صدى البلد:
2025-06-10@19:32:40 GMT

د. أيمن يوسف يكتب: طارق أسعد ..آخر هدايا القدر (2)

تاريخ النشر: 30th, December 2023 GMT

مرت الأعوام وكأن الرحيل كان للتو بالأمس، منحت الجنازة وقارا من جلالك المعروف، ومنحت الحاضرين سلاما وطمأنينة "كعادتك" رغم الغصة والألم اللذين في قلب كل من أتى وصلى، لم أر من قبل دموع في جنازة بها كل هذا الحنين وهذا العرفان، في دمعة كل شخص حكاية، وفي كل رمقة عين ذكرى معك و"حدوته" أكاد أسمعها في هذا الصمت المطبق، غدا جامع النور وكأنه بستان من بساتين الله، نزفّ منه شذرة من شذرات العلم والنور والإنسانية، أظنك استشعرت حضوري، وحوارنا الطويل الذي دار بيننا وانا أجلس بجانبك مستندا على عامود الجامع كان شيقا كالعادة، من أحاديث الطب ومشروع الجينوم ومشروع الكونيكتوم البشري وصولا لقصائد شوقي ونازك الملائكة ومحمود درويش، كلها مرت في حوارنا الصامت الاخير، وكأنني لآخر مرة سأتحدث مع أحد عن العلم والطب والشعر والفكر والسياسة، لم يقطع حوارنا سوى صوت الاذان للصلاة والاقامة ليأخذوك منا وتبتعد أمام أعيننا، وأراك لأول مرة تنهي "الجلسة" وانت الذي عودت مرضاك وأصدقاؤك وتلامذتك أن تنصت لهم للنهاية، لم تنه الحديث مرة وان طال، تستكمله للحظة الأخيرة بنفس لياقة اللحظة الاولى، نفس الإنتباه والحضور والشغف، نفس الرحابة وسعة الصدر، نفس الحميمية والرونق في إلتقاء آلام الناس واوجاعهم وأفكارهم وجموحاتهم، الان فقط آثرت السكون، وآثرت الجنوح قليلا لاستراحة المحاربين، ومن ثم عرفنا أنه كان لك عودة اخرى، عودة في الأثر، وفي المعنى، عودة كنت تطل لنا منها في كل زهرة سقيتها، وفي كل نبتة نمت من هطولك الغزير.

ما الذي أودعته في قلوب الناس لأرى مئات الحاضرين وقد أتوا من عدة بقاع بكل هذا الصدق رغم ضيق المسافة الزمنية ومفاجأة الرحيل، ما الذي كان بينك وبين الله حتى تلتقيه محمولا بكل هذا الحب وهذه الصلوات وهذا الحنين الذي استدعى انتباه الغرباء وانتباه كل من  تابع الموقف من المارة، ظن الكثيرون أن هذا العدد الكبير الذي يحيا في "نسق وجداني موحد" هم من عائلة وأسرة واحدة، لم يعلموا أن "للفضيلة" قدرة خاصة على السمو بالوجدان، قدرة على تآلف القلوب حول المحبة والمودة والصفاء، ليصبح الجميع كمن بينهم "صلة دم"، الدم بينهم هو الحب والتآخي وقربى' الانسانية، جمعت بعبقرية خالصة كل اصدقائك وزملائك ومرضاك وتلامذتك ومورديك في "أسرة واحدة"، في عائلة ممتدة، عميدها واحد، ورحمهم ممتدة فيما بينك وبينهم وبين الله.

