عربي21:
2025-12-12@10:01:17 GMT

الكيان المحتل وحتمية السقوط (1)

تاريخ النشر: 30th, January 2024 GMT

قد يبدو لكثير من الناس أن عبارة "تحرير فلسطين من البحر إلى النهر" لا تعدو كونها ضربا من الوهم أو البلاهة وقلة الدراية المصحوبة بالعواطف والأماني؛ ذلك أن هؤلاء يقيسون الأمور بمقاييس القوة المادية وموازين القوى، ولا أنكر أنها مقاييس أساسية يجب عدم إغفالها، إلا أنهم لا ينظرون إلى دورة التاريخ، ولا يتوقعون حدوث تغيرات في هذه الموازين، ولا يجيدون المقارنة بين الشعبين العربي واليهودي من حيث الفارق الكبير في العقيدة القتالية والقيم النضالية، والفارق في الروح المعنوية بين اللص وصاحب الأرض.

.

أدرك جيدا بل جيدا جدا أن الحسابات المادية تصب في صالح الكيان المحتل حتى اللحظة، لكنني أدرك أيضا أن ثمة حسابات أخرى لا بد من النظر إليها وتفحّصها والبناء عليها؛ فثمة دوائر خمس، تتشكل يوما بعد يوم، وهي على درجة من الأهمية لا بد من النظر إلى أبعادها بعين الوعي والإدراك، بعيدا عن الاستسلام للغطرسة والهمجية الصهيونية.

الدائرة الأولى: التشققات في جدار الكيان المحتل

بلغت الخلافات بين مختلف أطياف المجتمع الصهيوني، ومكوناته السياسية والعسكرية مبلغا كبيرا؛ فقد أصبح نتنياهو معزولا، وبات خصومه أكثر قدرة على مهاجمته وإخضاعه، وجعله صغيرا في عين الشعب اليهودي الذي بات ينظر إليه نظرة المسؤول المحتال والكذاب الذي يسعى فقط لتثبيت حكمه، والبقاء فيه أطول مدة ممكنة؛ هروبا من الاستحقاقات القضائية التي تنتظره، والتي قد تأخذه إلى السجن صاغرا؛ فهو مدان قانونيا، ومكروه شعبيا على نطاق واسع؛ لأسباب كثيرة أهمها تخليه عن الأسرى لدى المقاومة في غزة، وإصراره على إدامة فترة الحرب، ليدوم له البقاء في السلطة، على حساب سلامة الجنود وعودة الأسرى، وبسبب التعديلات التي أجراها على الهيكل القضائي بغية الهروب من الأحكام القضائية التي يضيق حبلها على عنقه يوما بعد يوم على الرغم من التغيرات التي حاول إحداثها في الهيكل القضائي.

ثمة احتمال أن تؤدي هذه الخلافات بين طائفة كبيرة من الشعب اليهودي مدعومة بطبقة من السياسيين العلمانيين المناوئين لمعسكر نتنياهو المدعوم بالأحزاب اليمينية المتطرفة، إلى حرب أهلية، أو فوضى سياسية عارمة، بعد انتهاء العدوان على قطاع غزة، لا سيما حين يخرج الفلسطينيون منتصرين على الرغم من الدمار المادي الذي حاق بهم؛ ففي حين نجد المقاومة بكل أطيافها على قلب رجل واحد؛ نجد في المقابل تشتتا كبيرا في التركيبتين السياسية والاجتماعية للكيان المحتل، وهو مما يضعفه ويقلل من قدرته على التعامل مع المقاومة الفلسطينية التي تتسم بالصبر والعناد والقدرة على التضحية التي لا يحتملها الجانب الآخر.

الكيان اليوم منقسم على ذاته فيما يتعلق بوقف الحرب وتبادل الأسرى، ففي حين لا تتوقف الاحتجاجات والتظاهرات والقصف الإعلامي المتبادل، يزداد التفاف الشعب الفلسطيني حول مقاومته رغم الخسارات الكبرى في الأرواح والبنية التحتية وهدم البيوت ومعاناة الجوع والعطش وانهيار القطاع الصحي. وإذا ما أضفنا إلى ذلك تصريحات ساسة الكيان ومفكريه ومؤرخيه عن اقتراب نهاية الكيان، وما ينتج عنه من اهتزاز الثقة بإمكانية العيش الآمن في ظل الخوف والقلق من القادم، وفي المقابل الأثر الإيجابي على الروح المعنوية للفلسطينيين؛ فإننا نضيف عاملا مهما من عوامل الانهيار المرتقب لهذا الكيان.

