر غالبا ما يتم الخلط بينهما، الأول هو ما يطلق عليه مصطلح "اقتصاد العمل الحر المؤقت" أو "اقتصاد الوظائف المؤقتة" (The Gig Economy)؛ وهو ما قصده البنك الدولي في تقريره آنف الذكر، وما سنتناوله في هذا التقرير.
والثاني هو "اقتصاد العمل الحر المستقل" (Freelance economy) وهو نوع آخر أكثر تطورا ونموا من النوع الأول، وتعمل به عمالة محترفة وعالية الخبرة، وتظهر بيانات البنك الدولي أن 46.7% من جميع العاملين في جميع أنحاء العالم حاليا هم من العاملين في هذا القطاع، وتبلغ قيمة سوق منصات العمل المستقل العالمية 3.39 مليارات دولار، ومن المتوقع أن تصل قيمتها إلى 9.19 مليارات دولار بحلول عام 2027 وفق ما ذكرت منصة "إكسبلودينغ توبيكس" مؤخرا.
وظائف مرنة لا تتطلب مستوى عاليا من التدريبيشير المصطلح الأول إلى سوق العمل حيث تنتشر الوظائف المؤقتة أو المرنة بدوام جزئي، ويعمل بها أشخاص مستقلون لا يملكون مستوى عاليا من التدريب والتأهيل مثل سائقي سيارات الأجرة (أوبر)، أو العاملين في توصيل طلبيات الطعام والبضائع المختلفة، أو مصممي الجرافيك، أو مؤجري البيوت عبر الإنترنت، وهناك العديد من المنصات الأخرى التي تلبي طلب وحاجة مجموعة واسعة من الصناعات والمهن، ويتم هذا العمل عبر تطبيقات خاصة على الإنترنت، ويوفر مصدر دخل إضافي لهؤلاء العمال، وفي كثير من الأحيان يكون مصدر الدخل الوحيد لهم بالذات في الدول النامية التي يعاني الشباب فيها من توحش البطالة.
ويحصل العاملون في الخدمة المؤقتة على المرونة والاستقلالية، ولكن بقليل من الأمن الوظيفي، أو لا يحصلون عليه إطلاقا. ويوفر العديد من أصحاب العمل المال عن طريق تجنب دفع المزايا والحقوق مثل التأمين الصحي، والإجازات مدفوعة الأجر، وغيرها من المزايا وفق ما ذكرت منصة "إنفستوبيديا".
وإلى جانب ذلك، يوفر العمل الحر المؤقت عبر الإنترنت مصدرَ دخل ضروريا في أوقات الصدمات والفترات الانتقالية (كما حدث أثناء جائحة كورونا) ويساعد على بناء المهارات الرقمية للعمالة الأصغر سنا والأقل حظا من التعليم، ويوفر فرص كسب مرنة للجميع.
كما توفر منصات العمل الحر المؤقت عبر الإنترنت أيضا مصدرا فعالا من حيث التكلفة لتوظيف العمالة رخيصة الثمن في الشركات الصغيرة والناشئة، وبالتالي مساندة هذه الشركات في الحفاظ على الإنتاجية والمرونة، والتكيف مع التحولات السريعة في السوق.
وتيرة أسرع في الدول الناميةووفقا لتقرير البنك الدولي نجد أن الطلب على العمالة الحرة عبر الإنترنت في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل آخذ في الارتفاع، ويسير بوتيرة أسرع مقارنة بالدول الصناعية، ففي أفريقيا، زادت إعلانات الوظائف المنشورة على منصة رقمية كبيرة للعمالة بنسبة 130%، في حين لم يتجاوز معدل نموها في أميركا الشمالية 14% من 2016 إلى 2020.
ومن المثير للاهتمام أن الشريحة الدنيا في البلدان النامية ومتوسطة الدخل تساهم في الطلب على العمالة الحرة المؤقتة عبر الإنترنت أكثر من الشريحة العليا من هذه البلدان، والسبب الرئيسي في ذلك هو تلبية احتياجات الشركات الصغيرة والمتوسطة.
وفي نفس السياق، ذكر البنك الدولي في تقرير آخر تحت عنوان "عمل بلا حدود: وعود وأخطار العمل الحر المؤقت عبر الإنترنت" أن الغالبية العظمى من العمالة الحرة المؤقتة عبر الإنترنت تواجه مخاطر عديدة مثل: عدم استقرار الدخل، وصعوبة ظروف العمل، ومحدودية القدرة على الادخار، ولا تتمتع هذه العمالة بالحماية الاجتماعية والصحية، لا سيما في البلدان منخفضة الدخل، حيث إن أكثر من 90% من القوى العاملة غير مدرجة في التأمينات الاجتماعية ولا تخضع للوائح وقوانين العمل في هذه البلدان وفقا للبنك الدولي.
