هناك أناس أشقياء في هذه الدنيا يختارون لأنفسهم حياة الذلّ والهوان، ويتجرّدون كليا من الدين والأخلاق والضمير ومن قيم العزة والأنفة والشهامة والكرامة، ويرضون بالعيش عبيدا لمن يحتل أوطانهم ويستمرئون لعق أحذيتهم، ويحملون السّلاح دفاعا عنهم، من دون أن ينتابهم أيّ شعور بالعار والخزي ممّا يقترفونه من خيانة لبلدانهم وشعوبهم، ثم يختمون حياتهم الذليلة الحقيرة بالموت في سبيل المحتلّين!
هذا ما وقع لخونة وعملاء كثيرين في تاريخنا العربي والإسلامي، ومن أشهرهم خونة الثورة الجزائرية المعروفين باسم “الحركى”، و”فصائل السلام” الفلسطينية التي تعاونت مع الاحتلال البريطاني لإخماد ثورة عز الدين القسام سنة 1936، و”جيش لبنان الجنوبي” الذي كان يحارب المقاومين اللبنانيين لتأبيد الاحتلال الصهيوني لبلده، و”الجيش الأفغاني” الذي كان يقاتل إلى جانب جيش الاحتلال الأمريكي إلى غاية انسحابه في ماي 2021، والأمثلة كثيرة…
وعلى المنوال ذاته برزت منذ أشهر عديدة أسماء ياسر أبو شباب والأسطل وغسّان الدهيني وغيرهم من الخونة الأنذال الذين أنشأوا ميليشيات وحملوا السّلاح لمحاربة المقاومة في غزة وتنفيذ خطة الاحتلال لإيجاد عملاء يشكّلون بدائل محلّية لحكم “حماس”…
ولأنّ مصير العملاء غالبا ما يكون القتل، مهما طال الزمن، فقد قُتل الخائن ياسر أبو شباب في ظروفٍ لا تزال غير معروفة، وأدخل الخبر السعيد الفرحة على قلوب الفلسطينيين إلى درجة أنّ بعضهم احتفل به بتوزيع الحلوى في غزة؛ فالرجل خانهم ببرودة دم كبيرة، وأنشأ ميليشيا للدفاع عن الاحتلال سمّاها “القوات الشعبية؟!”، ولم يكترث بالدعوات المتكرِّرة التي وجّهتها له قبيلته “الترابين” إلى التوبة والعودة إلى الاصطفاف بجانب شعبه بدل العمالة لاحتلالٍ فاشي مجرم ارتكب أبشع المذابح بحقّ أهله الفلسطينيين طيلة سنتين من حرب الإبادة الوحشية، وقتل 70 ألفًا منهم، ودمّر 90 بالمائة من غزة وحوّلها إلى منطقة غير صالحة للحياة.
ذلك يعدّ دلالة واضحة على مدى مقت الفلسطينيين للخونة والعملاء، ورصد الأوقات المناسبة لتصفيتهم بأيّ وسيلة
وسواء كانت “حماس” وراء مقتل أبو شباب أو عشيرته التي أرادت غسل هذا العار الذي لحق بها أو جهة أخرى، فإنّ مقتله كان حتميّا بعد أن أصرّ على خيانة وطنه وساهم في ارتكاب الكثير من الجرائم بحقّ الفلسطينيين، فضلا عن نهبه للعشرات من شاحنات المساعدات التي دخلت غزة وأعاد بيع سلعها في السوق بأسعار خيالية، ليساهم بذلك في تجويع أهله الفلسطينيين، من دون أيّ رحمة أو شفقة.
مقتلُ أبو شباب هو ضربة موجعة للعدوّ الذي راهن على إقامة حكم عميل له في غزة بدلا من حكم “حماس”، وحرص على تسليح هذه الميليشيا ومنحها مناطق نفوذ في رفح وغيرها للانطلاق منها في الإغارة على قوافل المساعدات ومواجهة عناصر المقاومة.
لكنّ الفلسطينيين ثاروا على قائد هذه الميليشيا وأعدموه بأنفسهم إيذانا منهم برفض أيّ حكم عميل يفرضه الاحتلال عليهم، وأنّه لن يحكم غزة إلا أبناؤها الوطنيون المخلصون، والمصير ذاته سيلاقيه -مهما طال الوقت- خلفه غسان الدهيني الذي تورّط في قتل العديد من الفلسطينيين والتمثيل بجثامينهم في صور تنضح وحشية وإجراما.
وإذا صحّت الرواية الصهيونية بأن أبو شباب قد تعرّض للضرب المبرّح حتى الموت على أيدي أفراد إحدى القبائل بغزة، فإنّ ذلك يعدّ دلالة واضحة على مدى مقت الفلسطينيين للخونة والعملاء، ورصد الأوقات المناسبة لتصفيتهم بأيّ وسيلة، ولذلك سينتصرون حتما كما انتصر الجزائريون على الاحتلال الفرنسي في 5 جويلية 1962 بعد أن صفّوا الكثير من الخونة “الحركى” في سنوات الثورة في الوقت ذاته الذي كانوا يحاربون فيه الاستعمار، فإذا كانت لديك 10 رصاصات، فوجّه منها 9 إلى رؤوس العملاء وواحدة فقط للعدوّ، كما قال الزعيم أحمد بن بلة، رحمه الله.
