قبل 13 حزيران/ يونيو 2025 كان نتنياهو مأزوما مذموما معزولا، يقف على شفا هاوية السقوط، وذلك بسبب هزيمته العسكرية، طوال عشرين شهرا، أمام المقاومة في غزة، حيث فشل في القضاء عليها والسيطرة عسكريا، وحيث تردّت سمعة الكيان الصهيوني في الوحول، أمام الرأي العام العالمي، بسبب ما ارتكب من مجازر، وقتل جماعي للأطفال والمدنيين، الأمر الذي جعله يواجه موقفا ضدّ عودته إلى الحرب من قِبَل كل دول العالم، بما في ذلك أزمة في العلاقة مع ترامب، ومع الدول الأوروبية.
على أن انقلاب موقف ترامب، لتأييده في شنّ حرب ضد إيران، أخرجه من المأزق، من خلال التفاف الداخل المعارض له لتأييده في الحرب، كما انحياز ترامب له في هذه الحرب، وتأييد الدول الأوروبية له، تحت شعار مقلوب على رأسه، وهو "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، وذلك بالرغم من كونها المُعتدِية على إيران.
أصبح مسار الحرب، في حالة توقفه الآن، مكرِّسا لقوّة إيران ومنَعَتِها سياسيا وعسكريا، الأمر الذي نقل الكرة إلى ملعب ترامب وملعب الدول الأوروبية لإنقاذ نتنياهو، من خلال المشاركة في الحرب
ففي فجر الثالث عشر من حزيران/ يونيو 2025، أعلن نتنياهو الحرب على إيران، وقد استهلها بغارات غادِرة، اغتالت العشرات من العلماء والقادة العسكريين، وعمدت إلى تدمير المئات من المواقع العسكرية والمدنية.
ولكن مع مضيّ نهار ذلك اليوم، غامضا حالكا، وإذ بليلة 13/14 تنقذ الموقف، من خلال القصف الذي شنّته إيران ردا على العدوان، بقرار من السيد الإمام علي الخامنئي، بعد تضميد الجراح، واستعادة ترتيب الهيكلية العسكرية والسياسية، والانتقال إلى امتلاك زمام المبادرة. وهو ما تصاعد في الأيام الستة التالية، الأمر الذي جعل الأسبوع، من الجمعة إلى الجمعة، يسفر عن ميزان قوى في غير مصلحة الكيان الصهيوني، بما أعاد نتنياهو إلى مأزق لا يقلّ عن سابقه.
لقد أصبح مسار الحرب، في حالة توقفه الآن، مكرِّسا لقوّة إيران ومنَعَتِها سياسيا وعسكريا، الأمر الذي نقل الكرة إلى ملعب ترامب وملعب الدول الأوروبية لإنقاذ نتنياهو، من خلال المشاركة في الحرب. وهذا يفسّر تتالي لقاءات ترامب بمجلس الأمن القومي، حيث لم يستطع، بعد أيام، أخذ قرار بين الخيارين، إما المشاركة في الحرب وإما إطالة أمدها، لوقفها.
يرجع هذا التردّد من جانب ترامب إلى دراسة المحاذير والمخاطر، في حالة المشاركة في الحرب، واستعداد إيران للردّ على الحرب بالحرب. كما أن الذهاب إلى خيار الحل التفاوضي يقود إلى وقف الحرب، مما يؤدي إلى خروج إيران منتصرة، كما إلى هزيمة نتنياهو، وهو ما يصعب على ترامب وأوروبا ابتلاعه.
المحصلة التي انتهت إليها الحرب التي شنّها نتنياهو والجيش الصهيوني في 13 حزيران/ يونيو 2025، وخلال الأسبوع التالي حتى 20 حزيران/ يونيو 2025، ليست في مصلحة الكيان الصهيوني
وبهذا يمكن القول، إن المحصلة التي انتهت إليها الحرب التي شنّها نتنياهو والجيش الصهيوني في 13 حزيران/ يونيو 2025، وخلال الأسبوع التالي حتى 20 حزيران/ يونيو 2025، ليست في مصلحة الكيان الصهيوني.
