التعامل مع البعض بـ«ثقة» مدخل للمماطلة.. مختصون لـ«البلاد»: «الديون الهالكة» تهدم العلاقات الاجتماعية
تاريخ النشر: 4th, January 2024 GMT
جدة – ياسر خليل
يستصعب الكثيرون رد السلف المالية لأصحابها، ما يجعلها في خانة “الديون الهالكة”، وبالتالي يعاني مقدموها من “صدمة الأصدقاء”، وربما يفقد الثقة في الجميع ويرفض بعدها تقديم العون لأي شخص يقصده في حاجة بعد خذلانه من أقرب الناس.
وأكد مختصون لـ “البلاد”، أن البعض- للأسف- يستخدم أساليب التمويه والهروب من رد المكالمات أو تقديم أعذار واهية، وقد يصل الأمر إلى حظر صاحب الشأن على الجوال ووسائل التواصل الاجتماعي، حيث تقول الأخصائية الاجتماعية سهام الحربي: أرى أن الأساس في الصداقة وفي أي علاقة أخرى هي الثقة بدون شروط، عدا الصداقات التي تدور حولها الشكوك مثل أن تكون حديثة أو بُنيت على مصلحة، وفي كلا الحالتين من الأفضل توثيق القرض بالمنّصات الرسمية لتفادي المشكلات المستقبلية.
وقالت سهام: إن الصداقة مثلها كمثل أي علاقة يجب أن يكون أساسها متينًا وقويًا، وللحفاظ عليها يجب تقديم بعض التضحيات والتنازلات؛ من أجل استمرارها لأنها مؤنسة للروح، مؤكدة أن هناك عدة علامات على وجود الثقة المطلقة في الصداقة حتى تصل لإقراض المال بدون الحاجة إلى الإثبات، مثل أن تكون قديمة جدًا وعاصرت الكثير من الظروف التي كان من الممكن أن تنهيها، ولكنها ظلّت ثابتة، وكان أساسها متينًا، وأيضًا هناك بعض الصداقات التي تبيّن ضعفها منذ أول يوم حتى إذا كانت تتمحور حول الاستغلال العاطفي والمادي، وتفتقد الشعور بالراحة المطلقة والانتماء.
من جانبها، تقول الأخصائية الاجتماعية خلود العصفور: “الموضوع حساس للغاية، ويمكن أن يؤدي إلى تدهور العلاقات الاجتماعية، لكن من الأفضل وضع حدود واضحة عند تقديم المساعدة المالية، مع التأكيد على أهمية التواصل الصريح حول شروط السداد، وقد يكون من المفيد أيضًا البحث عن حلول أخرى، مثل تقديم المساعدة بطرق غير مالية لتجنب الخلافات في العلاقات وخصوصاً الأصدقاء، فبعض الأشخاص يستغلون فرصة عدم وجود أوراق تثبت السلف للتهرب من رد الدين، ويستخدمون أساليب مراوغة؛ منها عدم الرد على المكالمات والحظر على مواقع التواصل.
وأضافت: “من وجهة نظري أرى أن الأوراق مهمة في مثل هذه التعاملات، لأنها تلعب دورًا مهمًا في تجنب المراوغة وحماية العلاقات الشخصية، وقد تساعد في توثيق الاتفاقيات وتحديد شروط السداد، وبالتالي تقليل فرص التهرب والإحراج، كما تسهم في توفير وسيلة للتواصل الفعّال وفهم الالتزامات بشكل واضح، ما يحد من حدوث خلافات وتشويش في العلاقات الاجتماعية، وإذا ما كان الشخص مقدم الدين محرج من الطرف الآخر، أو كيفية أن يطلب منه التوقيع على أوراق ثبوتية يمكنه التعبير عن قلقه بشكل صريح وودود، ويمكنه قول شيء مثل: أشعر بأهمية وجود توثيق رسمي للدين، للحفاظ على وضوح العلاقة بيننا وتفادي أي إشكاليات مستقبلية، هل يمكنك توفير بعض الوثائق لضمان أن تكون الأمور واضحة بيننا؟ لأنه فعلاً قد تحدث مثل هذه المراوغات بين الأصدقاء فيما يتعلق بالمسائل المالية، وتكون هناك مواقف محرجة تنشأ عندما يتعذر على أحد الأصدقاء سداد الدين أو تقديم الوثائق الثبوتية، ومن الأهمية التحدث بصراحة لتجنب الارتباك وحماية العلاقة الصداقة بين الطرفين؛ إذ قد تكون هذه إحدى الطرق الفعالة لضمان حق الفرد”.
وفي السياق ذاته، تقول بدرية المطيري:” ليس هناك شك في أن إدخال الأموال في العلاقة بين الأشخاص، يمكن أن يجعل الأمور غريبة بعض الشيء، لأننا بشكل عام قريبون للغاية ممن نقرضهم، لكن الخبراء يقولون: إن إقراض المال يتعارض مع المحرمات المجتمعية حول مناقشة الأمور المالية ويؤدي إلى اختلال التوازن في هذه العلاقة الوثيقة، وهذا بالفعل هو ما يحدث عندما تقرض أحد الأصدقاء ويتم التهرب من الشخص وعدم الالتزام بالسداد متناسيًا، فإن من يأكل حقوق الناس تكون نهايته صعبة وقاسية ويفقد الدنيا والآخرة”.
وتابعت:” في حال شعر الفرد بالتجاهل ممن قام بمساعدته ماديًا وعدم الرد عليه بعد أخذ حاجته منه، فعليه التحلي بالصبر والحكمة، والبحث عن أشخاص مقربين منه، بإمكانهم التواصل معه والتأثير عليه برد المبلغ المستحق وعدم المماطلة فيه وتذكيره بالله- عز وجل- وبحكم التحايل والتلاعب، وأخذ حقوق الناس بالباطل، لأن أكل أموال الناس بالباطل من أبشع الذنوب وهو ما جاء في الآية الكريمة: “يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم”، وقد حذرنا سيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم- من أكل أموال الناس واغتصاب حقوقهم.