حتى في رحيلك منحتنا "المعنى"، ورسخت "للسواسية"، من زملاء مهنة ومثقفين ومفكرين ونجوم مجتمع...إلى تلامذتك وطلابك وأبسط العاملين في القطاع الطبي؛ كلٌ سواسية في رحابك وفي رحاب تلك الحالة الوجدانية التي كنا عليها، كلنا بنفس الأسى، ونفس الدهشة، ونفس الخشوع والامتنان على هذا "الجمال" الذي منحته لحياتنا قبل أن تخدعنا وترحل رحيلك المفاجيء، من الصعب أن تتوحد هذه الحالة بين المئات في سياق جمعي منسق، وفي لحظة لم تكن معدة من قبل ليستعد لها أحد، لكنها عبقريتك "مجددا"، تقودنا حتى وانت ساكن، تمنعنا وتمنحنا الفعل واللافعل، الخطوة واللا خطوة، تلهمنا بما يجب أن تكون عليه مشاعرنا وأفكارنا وروحانيتنا، وتحرضنا كعادتك على ما يهذب النفس والروح، حتى كائنات الله كان لها من هذا التجلي نصيب في وداعك، يرى من يرى من خلف الحجب وفود الحمام أتت من تلال تونس ووفود يمام اوراسيا، صفوف الاسماء الملونة من بحيرات فينيسيا، خيول جبال "روكي" وغزالات مياه نياجرا وقطعان الماعز الابيض من شرق روما، طيور الألب وفراشات زهرة "الزوفا" وملائكة "مكة"، كلٌ أتى من ملكوت الله "للزفة" والصلاة عليك، شعرت بهم واعلم أن لم يرهم احد سواك، فهذا الزفاف النوراني لا يُكشف سوى لمن صفا وعلا وتزكى بمثل ما تزكيت وصفوت.

أعلم أنك فزت بكل ملذات العقل، الفهم والحكمة ونباهة الضمير، العلم والسخاء والعطاء ووفرة الوجدان، التواضع والرحمة واللين أمام ابتلاءات الناس وانكسارات النفس البشرية، كلما قرأت ما كتبه اصدقاؤك وزملاؤك واسرتك الكريمة عنك، وكلما قرأت ما كتبته المقالات وحفلات التأبين وكلمات الحداد في بهو المؤتمرات ومناسبات احياء ذكراك، أطمئن لصفو المعنى الذي تركت لهم، يتوحد المضمون في كل عباراتهم ويدور حول كلمات ثابتة (العالم- النبيل- دمث الخلق)، فأعلم انك أتممت شطر الإيمان "بالمكارم"، وتدور في رأسي قصيدة الامام علي في المكارم العشر "الدين- العقل- العلم- الحلم- الجود- الفصل- البّر- الصبر- الشكر- اللين"، أتأمل كيف جمعتها جميعا في جهازك العصبي، وكيف كونت المشابك العصبية في خلايا وفصوص الدماغ لتصبح جميعها في سلوكك اللا إرادي، لتأتي كل هذه المكارم، وتلامس نبوع الايمان، ينحل اللغز عندي اخيرا في الذي بينك وبين الله، ومن بوابة الامام علي كالعادة، "ان الله جعل مكارم الأخلاق ومحاسنها وصلا بيننا وبينه"، فأعلم انك وصلت الله "بمحاسن الاخلاق" ومكارمها، ليمن عليك برزق الأولياء...العلم، وييسر لك "الإيمان"، ويفيض عليك بتلك المحبة الصافية الرقراقة في قلوب العباد.. دائما ما يحل الامام علي مثل تلك الألغاز "اللدنية"، لم يكتف الامام علي بالإمامة في الدين والدنيا، كان شاعرا ومفكرا وفيلسوفا من فلاسفة نجد والجزيرة، نرمق في أشعاره ورؤاه وأفكاره ما يحل أزهى ألغاز الحياة والدنيا وحكايات البشر، ولم نكن لنعرفك الا من خلال هذا المعين الصافي من العلم والحكمة والفيوضات الروحانية... يتبع.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الامام علی

إقرأ أيضاً:

من عدو القلب إلى صديق الصحة.. الزبدة تفاجئ العلم بنتائج غير مسبوقة

تحول علمي لافت يعيد النظر في مفاهيم غذائية راسخة منذ ستينيات القرن الماضي، حيث كشفت دراسة حديثة أجراها باحثون من جامعة بوسطن الأميركية أن الزبدة، المصنّفة لعقود كعدو لصحة القلب، قد تحمل في الواقع فوائد صحية غير متوقعة، أبرزها تقليل خطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني.

وبحسب الدراسة التي نُشرت في المجلة الأوروبية للتغذية السريرية ونقلتها صحيفة “ديلي ميل” البريطانية، فقد تابع الباحثون نحو 2500 رجل وامرأة تجاوزوا الثلاثين من العمر على مدار عدة سنوات، لرصد تأثير العادات الغذائية، خاصة تناول الزبدة والسمن النباتي، على صحة القلب ومستوى الإصابة بالسكري.

