لا حديث فى الشارع المصرى إلا عن غلاء الأسعار، ووجود أكثر من سعر للسلعة الواحدة، بل وتباين سعرها فى اليوم الواحد، انخفاضًا وارتفاعًا من محافظة لأخرى، ففى الصباح تجدها بسعر وفى المساء بسعر أعلى، وسط غياب تام للأجهزة الرقابية داخل وزارة التموين أو خارجها، الأمر الذى جعل ملايين المصريين يتساءلون.. من وراء كل هذا الغلاء والارتفاع الجنونى فى الأسعار؟ هل عاد اللهو الخفى يلعب مرة أخرى فى السوق يعطشه بمزاجه ويغرقه فى أى وقت يشاء؟ ولا الأمور فلتت من وزير التموين المسئول أمام الشعب عن توفير السلع؟ وهل معنى أننا صابرون أننا نأخذ فوق دماغنا من الجشعين والذين لا يخافون الله ويستغلون حال البلد المايل فى «مص» دماء الغلابة والفقراء.
هذه الحالة السيئة التى لم تشهدها مصر طيلة تاريخها، تستدعى إقالة على المصيلحى «الرجل الطيب»، إن لم يقدم استقالته، وتشكيل «حكومة أزمة» تشبه «حكومة الحرب»، لأن الناس بالبلدى كده خلاص بتموت بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، بعدما خرجت الوزارة بكل كوادرها عن خط السيطرة، ولم يعد لديهم ما يقدمونه لحل أزمة صنعوها بترك الحبل على الغارب لمافيا السوق السوداء والمحتكرين وصبيانهم الذين يحركون الوزارة من خلف ظهر وزير لم يعد قادرا على مواجهة من رعاهم صغارا حتى استفحلوا وخنقوا السوق وفرضوا ما يقررونه من أسعار بأسلوب «التربيط» وسياسة «اطعم الفم تستحى العين».
وكانت النتيجة أن كل سلعة قى مصر أصبح لها تجار كبار معروفون باسمها ومحتكرون يحددون كمياتها وأسعارها، والخطير أن الوزير نفسه يعلم من يتحكمون فى قوت الشعب ويعرفهم اسمًا اسمًا، ولكن ماذا يفعل وبعضهم أعضاء فى البرلمان والبعض الآخر تربطه علاقات قوية ومتينة بكبار رجال الدولة وأصحاب القرار؟!.
وإذا ما انتقده أحد لا يجد الرجل إلا الاعتذار ورفع شماعة الدولار وأزمة أوكرانيا وأزمة غزة والبحر الأحمر، متناسيا أن هناك سلعًا لا علاقة لها بكل هذه الأزمات وتصنع وتنتج فى مصر من الألف إلى الياء ولا يدخل فيها أى شىء مستورد ومنها على سبيل المثال السكر وغيره من السلع التى تباع بأضعاف سعر التكلفة، فإن خرجت السلعة من مصنعها بتكلفة 30 جنيها نجدها تصل إلى المستهلك بستين وسبعين جنيها، فهذا الفارق الكبير يتحمله المواطن الضعيف، ومن ثم يزداد طابور الفقراء طولا واتساعا وينضم إليه مجبرين ملايين جدد من الطبقة الوسطى الكادحة.
الشعب يريد حكومة شجاعة ومنسجمة تعمل من أجل الناس، ووزير تموين أقوى من المحتكرين وتجار السوق السوداء، وليس من الضرورى الانتظار حتى يؤدى الرئيس المنتخب عبدالفتاح السيسى اليمين الدستورية المقرر لها 2 أبريل وهو يوم انتهاء الفترة الرئاسية الحالية، حيث لا يوجد فى الدستور وقت محدد لأدائها، ولا يوم أو شهر محدد لإجراء أى تغيير أو تعديل وزارى أو حتى تشكيل حكومة جديدة.
ووفقا للمادة 147 من الدستور، من حق رئيس الجمهورية إعفاء الحكومة بشرط موافقة أغلبية مجلس النواب. كما يحق له إجراء تعديل وزارى بعد موافقة مجلس النواب بالأغلبية المطلقة وبما لا يقل عن ثلث أعضاء المجلس. كما أن المادة 146 من الدستور، تمنح الرئيس حق تشكيل حكومة جديدة بعد الحصول على موافقة مجلس النواب، وإذا لم تحصل على ثقة الأغلبية يكلف رئيس الجمهورية رئيسا جديدا لمجلس الوزراء من الحزب أو الائتلاف الحائز على أغلبية أعضاء المجلس، وإن لم يحظ هو الآخر بثقة الأغلبية يحل الرئيس مجلس النواب ويدعو إلى انتخاب مجلس جديد خلال 60 يوما من قرار الحل.