وحث البنك الدولي حكومات الدول للعمل على توسيع نطاق مظلة الحماية الاجتماعية. وتتخذ عدة دول العالم خطوات في هذا الاتجاه، حيث تعمل مع المنصات والشركات المولدة لهذا النوع من العمل لضمان إدراج العمال في أنظمة التأمينات الاجتماعية، فعلى سبيل المثال، تعاونت الحكومة في ماليزيا مع إحدى منصات العمل الحر المؤقت عبر الإنترنت لتقديم مساهمة قدرها 5% للعمال الذين يشتركون في برنامج مدخرات التقاعد الحكومي ومؤسسات الضمان الاجتماعي.
آفاق جديدةورغم أن العمل الحر المؤقت عبر الإنترنت لا يزال شكلا جديدا وسريع التطور من أشكال العمل، فإنه يرسخ بشدة في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، ويتيح سبيلا ممكنا للتغلب على البطالة، وزيادة الدخل، ويفتح المجال أمام العمالة للارتباط بفرص العمل على مستوى العالم.
وتشير دراسات إلى أن 79% من الأفراد الذين يعملون في اقتصاد الوظائف المؤقتة يشعرون برضا أكبر عما كانوا عليه عندما كانوا يعملون في وظائف تقليدية.
كما يتيح هذا النوع من التوظيف فرصة لمجموعة متزايدة من الشباب المتحمسين لتعلم المهارات الرقمية، والتوسع فيها بهدف الكسب من العمل، والهرب من براثن البطالة التي تهدد عددا كبيرا من الشباب في الدول النامية، كما أنه يمثل خيارا عمليا للنساء اللاتي يواجهن قيودا كبيرة في أسواق العمل التقليدية. وأصبح هذا النوع من العمل مصدرا مرنا لأصحاب المواهب التي يحتاجها رواد الأعمال والشركات الناشئة لتنمية أعمالهم، وبالتالي خلق المزيد من فرص العمل.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: العمل الحر المؤقت عبر الإنترنت العمالة الحرة البنک الدولی منصات العمل
إقرأ أيضاً:
WP: الفاشر تعيش كارثة إنسانية وصمت العالم يفتح الباب لأسوأ مأساة في السودان
نشرت صحيفة "واشنطن بوست" مقالاً قالت فيه إن العالم يتعرّف على أهوال مدينة الفاشر من خلال الصمت والغياب، لا من خلال أدلة ملموسة، إذ لم تتمكن أي وسيلة إعلامية مستقلة من الوصول إلى المدينة السودانية الواقعة في ولاية شمال دارفور، والتي سقطت في أواخر تشرين الأول/أكتوبر بعد أكثر من 500 يوم من الحصار.
وأظهرت صور الأقمار الصناعية أحياء مدمرة، وأراضي ملطخة بالدماء، وآثار مقابر جماعية.
واختفى المرضى الذين كانوا يعالجون في المستشفيات والعيادات التي استهدفها المقاتلون، فيما وصل الأطفال الفارون من الفاشر إلى مخيمات النازحين من دون آبائهم أو ذويهم.
وروى عمال الإغاثة ومسؤولو الأمم المتحدة شهادات عن مجازر وعمليات اغتصاب واسعة النطاق ارتكبتها ميليشيات قوات الدعم السريع، إحدى الفصيلين الرئيسيين في الحرب الأهلية المدمرة في السودان.
ومنذ اندلاع الصراع في نيسان/أبريل 2023، عززت قوات الدعم السريع سيطرتها على إقليم دارفور الشاسع غرب البلاد، وجسد استيلاؤها على الفاشر عملية تقسيم فعلي بين الشرق والغرب، في حين استعادت القوات المسلحة السودانية العاصمة الخرطوم في وسط البلاد.
وأدت الحرب الأهلية إلى أسوأ كارثة إنسانية في العالم، بعدما نزح نحو 14 مليون شخص، نصفهم من الأطفال، وتفشت المجاعة والأمراض، ومنها الكوليرا، في مناطق واسعة، خصوصا الفاشر ومحيطها، حيث وصف شهود عيان كيف عاش السكان المحاصرون على علف الحيوانات والأعشاب الضارة.
كما ترافقت الأزمة مع العنف الممنهج الذي تمارسه قوات الدعم السريع ضد جماعات عرقية وقبلية غير عربية في دارفور، ويقدر عدد المفقودين من الفاشر بنحو 150,000 شخص، فيما يشير باحثون إلى أنّ نحو 60,000 منهم قتلوا على يد قوات الدعم السريع وحلفائها خلال الشهر الماضي فقط.
وفي أعقاب سقوط الفاشر، قال ناثانيال ريموند، المدير التنفيذي لمختبر ييل للأبحاث الإنسانية، لشبكة "سي إن إن" الشهر الماضي: "نشهد وتيرة قتل لا يضاهيها إلا الإبادة الجماعية في رواندا".
ويتابع المختبر تداعيات ما يجري، مضيفا: "نحن بصدد كارثة بشرية قد تتجاوز في غضون أسبوع عدد ضحايا غزة خلال عامين. هذه هي سرعة القتل التي نشهدها بناء على ما نراه من أكوام الجثث على الأرض".