الدائرة الثانية: داعمو الكيان وحلفاؤه:

بعد طوفان الأقصى، تغيرت كثير من المعادلات، وانقلبت كثير من الموازين؛ فلأول مرة تطفو القضية الفلسطينية على سطح الكرة الأرضية، فتصير الشغل الشاغل لحكومات العالم وشعوبها ومؤسساتها الدولية والمحلية، ولتفرض نفسها بقوة على الصفحات الأولى للصحف والمجلات وشاشات التلفزة والإذاعات، ولأول مرة تغير بعض الدول سياساتها وبرامجها المتعلقة بفلسطين، بحيث باتت كثير من الدول التي ظلت تصطف إلى جانب الكيان المحتل، تقف منه موقفا مغايرا. فبعد نحو 40 يوما من طوفان الأقصى، قام رؤساء وزراء كل من إسبانيا وإيرلندا وبلجيكا ومالطا، بتوجيه رسالة تطالب بهدنة إنسانية تنهي الحرب في قطاع غزة، وبعد أيام قليلة من هذه الدعوة انعقدت جلسة الأمم المتحدة للتصويت على مشروع قرار لوقف العدوان، صوتت لصالحه 153 دولة، وعارضته 10 دول، وامتنعت عن التصويت 23 دولة.

ولم يكن ذلك ليحدث لولا أن القضية الفلسطينية اتخذت شكلا مختلفا واكتسبت حضورا طاغيا، بفعل معركة طوفان الأقصى التي أذلت الكيان، ثم بفعل الدمار والقتل الذي تمارسه قوات الاحتلال نوعا من الانتقام من الأطفال والنساء، علما بأن معظم دول أوروبا هي الآن ضد استمرار الحرب، ومن غير المستبعد أن تبدأ كثير من دول أوروبا بالتخلي عن الكيان المحتل شيئا فشيئا، بعد أن بدا لها إجرامه وإصراره على مواصلة قتل المدنيين الفلسطينيين..

وإذا نظرنا إلى الدعوة المقدمة أمام المحكمة الدولية في لاهاي، فإننا نرى مشهدا لم نره من قبل، فقد فضحت الدعوة المرفوعة، بشكل سافر، أكاذيب الاحتلال وإجرامه وتنكيله بالأطفال والنساء واستهدافه للمستشفيات والمدارس والمساجد والبيوت والبنية التحتية وتجويع المدنيين وإعطاشهم، ومنع الدواء والعلاج عنهم، وحرمانهم من أبسط مستلزمات الحياة كالكهرباء والوقود وخدمة الإنترنت، هذا إذا استثنينا خداعهم للمدنيين وملاحقتهم في الشمال والجنوب على حد سواء، بعد أن أقنعتهم بأن الرحيل إلى الجنوب سيؤمن لهم سلامتهم وسلامة أبنائهم..

إلى ذلك؛ فإن الغالبية العظمى من دول العالم اليوم تقف موقفا مؤيدا لوقف العدوان على قطاع غزة، وكل هذه الدول، بما فيها الولايات المتحدة، تطالب بحل الدولتين، الذي لم يعد يلبي رغبات الفلسطينيين بعد طوفان الأقصى الذي عزز في نفوس الفلسطينيين بخاصة، والعرب والمسلمين بعامة فكرة تحرير كل فلسطين من البحر إلى النهر، وزين هذه الفكرة في عيونهم، وباتوا يرونها أمرا ممكنا بل ربما متحققا ولا ينقصه إلا القليل من الوقت..

يتبع..

