جريدة الرؤية العمانية:
2025-05-14@12:09:29 GMT

جرعة منطق

تاريخ النشر: 24th, January 2024 GMT

جرعة منطق

 

فاطمة الحارثية

 

هل تمر بحالة "أداء لم يرها أحد، ولم يُعترف بها؟ ومنجزات لم تُقدر"، صف في الطابور لو سمحت، آه لحظة أنت طويل أذهب هناك.. آخر الصف؛ صحيح أننا لم نختر أن نكون ضمن طوال القامة، لكن العمل بصمت كان خيارا. 

قال لي فراس إنني مدمنة عمل واحتاج إلى علاج، التفت إليه متأمله قوله، وسألته: إلى أي حد تأخذ هوايتك محمل الجدية؟ قال: كثيرًا، ابتسمت، إذا لماذا تلمني؟ لا يُقيم الجهد الذي يبذله الولدان في تربية أبنائهما إلا آراء الناس في سلوكهم، رغم أني أراه مقياسا مجحفا، لكننا في كثير من الأمور نعود للعرف والتقاليد في بيئتنا الاجتماعية،  ومع ذلك مهما بُذل من جُهد، هناك قصور في عين أحدهم، فمازالت نظرة البحث عن الكمال وجملة "ولا غلطة" تؤرق الباحث عن القبول.

من الصفات التي لا أحبها في شخصيتي الإفصاح المباشر، واستخدام مرادفات الكلمات للتعبير بتلقائية أثناء حديثي، حقيقة أنني لا أتعمد ذلك سهّل لي الكثير من الاضطرابات الجدلية أثناء حديثي مع الآخرين، ربما هذا الواقع تراكمي بفعل عشقي للكلمات ولعبة المرادفات التي دائماً ما أقضي وقت فراغي في ممارستها، وحلمي الصغير أيام الثانوية أن أكون مترجمة في سفارة ما، وهذا ما فتح مجال التعمق في مرادفات الكلمات منذ الصغر.

قلت لفراس: لماذا لا تفعل ما تحب وتتردد دائمًا، رغم النشاط المفعم وشغفك؟ رد عليَّ وعيناه تُبحر في تأمل ربما كان يسترجع تجارب مر بها، وقال: رأي الناس يُهمني ويُسبب لي الهم، ولا أستطيع أن أكف عن التفكير فيهم في كل مرة أقدم على عمل ما. كن على حقيقتك واعترف بكيانك، بخيرك وشرك، ففي الأخير رأي الناس لم يردع فعل الخفاء. لا أستطيع أن أعيش خارج إطار التقاليد، رغم أنها متناقضات ستنكشف يوم الحساب. إذن طالما تعلم ذلك، فلماذا الخفاء؟ المُجاهرة قد تقودني لذنب أعظم.

إنه منطق وبُعد آخر، كمٌّ هائل من الكبح والمتناقضات، والأسوأ أنه عند البعض يدخل في إطار تعريفه للسعادة، لا اختلف في معتقد أن "النفس" هي أصعب الأعداء شراسة، وأن الأهواء والشهوات لها جانب جميل وجانب مظلم، وكلها متناقضات في كل نفس، ويبقى في الأخير السلوك هو الظاهر في ظلمة الصراع الدائم بين القلب والعقل، والمقياس المُعتقد للشر والخير، والحلال والحرام.

"لا تزال مريم صديقتي الصامتة تلازمني عند الحديث مع النفس، وتضحك على الكثير من أفكاري، وتتفاعل مع بعض المغامرات التي أخوضها في خيالي"،  أتخيلُ تحليل البعض لهذا التصريح، والشك الذي يصنعه والنقد الذي يُشكله، ربما جميعنا في هذا العصر السريع جدا، نحاول أن ننزوي ونهرب لدواخلنا، في محاولة لنجمع شتات أنفاسنا ونقيس المسافة المتبقية لانتهاء السباق، ومريم قد تكون أي أحد أو أي شيء أو حتى ضميرنا الذي يحاول مواكبة الضغوطات والمعايير والتغييرات التي نصنعها بأنفسنا لأنفسنا، "تنفس قليلاً قبل أن تصنع نقدا، أو تقول شرا، أو تحكم بجهل".

