عربي21:
2025-06-25@15:55:08 GMT

الكيان المحتل وحتمية السقوط (1)

تاريخ النشر: 30th, January 2024 GMT

قد يبدو لكثير من الناس أن عبارة "تحرير فلسطين من البحر إلى النهر" لا تعدو كونها ضربا من الوهم أو البلاهة وقلة الدراية المصحوبة بالعواطف والأماني؛ ذلك أن هؤلاء يقيسون الأمور بمقاييس القوة المادية وموازين القوى، ولا أنكر أنها مقاييس أساسية يجب عدم إغفالها، إلا أنهم لا ينظرون إلى دورة التاريخ، ولا يتوقعون حدوث تغيرات في هذه الموازين، ولا يجيدون المقارنة بين الشعبين العربي واليهودي من حيث الفارق الكبير في العقيدة القتالية والقيم النضالية، والفارق في الروح المعنوية بين اللص وصاحب الأرض.

.

أدرك جيدا بل جيدا جدا أن الحسابات المادية تصب في صالح الكيان المحتل حتى اللحظة، لكنني أدرك أيضا أن ثمة حسابات أخرى لا بد من النظر إليها وتفحّصها والبناء عليها؛ فثمة دوائر خمس، تتشكل يوما بعد يوم، وهي على درجة من الأهمية لا بد من النظر إلى أبعادها بعين الوعي والإدراك، بعيدا عن الاستسلام للغطرسة والهمجية الصهيونية.

الدائرة الأولى: التشققات في جدار الكيان المحتل

بلغت الخلافات بين مختلف أطياف المجتمع الصهيوني، ومكوناته السياسية والعسكرية مبلغا كبيرا؛ فقد أصبح نتنياهو معزولا، وبات خصومه أكثر قدرة على مهاجمته وإخضاعه، وجعله صغيرا في عين الشعب اليهودي الذي بات ينظر إليه نظرة المسؤول المحتال والكذاب الذي يسعى فقط لتثبيت حكمه، والبقاء فيه أطول مدة ممكنة؛ هروبا من الاستحقاقات القضائية التي تنتظره، والتي قد تأخذه إلى السجن صاغرا؛ فهو مدان قانونيا، ومكروه شعبيا على نطاق واسع؛ لأسباب كثيرة أهمها تخليه عن الأسرى لدى المقاومة في غزة، وإصراره على إدامة فترة الحرب، ليدوم له البقاء في السلطة، على حساب سلامة الجنود وعودة الأسرى، وبسبب التعديلات التي أجراها على الهيكل القضائي بغية الهروب من الأحكام القضائية التي يضيق حبلها على عنقه يوما بعد يوم على الرغم من التغيرات التي حاول إحداثها في الهيكل القضائي.

ثمة احتمال أن تؤدي هذه الخلافات بين طائفة كبيرة من الشعب اليهودي مدعومة بطبقة من السياسيين العلمانيين المناوئين لمعسكر نتنياهو المدعوم بالأحزاب اليمينية المتطرفة، إلى حرب أهلية، أو فوضى سياسية عارمة، بعد انتهاء العدوان على قطاع غزة، لا سيما حين يخرج الفلسطينيون منتصرين على الرغم من الدمار المادي الذي حاق بهم؛ ففي حين نجد المقاومة بكل أطيافها على قلب رجل واحد؛ نجد في المقابل تشتتا كبيرا في التركيبتين السياسية والاجتماعية للكيان المحتل، وهو مما يضعفه ويقلل من قدرته على التعامل مع المقاومة الفلسطينية التي تتسم بالصبر والعناد والقدرة على التضحية التي لا يحتملها الجانب الآخر.

الكيان اليوم منقسم على ذاته فيما يتعلق بوقف الحرب وتبادل الأسرى، ففي حين لا تتوقف الاحتجاجات والتظاهرات والقصف الإعلامي المتبادل، يزداد التفاف الشعب الفلسطيني حول مقاومته رغم الخسارات الكبرى في الأرواح والبنية التحتية وهدم البيوت ومعاناة الجوع والعطش وانهيار القطاع الصحي. وإذا ما أضفنا إلى ذلك تصريحات ساسة الكيان ومفكريه ومؤرخيه عن اقتراب نهاية الكيان، وما ينتج عنه من اهتزاز الثقة بإمكانية العيش الآمن في ظل الخوف والقلق من القادم، وفي المقابل الأثر الإيجابي على الروح المعنوية للفلسطينيين؛ فإننا نضيف عاملا مهما من عوامل الانهيار المرتقب لهذا الكيان.