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه فلسطين نتنياهو إسرائيل فلسطين نتنياهو طوفان الاقصي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة رياضة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الکیان المحتل طوفان الأقصى کثیر من

إقرأ أيضاً:

المحافظات المحتلّة.. بين هيمنة السعودية وسطوة الإمارات صراع يهدد بالانهيار

الثورة نت | تقرير ـ هاشم الأهنومي

منذ سنوات، تعيش المحافظات الجنوبية والشرقية الخاضعة للاحتلال حالة غير مسبوقة من التمزق، بعدما تحوّلت إلى ساحة مفتوحة لصراع النفوذ بين السعودية والإمارات، في هذا الواقع، تتعدد أدوات الاحتلال، وتتكاثر أذرعه العسكرية، فيما يجد المواطن نفسه محاصرًا بين مشاريع خارجية متناقضة، يتحمل وحده كلفة الفوضى والانهيار.

لم يتشكل هذا المشهد فجأة، بل جاء نتيجة تراكم طويل لتحركات الاحتلال وأدواته من المرتزقة الذين فقدوا أي صلة بالمصلحة الوطنية.

هيمنة سعودية.. مشروع يمتد من الحدود إلى البحر

حين بدأت القوات السعودية التوسع في حضرموت والمهرة، كان المشهد أقرب إلى عملية إحلال كاملة للنفوذ المحلي، النقاط العسكرية ظهرت على الطرق الحيوية، والمنافذ البرية تحوّلت إلى مراكز يديرها ضباط سعوديون مباشرة، بينما تراجع المرتزقة الموالون للرياض إلى أدوار هامشية لا تتجاوز تنفيذ التعليمات.

ومع مرور الوقت، أصبح الهدف السعودي أوضح: مشروع نفوذ ممتد من حدودها إلى بحر العرب، يضمن لها السيطرة على خطوط التجارة الدولية، ويحوّل المحافظات الشرقية إلى منطقة نفوذ أمنية واقتصادية تخضع لإدارة سعودية مباشرة، بعيدًا عن أي اعتبارات وطنية أو سيادية.

سطوة إماراتية.. مليشيات تصنع قواعد النفوذ

على الضفة الأخرى، رسمت الإمارات مسارًا أكثر عدوانية في عدن وشبوة وسقطرى، لم تعتمد على قواتها النظامية فقط، بل أنشأت مليشيات خاصة تعمل خارج الإطار، وتدين بالولاء الكامل لأبوظبي، هذه المليشيات أصبحت هي صاحبة القرار الفعلي، والمرتزقة مجرد واجهة شكلية.

تغيّر كل شيء في المحافظات التي تقع تحت السطوة الإماراتية، الموانئ تُدار من غرف عمليات خارجية، المطارات تُغلق وتُفتح بأوامر إماراتية، والتحركات العسكرية تتم وفق أجندة لا علاقة لها بمصلحة اليمن، وهكذا تحوّلت كل محافظة إلى “إقطاعية” منفصلة عن الأخرى، يهيمن عليها طرف خارجي ويتحكم بها كما يشاء.

محافظات تتقاذفها مشاريع الاحتلال

لم يعد التنافس بين السعودية والإمارات مجرد خلاف سياسي؛ فقد انتقل إلى الأرض على شكل صدامات مسلحة بين أدواتهما، ففي عدن، تتبدل السيطرة على المقرات والمعسكرات تبعًا لمزاج أبوظبي والرياض.

وفي شبوة، تتجدد المواجهات كلما حاولت إحدى الدولتين توسيع مجال نفوذها.

وفي أبين، تتعايش تشكيلات المرتزقة كمراكز قوى مستقلة، لا يجمعها مشروع مشترك سوى خدمة المحتل.

وتؤدي هذه المعادلة إلى فراغ شامل؛ المرتزقة ليسوا سلطة شرعية، والمحتل لا يهتم ببناء مؤسسات، والناس يعيشون بلا أمن ولا خدمات ولا مستقبل واضح.

تدهور الخدمات.. سردية الانهيار الذي يعيشه المواطن 

في المحافظات المحتلة، لا يحتاج أحد لسماع خطاب سياسي لفهم حجم التدهور؛ فالحياة اليومية هي الدليل الأقوى، كهرباء منهارة، مياه مقطوعة، غياب للأمن، وتفشي للجرائم والاختطافات.

وفي عزّ الصيف، تتحول عدن إلى مدينة خانقة بسبب الانقطاع المتواصل للكهرباء، بينما يعجز المرتزقة عن تقديم أي تفسير أو حل، كل ذلك لا يعكس فشل الإدارة فقط، بل انهيار شامل ناتج عن تعدد المليشيات وتضارب مصالح المحتلين، وغياب أي سلطة وطنية حقيقية.