أعترفُ أن الطريقة الجديدة للكتابة ليست سهلة، وتحتاج الكثير من الاشتغال، والوقت لا يُسعفني في ذلك، لكنني سأبقى استمر وأحاول، حتى أحقق الخطوات الأولى، التحدي الأول هو الإلهام، والملهمون المؤثرون والمُثيرون للسؤال، تركتهم خلفي بعد انتقالي إلى الجنوب، وتحدي اختلاف الثقافة أمر آخر احتاج بعد أن احتويه أن استثمره.

وإن طال...

نفس الكتاب لا يعني نفس التلقي، ولا يجب أن يُعرف على أنَّه نفس العلم، وليس من الحق أن يكون مقياسًا للذكاء والإدراك والفهم، ولا مرجعا موحدا للتطبيق، أطفالنا ليسوا حقل تجارب، لأننا لا يجب أن نغامر بمستقبل البشرية.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

التراث هوية..هل يمكن التملُّص منها؟

من البديهي أن ما وصل إليه البشر من نتاج معرفي (إنساني أو تجريبي) ما هو إلا تراكم خلّفه الناس -وما زالوا-؛ إذ من الطبيعي ألا يُنجِزَ كلَّ التجارب ونتائجها فردٌ بذاته، ولا يُحمَد -ما وصلنا إليه من رخاء وسهولة عيشٍ- إلا تلك التجارب المتراكمة التي تضفي على الرخاء رخاء فوقه، وعلى اليسرِ يسرا عليه.

وعند الرجوع إلى التجارب المتراكمة من آبائنا -آباءِ كلِّ البشرِ- فليس كلها مما نعيش منه رخاء أو حتى فكرة ملهِمَة؛ إلا أن كل تلك التجارب -بشكل مباشر أو غير مباشر- ساهمت في تشكيل ما وصلنا إليه من وعي؛ فضلا عن مساهمتها في جعل الوعي ذلك عيشا سهلا، ولا تزال السهولة تتراكم بمرور الوقت ومرورنا.

عند إلقاء نظرة عامّة على موقف الناس من التراث؛ يتبادر إلى الذهن حالان متضادَّان: (الآخذ له كلَّه)، و(المهمل له بما حَمَل واشتَمَل)، ولا يخفى عليك ما لأخذِ الأمور بحدّية من نتائج مذمومة... فالآخذ للتراث كلِّه لا يسلم من مغبّة الوقوع في وهم أنَّ ذلك التراث بكلِّيَته يصلح له الآن؛ فيصطدم بواقعه اصطداما غير محمود العواقب، ويعيش فصاما يجعله «لا هو نال من التراث جمالَه، ولا من الواقع يسرَه».

أما المهمِل للتراث بما حمل واشتمل، فغالبا ما يعيش حالةَ غُربةٍ في الهوية، يرجو من أصل غيره ليحتويه، وجذر -لذاك الغير- ينبت منه، كمن يبحث عن ظله عند غيره؛ فاستحالة أن تختار بطنا يلدك، تماما كاستحالة التنكر لتراثك وتجربة آبائك؛ فواقعك الكائن فيه بما خلَّفه لك من تراث لا سبيل منه سبيلا حسنا ذا فائدة إلا بأخذك المفيد منه، وردك الفاسد إليه، ولا تتعجّل في ردِّ -ما تظنه فاسدا- فقد يكون ذا نفع لسابقك بظروفه هو، وظروفك لا تسمح به؛ فتمهل.