الدائرة الثانية: داعمو الكيان وحلفاؤه:

بعد طوفان الأقصى، تغيرت كثير من المعادلات، وانقلبت كثير من الموازين؛ فلأول مرة تطفو القضية الفلسطينية على سطح الكرة الأرضية، فتصير الشغل الشاغل لحكومات العالم وشعوبها ومؤسساتها الدولية والمحلية، ولتفرض نفسها بقوة على الصفحات الأولى للصحف والمجلات وشاشات التلفزة والإذاعات، ولأول مرة تغير بعض الدول سياساتها وبرامجها المتعلقة بفلسطين، بحيث باتت كثير من الدول التي ظلت تصطف إلى جانب الكيان المحتل، تقف منه موقفا مغايرا. فبعد نحو 40 يوما من طوفان الأقصى، قام رؤساء وزراء كل من إسبانيا وإيرلندا وبلجيكا ومالطا، بتوجيه رسالة تطالب بهدنة إنسانية تنهي الحرب في قطاع غزة، وبعد أيام قليلة من هذه الدعوة انعقدت جلسة الأمم المتحدة للتصويت على مشروع قرار لوقف العدوان، صوتت لصالحه 153 دولة، وعارضته 10 دول، وامتنعت عن التصويت 23 دولة.

ولم يكن ذلك ليحدث لولا أن القضية الفلسطينية اتخذت شكلا مختلفا واكتسبت حضورا طاغيا، بفعل معركة طوفان الأقصى التي أذلت الكيان، ثم بفعل الدمار والقتل الذي تمارسه قوات الاحتلال نوعا من الانتقام من الأطفال والنساء، علما بأن معظم دول أوروبا هي الآن ضد استمرار الحرب، ومن غير المستبعد أن تبدأ كثير من دول أوروبا بالتخلي عن الكيان المحتل شيئا فشيئا، بعد أن بدا لها إجرامه وإصراره على مواصلة قتل المدنيين الفلسطينيين..

وإذا نظرنا إلى الدعوة المقدمة أمام المحكمة الدولية في لاهاي، فإننا نرى مشهدا لم نره من قبل، فقد فضحت الدعوة المرفوعة، بشكل سافر، أكاذيب الاحتلال وإجرامه وتنكيله بالأطفال والنساء واستهدافه للمستشفيات والمدارس والمساجد والبيوت والبنية التحتية وتجويع المدنيين وإعطاشهم، ومنع الدواء والعلاج عنهم، وحرمانهم من أبسط مستلزمات الحياة كالكهرباء والوقود وخدمة الإنترنت، هذا إذا استثنينا خداعهم للمدنيين وملاحقتهم في الشمال والجنوب على حد سواء، بعد أن أقنعتهم بأن الرحيل إلى الجنوب سيؤمن لهم سلامتهم وسلامة أبنائهم..

إلى ذلك؛ فإن الغالبية العظمى من دول العالم اليوم تقف موقفا مؤيدا لوقف العدوان على قطاع غزة، وكل هذه الدول، بما فيها الولايات المتحدة، تطالب بحل الدولتين، الذي لم يعد يلبي رغبات الفلسطينيين بعد طوفان الأقصى الذي عزز في نفوس الفلسطينيين بخاصة، والعرب والمسلمين بعامة فكرة تحرير كل فلسطين من البحر إلى النهر، وزين هذه الفكرة في عيونهم، وباتوا يرونها أمرا ممكنا بل ربما متحققا ولا ينقصه إلا القليل من الوقت..

يتبع..

