اغتيال القيادي البارز في "حماس" صالح العاروري قد يوفر دفعة نفسية مطلوبة بشدة للجيش الإسرائيلي الذي يعاني في غزة الآن، لكنه لا يخفف من التحدي الذي تواجهه إسرائيل في القضاء على الحركة أو إجبارها على الاستسلام.

هكذا يخلص تحليل كتبه عماد حرب، مدير الأبحاث والتحليل في "المركز العربي واشنطن دي سي"، وترجمه "الخليج الجديد".

اغتيال قادة "حماس" لم يضعفها

ويقول الكاتب إن الاغتيالات الإسرائيلية السابقة لقادة "حماس"، مثل اغتيال مؤسسها أحمد ياسين وخليفته عبدالعزيز الرنتيسي، لم تنتج سوى قادة آخرين ملتزمين بأجندة المنظمة المتمثلة في قتال إسرائيل من أجل تحرير فلسطين.

اقرأ أيضاً

نصر الله: اغتيال العاروري لن يمر دون عقاب.. ولو تعرضنا لحرب إسرائيلية سنرد بلا حدود

ويضيف أن الواقع يشير بوضوح إلى أن المجتمع الفلسطيني مليء بالقادة من كافة مناحي الحياة الذين يكرسون جهودهم لأهداف التحرير والاستقلال.

ويعتبر الكاتب أن اغتيال العاروري داخل بيروت يتناقض على وجه التحديد مع السياسة الأمريكية المتمثلة في محاولة تجنيب لبنان الآثار الضارة لحرب على مستوى المنطقة والحد من التصعيد الإسرائيلي على جبهتها الشمالية.

ويتابع: من هنا يصبح من المشروع التساؤل، أولاً، عما إذا كانت الولايات المتحدة مهتمة حقاً بتجنيب لبنان أي مصائب قد تصيبه في فترة ما بعد العاروري، ,ثانياً، ما إذا كانت لديها أي إرادة سياسية لكبح ميل إسرائيل إلى إشعال المواجهات الإقليمية التي قد تتفاقم.

ويتساءل الكاتب: هل سيضر في نهاية المطاف بالمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط؟

رسائل إسرائيل

ويرى حرب أن إسرائيل، باغتيال العاروري، أرسلت عددا من الرسائل في عدد من الاتجاهات.

أولاً: يعتبر توقيت الاغتيال محاولة واضحة لرفع معنويات جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي فشل حتى الآن في إنهاء المقاومة للهجوم البري الذي شنه في 27 أكتوبر/تشرين الأول ضد قطاع غزة.

اقرأ أيضاً

اغتيال العاروري.. هروب من وقف إطلاق النار أم تأجيل؟

وتظهر علامات الإرهاق على جيش الاحتلال، وقد أعلن للتو أنه سيسحب خمسة ألوية من جبهة غزة.

وفي حين أن جزءًا من المبرر هو إعداد القوات لمواجهة صراع محتمل مع "حزب الله" في الشمال، إلا أن الواقع يظل أن سحب القوات من منطقة حرب نشطة يشير إلى أنه تم اتخاذ قرار بأن الحرب المذكورة قد تكون مكلفة للغاية ولا يمكن الانتصار فيها، يقول الكاتب.

ثانيا: يشكل استهداف العاروري وقتله في الفناء الخلفي لـ"حزب الله" رسالة واضحة مفادها أن إسرائيل قادرة على الوصول إلى أي شخص في أي وقت تملي فيه استراتيجيتها مسار العمل هذا، كما يقول حرب.

ووفقا لهذا المنوال، كان الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله هدفا محتملا للاغتيال في مدينة بعلبك شمال شرق البلاد قبل بضعة أيام عندما ظهر في جنازة مساعده الإداري السابق.

ثالثا: مكان الاغتيال في بيروت بعيد عن الحدود اللبنانية – الإسرائيلية، وبالتالي خارج المنطقة التي شهدت هجمات إسرائيلية وحزب الله، خاصة منذ 7 أكتوبر.

وبالتالي يمكن اعتبار ما حدث  خارجاً عن قواعد الاشتباك المتفق عليها ضمنيا.

اقرأ أيضاً

تقديرات إسرائيلية: رد حماس على اغتيال العاروري سيكون من جهة لبنان

علاوة على ذلك، فما حدث يتحدى إعلان نصر الله أن أي هجوم إسرائيلي على أي شخص في لبنان (لبناني، فلسطيني، سوري، إيراني، أو غير ذلك) سوف يولد رد فعل جدي من الحزب.

