لأنه أبي أنا خائفة على مستقبله
تاريخ النشر: 21st, January 2024 GMT
سيدتي تحية طيبة لكم جميعا، وأتمنى أن أجد الرحب من ظرفكم. لأنني حقا أشعر بألم في قلب يخض أبي، فهو شخص طيب القلب للغاية. لكن بعضا من طباعه جلبت له ولنا المتاعب، فهو كثير الغيبة والنميمة. لا يكتم سر أحد ولا يتستر على أحد، لا يفرق بين حبيب وعدو، بمجرد أن يعطيه أحدهم الفرصة يتكلم في هذا وذاك.
وليست كل الناس صادقة، فالكثير منهم يعيدون كلامه، ما جعل علاقته مع الجميع على المحك، فعلى سبيل المثال منذ عدة سنوات أقرض أبي شخصا بعض المال.
سيدتي بسبب هذه التصرفات من والدي صار الكل يشمئز منها ويتفادانا، فكيف اتصرف معه ليغير من طباعه؟ الــرد:
تحية أجمل أختاه، قبل كل شيء دعيني أرحب بك وبكل القراء الكرام، وأتمنى من الله أن نوفق في الرد عليك، بما من شأنه أن يسدد خطاك، ويبعث الراحة في قلبك، ثم بارك الله فيك على الحرص الشديد لتقويم هذا السلوك في والدك.
أنتم حقا في معضلة تعتبر مجلبة للمتاعب، لكن قبل أن أواصل الكلام لابد أن أنبهك لأمر غاية في الاهتمام، لابد عليكم أن تقوموا هذا السلوك في والدكم بلين ورفق، وبأسلوب لين لا يخدش كرامته، ولا تنسوا أن الله أوصانا بهم وقال: “وبالوالدين إحسانا”، لهذا أرى أن تنصحوا والدكم بحكمة ورفق، وتظهروا له سوء عاقبة تصرفاته، والأذى الذي يلحقه بكم وبغيركم.
وليس أمامكم إلا أن تجتهدوا وبكثير من الصبر عليه ودون ملل نصحه بالتي هي أحسن، كأن تشاهدوا معا البرامج التي تتحدث عن ذنب النميمة والغيبة والتجسس والتحذير منها، لعله يأخذ منها العبرة، وإلا فأي أسلوب أخر فيه العنف والقسوة قد يزيد الطينة بله.
عزيزتي استعينوا بالله، على ما يصيبكم من البلاء، واصبروا، وأكثروا من الدعاء لوالدكم، أن يصلحه، ويحسن خلقه، ويكفيه شر نفسه، ومن حوله، لأنه من أعظم أبواب البر، الدعاء له بأن تتداركه رحمة الله تعالى فيتوب توبة نصوحا مما هو فيه، وأن يغفر له، لقوله تعالى: “وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا”، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “إِنَّ الرَّجُلَ لَتُرْفَعُ دَرَجَتُهُ فِي الْجَنَّةِ فَيَقُولُ: أَنَّى هَذَا؟ فَيُقَالُ: بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ”
وفقكم الله، وغفر لوالدكم وهداه.
المصدر: النهار أونلاين
إقرأ أيضاً:
عوض بابكر : رحيل من لا يُعوَّض
1 من من الناس عرفه ولم يبكِه؟!بكى الناس عوض بابكر بصدق، وحزنوا عليه، وتفطرت قلوبهم… واندهش آخرون وسألوني: من هو عوض بابكر الذي أجمعت عليه الأمة، من يمينها إلى يسارها، كلهم نعوه وبكوا عليه؟
هو إنسان من طينةٍ أخرى، لا يمكن وصفه أو تعريفه، هو مجمل كل الفضائل، ومحصلة كل التسامح والمحبة. اجتمعت فيه أنبل خصائص الاتقياء ، وأفضل ما في السودانيين من قيم، وأنضر ما في الإسلاميين من مواقف، وبطولة، وفداء.
هو عوض بابكر، لا أحد يعوّضه، لأنه لا أحد يشبهه في جيله.التقيت عوض بابكر وهو يافع صغير، في صالون د. الترابي، بل على بابه، يوم كان ذاك الصالون محجة للإسلاميين…وأسراب الطامعين في المناصب، وكان مقصدًا للإعلاميين الباحثين عن خبطات الأخبار والأسرار، التي كان مطبخها الحصري هناك، وقتئذٍ.
كنا نستمتع بأنس ذاك الفتى الصغير، وما يفيض به من معلومات. حتى إذا مُنِعنا من لقاء الشيخ، رجعنا ونحن مقتنعون بما حصدنا من معلومات، وكأن الشيخ كان يُملكه تلك المعلومات، ويأذن له بحضور المجالس ليُطلعنا على ما يود أن نعلمه، ولا يزيد.منذ تلك الأيام، لم يفارقني عوض بابكر.لا يغيب عني أبدًا. في كل صحيفة كنت أعمل بها، كان عوض يمدّني بالأخبار والانفرادات، ويرشدني إلى اتجاه الريح، وما هو قادم.
