لماذا رفضت بريطانيا استحواذات إماراتية وقبلت بها مصر؟
تاريخ النشر: 28th, January 2024 GMT
أثار رفض الحكومة البريطانية استثمارات إماراتية على أراضيها كونها خطر على الأمن القومي لبلادها، المخاوف على أمن مصر، خاصة مع ما حصلت وتحصل عليه الشركات والصناديق الإماراتية من أصول مصرية عامة، وأراض، ومبان، وموانئ استراتيجية، وصناعات تمس الأمن الغذائي، والأمن القومي المصري.
والجمعة الماضية، تعثرت صفقة استحواذ مجموعة "الإمارات للاتصالات" على حصة في شركة "فودافون" بريطانيا مع رفض حكومة لندن للصفقة، في خطوة فسّرتها بوجود مخاوف إزاء الأمن القومي، وذلك برغم أنها أعلنت الأربعاء الماضي، موافقتها على الصفقة.
"خطر أمني"
وعلى الرغم من العلاقات الجيدة بين حكام أبوظبي وحكام لندن، إلا أن الأخيرة قالت إن حصة مجموعة "الإمارات للاتصالات" في "فودافون" تمثل خطرا على الأمن القومي فيما يتعلق بالعقود الحكومية والأمن الإلكتروني.
وبالتزامن مع الرفض البريطاني لصفقة "فودافون"، فتحت حكومة لندن، الجمعة، تحقيقا جديدا في خطة تدعمها أبوظبي لشراء صحيفة "ذي تلغراف" اليومية البريطانية والمالكة لمجلة "سبكتايتر" الأسبوعية.
ولأسباب تتعلق بالمصلحة العامة؛ قررت الحكومة البريطانية التدخل في عملية الاستحواذ، وذلك برغم أن بنك "لويدز" البريطاني دائن لعائلة باركلي، مالكة صحيفة "تلغراف" وعرضها للبيع في تشرين الأول/أكتوبر الماضي؛ لسداد نحو 1.2 مليار جنيه إسترليني.
"سوابق تجسس أبوظبي"
وبجانب المخاوف البريطانية، تتواصل الاتهامات للإمارات بالتجسس على معارضين عرب وأجانب.
ففي نيسان/ أبريل 2023، كشف مختبر "سيتيزن لاب" المختص بالأمن الإلكتروني وشركة مايكروسوف، عن برنامج تجسس إسرائيلي جديد طورته شركة "كوا دريم" الإسرائيلية، استخدم في اختراق هواتف صحفيين ومعارضين ومنظمات حقوقية، في 10 دول بقارات مختلفة باستخدام خوادم إنترنت أحدها في الإمارات.
وكشفت تقارير صحفية غربية عن دور شركة "إن إس أو"، التي أنتجت برنامج التجسس "بيغاسوس"، الذي استخدمته الإمارات، والعديد من الدول العربية وغيرها، في التجسس على المعارضين والنشطاء، وطالت تجسسه بعض الشخصيات القيادية والزعماء.
ويتشابه الجدل البريطاني الإماراتي الحالي، إلى حد كبير مع جدل شهده شباط/ فبراير 2006، حين صوت الكونغرس الأمريكي ضد منح "موانئ دبي" العالمية، إدارة 6 موانئ أمريكية تحسبا للضرر بأمن الموانئ.
وأثار الرفض البريطاني للاستحواذ الإماراتي على "فودافون" والتحقيق في صفقة "تليغراف"، لمخاوف على الأمن القومي وللمصلحة العامة ببريطانيا، حفيظة متابعين مصريين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مشيرين إلى تتابع صفقات الاستحواذ الإماراتي على أملاك المصريين دون أي مراعاة لأبعاد الأمن القومي المصري.
