لجريدة عمان:
2024-06-02@19:43:01 GMT

حصاد الملف التقني لعام 2023م واستشرافه في 2024م

تاريخ النشر: 30th, December 2023 GMT

طافت في ذهني أحداث تخص الملف العلمي والتقني بشكل خاص جرت في عام 2023م -الذي يوافق اليوم آخر أيامه-، وحاولت أن أجد لهذه الأحداث عموميات تجمع أجزاء ما يمكن أن يجتمع في حيّز تقني متقارب؛ فاندرج عدد من الملفات التقنية الساخنة التي أعتبرها حصاد عام 2023م في الشأن التقني -كما سنعرضها لاحقا-. يتناول هذا المقال ملخص الحصيلة التقنية لعام 2023م، والتي كان كثير من هذه الأحداث التقنية حديث الإعلام ووسائله التي تمازجت بين عرض لواقع قائم وفي حالات أخرى لمبالغات تجاوزت حقيقة الواقع التقني؛ لتتشكل لنا سردية تقنية احتفظ بها التاريخ؛ ليسجلها في ملفات عام 2023م، ومع هذه الأحداث التي انقضى أجلها مع عام مضى؛ سيكون من اليسير استشفاف ما يمكن أن يضاف مع هذه الملفات لعام 2024م الذي يوافق غدا أول أيامه في الحياة.

تصدّر ملف الذكاء الاصطناعي أحداث عام 2023م، وقادت ثورته الوليدة -بعد تحرره من قيود المؤسسات البحثية والعسكرية والصناعية التي كانت تحتكر استعماله دون أحد غيرها- حراكا داخل العقل البشري في العالم أجمع أسفر عن تساؤلات يطرحها العقل البشري فيما يخص ولادة هذه الكائن وعن فوائده ومخاطره الحالية والقادمة وخصوصا تلك التي تهدد الوجود البشري، لم يكن لهذا الحراك العقلي -الذي ولّد وعيا في المجتمعات الإنسانية- ليكون لولا ظهور تطبيقات حقيقية ومذهلة لخوارزميات الذكاء الاصطناعي وعلى رأسها نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية، الذي كان نموذج «شات جي بي تي» في مقدمتها ويأتي بعده نموذج «بَارْد».

