طارق الزملوط يكتب: حرب بلا أخلاق وإنسانية
تاريخ النشر: 23rd, January 2024 GMT
إذا تأملنا العصور المختلفة نجد أن كل التشريعات والقوانين تدعو إلى احترام المبادئ الأخلاقية فى الحروب وكان السائد هو إعلاء قيم الإنسانية والرحمة، فظهر ذلك فى كافة التشريعات القديمة مثل قانون حامورابى وغيره، والتشريعات الهندية القديمة مثل قانون «مانو»، الذى كان يوجب «على المحارب ألا يقتل عدواً استسلم، ولا أسير حرب، ولا عدواً نائماً أو أعزل، ولا شخصاً مُسالماً غير مُحارب، ولا عدواً مشتبكاً مع خصم آخر»، كذلك جاء الإسلام ولم يترك الحرب هكذا دون قيود أو قانون يحكمها، وإنما جعل الحروب مضبوطة بالأخلاق، فهى كانت ضد الطغاة لا ضد الأبرياء والمسالمين.
ويقوم القانون الدولى فى الإسلام، والقانون الدولى الإنسانى، على جملة من المبادئ المهمة المشتركة مثل مبدأ الإنسانية ومبدأ عدم المساس بالمدنيين سواء كانوا أطفالاً أو نساءً أو شيوخاً والمسالمين أبداً، كذلك عدم الاقتراب من المستشفيات ومساس الجرحى والمصابين وعدم تخريب أى ممتلكات خاصة بالمدنيين. وتفرض أحكام القانون الدولى الإنسانى على الأطراف المتحاربة احترام الضمانات الواردة فى مواثيقه، وتقيِّد أو تحظر استخدام وسائل، وأساليب، وأسلحة معينة، فى القتال. والقانون الدولى الإنسانى، وإن كان لا يمنع الحرب، ولم يتجاهل ضروراتها، إلا أنه يسعى إلى الحدِّ من آثارها حرصاً على مقتضيات الإنسانية، ويدعو إلى «التفرقة» بين الأهداف العسكرية، والأشخاص المدنيين، والممتلكات، أو الأعيان المدنية، وإلى «التناسب» فى القيام بالأعمال الحربية.
ولكن ما نشاهده فى هذه الأيام من حروب وخاصة حرب العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة التى نتج عنها الآلاف من الضحايا والدمار، نجد استهدافاً للمدنيين بشكل مباشر، ونرى عدواناً ظالماً ينتهك كل الاعتبارات الإنسانية وحقوق الإنسان، نرى قتل الشيوخ والنساء والأطفال بأعداد كبيرة بدون أى ذنب، كذلك تخريب الممتلكات العامة والخاصة والمساكن بأطنان المتفجرات الغاشمة التى لا تفرق بين أحد، نرى أيضاً تجريف الجثث والتمثيل بالموتى دون الأخذ فى الاعتبار احترام خصوصية وقدسية الموتى، نرى استهدافاً مباشراً ومتعمداً للصحفيين وأطقم الأطباء والمسعفين، نرى تدميراً للمستشفيات وسيارات الإسعاف، نسمع كل يوم تصريحات من مسئولين دوليين بأن الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة يعانى من تهديد للأمن الغذائى والصحى، وهناك الكثير يحذر من أنه يمكن أن تنتشر الأوبئة والأمراض. ما نراه فى هذه الحرب هو انتهاك كبير لكل مبادئ القانون الدولى الإنسانى وانتهاك لكافة القيم الإنسانية، مما يستوجب ضرورة وقف هذا العدوان ومحاكمتهم على كافة هذه الجرائم ضد الإنسانية، فأين حقوق الأبرياء والمسالمين؟ أين حقوق الأطفال والنساء والشيوخ؟ أين حقوق الصحفيين؟ أين حقوق المسعفين وأطقم الأطباء؟ أين حقوق الإنسان ومن ينادى باحترامها؟ فحقاً هى حرب وعدوان بلا أخلاق أو احترام للإنسانية.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: التشريعات والقوانين العدوان الإسرائيلى الدولى الإنسانى أین حقوق
إقرأ أيضاً:
د. عبدالله الغذامي يكتب: نيران الغيرة الشعرية
من أبرز قضايا النقد العربي القديم هو الاعتناء بالأجمل والأصدق والأهجى والأمدح، وكل هذه صفات أُطلقت على أبياتٍ محددةٍ جرت الأمثال بها في مدونات التراث، وهذه علامةٌ ثقافية تكشف مدى عشق الذائقة العربية للجماليات الشعرية، والطريف أن هذه التحريات لم تدخل في جدل بين النقاد، وسر ذلك يعود إلى أن الأبيات المختارة لهذه الصفات هي دوماً لشعراء طواهم الموت، واختفى الجانب الشخصي لهم وبقي أثرهم النقي الخالي من أي شوائب من الغيرة ومن التنافس، وكما قالوا فالمعاصرة حجابٌ، أي أن المعاصر يقع دوماً في حبائل العلاقات المتقاطعة بين محبين وغاضبين ويقع في شبكات الغيرة والتنافس والانتماءات، مما يعقد صورته بين أهل زمنه. لكن الشعر يبقى حراً بعد موت مؤلفه والحرية هذه تتبعها حرية التذوق وحرية الحكم، في حين أن أي حكم على أي شاعر في حياته يجر مقولة بئس المقتنى حسب كلمة المتنبي (وعداوة الشعراء بئس المقتنى) والعداوة هنا ليست في الوقوف ضده فحسب بل تشمل أي تفضيلات أو ثناء على غيره، وهذه هي لحظات تحريك مياه الغيرة، ولهذا فإن تمجيد الميت قد يكون وسيلةً للتقليل من الحي من دون التعرض لسوء المنقلب.
على أن أحكام تفضيل الأبيات المفردة تعود من حيث النظرية إلى كون الشعر العربي يقوم على البيت الجامع المانع والمكتمل بذاته، ومن العيب أن يمتد معنى البيت أو مبناه، فيتعلق بالذي بعده، وعد العروضيّون ذلك من عيب القافية، إذا لم تك نهايةً لبيتها وتعلقت بالذي بعده. ولذا جرت الأحكام على الأبيات المفردة، غير أن ابن قتيبة حاول بوعيه النقدي أن يحرر القصائد من شروط العروضيّين، وراح تبعاً لذلك ينظر في الشعر بالمطلق ووضع التفضيل للحكم الذوقي اللحظي حيث قال (أشعرُ الناس من أنت في شعره حتى تفرغ منه) وهذه جملةٌ نقديةٌ عميقةٌ جداً من حيث إدراكها لوظيفة اللحظة الجمالية وكونها لحظة احتواء تطبق على بصيرة القارئ بحيث تعميه عن كل شيء باستثناء متعة اللحظة، وهي حالٌ مشهودةٌ يمر بها كل إنسان ذواقة في كل مادة جمالية من موسيقى أو لوحة أو منظر أو حالة شعرية، وهنا نخرج من سلطة البيت الأوحد إلى متعة النص الكلي الذي يجعل ديوان الشعر بمثابة نصٍ واحدٍ يمنح الجمالية والمتعة من دون أن يغلق الباب على خيارات أخرى سنقع عليها بعد أن نفرغ مما كان يحتوي لحظتنا تلك.
كاتب ومفكر سعودي
أستاذ النقد والنظرية/ جامعة الملك سعود - الرياض