وقالت الصحيفة إن المنطقة لا تزال تعاني أيضا من صدمات سابقة، ففي لاهاي، أصدر قضاة المحكمة الجنائية الدولية الثلاثاء حكماً بالسجن 20 عاما على علي محمد علي عبد الرحمن، قائد ميليشيا الجنجويد السودانية سيئة السمعة، بعد إدانته بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ارتُكبت تحت إشرافه قبل أكثر من عقدين خلال حملة مكافحة التمرد في دارفور.
وتعد الجنجويد النواة الأولى لقوات الدعم السريع، لكنها كانت آنذاك تنفذ أوامر الحكومة المركزية في الخرطوم بقيادة الرئيس عمر البشير.
وذكر الكاتب إشارات متكررة إلى العنف الإبادي الحالي، قائلاً إن مواقع التواصل الاجتماعي امتلأت بمقاطع مصورة لمقاتلين وقادة في قوات الدعم السريع وهم يتباهون بجرائمهم ويتفاخرون بقتل واغتصاب المدنيين من مختلف القبائل.
وسابقةً لسقوط الفاشر، شهدت مدينة الجنينة في غرب دارفور أيضا مجزرة واسعة، حيث قتلت قوات الدعم السريع وحلفاؤها نحو 15,000 شخص، وارتكبت عملية تطهير عرقي بحق شعب المساليت من أصول أفريقية سوداء.
وأشار المقال إلى أنّ الفاشر تحتل مكانة محورية في سجل الإبادة الجماعية في دارفور قبل عقدين، إذ سبق أن شنّت قوات المتمردين في نيسان/أبريل 2003 غارة على منشأة عسكرية رئيسية في المدينة، ما مهّد لحملة القمع الوحشية التي دعمتها الحكومة وما تلاها من فظائع.
وأكد الكاتب أن أوجه التشابه واضحة، فنقل عن توم فليتشر، كبير مسؤولي الإغاثة في الأمم المتحدة، قوله في إحاطة لسفراء الأمم المتحدة نهاية تشرين الأول/أكتوبر: "إن ما يحدث في الفاشر يُذكّرنا بالأهوال التي عانت منها دارفور قبل عشرين عاماً. لكننا نشهد اليوم رد فعل عالمي مختلفا تماما، رد فعل استسلام. إنها أيضاً أزمة لامبالاة".
وأضاف أن محللين شددوا مراراً على أنّ المأساة الحالية كانت متوقعة، ففي بيان صدر عام 2023 عند اندلاع الحرب الأهلية، قال تيغيري شاغوتا، المدير الإقليمي لمنظمة العفو الدولية لشرق وجنوب أفريقيا: "لا يزال المدنيون في دارفور اليوم تحت رحمة قوات الأمن نفسها التي ارتكبت جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في دارفور ومناطق أخرى من السودان، من المخزي أن يعيش الناس في السودان في خوف كل يوم".
ولفت إلى أن الجيش السوداني أيضاً متهم بارتكاب فظائع، لا سيما بالقصف العشوائي للمناطق المدنية التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، كما يُزعم أنّ قوات الدعم السريع قتلت عشرات المدنيين بطائرات مسيرة في منطقة كردفان جنوب وسط البلاد، التي أصبحت أحدث بؤرة توتر في حرب فشلت القوى الخارجية في كبحها.
وأضافت مجموعة الأزمات الدولية في موجزها السياسي أن السودان يقف اليوم أمام مأزق سياسي لا يستطيع أي من الطرفين كسره عسكريا، في ظل تزايد جرأة قوات الدعم السريع وترسخ وجود الجيش، وبعد أن اشترط الجيش وحلفاؤه انسحاب قوات الدعم السريع من الفاشر كشرط مسبق للمفاوضات، بات أقل استعداداً للدخول في محادثات بعد الهزيمة.
وشددت المجموعة على أنّ تجنب تقسيم دائم بين الشرق والغرب يتطلب دبلوماسية عاجلة ومبتكرة من جانب "الرباعية" بقيادة الولايات المتحدة، والتي تضم مصر والسعودية والإمارات.
وختم المقال بالإشارة إلى أن المسار الدبلوماسي لا يزال ضعيفاً رغم تدخل الرئيس دونالد ترامب مؤخرا، في ظل اعتقاد العديد من الدول بأن لها نفوذا ومصالح مهمة في الصراع، وأشار إلى أنّ الإمارات، على سبيل المثال، يُعتقد أنها دعمت ومكّنت قوات الدعم السريع عبر قنوات مختلفة، رغم نفي المسؤولين الإماراتيين بشدة.
واختتم بما كتبه جاويد عبد المنعم، الرئيس الدولي لمنظمة أطباء بلا حدود: "يتم تمكين الموت والدمار بسبب امتناع العديد من الحكومات عن استخدام نفوذها للضغط على الأطراف المتحاربة لوقف قتل الناس أو منع وصول المساعدات الإنسانية، إذ تكتفي بإصدار بيانات قلق سلبية، بينما تقدم هي وحلفاؤها الدعم المالي والسياسي، والأسلحة التي تدمر وتشوه وتقتل".