ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول (سمعت أن العمل يتضاعف في الأماكن المحرمة ومنها مكة المكرمة لذلك يحرص كثير من الناس على الإكثار من الطاعات وتجنب المعاصي فيها؛ فما مدى صحة ذلك؟

كيف تحصن نفسك من الفتن والوقوع في المعاصي.. علي جمعة يوضح هل تقبل توبة من فعل الذنوب في صغره؟.. 6 أعمال تمحو المعاصي

قالت دار الإفتاء، إنه قد جرت حِكمة الله تعالى وسُنَّته على تفضيل بعض المخلوقات على بعض، وكذا في الأمكنة والأزمنة؛ فقد فضَّل الله تعالى جنس الإنسان من بني آدم على سائر مخلوقاته.

استشهدت بقول الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ [الإسراء: 70]، ثم اصطفى مِن بين ذرية آدم وبَنيه الأنبياء والرسل، فجعلهم محلَّ وحيه وتجلي رسالته، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: 33]، ولم يقتصر ذلك التفضيل على الأشخاص بل جرى في الأمكنة؛ ففضَّل الله تعالى مكة المكرمة على غيرها من بقاع الأرض، فجعلها مركز الأرض، وأشرف البقاع وأجلَّها.

وقد فَضَّل الله تعالى مكة على غيرها من البلاد في الأجر والثواب وجعله مضاعفًا؛ وذلك حتى يحرص المسلم فيها على الإكثار من الطاعات، وتجنب المعاصي والمذلات، فيسود فيها الخير والنفع؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وآله وسَلَّمَ قال: «مَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ بِمَكَّةَ، فَصَامَهُ، وَقَامَ مِنْهُ مَا تَيَسَّرَ لَهُ، كَتَبَ اللَّهُ لَهُ مِئَةَ أَلْفِ شَهْرِ رَمَضَانَ فِيمَا سِوَاهَا» أخرجه ابن ماجه في "السنن".

وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «رَمَضَانُ بِمَكَّةَ أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ رَمَضَانَ بِغَيْرِ مَكَّةَ» أخرجه البزار في "المسند".

وقال الإمام الحسن البصري في "فضائل مكة" (ص: 21-22، ط. مكتبة الفلاح): [مَا على وَجه الأَرْض بَلْدَة يرفع الله فِيهَا الْحَسَنَة الْوَاحِدَة غَايَة ألف حَسَنَة إِلَّا مَكَّة، وَمن صلى فِيهَا صَلَاة رفعت لَهُ مائَة ألف صَلَاة، وَمن صَامَ فِيهَا كتب لَهُ صَوْم مائَة ألف يَوْم، وَمَن تصدَّق فِيهَا بدرهم كتب الله لَهُ مائَة ألف دِرْهَم صَدَقَة، وَمَن ختم فِيهَا الْقُرْآن مرَّة وَاحِدَة كتب الله تَعَالَى لَهُ مائَة ألف ختمة بغيرها.. وكلَّ أَعمال الْبر فِيهَا كل وَاحِدَة بِمِائَة ألف، وَمَا أعلم بَلْدَة يحْشر الله تَعَالَى فِيهَا يَوْم الْقِيَامَة من الْأَنْبِيَاء والأصفياء والأتقياء والأبرار وَالصديقين وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَالْعُلَمَاء وَالْفُقَهَاء والفقراء والحكماء والزهاد والعباد والنساك والأخيار والأحبار من الرِّجَال وَالنِّسَاء مَا يحْشر الله تَعَالَى من مَكَّة، وَإِنَّهُم يحشرون وهم آمنون من عَذَاب الله تَعَالَى، وليوم وَاحِد فِي حرم الله تَعَالَى وأمنه أَرْجَى لَك وَأفضل من صِيَام الدَّهْر كُله وقيامه فِي غَيرهَا من الْبلدَانِ] اهـ.

