علي بن حبيب اللواتي
قامت الحكومة مشكورة بتخصيص مبالغ مالية لتطوير الشركات الصغيرة وريادة الأعمال وكذلك إنشاء صندوق عمان المستقبل، الذي يتضمن نسبة للاستثمار الجريء، بهدف تأسيس شركات قوية، الأمر الذي يُبشِّر بتوظيف الشباب العماني، ومن هذا المنطلق أناقش موضوع تمكين الشباب العماني من ممارسة العمل الحر الذي من خلاله يمكنه تحقيق ذاته وتحقيق الكسب والأرباح لحياة مستقبلية كريمة.
لدينا في عُمان الخير 63 ولاية منتشرة على كامل ربوع جغرافيا عمان، ويوجد في كل ولاية على الأقل منطقة صناعية خفيفة واحدة، فيها المئات من الورش الفنية المختلفة في مجالات متعددة، كورش النجارة والحدادة وتركيبات الألمونيوم وتصليح الأجهزة الكهربائية؛ كالثلاجات والغسالات وغيرها الكثير، وكذلك "الكراجات" لتقديم خدمة إصلاح السيارات بأنواعها.
حاليا يعمل في تلك الورش والكراجات العمالة الآسيوية تتنوع من ماهرة إلى شبه ماهرة وعمال عاديين، وأعدادهم لا تقل عن 500 ألف عامل في أقل التقديرات الإحصائية.
تلك الورش و"الكراجات" في ازدياد مستمر نظرًا لارتباطها بالتوسع العمراني بالولايات وازدياد الكثافة السكانية المستمرة في التصاعد. لا أطرح تعمين تلك الورش والكراجات؛ فهذا لا يمكن تحقيقه لسبب بسيط أن جزءًا منها أو غالبية تلك الورش والكراجات تُدار من قبل أصحابها الوافدين، وهم يتجمعون في مجموعات متجانسة ويديرونها دون مزاحمة من المواطنين، فلا تجد مواطنين يعملون معهم إلا نادرًا.
إذن.. ما الحل؟
الحل يتمثل في تبني الحكومة الرشيدة إنشاء "منظومة العمل المهني العماني" المبنية على مبادئ "التمكين والرعاية وتوفير عوامل النجاح"، بحيث يتم نشر هذه المنظومة ورعايتها في الـ63 ولاية، من خلال التنسيق المباشر لوزارة العمل في الولايات بالتعاون مع مكاتب السعادة الولاة والمحافظين الذين يقومون مع بقية الجهات المعنية بتسهيل إنشاء وانتشار المنظومة في كافة ولايات السلطنة.
دول العالم الصناعي المتقدمة قامت على أكتاف الورش والكراجات أولًا، وتعاظمت وتوسعت مع الزمن وتحول بعضها من مجرد ورش وكراجات إلى ورش صناعية ومعامل وخطوط إنتاج ومصانع صغيرة ومتوسطة متخصصة.
الكليات التقنية العمانية تُخرِّج سنويًا شباباً في مختلف المهن الفنية كالتبريد والسيارات وتصليح الأجهزة الكهربائية والإلكترونية، وكذلك هناك شباب عماني يمارس المهن ومن لديه الشغف في ممارستها فهؤلاء هم الشريحة التي يجب تمكينها لتكون النواة الأولى لإنشاء المنظومة المهنية العمانية.
وهنا أُلخِّص الخطوات التنفيذية لإنشاء المنظومة كالآتي:
1. تقوم وزارة التجارة والصناعة باستحداث سجل تجاري مهني خاص للشباب العماني يشترك فيه مجموعة لا تتعدى 5 أفراد، له قوانين خاصة به.
2. يتشارك الشباب العماني كفرق مهنية من 4 إلى 5 أفراد بإنشاء وتشغيل وإدارة ورشة مهنية كأصحابها وليس كعاملين فيها، وتملكهم للورشة سيجعلهم مثابرين مجتهدين وطاقات متحركة تسعى لتحقيق النجاحات المتتالية.
3. تخفيض جميع الرسوم الخاصة بالسجل والغرفة والبلدية وغيرها لهذه السجلات بحيث يتم جعلها رمزية خلال 5 سنوات، وكذلك تجميد أو تخفيض أنواع الضرائب عليهم لمدة 5 سنوات.
4. يقوم بنك التنمية بتمويل شراء المعدات والأجهزة الخاصة بالورش بتمويل من دون فائدة مع تسهيل إجراءات إتمام صفقة شراء المعدات والأجهزة.
5. دعم وزارة العمل لهؤلاء الشباب ماديًا بصرف مبلغ مالي 250 ريالًا لكل منهم لمدة سنة، لمساعدتهم على دفع الإيجار وشراء المواد الخام المطلوبة، وغيرها.
6. وضع شرط استخدام منتجات تلك الورش في المناقصات الحكومية، وإعطاء أعمال الصيانة لها حسب تخصصها بنسبة محددة تساعد تلك الورش في الاستمرار والتطور.
7. خفض رسوم تسجيل عقد إيجار المحال والورش بجعل التسجيل والتوثيق مجانًا وهذا سيؤثر على قيمة الإيجار؛ حيث سيشجع أصحاب تلك العقارات بتأجيرها لأصحاب السجلات العمانية المهنية.
8. خفض تسعيرة الكهرباء والماء والغاز لتلك الورش والكراجات التابعة لمنظومة العمل المهني العماني.
9. تشغيل قناة تلفزيونية وإذاعية متخصصة في نشر العلوم المهنية وتقنياتها لنشر الثقافة المهنية بين الأجيال لكي يتشبع منها الشباب ويمتهنون المهن الفنية كمصدر رزق كريم، وتعريف أهمية تلك الورش في الاقتصاد التكاملي وزيادة الناتج القومي.
