د. محمد بنطلحة الدكالي – مدير المركز الوطني للدراسات والابحاث حول الصحراء

في إطار سعي حكام الجزائر إلى تنفيذ أجندتهم الخارجية، استغلوا الوضع الهش لبعض الدول الإفريقية، وحشدوا لذلك مكاتبهم الدبلوماسية وأبواقهم الإعلامية من أجل إيهام الرأي العام الوطني والإقليمي بأنهم سيخصصون مليار دولار لتنمية إفريقيا.

لقد بدا هذا جليا خلال القمة السادسة والثلاثين لرؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقي حين أعلن الرئيس تبون قرار الجزائر «ضخ مليار دولار من أجل التضامن والمساهمة في دفع عجلة التنمية بالقارة الإفريقية».

وبعد ذلك، بدأ الوزير الأول الجزائري، أيمن بن عبد الرحمان، النفخ في هذا الشعار، معلنا، بشكل حماسي حتى كاد أن يصدق نفسه، أن «قرار ضخ مليار دولار إضافة كبيرة في مسار تفعيل آليات التضامن الإفريقي، انطلاقا من المقاربة الجزائرية التي تنص على أنه لا يمكن للسلم والأمن في إفريقيا أن يتحققا دون تنمية فعالة».

لتبرير هذه الشعارات الخطابية وإعطائها مصداقية لدى الشعب المغلوب على أمره، خرجت الأقلام المأجورة لتؤكد أن هذا يدخل في إطار «الدبلوماسية الدفاعية» وأنه «جزء من آليات مكافحة الإرهاب وتثبيت الاستقرار الأمني في القارة الإفريقية»، وأن هذا يهدف إلى عقد الشراكات الاستراتيجية وترقية حجم المبادلات التجارية وفتح أسواق خارجية، بل إن منظري «مكة الثوار» ادعوا أن على عاتق الكراغلة مسؤولية تحرير إفريقيا من قبضة الاستعمار وخلق نظام اقتصادي دولي جديد تلعب فيه «القوة العظمى» المنبوذة من طرف مجموعة «بريكس» الدور المحوري على صعيد إفريقيا!

لكن، ورغم هذه البلاغات الإنشائية التي تحاول القفز على الواقع المر لشعب يعاني من التدهور المعيشي وانتشار الطوابير الغذائية ناهيك عن فقدان مسلتزمات الحياة وانتشار الفقر والبطالة، نجد أن شمس الحقيقة لا يحجبها غربال.

لقد تبين وبالواضح أن الهدف الحقيقي لهذه «المساعدات» هو محاولة شراء الذمم والأصوات من أجل مناوأة المملكة المغربية الشريفة في قضيتها المقدسة، وكذا إرضاء هلوسات الجنرالات من قبيل تكريس الهيمنة على دول الساحل المجاورة والتحكم في رسم سياساتها الداخلية والخارجية.

لقد أطلقت ما تسمى «الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي» شعار: «التضامن والتنمية مع القارة السمراء»، ترى بأي وسائل لوجستية وصناعات يمكن أن تقدم هذه الوكالة لتنمية إفريقيا؟ وماذا يملكون خارج نطاق البترول والغاز؟ وكيف سيساهمون في تغذية إفريقيا وهم لا يكسبون حتى قوت يومهم، وكيف سيرتفع ميزان صادراتهم؟ أ بواسطة التمر الذي أصابه مرض البيوض؟

إن أسواء أنواع الكذب أن تكذب على نفسك وعلى شعبك وأن تتمادى في نسج حكايا الليل التي يمحوها النهار… وها هو الصبح قد لاح وباح بغير المباح وخرج المنادي يقول بكلام صداح: إن الجزائر «قبلة الحرائر» و«سلة إفريقيا» و«مهد الثوار» قد أعلنت توقيف اتفاقيات القروض التي تربطها بدول الساحل المنخرطة في مبادرة الولوج إلى الأطلسي وكذلك البلدان الإفريقية المعترفة بمغربية الصحراء، وذلك بموجب قانون المالية الجديد لسنة 2024 الذي أصبح ساري المفعول بعد نشره في الجريدة الرسمية بتاريخ 31 دجنبر 2023، حيث نصت المادة 108 من قانون المالية الجزائري على إقفال حسابات القروض الممنوحة للحكومات الأجنبية مع تحويل أرصدتها لخزينة الدولة.