أحدثت هذه النماذج التوليديّة ذهولا في العقل البشري ودهشة من القدرات الرقمية المتسارعة؛ إذ تخطت قدرات هذه النماذج التوقعات للقدرات التي يمكن للآلة الرقمية أن تقوم بها من حيث القدرات الحوارية والتفكيرية والتحليلية؛ فبادرت العديد من وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة والمسموعة بتبنّي نشر حوارات حصرية مع هذه النماذج خصوصا مع نموذج «شات جي بي تي»؛ لتتفاعل المجتمعات مع هذه النقلة الرقمية التي أُحدثت باسم «الذكاء الاصطناعي»؛ وتأتي الكثير من وسائل الإعلام محذرة من مخاطر هذا الكائن الصاعد المتمثلة في قدرته على مزاحمة القدرات البشرية ووظائفها؛ مما حدا بالبعض أن يضع السيناريوهات المستقبلية المخيفة التي تتجاوز مخاطر أخذ الآلة الرقمية لوظائف الإنسان وتسببها في زيادة معدلات البطالة إلى مخاطر تهدد الإنسان ووجوده، وفي خضّم هذه التحديات التي نشأت في ذهنية المجتمعات الرقمية؛ اُستضفت في عدة لقاءات مفتوحة ومرئية «على التلفاز» ومسموعة «عبر الإذاعة»؛ فقدمت محاضرة في وزارة الإعلام تحدثت فيها عن الذكاء الاصطناعي من زاوية تقنية ومن زاوية فكرية، فيما يتعلق بحياتنا مع هذه الأنظمة الرقمية وتأقلمنا معها ومع مستقبلها القادم، وتكررت اللقاءات المفتوحة مع مؤسسات حكومية أخرى مثل كلية الدفاع الوطني وغيرها، وكذلك اللقاءات المرئية في التلفاز منها لقاءان في قناة الجزيرة، وكذلك عبر الإذاعات المحلية في سلطنة عُمان، ومما شدّني أن معظم ما يثير ذهن العقل -عبر هذه اللقاءات- أسئلة عن مدى مخاطر هذه التقنيات والوقاية منها وسبل الاستفادة منها وتسخيرها لجوانب إيجابية، ويمكن أن أختصر ما ركزت عليه في لقاءاتي كلها وما حاولت أن أوضحه عبر المقالات المكتوبة هو أن الذكاء الاصطناعي ليس وليد اللحظة؛ إذ إن مشواره بدأ منذ منتصف القرن العشرين واستمر نموه ليكتمل مع مشروعات عسكرية سرّية يتعلق بعضها ببرامج الفضاء والصواريخ والدبابات وأنظمة المخابرات والتجسس وكذلك مشروعات صناعية أخرى لها أهدافها التجارية، ومع بداية الألفية الثانية بدأت تترجم ملامح كثير من هذه المشروعات إلى تطبيقات بسيطة ظهر بعضها مع أنظمة الحاسوب والإنترنت والهواتف الذكية، ومع ظهور النماذج التوليدية التي تجمع بين القدرة على الحوار والتحليل الرياضي والفكري صار مصطلح «الذكاء الاصطناعي» الأكثر تداولا سواء في المجتمعات الإنسانية بعمومها أو في مختلف وسائل الإعلام ، وحينها -عبر ما أكتب عنه وأتحدث- انتقلت إلى لفت الانتباه إلى واقع تسارع أبحاث الذكاء الاصطناعي -التي كانت غائبة عن الوعي البشري لعقود طويلة لولا ظهور نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية- وتطورها عبر خوارزمياتها القادرة على التعلم الذاتي والمستقل التي تؤهلها إلى بلوغ المستوى أو النوع «العام أو الخارق» الذي يحق للإنسان أن يطرح الكثير من الأسئلة فيما يخص هذا النوع وحجم مخاطره المحتملة، وسبق أن بيّنت أنه لا سبيل إلى إنكار وجود هذه المخاطر ولكنها ليست كما تصورها لنا أفلام الخيال العلمي وتروّجه قبل سنوات طويلة؛ إذ إن تطويرات هذه الخوارزميات تسوق الكثير من المفاجآت، وفي الوقت نفسه تتولد الكثير من الحلول الرقمية المضادة التي تحاول أن تواجه هذه التحديات الصاعدة على رأسها مخاطر استيلاء الذكاء الاصطناعي على وظائف الإنسان التي يمكن حلها عبر طرح تخصصات أكثر تناسبا مع متطلبات التقدم الرقمي وتغييراته، وضربت ببداية ظهور الحاسوب والإنترنت مثالا مشابها لوضع الإنسان -في عصرنا الرقمي الحالي- مع تطويرات الذكاء الاصطناعي وتحدياته.