المصدر: صحيفة البلاد
كلمات دلالية: أن تکون
إقرأ أيضاً:
العالم العربى من الاستعمار للاستقلال
بعض الأسئلة مخيفة، ومعظم الإجابات محبطة. وصار يوجعنى السؤال الأشهر الذى يطرحه بعض الساسة والمفكرين للمقارنة بين أحوال الدول العربية خلال زمن الاستعمار، وأحوالها الآن.
يحبط المواطن العربى كلما رأى صوراً قديمة لشوارع بلاده النظيفة، تبتسم الوجوه، تبزغ الأناقة على البشر، تفوح الطاقات الإيجابية، ويحس الجمال.
يحبط العربى كلما قرأ عن بدايات الحداثة للمؤسسات والقوانين المنظمة لحياة البشر، يحزن كلما استمع لشهادات مسنين يروون ذكرياتهم خلال زمن الاستعمار فى بلادنا.
منذ منتصف القرن العشرين، اندلعت ثورات، وبذلت تضحيات، وقاوم البشر بكل ما يمتلكون، واستشهد أبطال طلباً للاستقلال.
بنى الوطنيون العرب آمالاً عظيمة لبلدان حرة، يتمتع أهلوها بالعزة والكرامة، ينعمون بالأمن، وينهلون من خيرات بلادهم التى كانت نهباً للمستعمرين. وتنبأ البعض بفورات اقتصادية عظيمة تتيح للبشر قدراً عظيماً من الرضا والسعادة، وآمن البعض الآخر بحكومات قوية منصفة، تقبل بتعدد الآراء، وتسمح بالنقد سعياً لتحسين الأداء.
كانت الأحلام سامية، فرسم الناس أوطاناً من جنان، يبتسم الجميع، يسودها الاحترام، تتسيد فيها العدالة، وتسبق بلاد الاستعمار الظالمة، لكن القادم جاء محبطاً.
استقلت البلدان العربية، بلداً بعد آخر، وحملت جيوش الاستعمار أعلامها وعتادها ورحلت دون أوبة، فاستحوذ الثوار على السلطة. وبدا واضحاً أن رؤوس قادة الثورات لا تحمل سوى الغضب والحماس، لا فكر عميقًا، ولا حس سياسياً، ولا ثقافة واسعة، ولا تعليم متميزًا لذا انصبت الخطط المطروحة على هدم الماضى، دون تشييد المستقبل.
وهكذا قمعت حكومات الاستقلال الآخرين، حتى صفى البعض حساباته مع زملائه الثوار، طمست معالم التاريخ، فانقلب أبطال إلى خونة، وتحول رفاق سلاح إلى مجرمين، ولفقت اتهامات حتى صار واضحاً أن الهدف الأسمى والأولى هو تأمين السلطة الآنية. وفتحت السجون والمعتقلات، عاد الجلادون أشد قسوة، امتهنت الكرامة، ونحيت الأخلاق جانباً، ورأى الناس مشاهد أبشع مما رأوه زمن الاستعمار، وعايشوا وقائع أشد ألماً وقسوة.
يقول لى صديق عراقى ملم بالتاريخ إن الإنسان العراقى عانى فى ظل الحكومات المستقلة فى بلاده أضعاف ما عاناه خلال الاستعمار البريطانى. فقد اكتشف المحتلون النفط، وأسسوا له البنى التحتية، وبنو الجسور والسدود، ووضعوا التشريعات الأولى، بذروا البذرات الأولى للحداثة. لكن صانعى الاستقلال كانت لهم اهتمامات أخرى. فقد عاش عبدالكريم قاسم دموياً قامعاً وانتهى مسحولاً ممزقاً، وجاء صدام حسين ليرسم صورة استثنائية لديكتاتور شديد القسوة والسادية، ليصل الأمر ببعض العراقيين إلى أن يستقبلوا الغزاة الأمريكيين عام 2003 بالورد.
خاض الشعب الجزائرى كفاحاً أسطورياً طال أكثر من مائة عام، قدم خلاله مليوناً ونصف المليون شهيد، تمترس الثوار فى مكافحة الاحتلال الفرنسى الذى لم يسلم بلداً تفيض بالخيرات إلا بعد أن أيقن باستحالة البقاء. وبعد أن تحقق استقلال الجزائر قاتل الثوار الثوار، وتصارعوا، وتصارعوا، فتيبست التنمية عقوداً طويلة حتى ضج الناس وتحسر بعضهم على طرق أنشأها الاحتلال ولم يُنشأ مثلها بعده.
وفى عام 1952 هلل البعض لحركة 23 يوليو فى مصر، اعتبروها ميلاداً جديداً. وكتب مصطفى أمين، وجلال الحمامصى، وكامل الشناوى، عن البطل العظيم جمال عبدالناصر، وعن مصر المستقبل التى ستصعد إلى الفضاء، ويسودها الرخاء. وصدق البعض ونافق البعض الآخر، لكن فى النهاية انساق الجميع خلف القائد الطاووس الحالم بالزعامة العربية، لينفجر بالون الأكاذيب فى وجوه الجميع خلال الهزيمة الإنسانية لا العسكرية فقط فى يونيو 1967، والتى لا تزال آثارها مستمرة.
بقى السؤال محيراً: كيف كنا فى أزمنة الاستعمار؟ وإلى ما صرنا بعد الاستقلال؟ ولم؟ وكيف؟ وإلى متى؟
الله أعلم
[email protected]