وأظهرت البيانات أن تناول 5 غرامات فقط من الزبدة يوميًا – ما يعادل ملعقة صغيرة – ارتبط بانخفاض خطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني بنسبة تصل إلى 31%، كما بينت الدراسة أن الزبدة ترفع مستويات الكوليسترول “الجيد” (HDL) في الدم، وتساعد في تقليل مستويات الدهون الضارة التي تسبب انسداد الشرايين والنوبات القلبية والسكتات الدماغية.

في المقابل، كشفت الدراسة عن تأثيرات سلبية غير متوقعة للسمن النباتي، الذي روّج له منذ عقود كبديل “صحي” للزبدة، ووفقًا للنتائج، فإن تناول السمن النباتي ارتبط بزيادة خطر الإصابة بمرض السكري بنسبة تزيد على 40%، وبأمراض القلب بنسبة 30%.

ويرى الباحثون أن السبب في ذلك قد يعود إلى احتواء أنواع السمن القديمة على الدهون المتحولة، وهي مكونات صناعية ثبت ضررها على الصحة القلبية والتمثيل الغذائي.

هذا ومنذ ستينيات القرن العشرين، اعتمدت التوصيات الغذائية الغربية على ربط الدهون الحيوانية، مثل الزبدة، بارتفاع معدلات أمراض القلب، ودعت إلى تقليل استهلاكها لصالح الزيوت النباتية والمارغرين، إلا أن الدراسة الجديدة تضاف إلى سلسلة متزايدة من الأبحاث التي تُعيد فحص تلك الفرضيات، وتدعو إلى مقاربة أكثر توازنًا لا تكتفي بتصنيف الأغذية على أنها “ضارة” أو “مفيدة” بشكل مطلق.

والزبدة هي منتج غذائي يُصنع أساسًا من كريمة الحليب أو الحليب الكامل، وتُعتبر من أقدم الدهون الحيوانية المستخدمة في الطهي والتغذية حول العالم. تتميز الزبدة بنكهتها الغنية وقوامها الكريمي، وهي مكون أساسي في العديد من المأكولات التقليدية والمعاصرة.

وتتكوّن الزبدة بشكل رئيسي من الدهون المشبعة، التي كانت لفترة طويلة محور جدل طبي وتغذوي. تاريخياً، اعتُبرت الدهون المشبعة، مثل تلك الموجودة في الزبدة، عامل خطر رئيسي لأمراض القلب والأوعية الدموية، حيث ارتبط استهلاكها بارتفاع مستويات الكوليسترول الضار في الدم وزيادة احتمالات انسداد الشرايين.

ومع ذلك، تحتوي الزبدة أيضًا على نسبة من الكوليسترول الجيد (HDL)، فضلاً عن الفيتامينات القابلة للذوبان في الدهون مثل فيتامينات A وD وE وK، بالإضافة إلى أحماض دهنية قصيرة ومتوسطة السلسلة التي يمكن أن تقدم فوائد صحية متنوعة.

مقالات مشابهة

  • من عدو القلب إلى صديق الصحة.. الزبدة تفاجئ العلم بنتائج غير مسبوقة
  • عن عودة السوريين إلى بلادهم... هذا ما كشفه طارق متري
  • الشثري يوضح حكم الحلف بالطلاق.. فيديو
  • رأي.. عمر حرقوص يكتب: القوة الأممية في لبنان بين اعتداءات الأهالي والرفض الإسرائيلي
  • 20 عامًا على رحيل عبد الله محمود.. الفنان الذي اختصر عمره في أدوار لا تُنسى (تقرير)
  • الذهب الذي لا يصدأ.. رونالدو يكتب تاريخا جديدا في دوري الأمم الأوروبية
  • المهندس عبدالحكيم محمود الهندي يكتب : في يوم الاستقلال .. رسالة أردنية عنوانها “الإصرار
  • أسعد أبو شريعة.. من هو القائد المقاوم الذي اغتالته إسرائيل في غزة؟
  • "من ريستارت إلى الانبساط.. أيمن بهجت قمر الشاعر والمؤلف الذي لا يعرف المستحيل
  • الطاهر ساتي يكتب .. هلوسات الصيّاد