ويستبعد الكاتب أن يلجأ "حزب الله" إلى توسيع الهجمات على إسرائيل والتهديد ببدء حرب إقليمية، ردا على اغتيال العاروري، لكنه قد يزيد من وتيرة هجماته، تضامنا مع "حماس".

المصدر | عماد حرب / المركز العربي واشنطن دي سي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: صالح العاروري اغتيال العاروري بيروت الجيش الإسرائيلي حماس حزب الله اغتیال العاروری حزب الله

إقرأ أيضاً:

لماذا لا تستطيع إسرائيل أن تنتصر في غزة؟

عندما بدأت إسرائيل حربها على غزة في أكتوبر 2023، لم يكن الهدف المعلن أقل من «القضاء التام على حماس». بدا ذلك، لحظة انفعالية، وكأنه مهمة ممكنة. فإسرائيل دولة ذات تفوق عسكري لا يُضاهى في المنطقة، وتتمتع بدعم غربي سياسي وتسليحي ضخم، بينما تقاتل حركة محاصَرة، محدودة الموارد، ومعزولة جغرافيا. لكن أكثر من 20 شهرا من القصف والدمار والإبادة الجماعية لكل ما يدب على الأرض، لا يبدو النصر، وفقا للتوجيه السياسي المعلن والصادر للمؤسسة العسكرية، في الأفق، بل إن إسرائيل نفسها باتت أبعد من أي وقت مضى عن تحقيق أهدافها في الحرب.

ما الذي يحدث إذن؟ ولماذا لم تعد القوة العسكرية كافية لتحقيق الانتصار؟ ولماذا تصبح كل حرب تشنها إسرائيل على غزة أطول، وأكثر دموية، وأقل فاعلية؟

في عمق العقيدة العسكرية الإسرائيلية ـ كما هو الحال في كثير من العقائد العسكرية الغربية ـ ترسّخت فكرة الحرب الخاطفة، التي تحقّق النصر السريع من خلال الضربة الأولى الساحقة، وقد نجحت هذه العقيدة في حرب 1967، لكنها فشلت مرارا منذ ذلك الحين، خصوصا في مواجهة الخصوم غير النظاميين الذين يتقنون حرب المدن والأنفاق، ويجيدون تحويل نقاط ضعفهم إلى أدوات استنزاف طويلة الأمد.

تشبه الحالة الإسرائيلية في غزة ما يسميه بعض الاستراتيجيين «مغالطة الحرب القصيرة»؛ حيث يُفترض أن صدمة القوة ستدفع الخصم إلى الانهيار، لكن الواقع يُثبت أن الخصم ـ عندما يكون متجذرا شعبيا، وعقائديا، ومتحركا جغرافيا ـ لا يُهزم بهذه الطريقة، بل على العكس، كلما طال أمد الحرب، زادت فاعليته، واهتزت صورة القوة المتفوقة أمام جمهورها.

تُظهر تجربة إسرائيل في غزة أن التفوق العسكري وحده لا يكفي؛ فإسرائيل دمرت معظم البنية الأساسية في القطاع، وقتلت عشرات الآلاف، وهجّرت الملايين في غزة لأكثر من مرة، لكنها لم تستطع إقناعهم بالتخلي عن المقاومة، ولم تستطع فرض سيناريو «ما بعد حماس» رغم أنه كان شغل العالم الشاغل أكثر من شغلهم بإنهاء الحرب ووقف الإبادة. وفي غياب هذا السيناريو، تبدو الحرب بلا غاية واضحة سوى التدمير، وهذا ما يحدث الآن، فلا هدف واضح لجيش الاحتلال إلا التدمير والاستمتاع بالقتل والتجويع.. لكن هذا الأمر رغم فظاعته إلا أنه بات يفقد إسرائيل زخمها السياسي ويقوّض مشروعيتها الأخلاقية التي كانت توهم العالم بها.

وبينما تبحث إسرائيل عن «نصر كامل»، تواصل حماس الظهور والاختفاء، القتال والتكتيك، مقاومة القصف وممارسة الإعلام. لم تعد المعادلة تقتصر على مَن يملك الطائرات والدبابات، بل مَن يملك القدرة على الصمود، وعلى إدارة زمن طويل من القتال غير المتكافئ.. ومن يستطيع أن يقنع العالم بسرديته، ويبدو أن غزة تحقق تقدما عميقا في هذا الجانب رغم أنه بطيء جدا بسبب عملها منفردة في ظل غياب المشروع العربي الموحد في هذا الجانب.