تصدّر المشهد التقني كذلك في عام 2023م ظهور المنصة المنافسة لمنصة «تويتر» سابقا -تُعرف الآن بأكس- «ثريدز» التابعة لشركة «ميتا»، وأجرت قناة الجزيرة معي حوارا عن هذا الحدث التقني ومدى توسّع هذه المنافسة، وذكرت يومها أن الأمر مرهون بعامل القوة الرقمية وتقبّل المجتمعات لها عبر ما يميز كل منصة عن غيرها، وسقت عدة مقارنات بين المنصتين؛ فأكدت أن الأيام المقبلة ستكون كفيلة بكشف ما يخفى علينا في وقتنا، وهذا ما كتبت عنه في مقال نشرته جريدة عُمان؛ ليتضح -لاحقا- انحسارا للمنصة الوليدة «ثريدز» وتفوقا لمنصة «أكس». اقتحمت كذلك تطبيقات الذكاء الاصطناعي مجالات كثيرة منها مجالات الطب التي كان لسلطنة عمان نصيبها من هذه التطبيقات، ونشرتُ مقالا خاصا عن تطبيقات الذكاء الاصطناعي في المجال الصحي بسلطنة عُمان التي لم أبالغ في وصفي له بأنه القطاع الأوفر حظا في المنافسة العالمية لدخول الذكاء الاصطناعي في أنظمته الصحية، وكشفت بشكل عام عن الرؤية التي تُوليها الحكومة بقيادة جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- في دعم ملف الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة، حيث تُرجِمَ الكثيرُ من هذه الرؤى إلى خطط واضحة ومشروعات بنّاءة واعدة.

أما عما يخص المستقبل التقني الذي يحمله عام 2024م، فيمكن أن أختصر -حسب وجهة نظري- أنَّ هذا المستقبل لن يكون حاملا لمفاجآت أكثر دهشة من تلك التي حملها عام 2023م وفقا لقراءة المسار التقني وتفاعلي معه وليس تنبُّؤًا، ولكن هناك تطويرات جديدة أستطيع استشفافها في ملف الذكاء الاصطناعي خصوصا تطبيقاته التي ستدخل حيزا أوسع لقطاع الطاقة الخضراء والمتجددة، وكذلك القطاعات الطبية عبر اكتشاف أسرار الأوبئة المستعصية على الفِرق الطبية ومراكز أبحاثها، وفي الصناعات الدوائية، وسيشهد كذلك قطاع المواصلات تطويرات جديدة عبر اندماج أوسع مع أنظمة الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والحوسبة السحابية، ولا يمكن أن نغفل عن النماذج التوليدية التي ستواصل هي الأخرى تطويراتها المتسارعة؛ لتأتي بمستجدات وأدوات أكثر تقدما؛ لتضيف تحسينات إلى قدراتها الحالية، ومع هذا وذاك لا أرى أن دهشة العقل البشري في عام 2024م ستكون أكبر من تلك التي كانت في عام 2023م الذي سيتوّجه التاريخ ليكون عامَ الدهشةِ الرقمية الحديثة بعد دهشة الإنسان الأولى باكتشاف النار، وبعدها الكهرباء، وبعدها الحاسوب والإنترنت، ولعل دهشة رقمية أكبر ستأتي بعد أعوام قادمة إن شاء الله.

د. معمر بن علي التوبي أكاديمي وباحث عُماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی العقل البشری الکثیر من یمکن أن عام 2023م مع هذه من هذه فی عام

إقرأ أيضاً:

أخلاقيات الذكاء الاصطناعي بين الطموح العلمي والتحدي الأخلاقي …!