وواقع الحال أن تمظهرات رؤية الناس للتراث في واقعنا العربي الإسلامي قد تظهر في أمرين -ظاهرهما متصل إلا أنني فصلتهما تسهيلا لقراءة الوضع- هما: الأول (تربية النشء)، والثاني (التنظير الفكري)، فتربية النشء مرجعها الخلفية الفكرية لأبويه أو لمحيطه القريب؛ فعند تنشئة الصغير على ثقافة لا تتصل بواقعه المتراكم وجذوره البعيدة، فإنه يصطدم عندما يكبر بأنه لا استمسك بأصله، ولا الآخر قَبِل به في هويته التي استوردها منه؛ فيعيش حالة من اللهث بما عند الآخر والجري وراءه، وحال النشء المتربي في بيئة تجعل من الموروث مقدَّسا كله، لا مساس فيه ولا نقد، يكون ردة فعل لاحقة كون الواقع يصدمه بأن تلك القداسة لا تصمد، بل ويمكن نقضها.

أما ما يتعلق بالتنظير الفكري؛ فإن أمر الناس فيه يتطابق في الضدين، إما بالأخذ للتراث كله أو إسقاطه كلّه، وهنا أود الحديث أكثر عمَّن تكون له نظرة الإهمال والإسقاط للتراث، ويراه عبئا ينبغي التخلّص منه، بل يراه مانعا لأَنْ يتقدَّم، وهذا النوع يعيش وهما لبرهة -طويلة أو قصيرة- لا يصحو منه إلا ببيان أن الآخر لا يقبلك إلا إن كنت من بني جلدته ولونه، بل الآخر يتطلَّع -والعالم كله اليوم- إلى ما هو مختلف وذو خصوصية، وهذا ليس مبررا لترجع إلى تراثك، بل ذلك دافع ما من أحد الدوافع، والدافع الأهم أنك لن تجد مكانك في هذا العالم -فردا كنت أو جمعا- إلا بالبناء على جذرك، والانطلاق من أصلك؛ بالاستفادة منه والبناء إلى ما انتهى إليه، هذا بدون أدنى شك مع استفادتك من الآخرين لكن شريطة ألا تتماهى معهم.

اختلاف الناس وتباين رؤاهم (ولذلك خلقهم ولا يزالون مختلفين)، هو الثراء للبشرية، وهو سر التدافع الذي به تتقدم البشرية للوصول إلى عيش أكثر رخاءً واستقرارا؛ فما من دين أو مذهب أو اتجاه ما إلا وُجِدَت فيه خلافات من أتباعه بل وحتى من مؤسسيه، وعند تأملنا -بنظرة شاملة- في ذلك لا نجد إلا الثراء في ذلك الاختلاف الذي يشكل توازنا؛ لئلا يطغى طرف على آخر (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض).

مقالات مشابهة

  • الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في تصريح على متن الطائرة التي تقله إلى دولة قطر: رفع العقوبات عن سوريا أمر مهم لاستقرار منطقة الشرق الأوسط والرئيس السوري رائع ولديه الكثير من الفرص
  • السعودية: سوريا فيها الكثير من الفرص لتحقيق نهضة اقتصادية كبرى
  • وزير الخارجية أسعد الشيباني: نشارك هذا الإنجاز شعبنا السوري الذي ضحّى لأجل إعادة سوريا إلى مكانتها التي تستحق، والآن بدأ العمل نحو سوريا العظيمة، والحمد لله رب العالمين. (تغريدة عبر X)
  • رائد التحدي سيعود من جديد
  • التراث هوية..هل يمكن التملُّص منها؟
  • ترامب: أنا والأمير محمد بن سلمان نكن لبعضنا الكثير من الود
  • عاجل| ترامب: أنا والأمير محمد بن سلمان نكن لبعضنا الكثير من الود
  • عاجل - ترامب: أنا والأمير محمد بن سلمان نكن لبعضنا الكثير من الود
  • نجا من هجوم سابق.. من الصحفي حسن إصليح الذي اغتالته إسرائيل بغزة؟
  • ما هو يوم الحج الذي أوجب الله عليه الناس؟ تعرف عليه