في ميدان فلسطين.. عهدُ الأحرار باقٍ
تاريخ النشر: 3rd, February 2024 GMT
يمانيون/ بقلم/ عبد القوي السباعي/
إلى ميدان فلسطين.. أقصد ميدان السبعين بالعاصمة صنعاء، والذي أضحى ميدان فسطين بالفعل، ظننت أنّي كنت أول الواصلين إليه؛ لأكون في المقدمة وإلى جوار المنصة الخطابية، غير أني وجدت صعوبةً في حشرِ جسدي وسطَ طوفان بشري هائل؛ بمحاذاة ضريح الشهيد الرئيس الصماد، كنت أعتقد أن الملائكة فقط هي من تتنزل من السماء؛ لكني اليوم أدركت أَيْـضاً أن محبي فلسطين يتنزلون وينسلون من كُـلّ مكان.
في ميدان فلسطين؛ وخُصُوصاً بعد نداء السيد القائد، وقف التاريخ منبهراً؛ يتأمل هذه الحشود المتدفقة كالسيل، الزافرة حناجرها كالريح العاصف والمدوية صرخاتها كالطوفان، المتقدة هتافاتها غضباً والملتهبة حماساً كالبركان، والمستعدة بقضها وقضيضها للنداء القادم، في هتافٍ متوحد انطلق من ميدان فلسطين في صنعاء وتردّدت أصدائه في أكثر من مدينة حول العالم، مفادُهُ “الوفاء ما تغيّر عهد الأحرار باقٍ”.
هُنا.. وفي ميدان فلسطين؛ لا تلمحُ عيناك إلا هاماتٍ جُبلت على الوفاء والولاء، على المحبة والإخلاص، ولا تسمعُ أذناك سوى صرخاتٍ من أفواهٍ شغفها حُبٌّ للأرض الفلسطينية، وكأن أنوفهم تستنشق رائحة الأرض المقدسة، وألسنتهم تتذوق طعم الزيتون، وما عدت أعرف أكنت في اليمن أنا أم في فلسطين.
في ميدان فلسطين؛ يغمرني الفضولُ، عن كيفية رؤية العدوّ لهؤلاء القوم، كيف يقرأ خروج كُـلّ هذه الحشود؟ هل يدرك ما الذي يدفعهم للتقاطر إلى ساحات الاحتشاد بهذا الزخم وبهذه الروحية؟! هل تساءل يوماً عن ردة فعل هؤلاء؟ عن شدة غضبهم التي إن تم توجيه نقمتهم بتصعيدٍ أكبر من مُجَـرّد حضور فعالية وإطلاق هتافات؟؛ بل وإلى ما هو أبعد من ذلك بكثير؛ من سيقف في وجههم؟ من سيصمد أمام عنفوانهم؟ أية قوةٍ عالمية ستوقف زحف حممهم المتقدة سخطاً وغضباً على أمريكا وإسرائيل؟
في ميدان فلسطين؛ يتأكّـد لك أن هؤلاء لم يأتوا ليعبروا عن تضامنهم لغزة ثم يرحلوا، وكأن أمراً لم يكن، هؤلاء جاءوا لكي يزدادوا غضباً إلى غضبهم؛ يزدادوا سخطاً إلى سخطهم، هؤلاء ليسوا مُجَـرّد أرقام عادية حشرت إلى ميدان فلسطين للاستعراض، إنهم أعداد أولية من طوفان بشري سيغمرُ الأرض؛ إن لم يكن اليوم؛ ربما غداً، وسيلتحم ببراكين من الغضب الكامنة في أوساط الشعوب في الجزيرة العربية والخليج، من العراق شرقاً إلى المغرب العربي غرباً، طوفان بشري ثوري مُقاوم، لن يقتلع الوجود الأمريكي الغربي فحسب؛ بل ويقتلع كُـلّ جذوره وأدواته وأذنابه من المنطقة برمتها، بعد أن هيأ الله لهم القيادة الربانية الحرة والشجاعة والمنهج القويم.
في ميدان فلسطين؛ تدرك أن كُـلّ قطرة دمٍ سقطت على تراب غزة، صنعت في مسارنا النصر والكرامة والعزة، وأن كُـلّ دمعةٍ انسابت على تراب غزة، صنعت حروفًا وكلمات لا يمكن أن تجاريها قساوة ومرارة الألم، ولكنها في الوقت ذاته رسمت عنوان الصمود والثبات والرفض للاستسلام، وأسّست لبنات التحرّر الكامل للأرض والإنسان، وعبرت بكل فخر وأنفة عن التمسك بالقضية المركزية: الأرض والديار الفلسطينية والأقصى والمسرى المبارك والقدس الشريف..!