ولذا فإنى أدعو الرئيس عبدالفتاح السيسى لممارسة حقه فى إجراء تغيير وزارى شامل أو تعديل محدود يشمل وزراء المجموعة الاقتصادية والخدمية، لامتصاص غضب الناس ولإحداث تغيير جوهرى فى إدارة أسوأ أزمة اقتصادية تمر بها مصر.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الشارع المصرى وزارة التموين مجلس النواب
إقرأ أيضاً:
الورقة سقطت والأمل فى "النقض"
سقطت ورقة التوت، وانكشف المستور، وارتفع عدد الطعون على نتائج إنتخابات المرحلة الثانية إلى نحو 289 طعنا ، تم رفض معظمها ، وتضاعف حجم الريبة والشك ، وصارت الناس تطالب بضرورة إلغاء الانتخابات فى جميع المحافظات والانتظار قليلا لإجراء انتخابات تليق بدولة فى حجم مصر.
عدد كبير من المصريين كان يتمنى من الهيئة الوطنية للانتخابات أن تستجيب لصوت العقل وتصدر قرارا شجاعا بوقف العملية الانتخابية فى الخارج وفى جميع دوائر الداخل، لحين تفصل محكمة النقض فى عضوية الفائزين فى القائمة، ولكن استمرت الانتخابات، وجرى ما جرى .
وما حدث فى بعض دوائر المرحلة الأولى تكرر فى بعض دوائر الثانية ، بشكل أقل وأخف ضررا، أما المشهد الصعب فكان لبعض المرشحين المستقلين، حيث تلقوا ضربات قاسية تحت الحزام ، وخرجوا من السباق أو بقى بعضهم للإعادة فى منافسة شرسة وقوية، ينهيها لصالحه من يملك ناصية الجماهير والقريب من آمالهم وطموحاتهم .
ورغم أن المرحلة الثانية شهدت نوعا من الإنضباط أفضل من الأولى، إلا أن نسبة المشاركة فيها أقل ، والسبب الرئيسى معروف، وهو فقدان الثقة فى المنظومة، وفى الأمل أن ينصلح حال البلد سياسيا ، ولولا حماس بعض الناخبين فى دوائر معينة، ورغبة الكثيرين فى جعل الوطنية الحقيقية والانتماء الفعلى للبلد ، واقعا ملموسا ، ما خرجوا لإسقاط من حاولوا سرقة حلمهم ، ولاختيار مرشح يعبر عن نبضهم، حتى ولو بداخلهم يقين بأن هذا البرلمان لن يعمر وسيتم حله فى أقرب وقت .
الكل بانتظار قرار محكمة النقض ، وإن حدث ما يتمناه المصريون، ستنتقل مصر إلى مرحلة أخرى تضع البلاد على الطريق السياسى السليم ، حيث ستنتقل السلطة التشريعية مؤقتا للرئيس، ويعاد النظر فى قانون الانتخابات، وهو من وجهة نظرى أسوأ قانون انتخابى شهدته البلاد؛ حتى ولو كان مبرره الظروف التى كانت تمر بها وغيرها من الشماعات .
فمن دون هذا القانون، لم يكن لأحزاب معينة أن تحجز كما شاهدنا مقاعد لها مبكرا ، ولا تحمل يوما لقب الأغلبية ، ولم يكن لبعض القوى المصطنعة، أن تتحكم بطرق ملتوية وغير مباشرة فى أصوات الناخبين ، بما تملك من ملايين توظفها سياسيا لتحقيق مصالحها الشخصية، وتناسى هؤلاء أنهم يتعاملون مع أبناء وأحفاد شعب تدرب بالفطرة على كل أنواع وأشكال الفساد فى الأرض.
ننقول للذين قد يتسببون فى أزمة دستورية إن الدستور لا يحتمل التأويلات المزاجية، ولا تبريرات الظروف السياسية، ولا ينبغى أن نعرض مواده لأى انحراف فى التطبيق قد يعرض الدولة والشعب لخطر جسيم.
الدستور لم ينص على قائمة انتخابية واحدة، وإنما قوائم متعددة تحقق عنصرى المنافسة الشريفة والتنوع الحزبى، وجاءت الرياح بما لا تشتهى السفن، وغضب الرئيس لغضب الشعب، وتدخل فى الوقت المناسب لحفظ ماء الوجه، وتذكير محترفى اللعب السياسى بحمرة الخجل.
ووفقا للمادة 107 من الدستور يكون لمحكمة النقض حق الفصل في صحة عضوية النواب خلال ستين يومًا؛ لتجنيب البلاد فوضى قانونية وأزمة دستورية يدفع ثمنها المصريون ماديا ومعنويا ، داخليا وخارجيا ، إذا ما استمرت الانتخابات بهذه النتائج وبهذا الشكل المعيب.
إن المشهد الحالى بكل تفاصيله، وما يحمله من موجات تشكيك يحتاج تعديلا فى الدستور، وفى نظام الكوتة، وفى قانون الدوائر بزيادة أعدادها، وبما يتلاءم مع الكثافات السكانية فى المدن والمناطق الحضرية والريفية، وقبل كل ذلك قانون مباشرة الحقوق السياسية وتأسيس الأحزاب، ولا عيب فى ذلك؛ طالما أن الهدف إصلاح سياسي يخدم المواطن والدولة معا.
[email protected]