وكما ضُعِّف فيها الثواب وعُظِّم؛ قُبِّح فيها الذنوب والمعاصي عن غيرها من البلاد؛ قال الإمام النووي في "الإيضاح في مناسك الحج والعمرة" (ص: 402-403، ط. دار البشائر الإسلامية): [فإِن الذنبَ فيها أقبح منهُ في غيرِها، كما أنَّ الحَسَنَةَ فيها أعظمُ منها في غيرها. وأمَّا مَن استحبَّها فلِما يحصلُ فيها من الطَّاعَاتِ الَّتي لا تَحْصُلُ بغَيرِها مِنَ الطَّوَافِ وَتَضْعِيفِ الصَّلَوَاتِ والْحَسَنَاتِ وغيرِ ذلكَ] اهـ.

وقال الشيخ ابن القيم في "زاد المعاد" (1/ 52): [من هذا تضاعف مقادير السيئات فيه لا كمياتها، فإن السيئة جزاؤها سيئة، لكن سيئة كبيرة جزاؤها مثلها، وصغيرة جزاؤها مثلها، فالسيئة في حرم الله وبلده وعلى بساطه آكد وأعظم منها في طرف من أطراف الأرض، ولهذا ليس من عصى الملك على بساط ملكه كمن عصاه في الموضع البعيد من داره وبساطه، فهذا فصل النزاع في تضعيف السيئات، والله أعلم] اهـ.

وقال العلامة البُهُوتِيُّ في "شرح منتهى الإرادات" (1/ 488، ط. عالم الكتب): [إنَّ الحسنات والسيئات تتضاعف بالزمان والمكان الفاضل] اهـ.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: دار الإفتاء الطاعات المعاصي ل الله تعالى الله ت ع ال ى ر م ض ان ا من ال الله ع

إقرأ أيضاً:

خطيب المسجد النبوي: من توكّل على الله كفاه كل ما أهمّه

تحدث إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور حسين آل الشيخ، في خطبة الجمعة اليوم، عن مكانة آية الكرسي وفضلها العظيم، مبينًا أنها أعظم آية في كتاب الله، وأن من يقرؤها يُحفظ من الشرور ويُحرس من أذى الشياطين.

آية الكرسي وتوحيد الله

وأوضح حسين آل الشيخ أن آية الكرسي فيها براهين التوحيد على أكمل الوجوه وأتمها، واشتملت على معان تدل على كمال الله وجلاله وجماله، فقول الله تعالى: «اللَّهُ لَا إِلَٰه إِلَّا هُو» هو إخبار عنه عز شأنه بأنه الإله الحق الذي يتعين أن تكون جميع أنواع العبادة والطاعة والتأله له سبحانه، وأن كل ما سوى الله فعبادته أبطل الباطل وأظلم الظلم.

معنى الحَيُّ الْقَيُّومُ


وأضاف أن الله سبحانه وصف نفسه فقال: «الحَيُّ الْقَيُّومُ»، فهو عز وجل الحي حياة كاملة دائمة، أزلية أبدية، لم يسبقها عدم، ولا يلحقها فناء أو زوال، وهو سبحانه القيوم ذو القيومية التامة، والغني عما سواه، والقيم لجميع الموجودات، والكامل في ذاته وصفاته وأفعاله، لا يلحقه نقص بأي وجه، فلا تعتريه سنة أي نعاس ولا يلحقه نوم ولا سهو ولا غفلة.

دعاء يوم الجمعة لهدية الأبناء وحفظهم .. ردده قبل غروب الشمس بساعةما الدعاء الذي لا يرد يوم الجمعة؟.. آية تقيك المصائب وتنصرك

ملك السماوات والأرض


وبيّن الدكتور آل الشيخ أن قوله سبحانه: «لهُ مَا فِي السَّمَاوَات وما في الأرض»: أي أن كل ما في السماوات والأرض هو ملك خالص لله سبحانه، خلقًا وملكًا وتدبيرًا، وأن جميع المخلوقات خاضعة لسلطانه وقهره، واقعة تحت جبروته وقدرته ومشيئته.

