عوض بابكر : رحيل من لا يُعوَّض
تاريخ النشر: 4th, July 2025 GMT
1 من من الناس عرفه ولم يبكِه؟!بكى الناس عوض بابكر بصدق، وحزنوا عليه، وتفطرت قلوبهم… واندهش آخرون وسألوني: من هو عوض بابكر الذي أجمعت عليه الأمة، من يمينها إلى يسارها، كلهم نعوه وبكوا عليه؟
هو إنسان من طينةٍ أخرى، لا يمكن وصفه أو تعريفه، هو مجمل كل الفضائل، ومحصلة كل التسامح والمحبة. اجتمعت فيه أنبل خصائص الاتقياء ، وأفضل ما في السودانيين من قيم، وأنضر ما في الإسلاميين من مواقف، وبطولة، وفداء.
هو عوض بابكر، لا أحد يعوّضه، لأنه لا أحد يشبهه في جيله.التقيت عوض بابكر وهو يافع صغير، في صالون د. الترابي، بل على بابه، يوم كان ذاك الصالون محجة للإسلاميين…وأسراب الطامعين في المناصب، وكان مقصدًا للإعلاميين الباحثين عن خبطات الأخبار والأسرار، التي كان مطبخها الحصري هناك، وقتئذٍ.
كنا نستمتع بأنس ذاك الفتى الصغير، وما يفيض به من معلومات. حتى إذا مُنِعنا من لقاء الشيخ، رجعنا ونحن مقتنعون بما حصدنا من معلومات، وكأن الشيخ كان يُملكه تلك المعلومات، ويأذن له بحضور المجالس ليُطلعنا على ما يود أن نعلمه، ولا يزيد.منذ تلك الأيام، لم يفارقني عوض بابكر.لا يغيب عني أبدًا. في كل صحيفة كنت أعمل بها، كان عوض يمدّني بالأخبار والانفرادات، ويرشدني إلى اتجاه الريح، وما هو قادم.
كان خزانة معلومات، وكانت علاقاته الممتدة وسعيه الدؤوب بين كل التيارات التي كانت تصطرع في الساحة وقربه من من الترابي، تسمح له باطلاع واسع على مجريات الأمور.
2
وما ظل يُدهشني في عوض بابكر، غير عقله الراجح، تلك السماحة التي اتسم بها طوال حياته. فعندما وقعت واقعة المفاصلة في تسعينيات القرن الماضي، ورغم أنه انحاز لمعسكر شيخ حسن، والتزم بالمؤتمر الشعبي، إلا أنك تجده في كل مناسبات الإسلاميين، لا يُفرّق بينهم، وكانوا بالنسبة إليه جميعًا “إخوانًا”.
لم يقاطع أحدًا، بل لم يُعَادِ فردًا من حكومة الإنقاذ، وظل على صلة حميمة بكل الإسلاميين بمختلف أطيافهم. وكيف لا، وهو ذاته من امتدت علاقاته باليساريين، والختمية، وحزب الأمة؛ جمع في قلبه محبة الناس بغض النظر عن مواقفهم السياسية.
أعجبني نعي الحركة لعوض بابكر، وكان يستحقه.
3
في كل تجربة صحفية، أجد عوض بابكر بجانبي، مبادرًا للمساعدة بكل ما يملك. ولم يكن يملك من حطام الدنيا شيئًا يُذكر، ولكن دائمًا كان بوسعه أن يجد لك مخرجًا من مأزقٍ ما.
أذكر أنه حين زُجّ بنا في السجن، لم نجد في تلك الأيام من يتفقدنا ويعتني بأمرنا سوى عوض بابكر؛ ظل معنا ليل نهار، لا يكاد يفارقنا، بينما زاغ زملاء كثر وامتنعوا حتى عن تسجيل زيارة للمجاملة!!
أذكر أيضًا، حين أصدرت صحيفة سودان إيفنت(Sudan events ) قبل عامين، كان عوض أول المتصلين، قائلًا: “هذا ماكنت أبحث عنه هنا!”
قلت له: “أين انت الان ؟” وكان آخر اتصال معه من اتبرا.
قال لي: ” الان في ماليزيا.”
وذكر لى ليس هناك لا معلومات تصل ماليزيا عن مصدر سودانى ، ولذلك سيقوم بتوزيع الصحيفة في كل شرق آسيا.
اعتبرتها مجاملة لطيفة منه كعادته، لكن لم ألبث إلا قليلًا حتى بدأت تصلني رسائل من جهات عديدة في إندونيسيا وماليزيا، تُشيد بالصحيفة، وتقول إنها سدت لهم فراغًا عظيمًا، وأنهم يتابعونها باستمرار.
يا لهذا العوض!
كنت أعلم من قبل أن لعوض علاقة وثيقة بحزب “امنوا”، ويزور باستمرار قائده مهاتير محمد مبعوثا من الترابى، كما تربطه علاقة شخصية وثيقة برئيس وزراء ماليزيا الحالي، أنور إبراهيم.
4
رحل عوض بابكر عن هذا العالم القميء، الذي لا يحتمل أمثاله.
عالم انقطعت فيه الفضيلة، وطُويت فيه قيم التسامح، وصعد إلى سدته التافهون، من نتنياهو إلى ترمب.
عالم استُبيحت فيه كل القيم، في كل مكان. رحل عوض بابكر، لكن ملامحه ما زالت مطبوعة في وجداننا، وصوته ما زال يرنُّ في ذاكرتنا، حنينًا وصدقًا وطمأنينة. لم يكن مجرد شخص، بل كان ظلًّا نبيلاً من تلك البلاد التي تتهاوى، يذكّرنا بما كان يمكن أن يكون.