وإذا كانت حرب إسرائيل الظالمة تفشل فإن السبب لا يعود كما يعتقد البعض إلى ضعفها العسكري ولكن إلى حجم التناقض بين الوسائل والغايات؛ فبينما تُستخدم القوة التدميرية بأقصى درجاتها، يبقى الهدف السياسي ـ القضاء على حماس ـ أو بمعنى آخر القضاء على المقاومة هدفا مجردا وغير واقعي بالنظر إلى عقيدة المقاوم الفلسطيني الذي ما زال متمسكا بحقه في أرضه وبأن مشروعه الأول هو تحرير أرضه من المحتل الإسرائيلي.

وأثبتت التجربة أن قتل القادة وتدمير المباني لا يعني نهاية المقاومة، بل إن رفض المحتل الإسرائيلي لأي شكل من أشكال الحل السياسي وإمعانه في التدمير والإبادة يحفز المقاومة ويوسع قاعدتها الشعبية وحاضنتها الاجتماعية وتغلغلها في العقيدة الفلسطينية. وما حدث في غزة خلال العامين الماضيين من شأنه أن يعمق الحقد ويحفز مشاريع الانتقام حتى عند أولئك الذين آمنوا في لحظة من اللحظات بفكرة «السلام» مع إسرائيل.

ومن الواضح أن الحروب بين الاحتلال والمقاومة في العقدين الماضيين لا تنتهي إلى نتيجة واضحة، إنها أقرب إلى «صراعات بلا نهاية»، لا اتفاقات سلام واضحة ولا بيانات استسلام، بل جولة تضع بذورا لجولة أخرى، وكل هدوء هش يفضي إلى انفجار عنيف جدا وهو ما يجعل من الصعب قياس النصر والهزيمة.

رغم ذلك فإن «حماس» في نظر الفلسطينيين والكثير من العرب تنتصر بمجرد بقائها على قيد الحياة، واستمرارها في المقاومة أو نجاحها في تنفيذ عملية نوعية مهما كانت نتائجها، وهذا يعكس الفارق بين من يُقاتل من أجل بقاء دولة، ومن يُقاتل من أجل بقاء القضية.

ربما كان الدرس الأهم من هذه الحرب ـ والحروب التي سبقتهاـ هو أن الاستراتيجية العسكرية يجب أن تكون امتدادا لرؤية سياسية واضحة، وليس بديلا عنها، وحين تنفصل عن السياسة، تتحول إلى عبث.

تستطيع إسرائيل أن تُلحق أذى هائلا بغزة كما تفعل الآن، لكنها لا تستطيع فرض السلام من طرف واحد، ولا بناء واقع دائم بالقوة فقط.

لكن ما يعيق إسرائيل عن تحقيق النصر في غزة ليس فقط قدرة حماس على القتال، بل غياب الاعتراف الإسرائيلي بأن هذا النوع من الحروب لم يعد يُنتصر فيه بالطريقة التقليدية، وقد آن الأوان أن تعترف بأن قوة السلاح وحدها لا تكفي، وأن غزة ومن فيها واقع لا يمكن أن تمحي وجوده أبدا وإن لم تبدأ بقراءة هذا الواقع بعيون سياسية لا عسكرية، فستظل تدور في حلقة حرب لا تنتهي، وتتحول حربها الظالمة بالضرورة إلى مجرد إبادة إنسانية.

عاصم الشيدي كاتب ورئيس تحرير جريدة عمان

مقالات مشابهة

  • قيادي مقرب من عبدالملك الحوثي يعمل جاسوسا رفيعا لإسرائيل ويقدم خدماته الجاسوسية لتل أبيب من جنوب لبنان
  • الغماري في رسالة لكتائب القسام: اليمن سيبقى حاضراً في ميدان المعركة مع فلسطين
  • لماذا لا تستطيع إسرائيل أن تنتصر في غزة؟
  • السلطات تمنع بيع وإدخال المواشي إلى سوق قصبة تادلة رغم مرور عيد الأضحى
  • الاحتلال يزعم اغتيال عنصر من حماس بغارة على جنوب سوريا
  • بيروت تحت الضغط… والجنوب على خط النار
  • تصاعد الانتقادات لإسرائيل بسبب تسليح مليشيا أبو شباب بغزة
  • فيديو.. إسرائيل تكشف تفاصيل عملية اغتيال محمد السنوار
  • جريمة اغتيال جبانة.. حماس تنعى أسعد أبو شريعة الأمين العام لحركة المجاهدين
  • لودريان وباراك إلى بيروت وشكوك متصاعدة حول لجم التصعيد وعمل لجنة المراقبة