الشفاعة 


وأبان في تفسير قول الله تبارك وتعالى: «من ذا الذِي يَشفَعُ عِندَهُ إِلَّا بإذنهِ» أن من عظمة الله وجلاله وكبريائه، أنه لا يتجاسر أحد على أن يشفع عنده إلا بإذنه، ولمن ارتضاه سبحانه من أهل التوحيد والإيمان.

علم الغيب


وأفاد بأن المراد بقوله تعالى: «يَعْلَمُ مَا بين أَيديهِم وما خلفَهم»، هو بيان علم الله سبحانه الكامل بكل شيء، بما كان، وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف سيكون، وعلمٌ محيطٌ بكل الأمور قبل الوجود وبعد الوجود وبعد العدم، وقوله تعالى: «وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيء مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ»، فكل الخلق لا يملكون من العلم إلا ما علمهم الله سبحانه، فلا معرفة لهم بالأمور الشرعية أو القدرية التي تقع في هذه الحياة إلا بما أطلعهم الله عليه وعلمهم إياه.


وشرح قوله سبحانه: «وَسِعَ كُرسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ» قائلًا: «ومن سعته وعظمته أن هذا الكرسي يسع السماوات والأرض وما فيها وما بينها من الأملاك والمخلوقات والعوالم، فقد روي عن أبي ذر الغفاري قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «ما السَّمواتُ السَّبعُ مع الكُرْسِيِّ إلَّا كحَلْقةٍ مُلْقاةٍ بأرضٍ فَلاةٍ، وفضلُ العرشِ على الكُرْسِيِّ كفضلِ الفَلاةِ على الحَلْقةِ».


وتابع: أما في قوله سبحانه: «وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا»، أوضح أن الله تعالى لا يثقله ولا يشق عليه حفظ السماوات والأرض وحفظ ما فيهما وما بينهما، بل ذلك عليه سهل ويسير، فهو سبحانه ذو القوة المتين لا يعجزه شيء وكل ما في السماوات والأرض تحت تدبيره وتصريفه.

الكمال المطلق والأقصى


وبيّن أن الله عز وجل يصف نفسه بالكمال المطلق والأقصى، فيقول: «وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ»، أي أن الله سبحانه هو العلي بذاته على جميع مخلوقاته، والعلي بعظمة صفاته وجمالها وجلالها، والعظيم في ذاته وصفاته وسلطانه الجامع لجميع صفات العظمة والكبرياء.


وقال: «عظموا الله حق تعظيمه وقدروه حق قدره وعظموا شرعه، والتزموا بأوامره، وأوامر رسوله تفلحوا وتسعدوا وتفوزوا»، مستشهدًا بقوله: «فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ».


واختتم الخطبة داعيًا المسلمين إلى المحافظة على الأوراد الواردة في الكتاب والسنة، وتعليمها لأبنائهم وأهاليهم، والتوكل على الله حق التوكل، فإن من توكّل عليه كفاه كل ما أهمّه، مستشهدًا بقوله تعالى: «وَمَن يَتَوَكَّل عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ».

طباعة شارك خطيب المسجد النبوي المسجد النبوي حسين آل الشيخ خطبة الجمعة خطبة الجمعة اليوم آية الكرسي مكانة آية الكرسي إمام وخطيب المسجد النبوي

مقالات مشابهة

  • مسؤولية الرجل عن صلاة أهل بيته من زوجة وأولاد.. الإفتاء توضح
  • دعاء قضاء الحاجة
  • دار الإفتاء تشرح معنى الصلاة على النبي ﷺ وحكمها وفضلها
  • حكم صلاة الجنازة على الغريق المفقود
  • أذكار الصباح اليوم كما وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم
  • دعاء نبوي عظيم يفتح أبواب الطاعة ويبعد عن المعاصي
  • حكم دفع الصدقة لخدمة ذوي الهمم
  • حكم أداء النوافل جالسا.. الإفتاء: لا يشترط فيها القيام ولكن أجرها مختلف
  • خطيب المسجد النبوي: من توكّل على الله كفاه كل ما أهمّه
  • بيان فضل التذكير بذكر الله وقراءة القرآن الكريم