5
نُودّعك الآن يا عوض، لا باليأس، بل بالعرفان. ونعاهدك أن نظل نحرس ما آمنت به: التسامح، الوفاء، وحب الناس بلا ثمن.
نم قرير العين يا صديق القلب.
وداعًا أيها العابر كنسمة المقيم فينا بذكراه العطره.
ذهب عوض بابكر إلى عفو ربه، وإلى جنة عرضها السماوات والأرض، بإذنه.
هو الآن في سِدْرٍ مَخْضُودٍ، وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ.إنّا لفراقك يا عوض لمحزونون، وستبقى فينا ذكراك ما بقينا في هذه الدنيا الفانية.
وداعًا عوض، أيها الإنسان الجميل والنبيل.
عادل الباز
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: عوض بابکر
إقرأ أيضاً:
بعد توقيع ترامب عليه.. معلومات عن مشروع الضرائب والإنفاق الشامل | تقرير
وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مساء الجمعة على مشروع الضرائب والإنفاق الشامل، وهو تشريع سيُحدث تغييرات جذرية في الأحوال المالية لأغلب الأمريكيين.
مشروع ترامب للضرائببعد أن أقر مجلس الشيوخ الأمريكي مشروع ترامب للضرائب يوم الثلاثاء الماضي، صوت الجمهوريون في مجلس النواب يوم الخميس بالموافقة على تشريع السياسة الداخلية الذي تبلغ قيمته تريليونات الدولارات، وإرساله إلى مكتب ترامب للتوقيع عليه.
يُرسي مشروع القانون النهائي التخفيضات الضريبية التي أقرها ترامب عام 2017 بشكل دائم، مع إضافة إعفاءات جديدة، بما في ذلك "مكافأة" لكبار السن لتعويض ضرائب الضمان الاجتماعي، وخصم ضريبي أكبر على مستوى الولايات والمستوى المحلي. كما تتضمن الخطة إعفاءات ضريبية على أجور العمل الإضافي، وقروض السيارات، من بين بنود أخرى.
سيطبق التشريع الجمهوري البارز أيضًا تخفيضات كبيرة في الإنفاق على برامج شبكة الأمان الاجتماعي، مثل برنامج Medicaid ، وإنهاء الاعتمادات الضريبية المرتبطة بالطاقة النظيفة، وإصلاح قروض الطلاب الفيدرالية.
وتقول شبكة "سي إن بي سي" إن تشريع ترامب قد يفيد أصحاب الدخل المرتفع، بينما يُلحق الضرر بالأمريكيين ذوي الدخل المنخفض الذين يعتمدون على برنامجي Medicaid وSNAP، وفقًا لتحليل أجراه مختبر ميزانية جامعة ييل ونُشر يوم الاثنين.
معلمومات عن شروع ترامب للضرائبخلال فترة ولاية ترامب الأولى، سنّ قانون تخفيضات الضرائب والوظائف لعام 2017، أو TCJA، تغييرات جذرية على قانون الضرائب الأمريكي، مما أدى إلى خفض الضرائب على العديد من الأسر.
وشملت بعض الأحكام الرئيسية شرائح ضريبية أقل، وخصومات قياسية أكبر، وائتمانًا ضريبيًا أكثر سخاء للأطفال، وإعفاءً ضريبيًا أعلى على التركات والهدايا، وخصمًا بنسبة 20% للشركات التي تُمرر أموالها عبر التبرعات، من بين تدابير أخرى.
وأشارت شبكة سي إن إن الإخبارية الأمريكية، إلى أن مشروع ترامب للضرائب سيكون له تأثيرا مباشرا على كبار السن، والطلاب، ودافعو الضرائب، والأطفال، والآباء، والأمريكيون ذوو الدخل المحدود، وكل شخص تقريبًا.
تخفيضات ترامب الضريبيةيُطلق الجمهوريون على هذا القانون اسم "قانون واحد كبير وجميل" للرئيس الأمريكي، فهو يمدد تخفيضات ترامب الضريبية في ولايته الأولى، ويُموّل رؤيته لبناء جدار حدودي، ويُعوّض بعضًا من خسارة الإيرادات والإنفاق الإضافي من خلال تخفيضات في الدعم الفيدرالي لشبكة الأمان الاجتماعي التي تُساعد الأمريكيين على تحمل تكاليف الغذاء والتأمين الصحي.
بالنسبة للعديد من المسجلين في برنامج ميديكيد، سيكون التأثير الأكبر هو شرط العمل الجديد وسيُطلب من بعض الأمريكيين الأصحاء الذين تتراوح أعمارهم بين 19 و64 عامًا والمسجلين في برنامج ميديكيد الموسع العمل، أو التطوع، أو الالتحاق بالمدرسة، أو المشاركة في التدريب المهني لمدة 80 ساعة على الأقل شهريًا. كما سيُطبق هذا الشرط على آباء الأطفال الذين تبلغ أعمارهم 14 عامًا فأكثر.
بالإضافة إلى ذلك، ستُراجع أهلية المسجلين في برنامج ميديكيد الموسع بشكل أكثر تكرارًا، وسيُطلب منهم دفع ما يصل إلى 35 دولارًا أمريكيًا مقابل بعض أنواع الرعاية.
وسيصبح ما يقرب من 12 مليون شخص إضافي غير مؤمن عليهم في عام 2034، وسيفقد الكثير منهم التغطية بسبب أحكام ميديكيد في مشروع القانون، وفقًا لتحليل مكتب الميزانية في الكونجرس الذي نُشر الأحد الماضي، قبل التعديلات اللاحقة على مشروع القانون التي أقرها مجلس الشيوخ في النهاية.