بريطانيا رفضت إستثمارات إماراتية لأنها خطر على الأمن القومي لبريطانيا
وإحنا بنبيع البلد كلها للإمارات .. إنت متخيل يا مان ???? pic.twitter.com/dQpEtOupI9
وتمتلك "الإمارات للاتصالات"، 66 بالمئة من "اتصالات مصر"، منذ 2007، بقيمة أصول نحو 55.4 مليار جنيه، وعدد مستخدمين حوالي 31.6 مليون، وإيرادات 14.2 مليار جنيه بنهاية النصف الأول من 2023.
وحول دلالات رفض بريطانيا منح الإمارات حصة في "فودافون" لديها وفي "تليغراف"، وماهية مخاوف حكومتها على أمن بلادها القومي، وعلاقة الأمر باتهامات التجسس الموجهة للإمارات وأدوارها الدولية المريبة، تحدث خبراء لـ"عربي21".
"وقعت بالفخ"
الأكاديمي المصري الدكتور عاصم الدسوقي قال لـ"عربي21" إن "مصر وقعت في الفخ دون دراية"، متوقعا أن ذلك الفخ سيقودها "إلى التبعية التامة للرأسمالية العالمية".
وألمح إلى أنه "لم يعد للمصريين ولا الأجيال القادمة من شيء".
"ممارسات محل شك"
من جانبه، قال الباحث في الاقتصاد السياسي والتنمية والعلاقات الدولية الدكتور مصطفى يوسف: "الحكومة البريطانية كأي حكومة منتخبة ديمقراطيا، وبها توازن بين السلطات تراعي متطلبات الأمن القومي لبلادها".
وفي حديثه لـ"عربي21"، لفت إلى ما أثير عن دورها في اغتيال القيادي في حركة "حماس" محمود المبحوح، في كانون الثاني/ يناير 2010، وكذلك ما قيل عن تجسس الهلال الأحمر الإماراتي على المقاومة الفلسطينية عام 2008، وما تنشره تقارير صحفية عن ضلوع حكومة الإمارات في تنسيق أمني خطير مع حمدان دقلو (حميدتي) في السودان، وخليفة حفتر في ليبيا.
وكذلك ما أثير عن أنشطة تمويل مشبوهة يقوم بها سفير الامارات في واشنطن يوسف العتيبة، وعلاقاته مع رجل الأعمال الماليزي "جو لو" المتهم الرئيسي في فضيحة الصندوق السيادي الماليزي عام 2015.
يوسف، مدير المركز الدولي للدراسات التنموية، أكد أن "كل هذه العوامل تجعل الإمارات محل شك ومراجعات كثيرة من أي سلطة أو حكومة تحترم نفسها وتحترم شعبها ".
"تزدهر مع هؤلاء"
وقال إن "الإمارات تزدهر علاقتها السياسية مع الحكومات الفاسدة واللصوص والانقلابيين"، مذكرا بأن "الحكومة المصرية منذ قيام الجمهورية الجديدة عقب انقلاب 3 يوليو 2013، باعت حصصا في شركات استراتيجية وبنوكا وشركات أسمدة وموانئ".
وتحدث عن خطورة "استيلاء الإمارات على معامل التحاليل في مصر، مثل (المختبر) وعلى الكثير من المستشفيات ومؤسسات العناية بالصحة"، موضحا أن ذلك قد "يؤدي إلى جعل الأمن القومي والأمن الصحي للمصريين عرضة للانكشاف أمام إسرائيل والإمارات، بجانب سيطرتهم على الاقتصاد المصري، وودائعهم التي يمكن سحبها بأي لحظة".
ويرى الخبير الاقتصادي المصري أن "الموضوع عميق ومهم، خاصة وأن المشروع الإماراتي للسيطرة على مفاصل الصناعة والزراعة والتعليم والصحة في مصر واضح جدا".
وألمح إلى أن "لهم سيطرة ووصول أيضا، لكل الملفات الطبية عبر السيطرة على المختبرات ومعامل التحليل".