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه فلسطين نتنياهو إسرائيل فلسطين نتنياهو طوفان الاقصي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة رياضة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الکیان المحتل طوفان الأقصى کثیر من

إقرأ أيضاً:

من طوفان الأقصى إلى الأسد الصاعد: دروس وعبر في مواجهة المشروع الصهيوني

منذ انطلاقة معركة طوفان الأقصى التي أطلقتها حركة حماس ضد الكيان الصهيوني في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، إلى العدوان الاسرائيلي على الجمهورية الإسلامية الإيرانية في الثالث عشر من حزيران/ يونيو الحالي باسم الأسد الصاعد، والصراع مع العدو الصهيوني المدعوم أمريكيا يشهد تطورات متسارعة شملت المنطقة والعالم، وحتى لو تم الالتزام الكامل بوقف إطلاق النار بين العدو الصهيوني وإيران، فإن ذلك لا يعني أن الصراع انتهى وأن المعركة انتهت، فالصراع لم يبدأ مع معركة طوفان الأقصى ولن ينتهي مع توقف العدوان على الجمهورية الإسلامية الإيرانية وردها على هذا العدوان، فالصراع بدأ منذ قيام هذا الكيان الصهيوني المدعوم من القوى الغربية ومنذ وعد بلفور البريطاني، مرورا بكل الحروب والمحطات التاريخية في هذا الصراع.

وقد يكون لشهر حزيران/ يونيو حصة وازنة من هذه المحطات، ففي حزيران/ يونيو 1967 شهدنا حرب الأيام الستة ضد سوريا ومصر والأردن والتي انتهت باحتلال القدس الشرقية والضفة الغربية وغزة وسيناء والجولان، وفي حزيران/ يونيو من العام 1982 شهدنا الحرب على لبنان والتي انتهت باحتلال قسم كبير من الأراضي اللبنانية وصولا للعاصمة بيروت، وخروج قوات منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان وكذلك خروج الجيش السوري من العديد من المناطق اللبنانية، وإن كان هذا العدوان قد أدى إلى نشوء المقاومة الإسلامية والوطنية اللبنانية والتي حررت الأراضي اللبنانية وغيرت مجرى الصراع.

إلى أين ستتجه الأوضاع في المرحلة المقبلة؟ وما هي مهمات القوى الوطنية والإسلامية وقوى المقاومة في مواجهة المشروع الصهيوني- الأمريكي؟
واليوم نشهد فصلا جديدا من هذا الصراع والذي وصل إلى إيران من خلال العدوان الإسرائيلي-الأمريكي المشترك ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، عبر عمليات متنوعة جمعت الجوانب الأمنية والعسكرية والسياسية والإعلامية، وكان مخططا لها لإسقاط النظام مع تدمير المنشآت النووية والمنظومات الصاروخية، إضافة للاغتيالات للقادة العسكريين والأمنيين والعلماء النوويين. واستغل العدو الصهيوني قدرته الأمنية في اختراق البيئة الإيرانية عبر شبكات العملاء لتحقيق ضربات قاسية ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

وكان لأمريكا دور فاعل في هذا العدوان عبر قصف المنشآت النووية، لكن الجمهورية الإسلامية نجحت في إقامة توازن رعب مع العدو الصهيوني وصولا لاستهداف القاعدة الأمريكية في قطر. وهذه الحرب القاسية التي عشناها خلال الأسبوعين الماضيين كشفت الكثير من الثغرات في الجوانب العسكرية والأمنية، ولكنها أفرزت نتائج مهمة ستكون لها تداعياتها الكبرى في هذا الصراع المستمر، والذي لا ينتهي بوقف إطلاق للنار أو أي اتفاق طالما أن هذا الكيان الصهيوني قائم وأن العدوان على الشعب الفلسطيني مستمر، وطالما أن العدالة مفقودة في فلسطين المحتلة.

لكن إلى أين ستتجه الأوضاع في المرحلة المقبلة؟ وما هي مهمات القوى الوطنية والإسلامية وقوى المقاومة في مواجهة المشروع الصهيوني- الأمريكي؟

على ضوء ما جرى خلال الأسبوعين الماضيين فإن هناك جملة ملاحظات وعبر ودروس يمكن وضعها بشكل أولي، وإن كنا بحاجة لدراسات موسعة لكل التطورات لوضع رؤية مستقبلية لكل القوى المعنية بهذا الصراع.

ومن هذه الدروس والعبر والمهمات المطلوبة في المرحلة المقبلة:

أولا: أن هذا المشروع الصهيوني- الأمريكي لا يستهدف فقط تصفية القضية الفلسطينية أو القضاء على قوى المقاومة، بل يريد منع قيام أية قوة أو دولة في المنطقة تمتلك قدرات نووية أو تكنولوجية أو عسكرية يمكن أن تشكل خطرا على هذا الكيان، وأن الحرب لن تقتصر على إيران بل تشمل دولا كبرى أخرى في المنطقة وخصوصا تركيا وباكستان.