10. إيجاد تشريع قانوني بإضافة فصل في قانون التجارة العماني ينظم ويوضح العلاقة البينية بين أفراد السجل المهني الواحد.
11. تكريم تلك الورش والكراجات سنويًا في كل ولاية باختيار أفضل 5 منهم في تطبيق معايير الجودة والإتقان، ومعايير فنية خاصة بالمهنة، وذلك لتشجيعهم على المحافظة على استمرارية تطوير وتحسين الأداء العالي والمحافظة على الجودة.
12. توفير برنامج تدريبي مكثف في الحسابات والمشتريات والجودة وخدمة الزبائن وروح الفريق للمجموعة؛ حيث إن هذه المعارف والمهارات مهمة ومطلوبة لنجاح مؤسستهم.
13. أما خريجو كليات الزراعة، فيتم منحهم أراض زراعية مع تمويل للقيام بزراعتها على أسس حديثة.
إنَّ إنشاء ونشر المنظومة المهنية العمانية هي الوعاء الأكبر والأوسع لاستيعاب أعداد الشباب الخريجين، لتكون الحل المستدام.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
د. رحاب التحيوي تكتب: انتخابات النقابات المهنية وضرورة الفصل بين العمل النقابي والانتماء الحزبي
مع اقتراب موسم انتخابات النقابات المهنية، يوجد سؤال جوهري وحساس يتطلب منا الإجابة عليه بوضوح وموضوعية، وهو: إلى أي مدى يجب الفصل بين العمل النقابي والانتماء الحزبي؟
التغول النقابي على دور الأحزاب..
لطالما اعتبر كثيرون أن ممارسة النقابات المهنية للعمل السياسي يخرج بها عن الإطار المنوط بها، فالنقابات وجدت ككيانات مهنية بحتة، مهمتها محددة في صيانة شؤون المهنيين والحفاظ على مكتسباتهم، وعندما تنغمس النقابات في القضايا السياسية، فإن هذا يعد تغُولًا واضحًا على دور الأحزاب السياسية، ويدفع بالنقابات إلى حالة من التناحر السياسي والشد والجذب غير المنتهي بين قياداتها وبين الحكومة، حتى في أمور لا تندرج تحت أي مسمى للعمل النقابي،، وهذا التحول يصرف النقابة عن بوصلتها الحقيقية.
اختراق الأحزاب للنقابات..
في المقابل، هناك ارتباك وتداخل فاضح، حيث نجد محاولة واضحة من الأحزاب السياسية للتغلغل في النقابات المهنية، مثل وجود "أمانة المهنيين" ضمن الهياكل التنظيمية لأغلب الأحزاب، أيًا كان اتجاهها السياسي، وهو يشير بوضوح إلى هذا المسعى، وكثيرًا ما تعلو أصوات القائمين على إدارتها بالحرص على التواجد داخل النقابات "لحل مشاكلها"، وهو ما يكشف عن نية واضحة في تصنيف النقابات وفقًا لأجندات حزبية، فمثلًا، تصريحات بعض أمناء الأحزاب عن ضرورة "اختراق" النقابات في مناسبات مختلفة، تؤكد أن التنافس النقابي أصبح يُدار بعقلية التنافس الحزبي.
الخلط بين الأدوار..
يكمن الخطر الأكبر في هذا التداخل والارتباك في أنه يؤدي إلى انقسام الجمعية العمومية الواحدة للنقابة ليس بناءً على الموضوعات المهنية أو العمل النقابي المستقل، بل وفقًا لتوجهاتهم السياسية.
وأسأل، ماذا إذا سيطر حزب موالي للدولة على النقابة، وأخطأت الدولة في قراراتها بما يمس المهنة بشكل مباشر، فمن الذي سيتصدى لحماية مصالح الأعضاء؟ من المتوقع أن تتردد القيادات النقابية الحزبية في معارضة قرارات الحكومة التزامًا بعباءتها السياسية، مما يؤدى لفقدان المهنة صمام أمانها.
سيطرة حزب المعارضة..
وعلى النقيض، ماذا إذا سيطر حزب معارض، فإن النقابة قد تجد نفسها دومًا في صراعات غير موضوعية من وجهة نظرنا مع الوزارات المعنية، يكون الدافع فيها سياسيًا أكثر منه نقابيًا مهنيًا، مما يعطل مسيرة التطوير وخدمة الأعضاء.
في كلتا الحالتين، نقول على المهن "يلا السلامة"، لأن المصلحة المهنية الحقيقية تُصبح رهينة للصراع السياسي.
الموضوعية المهنية هي الفيصل..
لذلك أرى إن استقلال النقابات المهنية هو مبدأ مقرر بموجب الدستور، وهو ما يجب أن يُترجم على أرض الواقع، فمن حق أي مهني ومواطن مصري أن ينتمي لحزب سياسي، ولكن عليه واجب أخلاقي ومهني بضرورة خلع عباءته الحزبية بمجرد التفكير في خوض العمل النقابي أو الترشح فيه.
يجب أن تكون الموضوعية المهنية النقابية هي الفيصل الوحيد في اتخاذ القرارات والمواقف، وليس رضاء أو معارضة الدولة ممثلة في وزاراتها، فدور النقابي هو تقييم القرارات الحكومية بناءً على تأثيرها المباشر على المهنة، بصرف النظر عن لون الحزب الذي ينتمي إليه.
والآن، ونحن على أعتاب انتخابات مهمة، مثل انتخابات النقابات الفرعية للمحامين، نناشد جميع المهنيين أن يكون صوتهم حرًا، خارج أي سيطرة فكرية أو توجيه حزبي، فالنقابة هي للجميع، والمهنة أغلى من أي انتماء سياسي.