كذلك أشار إلى "السيطرة الإماراتية على الموانئ المصرية، وإماتة مشروع محور قناة السويس الذي كان سيغلق لهم مينائي (جبل علي) بدبي و(خليفة) بأبوظبي"، ملمحا أيضا إلى "السيطرة الإماراتية على شركات الأسمدة المصرية".
"يخدم هؤلاء"
وقال يوسف، إن "بريطانيا رفضت سيطرة الإمارات على فودافون لأن ذلك به خطورة على الأمن القومي، لأن الإماراتيين يتجسسون ويتعاملون مع شركة القرصنة الإسرائيلية (NSO)، التي تقوم باختراقات ومدانة ومجرمة بكثير من الدول".
وعن رفض صفقة "تليغراف"، أوضح أن "هناك رفض دولي دائم لمسألة الاستحواذ على وسائل الإعلام والاتصالات والبترول والمصارف، وفي كندا مثلا، لا تقبل باستحواذ شخص أو مجموعة على نسبة أكبر من 10 بالمئة، ولو وصل 20 بالمئة لا يمكن أن تمر الصفقة".
"إمبراطورية كبيرة"
ومع سيطرة السيسي على البلاد، سيطرت الإمارات على الكثير من الشركات والأصول المصرية الهامة والاستراتيجية، مشكلة إمبراطورية اقتصادية داخل البلاد، وهو ما تحاول رصده "عربي21"، عبر تسلسل زمني.
21 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، اشترت مجموعة "ADQ" الصندوق السيادي التابع لإمارة أبوظبي، حصصا بـ3 شركات حكومية هي "إيثيدكو" و"الحفر الوطنية" و"إيلاب"، في صفقة بقيمة 800 مليون دولار.
وقبل تلك الصفقة بيوم واحد، أقرت شركة "سيدي كرير" للبتروكيماويات اتفاقية استحواذ لشركة "ألفا أوركس ليمتد" التابعة لـ"ADQ" الإماراتية على 30 بالمئة من (إيثيدكو) لإنتاج الايثيلين.
وفي أيلول/ سبتمبر 2023، أعلن "بنك مصر"، إطلاق شركة مدفوعات إلكترونية، بالشراكة مع شركة "&e مصر"، الإماراتية برأسمال 16.17 مليون دولار وبحصة إماراتية 60 بالمئة.
3 آب/ أغسطس 2022، استحوذت شركة "شيميرا للاستثمار" الإماراتية 56 بالمئة من أسهم "بلتون المالية القابضة"، مقابل 20 مليون دولار.
وفي 2 تموز/ يوليو 2022، واستحوذت مجموعة "موانئ أبوظبي" الإماراتية على 70 بالمئة من شركتي "ترانسمار" و"ترانسكارجو" للنقل البحري، بـ140 مليون دولار.
وفي 14 تموز/ يوليو 2022، استحوذت شركة "أغذية" الإماراتية على 60 بالمئة من "أبو عوف" المصرية للقهوة والوجبات الخفيفة.
28 تموز/ يوليو 2022، استحوذت "أدنوك" الإماراتية على 50 بالمئة من "توتال إنرجيز" للوقود، في صفقة بلغت 186 مليون دولار، واعتبرها مراقبون تعادل نصف عدد محطات الوقود بمصر.
وفي نيسان/ أبريل 2022، باعت مصر حصصا بـ5 شركات لها للقابضة "ADQ" الإماراتية مقابل 1.8 مليار دولار، ليرتفع إجمالي عدد الشركات التي استحوذ عليها الصندوق السيادي الإماراتي لـ7 شركات خلال عام 2022.
والشركات هي: "البنك التجاري الدولي"، وشركتي "موبكو" و"أبوقير للأسمدة"، و"فوري" للتكنولوجيا المالية، و"الإسكندرية لتداول الحاويات"، و"سوديك" و"آمون" للأدوية.
وفي 27 كانون الأول/ ديسمبر 2021، استحوذت مجموعة مستشفيات "كليوباترا" المملوكة لشركة أبراج كابيتال الإماراتية على مجموعة "ألاميدا "الإماراتية للرعاية الصحية.