عدن.. مدينة تحكي قصة الاحتلال 

عدن بما تحمله من رمزية وطنية، تعيش اليوم أكثر مراحلها قتامة، خريطة السيطرة داخل المدينة تتبدل بشكل مستمر، تبعًا للصراع السعودي الإماراتي.. المرتزقة يتحركون على وقع الأوامر الخارجية، بينما تتحول المدينة إلى مسرح مفتوح للفوضى.

سلطات متداخلة، مليشيات متقاتلة، وقرارات لا تُتخذ داخل اليمن أصلًا، بهذا الشكل، تغدو عدن المرآة الأكثر وضوحًا لحقيقة الاحتلال وتبعاته.

المهرة وحضرموت.. مخاوف تتعاظم 

في المهرة، يشهد المواطنون تحوّل محافظتهم الهادئة إلى قاعدة متقدمة للنفوذ السعودي، قواعد عسكرية، نقاط تفتيش، سيطرة على المنافذ، وانتشار معدات ثقيلة في مناطق حساسة.. تتلاشى سلطة المرتزقة كليًا، بينما تتقدم الرياض لتفرض واقعًا جديدًا يمس الهوية الاجتماعية والسياسية للمحافظة.

أما حضرموت، فتمثل واحدة من أعقد ساحات الصراع؛ حيث تتقاطع مشاريع الاحتلال السعودي والإماراتي، وتتنافس المليشيات التابعة لهما على المعسكرات والمواقع النفطية، فيما يعيش المواطن حالة رعب دائم من انفجار المواجهات.

سقطرى.. الجزيرة التي صودرت هويتها

سقطرى أصبحت نموذجًا صارخًا للاحتلال الإماراتي المباشر، الجزيرة التي كانت رمزًا للطبيعة والهدوء باتت تُدار اليوم كما لو كانت جزءًا من مشروع اقتصادي إماراتي خاص:المطار والميناء والمقار الحكومية جميعها تحت إدارة مليشيات تتلقى تعليماتها من أبوظبي.

لم يكن التغيير تدريجيًا؛ بل حدث بسرعة خاطفة صادرت هوية الجزيرة، وغيّرت تركيبتها الإدارية والاجتماعية بالكامل، بينما المرتزقة يكتفون بدور المتفرج.

مستقبل مجهول ومحافظات على حافة الانهيار

المحافظات المحتلة لا تعيش مجرد اضطراب سياسي، بل انهيارًا شاملًا صنعه الاحتلال وأدواته من المرتزقة، الدولة غائبة، القرار الوطني مصادَر، القوى الخارجية تتحكم بكل تفاصيل الحياة، والاقتصاد ينهار بفعل النهب المنظم للثروات، وكلما اشتد الصراع بين السعودية والإمارات، ازداد الوضع سوءًا وارتفعت احتمالات الانفجار الأمني والاجتماعي، ما يجعل مستقبل تلك المحافظات مهددًا طالما بقي قرارها بيد المحتل.

مقالات مشابهة

  • مقتل شاب بجريمة إطلاق نار في الداخل
  • مسير ومناورة لخريجي دورات” طوفان الأقصى” في حرض بحجة
  • “حماس” تدين بشدة قرار حكومة بوليفيا استعادة علاقاتها الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني
  • عينُ المحتل الثالثة
  • شهداء الحركة الرياضية .. الحلقة 379 (زين نصر)
  • أمة الأرق.. دراسة: كيف أثر طوفان الأقصى على نوم الإسرائليين؟
  • إيرواني: يجب على العالم أن يتحرك بحزم لإنهاء الإبادة الجماعية التي يرتكبها الكيان الصهيوني في غزة
  • المحافظات المحتلّة.. بين هيمنة السعودية وسطوة الإمارات صراع يهدد بالانهيار
  • مقتل شاب بجريمة إطلاق نار بالداخل المحتل
  • مصطفى بكري يهاجم ساويرس بعد زيارته الكيان الصهيوني: لقاء القتلة الملوثة أيديهم بالدم «عار وفضيحة»