كان خزانة معلومات، وكانت علاقاته الممتدة وسعيه الدؤوب بين كل التيارات التي كانت تصطرع في الساحة وقربه من من الترابي، تسمح له باطلاع واسع على مجريات الأمور.
2
وما ظل يُدهشني في عوض بابكر، غير عقله الراجح، تلك السماحة التي اتسم بها طوال حياته. فعندما وقعت واقعة المفاصلة في تسعينيات القرن الماضي، ورغم أنه انحاز لمعسكر شيخ حسن، والتزم بالمؤتمر الشعبي، إلا أنك تجده في كل مناسبات الإسلاميين، لا يُفرّق بينهم، وكانوا بالنسبة إليه جميعًا “إخوانًا”.
لم يقاطع أحدًا، بل لم يُعَادِ فردًا من حكومة الإنقاذ، وظل على صلة حميمة بكل الإسلاميين بمختلف أطيافهم. وكيف لا، وهو ذاته من امتدت علاقاته باليساريين، والختمية، وحزب الأمة؛ جمع في قلبه محبة الناس بغض النظر عن مواقفهم السياسية.
أعجبني نعي الحركة لعوض بابكر، وكان يستحقه.
3
في كل تجربة صحفية، أجد عوض بابكر بجانبي، مبادرًا للمساعدة بكل ما يملك. ولم يكن يملك من حطام الدنيا شيئًا يُذكر، ولكن دائمًا كان بوسعه أن يجد لك مخرجًا من مأزقٍ ما.
أذكر أنه حين زُجّ بنا في السجن، لم نجد في تلك الأيام من يتفقدنا ويعتني بأمرنا سوى عوض بابكر؛ ظل معنا ليل نهار، لا يكاد يفارقنا، بينما زاغ زملاء كثر وامتنعوا حتى عن تسجيل زيارة للمجاملة!!
أذكر أيضًا، حين أصدرت صحيفة سودان إيفنت(Sudan events ) قبل عامين، كان عوض أول المتصلين، قائلًا: “هذا ماكنت أبحث عنه هنا!”
قلت له: “أين انت الان ؟” وكان آخر اتصال معه من اتبرا.
قال لي: ” الان في ماليزيا.”
وذكر لى ليس هناك لا معلومات تصل ماليزيا عن مصدر سودانى ، ولذلك سيقوم بتوزيع الصحيفة في كل شرق آسيا.
اعتبرتها مجاملة لطيفة منه كعادته، لكن لم ألبث إلا قليلًا حتى بدأت تصلني رسائل من جهات عديدة في إندونيسيا وماليزيا، تُشيد بالصحيفة، وتقول إنها سدت لهم فراغًا عظيمًا، وأنهم يتابعونها باستمرار.
يا لهذا العوض!
كنت أعلم من قبل أن لعوض علاقة وثيقة بحزب “امنوا”، ويزور باستمرار قائده مهاتير محمد مبعوثا من الترابى، كما تربطه علاقة شخصية وثيقة برئيس وزراء ماليزيا الحالي، أنور إبراهيم.
4
رحل عوض بابكر عن هذا العالم القميء، الذي لا يحتمل أمثاله.
عالم انقطعت فيه الفضيلة، وطُويت فيه قيم التسامح، وصعد إلى سدته التافهون، من نتنياهو إلى ترمب.
عالم استُبيحت فيه كل القيم، في كل مكان. رحل عوض بابكر، لكن ملامحه ما زالت مطبوعة في وجداننا، وصوته ما زال يرنُّ في ذاكرتنا، حنينًا وصدقًا وطمأنينة. لم يكن مجرد شخص، بل كان ظلًّا نبيلاً من تلك البلاد التي تتهاوى، يذكّرنا بما كان يمكن أن يكون.
5
نُودّعك الآن يا عوض، لا باليأس، بل بالعرفان. ونعاهدك أن نظل نحرس ما آمنت به: التسامح، الوفاء، وحب الناس بلا ثمن.
نم قرير العين يا صديق القلب.
وداعًا أيها العابر كنسمة المقيم فينا بذكراه العطره.
ذهب عوض بابكر إلى عفو ربه، وإلى جنة عرضها السماوات والأرض، بإذنه.
هو الآن في سِدْرٍ مَخْضُودٍ، وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ.إنّا لفراقك يا عوض لمحزونون، وستبقى فينا ذكراك ما بقينا في هذه الدنيا الفانية.
وداعًا عوض، أيها الإنسان الجميل والنبيل.
عادل الباز
إنضم لقناة النيلين على واتساب