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: فی میدان فلسطین
إقرأ أيضاً:
الطفل بائع السمن والعسل
سالم بن نجيم البادي
الطفل يوسف يجلس في زاويةٍ على الشارع العام يبيع السمن والعسل واللومي اليابس.
وتظهر على وجهه علامات العوز والفاقَة، وهو ضئيل الجسد قصير القامة. وكلما شاهد سيارة قادمة هبَّ واقفًا، ونظر ذات اليمين وذات الشمال نظراتٍ فيها توسّل ورجاء، ولسان حاله يقول: توقّفوا… اشتروا بضاعتي… أريد أن أعود إلى البيت مُبكرًا وأخبر أهلي بأنني بعت كل شيء، وها هي النقود التي عدت بها… وسيقول ذلك بفرح ظاهر مُترقبًا كلمات الثناء.
يوسف يتواجد كل يوم في ذلك المكان من الساعة الثالثة بعد الظهر وحتى المغرب. وهو يدرس في الصف السادس، وينتهي دوامه المدرسي عند الساعة الواحدة وأربعين دقيقة ظهراً.
متى يرتاح يوسف ومتى يذاكر دروسه؟
سألته، فأجاب بخجل: في الليل.
صوّرت يوسف بعد أن سمح لي بتصويره.
وقد تواصل معي بعض متابعي حسابي في تطبيق «إنستغرام» وطلبوا رقم هاتف والد الطفل، ووعدوا بمساعدته ماديًا. كما تواصل معي أحد محلات بيع الملابس لتوفير ملابس شتوية له، وتبرّعت حملة البادي للحج والعمرة بعمرة مجانية ليوسف.
إنَّ يوسف وأقرانه الذين يقفون على قارعة الطريق للبيع لا يفعلون ذلك رغبةً في كسب المزيد من المال، كما يعتقد بعض النَّاس.
وحين نصوّرهم أو نكتب عنهم تنهال علينا سهام اللوم، ويُقال إن هؤلاء الأطفال لديهم ما يكفيهم من المال، وإنهم يشوّهون صورة البلد، وإن القانون يمنع عمل الأطفال قبل بلوغ سن الخامسة عشرة، وإن وقوفهم على الشارع للبيع يمكن اعتباره نوعًا من أنواع العمل، وهذا قد يثير انتباه المنظمات الدولية.
ويُقال أيضًا إنَّ هؤلاء الأطفال تشملهم مظلة صندوق الحماية الاجتماعية، وأي حمايةٍ هذه التي تمنحهم 10 ريالات فقط لا تكفيهم حتى للشراء من مقصف المدرسة، وقد صار سعر علبة العصير الصغيرة 200 بيسة، والغلاء اكتسح كل شيء.
ولنا أن نسأل أنفسنا: ما الذي يجعل هؤلاء الأطفال أمثال يوسف يقفون على قارعة الطريق لساعات طويلة بعد عناء يومٍ دراسي طويل ومرهق؟
في الوقت الذي ينعم فيه أقرانهم الميسورون بالراحة والنوم واللعب واستخدام هواتفهم، وحضور المناسبات والرحلات والسفر والترفيه.
لقد آن الأوان للبحث بعمق في قضية الأطفال الذين يبيعون في الطرقات والشوارع، وإجراء الدراسات العلمية المحكمة للوصول إلى حل جذري ودائم يحفظ كرامة هؤلاء الأطفال، ويتركهم يعيشون سنوات طفولتهم بسعادة وأمان واستقرار، حتى ينطلقوا نحو مستقبلٍ مشرق لهم ولأسرهم ولوطنهم.
ولا تحدّثونا عن 10 ريالات منفعة الصغار، ولا عن 115 ريالًا منفعة كبار السن، ولا عن راتبٍ تقاعدي زهيد، ولا عن راتب قدره 325 ريالًا وهو الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص.
لن أقترح حلولًا، فلدَى الجهات المختصة خبراء في الاقتصاد والمال وعلم الاجتماع، ولديهم الإحصاءات والمعلومات عن المواطنين وأعدادهم وأحوالهم الاقتصادية ومتوسط دخل الأفراد، وكل المعلومات متاحة الآن بضغطة زر. ولدينا مجلس شورى منتخب يمثل الشعب، ومجلس الدولة، ومجلس الوزراء.
كفّوا عن لوم هؤلاء الأطفال. وحسّنوا أوضاعهم وأوضاع أسرهم… أغنوهم، ثم امنعوهم من البيع على الشوارع إن شئتم.
وإن كنتم لا تعلمون عدد الأطفال المعسرين في الأسر المعسرة، فاذهبوا فقط إلى الفرق الخيرية ولجان الزكاة في الولايات.
إنَّ يوسف وأمثاله كثيرون، ويحتاجون لمن ينقذهم من براثن ذلّ الحاجة!
رابط مختصر