أخلاقيات #الذكاء_الاصطناعي بين #الطموح_العلمي و #التحدي_الأخلاقي …!
أ.د. يوســف الدرادكـــــــــــــــــة
دعونا نفكر في هذا الموضوع من وجهة نظر العلاقة بين الاصطناعي والطبيعي. على مدار سنوات عديدة من تطورها، درست البشرية الظواهر الطبيعية وحددت عددًا من الأنماط التي تخضع لها الظواهر والعمليات الطبيعية. مع تطور التكنولوجيا، بدأ المجال التكنولوجي ومعايير تشغيل الأجهزة التقنية في التشكل.
لقد سمح التفكير الهندسي للإنسانية بالاعتراف بنفسها كقوة قوية إلى حد ما. كما أدى التقدم التكنولوجي إلى تغيير طبيعة العلاقات بين الناس.
التعارض السابق بين المدينة والريف، الثقافة التقنية والثقافة الزراعية، يصبح تعارضا بين الطبيعي والاصطناعي. أصبحت الأجهزة التقنية ذكية وقادرة على اتخاذ الخيارات. لقد أصبحوا مثل الأفراد البشر. وإذا تم إنشاء أعراف اجتماعية في المجتمع البشري لتنظيم العلاقات، ففي تفاعل الأجهزة التقنية والآلات والبشر، تكون هذه الأعراف في مهدها.
لقد وصلت الطموحات العلمية للبشرية إلى مستوى خطير؛ الاكتشافات في مجال الكيمياء والفيزياء النووية وعلم الأحياء الدقيقة وعلوم الكمبيوتر تهدد البشرية بعواقب لا يمكن التنبؤ بها.
تحليل عواقب تنفيذ الاكتشافات العلمية غير متطور بشكل كافٍ. وهذا يمكن أن يشكل تحديا للإنسانية وأنشطتها الرئيسية.
إن حل الأسئلة الناشئة عن تحليل موضوع “الطموحات العلمية والاختيار الأخلاقي” يتطلب مثل هذه المقاييس وآفاق الاعتبار التي يمكننا من خلالها وضع الأخلاق والقانون الفيزيائي على نفس مستوى الاعتبار. بالنظر إلى الأخلاق كعامل كوني، يأتي إلى استنتاج مفاده أن الضرورة الأخلاقية هي قانون مادي ( (V. Lefebvre.
بالنظر إلى العوامل التي تتمتع بالوعي كمواضيع كونية، فضلاً عن حقيقة أنه في جميع أنحاء مساحة الكون هناك عملية موحدة لإعادة توزيع كثافة المادة، فقد توصل إلى استنتاج مفاده أن مجموعة الموضوعات الكونية بأكملها لا تولد فقط قانون أخلاقي، ولكن أيضا قانون مادي.
بمعنى آخر، بغض النظر عن الطريقة التي نمنح بها الأجهزة التقنية وظائف فكرية، فإننا، أولاً، نشكل سلامة مثل هذا النظام – المجال التكنولوجي، الذي أساس علاقاته هو القانون الأخلاقي، بمعنى ما، ذو طبيعة مصطنعة وثانيا القانون الفيزيائي.
إذا كانت البشرية قد اكتشفت القوانين الفيزيائية سابقًا، فإنها تواجه الآن مهمة إنشاءها، معتبرة القانون الأخلاقي بناءًا أساسيًا. نظرًا لأن تركيز المطورين هو الذكاء الاصطناعي، فيجب وضع المبادئ البناءة لهيكل الكون، والأسس الكونية في هندسته المعمارية.
تعتمد طموحات العلماء والمهندسين على عمليات الاختيار، وعلى القدرة على التفكير في أفعالهم وأفعال الآخرين.
إن طموحات العلماء والمهندسين تنبع من الوعي، ولذلك فإن مهام دراسة الوعي مدرجة في جدول أعمال البشرية.
تصبح مسألة العلاقة بين الوعي والفكر، العاطفي والعقلاني، ذات أهمية خاصة.

مقالات مشابهة

  • متى تكون مفيدة.. هل نثق بإجابات الذكاء الاصطناعي عن الشؤون الصحية؟
  • هيئة الحكومة الرقمية تصدر تقريرها السنوي لعام 2023
  • باحث: الذكاء الاصطناعي أصبح خطرًا على البشر
  • المغرب يتأهب لمنافسة الشركات العملاقة في مجال الذكاء الاصطناعي
  • أخلاقيات الذكاء الاصطناعي بين الطموح العلمي والتحدي الأخلاقي …!
  • النموذج اللغوي العماني
  • المسار التطبيقي للذكاء الاصطناعي في سلطنة عُمان ومستجداته
  • نميرة نجم: يجب التعامل مع تعقيدات الذكاء الاصطناعي لضمان بقائه
  • تقرير: ثورة الذكاء الاصطناعي تفقد قوتها
  • باستخدام الذكاء الاصطناعي.. كيف سيتغير محرك بحث غوغل؟