وفي قطاع الصحة، تمتلك الشركات الإماراتية 15 مستشفى، ونحو 100 معمل تحاليل ومركز أشعة، فيما تتحكم في إنتاج الأدوية في سوق تقدر قيمتها بأكثر من 45 مليار دولار.
وفي النصف الأول من 2021، اشترت (ADQ) الحصة الكاملة لشركة "بوش هيلث" الكندية في "آمون للأدوية" المصرية بمقابل 740 مليون دولار.
وفي 7 نيسان/ أبريل 2021، جرى الإعلان عن استحواذ كبرى شركات إنتاج الأغذية والمشروبات بالإمارات "أغذية"، على حصة الأغلبية في شركة الإسماعيلية للاستثمار الزراعي "أطياب" المصرية.
وفي 20 كانون الثاني/ يناير 2021، استحوذ بنك "أبوظبي الأول" على كامل حصة بنك "عودة" في مصر، ما جعل البنك الإماراتي أحد أكبر البنوك الأجنبيّة العاملة بمصر من حيث الأصول.
هناك 5 بنوك إماراتية تعمل في مصر، هي "أبوظبي الأول"، و"أبوظبي التجاري"، و"الإمارات دبي الوطني"، و"أبوظبي الإسلامي"، و"بنك المشرق"، لتصبح الجنسية الإماراتية صاحبة العدد الأكبر للبنوك الأجنبية بالقطاع المصرفي المصري.
وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2020، اشترت (ADQ)، الإماراتية حصة مجموعة "اللولو العالمية"، بسلاسل "الهايبر ماركت"، و"السوبر ماركت" في مصر.
ومنذ تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، أقامت مصر والإمارات منصة استثمارية مشتركة بقيمة 20 مليار دولار بمجموعة من القطاعات والأصول، يديرها صندوق الثروة السيادي المصري وصندوق أبوظبي السيادي.
في الشهر ذاته، حصلت "موانئ دبي العالمية" على أرض صناعية بالمنطقة الصناعية بمحور قناة السويس بمساحة 35 كيلومترا مربعا.
وفي أيلول/ سبتمبر 2022، كشفت دراسة لمجموعة "عشرة طوبة للدراسات العمرانية" عن سيطرة الحكومة الإماراتية على نسبة 6.16 بالمئة، من أراضي القاهرة الكبرى، مشيرة لارتفاع قيمة استثمارات الإمارات بالقاهرة ووصولها عام 2027، لـ35 مليار دولار.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية مصر الإماراتية فودافون بريطانيا بريطانيا مصر الإمارات فودافون المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة على الأمن القومی الإماراتیة على إماراتیة على ملیون دولار ملیار دولار بالمئة من فی مصر
إقرأ أيضاً:
بعد إنفاق يفوق مشروع مارشال.. لماذا فشلت الولايات المتحدة في أفغانستان؟
كابل- يكشف تقرير لمكتب المفتش العام الأميركي لإعادة إعمار أفغانستان "سيجار" عن أن الولايات المتحدة أنفقت 148 مليار دولار بين عامي 2002 و2025 من دون أن تتمكن من بناء دولة مستقرة أو مؤسسات ديمقراطية قابلة للحياة، في حين عادت حركة طالبان إلى الحكم وانهارت الهياكل التي كانت تُعد نواة النظام الجمهوري السابق.
ويأتي ذلك بعد أكثر من عقدين من الإنفاق الضخم الذي تجاوز -وفق التقرير الأميركي الجديد- تكلفة مشروع مارشال لإعادة إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية.
ويشير التقرير -الذي يُمثل آخر تقييم شامل قبل إغلاق المكتب في يناير/كانون الثاني المقبل- إلى أن هذا الاستثمار الضخم لم يحقق أهدافه، وأن المشروع الأميركي تحول من مهمة محدودة لمكافحة "الإرهاب" إلى عملية واسعة لبناء دولة أُديرت بأهداف طموحة تتجاهل الواقع الأفغاني وتعقيداته السياسية والاجتماعية.
