تراجع حماس عن شرط وقف القتال نهائيا فى غزة، لإبرام صفقة تبادل مع إسرائيل، وعقد هدنة طويلة تصل إلى 40 يوما لا يمثل ضعفًا للحركة.
ليس تراجعًا بقدر ما هو تكتيك استراتيجى فى العرض واختيار الشرط المناسب فى توقيته لتحقيق مكاسب على الأرض، خاصة أنها طرحت شرطًا بديلًا فى نفس قوة «وقف القتال نهائيا»، عندما ألمحت لـ«الوسطاء» فى مصر وقطر بأنها لاتقف عند شرط وقف القتال نهائيًا وانسحاب الاحتلال من غزة خلال هدنة الـ 40 يومًا.
ما يمنح الفصائل الفلسطينية القوة، إذ لايعنيها كثيرًا وقف الحرب نهائيا والقدرة على الثبات والصمود لأشهر طويلة مهما كانت قوة الآلة الإسرائيلية التى تحصد يوميا العشرات من الفسطينيين المدنيين الأبرياء، وكلمة «صمود» تؤرق كل إسرائيلى، وترفع معنويات الفصائل وتصب سلبا على الجيش الإسرائيلى.
والانسحاب من قطاع غزة فى هدنة الأربعين يومًا يضع إسرائيل فى مأزق ويفرض مرحلة من الهدن وتبادل الأسرى ويُبعد شبح الحرب، وتتوارى معه شروط إسرائيل من تفكيك حماس، واستعادة الأسرى بالقوة، لصعوبة العودة ثانية إلى الحرب بسبب ترتيباتها المعقدة، وتذمر العالم، ما يجعل نتنياهو شاردًا، بين رحى الشروط الحمساوية وسندان صعوبة تحقيق أهدافه، فأحلامه باتت سرابًا، لاسيما بعد أن رفعت جنوب أفريقيا دعوى ضد إسرائيل بإبادة جماعية للشعب الفلسطينى، ما يقلق الحكومة الإسرائيلية من طلب المحكمة وقف القتال.
وكل يوم -رغم القتل والتدمير- تضعف إسرائيل معنويا ومن يناصرها «أمريكا أو الغرب» وتراجع الدول فى الاصطفاف مع تل أبيب، ودب الانقسامات بين حكومة الحرب نفسها!
ورغم أن إسرائيل «شبه تسيطر» على قطاع غزة، إلا أن هناك إشارات ورسائل تبعث بها حماس والفصائل تزرع اليأس فى نفوس نتنياهو وأعضاء حكومته، من قتل العديد من جنود وضباط الجيش الإسرائيلى فى حرب شوارع وكمائن ينزف معها بكثافة الدم الإسرائيلى، ويصل عدد القتلى إلى 20 و30 دفعة واحدة وخلال « ثوانِ» ولا تعلن إسرائيل عن كل عدد قتلاها بدليل ما أكدته القسام مؤخرًا بالفيديو عن مقتل 15 جنديًا إسرائيليًا بتفجير لغم «شرق حى التفاح».
ورشق تل أبيب ومدن أخرى بعشرات الصواريخ مع دخول العام الجديد، كاشف عن وجود مخزون من الصواريخ والأسلحة بمتناول الفصائل ومفاجأتها يوما بعد يوم وفى توقيت ورسائل معينة.
ويزيد من فرضية خروج الفصائل منتصرة من هذه الحرب الخلاف الذى تتسع هوته بين أمريكا ونتنياهو، فى رؤية الأخير لقطاع غزة بعد الحرب ودعوة المتطرفين فى حكومة نتنياهو، خاصة وزيرى الأمن القومى والمالية «إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش»، بعودة المستوطنين إلى غزة بعد أن سحبت إسرائيل عام 2005 جيشها و8 آلاف مستوطن من القطاع الذى كان محتلًا منذ عام 1967 فى خطة انسحاب أحادية قدمها رئيس الوزراء حينذاك آرييل شارون.
إسرائيل منذ حرب 67 لم ولن تعرف الانتصار الحقيقى بانسحابها من جنوب لبنان ووحلها فى مستنقع غزة وغيرها من دول الجوار، وأحد الأسباب أن قادة إسرائيل دومًا يواصلون القتل والذبح ليس لصالح الدولة بقدر الرغبة بالبقاء بمقاعدهم أو النجاة من السجن مثلما هو حال نتنياهو!