معشر الكراغلة، إن «مشروعكم» الدبلوماسي والاقتصادي قد أعلن إفلاسه إن لم يكن مفلسا أصلا وهو في طريق الانهيار. إنكم تحاولون بشتى الوسائل خلق مناورات وخلط أوراق، لكن السحر انقلب على الساحر في مشهد سريالي بئيس، لذا نناديكم مستحضرين في ذلك رابطة الدم والجوار، أن توقفوا هذا العبث، وأن تزيلوا الأقنعة، لقد سئم الجمهور من سخافة عرضكم، حذاري أن يكسر الجدار الرابع على طريقة «مسرح بريخت». حذاري أن تقع الواقعة!

المصدر: مراكش الان

إقرأ أيضاً:

يأبى الدكتور ربيع

يأبى الدكتور محمد ربيع ناصر إلا أن تسع دائرة الجوائز التى تحمل اسمه من سنة إلى سنة، وهى لا تتوسع أفقيًا فقط، ولكنها تتمدد على المستوى الرأسى أيضًا.

أما أفقيًا فقد كان هذا واضحًا فى حفل توزيع جوائز هذه السنة، التى شملت فائزين من الجامعات العربية إلى جانب الجامعات المصرية، وكانت جامعة الأميرة نورا مثلًا حاضرة بفائزيها، مع ما نعرفه عنها من أنها جامعة سعودية كبيرة. إن الأميرة نورا التى تحمل الجامعة اسمها هى شقيقة الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود، وقد كانت شخصية قوية للغاية، وكان الملك عبدالعزير إذا جاءت سيرتها فى حديث له مع ضيوفه قال إنه شقيق نورا، أى أنه كان ينسب نفسه إليها رغم أنها أميرة بينما هو الملك المؤسس.

وأما التوسع الأفقى فى الجوائز، فتجده فى المجالات الجديدة التى جرى منح الجوائز فيها فى الدورة الثامنة لهذا العام، وإلا، فما معنى أن تكون هناك جائزة فى الذكاء الاصطناعى والتحول الرقمى، وجائزة أخرى فى الطاقة الجديدة والمتجددة، وثالثة فى تطبيقات النانو، ورابعة فى الزراعة والأمن الغذائى، وخامسة فى تحديث الصناعة المصرية، وسادسة فى العلوم الطبية؟

إن ثمانية أعوام ليست شيئًا فى عُمر الجوائز عمومًا، ولكن هذه الجوائز استطاعت فى بحر ثمانى سنوات أن تؤسس لنفسها بين غيرها فى أرض المحروسة.

سوف يلفت انتباهك أن الجوائز كلها فى البحث العلمى، وهذا فى حقيقة الأمر ما يمنحها تميزها، لأنه لا جامعة بغير بحث علمى، ولا تتسابق الجامعات ولا حتى الأمم إلا فى هذا المجال بالذات، ولا توجد أمة متطورة فى عصرنا، إلا وكان البحث العلمى سر تطورها الكبير.

هذا المعنى أظن أنه لا يغيب عن صاحب هذه الجوائز، وأظن أيضًا أنه وهو يُطلقها فى البداية كان منتبهًا إلى أن مصر إذا كان عليها أن تركز على شيء فى إنفاقها العام، فهذا الشيء هو البحث العلمى، لأنه لا يليق بنا أن تكون دول مجاورة لنا أعلى منا إنفاقًا عليه.

وإذا كان الرجل قد أعلن عن انسحابه من انتخابات البرلمان التى كان سيخوضها على القائمة، وإذا كان قد أصدر بيانًا وقت انسحابه شرح فيه الأسباب بما يكفى، فأظن أن فى مقدمة الأسباب أنه أراد أن يعطى وقته كله للقضية التى وهب حياته لها: العلم والتعليم.

 

مقالات مشابهة

  • الصحافة الصفراء
  • مدرب منتخب البنين يكشف قائمة لاعبيه لنهائيات كأس الأمم الإفريقية
  • تحركات أوكرانية لتأمين غطاء سياسي من الشركاء الأوروبيين
  • الدكتور محمد عبد الوهاب يكتب: هل يُعد قرار الفيدرالي بشراء السندات قصيرة الأجل بداية انتعاش اقتصادي عالمي؟
  • د. سعيد الكعبي يكتب: في تأمل النعم
  • خالد حنفي: 500 مليار دولار حجم مشروعات إعادة الإعمار التي تستهدفها مبادرة عربية - يونانية جديدة
  • يأبى الدكتور ربيع
  • كرة بطولة كأس الأمم الإفريقية تظهر في مران منتخب مصر
  • انطلاق معسكر منتخب مصر تحت 18 عاما استعدادا للتصفيات الإفريقية
  • القومي لحقوق الإنسان يحصد منصب المنسق الإقليمي لشمال إفريقيا في الإفريقية لأمناء المظالم والوسطاء