فقد بدأت الصواريخ، وفي مقدمّها "الفرط صوتية"، تترك آثارا سلبية جدا على الداخل الصهيوني، سواء أكان بسبب مأزق نتنياهو الجديد، بعدم إخضاع إيران كما توهّم هو وترامب، أم كان بسبب الردّ الإيراني وحجم الخسائر التي نجمت عنه؛ ويمكن أن تنجم عنه أكثر في الداخل الصهيوني.
وهنا يجب أن يُلحظ بأن التدخل الأمريكي العسكري لن ينجح بدوره، سواء بسبب إرادة المقاومة لدى قيادة إيران، ووحدة شعبها، أم كان بسبب عدم قدرته على الانتصار أو إخضاع إيران، ذلك لأن الانتصار في مثل هذه الحالة لا يتحقق إلا بالغزو البرّي، والاحتلال العسكري المباشر، وليس بالقصف الجوّي، أو الاغتيالات، أو الحرب النفسية فحسب.
أما من جهة أخرى، فإن المحصلة العامة لهذه الحرب، والحرب الأمريكية إن وقعت، فستكون في مصلحة المقاومة والشعب في قطاع غزة، كما القضية الفلسطينية بعامة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه نتنياهو الحرب ترامب إيران إسرائيل إيران إسرائيل نتنياهو حرب ترامب مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة أفكار تكنولوجيا سياسة سياسة مقالات اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المشارکة فی الحرب الدول الأوروبیة الکیان الصهیونی الأمر الذی یونیو 2025 من خلال
إقرأ أيضاً:
لماذا انقلب نتنياهو على مسار المفاوضات وأين يتجه في غزة؟
غزة- بينما كانت الأنظار تتجه نحو انفراجة محتملة في ملف تبادل الأسرى بعد أسابيع من المفاوضات المكثفة، فاجأ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية– الوسطاء بتراجعه في اللحظة الأخيرة، رافعا سقف التصعيد بالحديث عن احتلال قطاع غزة مجددا.
خطوة رآها مراقبون جزءا من سياسة المناورة المستمرة التي ينتهجها نتنياهو للهروب من الاستحقاقات الداخلية والضغط لتحصيل مزيد من التنازلات.
ورغم ترقّب اجتماع المجلس الوزاري المصغر (الكابينت) مساء الخميس، فإن أغلب التقديرات ترجّح أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يوظف الموقف التفاوضي لخدمة أهداف سياسية داخلية، مرتبطة بمصالحه الشخصية والانتخابية، ويستخدمها للمناورة حتى اللحظة الأخيرة عله يستطيع أن ينتزع المزيد من التنازلات من حركة حماس.
الهروب من المفاوضاتمن جانبه، اعتبر الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني وسام عفيفة -في حديثه للجزيرة نت- أن تراجع نتنياهو عن مفاوضات الصفقة التي قادها الوسطاء خلال الأسابيع الأخيرة يعود لجملة أسباب تتمثل في:
اعتبارات سياسية داخلية، تحقق لنتنياهو الهروب من المحاسبة لأنه يدرك أن إتمام صفقة قد يعيد المشهد إلى مربع طرح "ما بعد الحرب"، وهو ما يفتح عليه أبواب التحقيق ولجان الفشل، خصوصا في ظل تعاظم النقد الداخلي. الحفاظ على تماسك الائتلاف، لأن أي صفقة تُفسّر أنها تنازل لحماس قد تُفجّر الحكومة بفعل ضغط اليمين المتطرف، لذا فالتصعيد أسهل وأقل تكلفة سياسيا. تأجيل الاستحقاقات السياسية، لأن بقاء الحرب من دون حل يجمّد الدعوات لانتخابات مبكرة ويمنح نتنياهو الوقت لخلط الأوراق مجددا. اعتبارات أمنية وعسكرية، حيث يعتقد نتنياهو أن أي صفقة من دون إنجاز ميداني ملموس يحقق فيه "صورة نصر" تتمثل بإسقاط حكم حماس تُعد هزيمة، لذا يُفضّل الإبقاء على التصعيد بحثا عن ورقة