ثانيا: كشفت هذه الحرب حجم الثغرات الأمنية والعسكرية في إيران رغم كل التقدم والقدرات التي تتمتع بها، وهي تضاف إلى الثغرات الأمنية التي برزت خلال الحرب على لبنان، إضافة للتطور التكنولوجي الكبير الذي يتمتع به العدو الصهيوني، وهذا يتطلب مراجعة شاملة للأداء من أجل معالجة الثغرات في المرحلة المقبلة.

مواجهة المشروع الصهيوني- الأمريكي ستدخل مرحل جديدة بعد كل هذه التطورات المتسارعة منذ معركة طوفان الأقصى إلى اليوم، وهذا يتطلب إجراء مراجعة شاملة لكل ما جرى، ووضع استراتيجية مشتركة لقوى المقاومة في كل المنطقة؛ لأنه لا يمكن لجبهة واحدة حسم الصراع، ونحتاج لمشروع موحد ومتكامل
ثالثا: نجحت الجمهورية الإسلامية الإيرانية في توجيه ضربات قاسية للكيان الصهيوني رغم الضربات القاسية التي تعرضت لها، ووضعت توازن رعب في هذا الصراع، وكل ذلك ستكون له تداعياته المستقبلية على هذا الصراع.

رابعا: إن خوض إيران المباشر لهذا الصراع ردا على العدوان الذي تعرضت له أدى إلى التفاف عربي وإسلامي حول الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ولو على صعيد المواقف السياسية والإعلامية، وتراجعت الخلافات السياسية والمذهبية، وهذا يمكن أن يؤسس لعلاقات مستقبلية جديدة بين إيران والقوى الإسلامية وكذلك على صعيد العالم العربي والإسلامي.

خامسا: إن امتلاك القدرات الصاروخية والعسكرية والتكنولوجية غير التقليدية هو العامل الوحيد الذي يمكن أن يؤدي لوقف أي عدوان، مع الأخذ بعين الاعتبار التطورات العلمية المستمرة، وهذا يتطلب مراجعة شاملة للمواجهة في المرحلة المقبلة.

سادسا: إن مواجهة المشروع الصهيوني- الأمريكي ستدخل مرحل جديدة بعد كل هذه التطورات المتسارعة منذ معركة طوفان الأقصى إلى اليوم، وهذا يتطلب إجراء مراجعة شاملة لكل ما جرى، ووضع استراتيجية مشتركة لقوى المقاومة في كل المنطقة؛ لأنه لا يمكن لجبهة واحدة حسم الصراع، ونحتاج لمشروع موحد ومتكامل على كافة الأصعدة.

هذه بعض الخلاصات والعبر الأولية التي يمكن استنتاجها بشكل أولي وبعض المهمات المطلوبة في المرحلة المقبلة، وإن كنا بحاجة لدراسات أعمق لكل ما جرى منذ معركة طوفان الأقصى إلى عملية الأسد الصاعد وما تلاها من معارك مواجهات، والصراع مستمر ولن يتوقف مع وقف إطلاق النار أو توقف إحدى الجبهات عن القتال المباشر.

x.com/kassirkassem

مقالات مشابهة

  • تدشين المرحلة الثامنة من دورات التعبئة في محافظة حجة
  • من طوفان الأقصى إلى الأسد الصاعد: دروس وعبر في مواجهة المشروع الصهيوني
  • مسيران لخريجي دورات “طوفان الأقصى” في عزلتين بمديرية المشنة بإب
  • آي صاغة : هدنة الكيان المحتل وإيران تضعف الطلب على الذهب
  • ارتفاع الأسهم الآسيوي بعد إعلان وقف إطلاق النار بين إيران والكيان المحتل
  • أمل سلامة: تكاتف القوى الوطنية في 30 يونيو جنبنا السقوط في فخ الإرهاب
  • في التقييم.. جبهة المقاومة منذ طوفان الأقصى
  • انقطاع الكهرباء عن ثمانية آلاف منزل في أسدود بفعل الصواريخ الإيرانية
  • الاقتصاد العالمي و الضربة العسكرية الأمريكية على المفاعلات النووية الإيرانية
  • حدود النار والسيادة.. بين كسر الهيمنة أو السقوط في فخ المساومة