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: لن تنتصر تسلل حماس صفقة تبادل مع إسرائيل الفصائل الفلسطينية إسرائيل وقف القتال
إقرأ أيضاً:
تصريحات نتنياهو بإنهاء الحرب في أكتوبر.. فكيف يبرر التصعيد الجديد على غزة؟
قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إن الهجوم الجديد على غزة سيكون مكثفا، ونقلت وكالة رويترز عن نتنياهو زعمه أنه سيتم نقل سكان غزة من أجل حمايتهم، ولفت نتنياهو إلى أن القوات لن تشن غارات ثم تتخلى عن الأراضي بل العكس.
من جانبه، قال الدكتور جهاد أبولحية، أستاذ القانون والنظم السياسية الفلسطينى، إن ما يجري ليس مجرد تصعيد عسكري، بل سياسة متعمدة تهدف إلى اقتلاع السكان من أرضهم، وتدمير نسيجهم الاجتماعي، وفرض واقع جيوسياسي جديد يخدم الرؤية الصهيونية المتطرفة.
وأضاف أبولحية في تصريحات لـ "صدى البلد"، أن منذ أكثر من عام ونصف، يقود نتنياهو حربا مفتوحة بلا سقف قانوني أو أخلاقي، في ظل غياب أي موقف دولي رادع، بل وسط تواطؤ وصمت أقرب إلى الشراكة، خاصة من بعض القوى الغربية بمقدمتهم الولايات المتحدةالأمريكية التي توفر غطاء سياسبا وعسكربا لحكومة الاحتلال.
وأشار أبو لحية، إلى أن وهذا ما شجعه على مواصلة سياسات القتل الجماعي، والحصار، والتجويع، التي ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، والتهجير القسري، الذي يشكل جوهر السياسات الإسرائيلية في غزة اليوم، مجرم صراحة في القانون الدولي، وتنص المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 على أنه: "لا يجوز للدولة المحتلة أن ترحل أو تنقل السكان المدنيين من الإقليم المحتل، كليا أو جزئيا".
وتابع: "وما تفعله إسرائيل من دفع المدنيين للهروب عبر القصف المستمر، ثم استهدافهم في مناطق النزوح، وحصارهم في "منطقة آمنة" وهمية، هو انتهاك صارخ لهذه المادة، أما من حيث الحصار وتجويع السكان كأداة حرب، فإن المادة 54 من البروتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف لعام 1977 تنص على أن يحظر تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب، ويحظر مهاجمة أو تدمير أو إزالة أو جعل الأشياء التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين غير صالحة للاستعمال".
وأردف: "بموجب هذه المادة، فإن إغلاق المعابر منذ أكثر من شهرين، ومنع دخول الغذاء والدواء والمساعدات الإنسانية، في ظل انهيار شامل للبنية التحتية، يشكل جريمة حرب واضحة، ويقع ضمن سياسة التجويع كأداة إبادة بطيئة، ويضاف إلى ذلك ما نص عليه ميثاق روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، الذي اعتبر في المادة 7(1)(d) التهجير القسري جريمة ضد الإنسانية، وجاء فيها: "الإبعاد أو النقل القسري للسكان متى تم ارتكابه كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين".
واختتم: "كل هذا يعزز أن ما يجري في غزة ليس حربًا بالمعنى التقليدي، بل هو تطبيق عملي لمخطط استعماري يستهدف تصفية القضية الفلسطينية ميدانيا، عبر ارتكاب سلسلة من الجرائم الدولية المتكاملة: الإبادة، التهجير، التجويع، والتدمير المنهجي للبنية المدنية، وفي ضوء ذلك، يصبح من واجب المنظمات الدولية، والمحكمة الجنائية الدولية، وكل الدول الأطراف في اتفاقيات جنيف، التحرك الفوري لوقف هذه الجرائم، ومحاسبة المسؤولين عنها، وعلى رأسهم نتنياهو وحكومته، والاستمرار في الصمت أو الاكتفاء بالإدانة اللفظية، يعني تواطؤا مباشرا في الإبادة الجارية".