إنّها شرّ موتة ينالها العميل أبو شباب الذي ضلّ الطريق واختار أن يقاتل في سبيل الاحتلال ويموت دفاعا عنه، حقيرا ذليلا، بدل أن يقاتل في سبيل وطنه ويرتقي شهيدا مرفوع الرأس، فخسر بذلك شبابه وحياته (من مواليد 1990) هدرًا من أجل عدوٍّ متوحِّش مجرم فاشي نكّل بأبناء شعبه بشكلٍ لم يشهده التاريخ، فليكن في مقتله عبرة لجميع الخونة لعلّهم يتّعظون ويثوبون إلى رشدهم قبل فوات الأوان.
الشروق الجزائرية
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه الاحتلال المقاومة غزة غزة الاحتلال المقاومة ابو شباب مقالات مقالات مقالات مقالات رياضة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة أبو شباب فی سبیل
إقرأ أيضاً:
ما الذي أخر التنفيذ؟.. الكشف عن مخطط اجتياح غزة واغتيال السنوار والضيف قبل 7 أكتوبر
تتواصل التسريبات داخل مؤسسات الاحتلال الإسرائيلي، لتكشف هذه المرة عن خطط سرية كانت تهدف إلى اغتيال كبار قادة حركة حماس في قطاع غزة، قبل أشهر من عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
فقد نقلت صحيفة يديعوت أحرونوت شهادات لضباط بارزين في جيش الاحتلال قُدمت إلى لجنة تورجمان، التي راجعت خلال الأشهر الماضية إخفاقات المؤسسة العسكرية، وتوضح أن خططاً مكتملة أُعدت لاغتيال يحيى السنوار ومحمد الضيف، إضافة إلى شن عدوان واسع على غزة، لكنها أُجِّلت ولم تُنفذ نتيجة اعتبارات سياسية وعسكرية داخلية.
وتشير الشهادات إلى أن قيادة المنطقة الجنوبية بلورت خططاً عملياتية دقيقة، تضمنت توصيات واضحة بالمبادرة إلى الاغتيالات، غير أن التركيز على الجبهة الشمالية، إلى جانب تمسك القيادة السياسية بقيادة بنيامين نتنياهو بعدم فتح مواجهة مع غزة خلال فترات التهدئة، أدى إلى تجميد كل المقترحات.
كما تكشف المعلومات التي ضبطها جيش الاحتلال في حواسيب تابعة لحماس داخل غزة، أن الحركة كانت قد وضعت خطة لتنفيذ هجوم كبير بين عيد الفصح العبري لعام 2023 وذكرى احتلال فلسطين، مستغلة الانقسام الداخلي العميق داخل المجتمع الإسرائيلي بسبب خطة تقويض الجهاز القضائي والاحتجاجات الواسعة التي رافقتها.
وبحسب ما اطّلعت عليه لجنة تورجمان، فقد نوقشت خطتان منفصلتان في تلك الفترة: الأولى لاغتيال السنوار والضيف فقط، والثانية أوسع نطاقاً بكثير، أعدّت بداية العقد الماضي وتتألف من أربع مراحل تبدأ باغتيال قيادات الصف الأول في حركة حماس، ثم قصف كل مواقع التعاظم العسكري المعروفة لدى الشاباك والاستخبارات العسكرية، يليها قصف جوي متدرج ضد المواقع الحيوية لحركتي حماس والجهاد الإسلامي، وتنتهي بدخول ثلاث فرق عسكرية (162 و36 و98) في مناورة برية محدودة لتدمير مناطق إطلاق الصواريخ.
وتوضح الشهادات أن المستوى السياسي في الاحتلال، وخاصة نتنياهو، كان يصرّ على إبقاء حركة حماس في الحكم داخل غزة، باعتبار أن ذلك يخدم استراتيجية طويلة المدى، ولذلك لم تكن الخطط تهدف إلى إسقاط حكم الحركة، بل إلى توجيه ضربات قاسية تُربكها وتردعها سنوات طويلة.
ورغم ذلك، رفضت هيئة الأركان العامة —وفق الضباط الذين أدلوا بشهاداتهم— كل المقترحات العملياتية خلال السنة والنصف التي سبقت "طوفان الأقصى"، وسط تقديرات استخباراتية اعتبرت أنها غير مناسبة للتنفيذ في تلك المرحلة.
© 2000 - 2025 البوابة (www.albawaba.com)
انضممت لأسرة البوابة عام 2023 حيث أعمل كمحرر مختص بتغطية الشؤون المحلية والإقليمية والدولية.
الأحدثترنداشترك في النشرة الإخبارية لدينا للحصول على تحديثات حصرية والمحتوى المحسن
اشترك الآن