"رواية أحادية"
وحسب التقرير، تجاوز الإنفاق الأميركي على أفغانستان تكلفة إعادة إعمار 16 دولة أوروبية في خطة مارشال، إذ خصص الكونغرس أكثر من 104 مليارات دولار حتى 2014، قبل أن ترتفع إلى 148 مليار دولار بحلول منتصف 2025، بزيادة 42% عن تقديرات ما قبل عقد.
ورغم تخصيص 88.8 مليار دولار لقطاع الأمن فقط، فإن قوات الأمن الأفغانية انهارت "بصورة مذهلة" بعد الانسحاب الأميركي عام 2021.
ويقول المتحدث باسم الحكومة الأفغانية ذبيح الله مجاهد -للجزيرة نت- إن تقرير مكتب المفتش العام الأميركي عن إنفاق الولايات المتحدة أموالها في أفغانستان يحمل "رواية أحادية"، وإن الجزء الأكبر من هذا الإنفاق كان على الحرب وليس الإعمار، في حين أن أكثر من 700 مليار دولار أُنفقت على العمليات العسكرية خلال 20 عاما، "مما يكشف طبيعة الأولويات الأميركية في أفغانستان"، على حد قوله.
ومنذ 2009، وثق المكتب الأميركي أكثر من 1327 حالة احتيال وهدر وإساءة استخدام في مشاريع إعادة الإعمار، بقيمة تتراوح بين 26 و29.2 مليار دولار.
إعلانوفي قطاع الأمن وحده، دفعت وزارة الدفاع الأميركية أكثر من 500 مليون دولار رواتب إضافية لموظفين وهميين أو مزدوجي الوظائف.
وتقول الخبيرة الأفغانية في الحوكمة مريم صابري -للجزيرة نت- إن "الفساد لم يكن فقط في الجانب الأفغاني، بل داخل منظومة التعاقدات الأميركية نفسها حيث تمت مشاريع بلا جدوى، وشُيدت بنى تحتية لم تكن لدى الدولة الأفغانية القدرة الفنية أو المالية على صيانتها، بينما لم يكن باستطاعة منظمة مكافحة الفساد النظر في الأموال التي يصرفها الأميركيون في أفغانستان".
يشير التقرير إلى جملة من الأسباب التي قادت إلى فشل المشروع الأميركي بأفغانستان، أبرزها:
غياب إستراتيجية موحدة طوال 20 عاما. الجداول الزمنية كانت غير واقعية. تجاهل الأولوية الأفغانية في ترسيم الخطط. ضخ الأموال في مؤسسات غير قادرة على الاستدامة. ضعف الرقابة والتقييم الحقيقي للنتائج. تجاهل البُنى الاجتماعية والعرقية والسياسية المعقدة في أفغانستان. استمرار الحرب والعنف، ما قوض أي مشروع للتنمية المستدامة.ويقول وزير الدفاع الأفغاني السابق شاه محمود مياخيل -للجزيرة نت- إن هزيمة المشروع الأميركي لم تحدث عام 2021، بل قبل ذلك بسنوات عندما فشلت أميركا والمجتمع الدولي في قراءة المجتمع الأفغاني واحتياجاته. وأضاف "كنا نقيس النجاح بعدد الجنود المدربين، لا بقدرة الدولة على البقاء دون دعم خارجي".
في حين يشير الخبير الإستراتيجي جلال عظيمي -في حديث للجزيرة نت- إلى أن وجود عشرات الوكالات العسكرية والتنموية والاستخباراتية الأميركية أدى إلى تطبيق سياسات متناقضة في أفغانستان، وأن دوائر صنع القرار في واشنطن لم تكن على وفاق بشأن أفغانستان، وكان هناك مشروع لبناء دولة، ومشروع لمكافحة الإرهاب، ومشروع لدعم حقوق الإنسان، وكل طرف يعمل بمعزل عن الآخر.