قوة تُستخدم في التفاوض لاحقا. اعتبارات إستراتيجية وتكتيكية تشمل استخدام المفاوضات كغطاء، حيث كان نتنياهو يستخدمها أداة ضغط لتحصيل تنازلات، وما إن وصلت حماس إلى موقف ثابت من دون تراجع إضافي، توقف نتنياهو. ضرب الزخم الإيجابي بعدما شعر نتنياهو أن الوسطاء بدؤوا يتقاربون مع مقاربة فلسطينية قابلة للحياة، فانسحب حتى لا يُفرض عليه مسار تفاوضي جديد يُنهي الحرب تدريجيا. المناورة أمام إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ويندرج تحتها محاولة نتنياهو استثمار الدعم الأميركي الكبير له لتكريس وقائع ميدانية قبل أي تسوية مفروضة لاحقا من المجتمع الدولي. الضغط على حماس عبر التصعيد، لأن الهدف قد لا يكون الحرب الشاملة، بل جولة تضغط على الحركة وتعيدها إلى طاولة التفاوض بشروط إسرائيلية.من جانبه، يعتقد الباحث في الشأن الأمني والعسكري رامي أبو زبيدة -في حديث للجزيرة نت- أنه إذا أصرت حكومة الاحتلال على الذهاب نحو توسيع العمل العسكري في قطاع غزة فإن هناك 3 سيناريوهات متوقعة:
إعلان تقسيم القطاع وفرض واقع تهجيري من خلال فصل مدينة غزة وشمالها عن باقي المناطق بإنشاء "منطقة عازلة" ومخيمات نزوح بدعم أميركي غير معلن، مع تصعيد الضغوط الجوية لتشجيع النزوح جنوبا، مقابل تسهيلات إنسانية في الجنوب. اجتياح بري لمركز قطاع غزة يركّز على مدينة غزة والمخيمات الوسطى بهدف البحث عن الأسرى، لكنه يحمل مخاطر كبيرة على الجنود الإسرائيليين واحتمال وقوعهم في كمائن ومعارك استنزاف في بيئة معقدة. إستراتيجية التآكل البطيء عبر ضربات جوية متواصلة، وإنزالات ميدانية محدودة، وضغوط إنسانية وسياسية متزامنة تهدف إلى إنهاك المقاومة، من دون الانجرار إلى مواجهة واسعة.
ثقة الإسرائيليين تتآكل
وفي خضم التهديدات الإسرائيلية، استطلع معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي آراء الجمهور الإسرائيلي حول الأداء الأمني والسياسي في الحرب المستمرة منذ أكتوبر/تشرين أول 2023، حيث أظهر أن 61% منهم لا يعتقدون أن العمليات العسكرية في غزة ستعيد الأسرى، في حين يرى 25% من الجمهور فقط أن العمليات ستؤدي إلى هزيمة حماس وإعادة الأسرى، بينما يرى 52% منهم أن حكومة نتنياهو تعرقل التوصل إلى صفقة لتبادل الأسرى.
ونشرت منصة شؤون عسكرية قراءة لنتائج الاستطلاع قالت فيها إن مؤشرات الاستطلاع تنسف جوهر العقيدة العسكرية الإسرائيلية المبنية على فرض الوقائع بالقوة واستعادة الأسرى من دون تنازلات، كما أن المقاومة نجحت في تثبيت معادلة استنزاف فاعلة، تجعل أي حسم مستحيلا، وتعزّز من مركزية خيار المقاومة لدى الفلسطينيين.
وبحسب المنصة الإسرائيلية، فإن أي عملية عسكرية قادمة في غزة أو أي جبهة ستُقابل بسقف منخفض من التوقعات الشعبية، مما يقلّص حرية المناورة لدى الجيش، ويجعله عُرضة للضغط الشعبي والإعلامي في حال تكبّده خسائر من دون نتائج ملموسة.
وتشير المنصة إلى أن الجيش يفقد تدريجيا مكانته "المقدسة" في الوعي الإسرائيلي، وهذا يعيد النقاش حول قدرته على الحسم، ويعزز مناخا متزايدا من فقدان الثقة بالمنظومة الأمنية برمّتها، وسيتحول الانقسام الداخلي الإسرائيلي، والتشظي المجتمعي، إلى ساحة جديدة للصراع، وهو ما تراهن عليه المقاومة وتراكم عليه نتائج حرب الاستنزاف.