استمرار دون طالبانورغم انهيار الحكومة السابقة، فإن أميركا بقيت أكبر مانح لأفغانستان منذ أغسطس/آب 2021، وقدمت أكثر من 3.83 مليارات دولار من المساعدات الإنسانية والتنموية حتى يونيو/حزيران 2025.
وفي الربع الأول من 2025 وحده، بلغت قيمة المساعدات 120 مليون دولار، رغم تقارير تحدثت عن إيقاف المساعدات النقدية بعد عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للحكم.
بيد أن تقرير المفتش العام الأميركي يؤكد استمرار تدفق هذه المساعدات، وحذر مجددا من وصول أجزاء من المساعدات إلى طالبان، ودعا وزارة الخارجية الأميركية إلى تعزيز آليات المساءلة والإشراف.
ونفى المتحدث ذبيح الله مجاهد حصول السلطات الأفغانية على المساعدات الأميركية، وقال إنها تُسلم للمنظمات الدولية، موضحا: "لم نتسلم أي مبلغ بشكل مباشر، ولم نطلب ذلك أصلا".
وختم مجاهد بأن "الأموال التي تُظهرها أميركا في تقاريرها هي إنفاق تابع للمنظمات والجهات المانحة، وفي كل الأحوال لم تُستخدم بما يُخفف معاناة الأفغان إلا في حدود ضيقة جدا، أما الجزء الأكبر، فذهب إلى متطلبات الحرب والعمليات العسكرية خلال العقدين الماضيين".
وينقل التقرير الأميركي عن مسؤولين أميركيين سابقين القول إن بناء أفغانستان ديمقراطية ومستقرة ربما كان مستحيلا من الأساس، نظرا لغياب التوافق الداخلي، والانقسامات العرقية، وضعف الدولة الحديثة، واستمرار الحرب.
إعلانويخلص الخبير السياسي عبد الغفار جلال إلى أن الولايات المتحدة حاولت بناء دولة مركزية قوية، وكانت تعتمد في تطبيق أجندتها على أمراء الحرب، وتجاهلت طبيعة السلطة المحلية والقبلية، وحاولت فرض نموذج مؤسسي غربي، فانهار بمجرد انسحاب القوة التي كانت تحمله.
ويضيف جلال للجزيرة نت أن أميركا "حاولت إضعاف طالبان عسكريا دون تقديم بديل ذي جذور اجتماعية، وانهار المشروع الأميركي لأنه لم يُبنَ على أسس واقعية، والدولة التي أنشئت لم تملك القدرة على الحياة دون دعم خارجي".
في 26 أغسطس/آب الماضي، أعلن المتحدث باسم الحكومة الأفغانية "مولوي ذبيح الله مجاهد"، خلال مؤتمر صحفي في مركز الإعلام الحكومي، أن قيادة طالبان صادقت على الوثيقة، معتبرا إياها إستراتيجية شاملة وموحدة وطويلة المدى تمتد 5 سنوات.
تفاصيل أكثر: https://t.co/aVzCppOolj pic.twitter.com/3486mAHKT1
— الجزيرة نت | اقتصاد (@AJAeconomy) September 5, 2025
ويعد تقرير المفتش العام الأميركي شهادة على أحد أكبر مشاريع إعادة الإعمار في التاريخ الحديث وأكثرها تكلفة، لكنه أيضا شهادة على فشل مشروع لم يراهن على فهم المجتمع بقدر ما راهن على ضخ الأموال.
وبينما تستعد واشنطن لإغلاق المكتب الأميركي مطلع العام المقبل، تظل الأسئلة معلقة حول دروس أطول حرب خاضتها الولايات المتحدة، ومستقبل بلد يعيش اليوم على المساعدات في ظل سلطة طالبان التي قادت -بشكل مفارق- لإعادة النظر في كل ما أُنفق هناك طوال عقدين.