عربي21:
2025-12-11@09:29:51 GMT

الصمود العذب في غزة

تاريخ النشر: 10th, February 2024 GMT

الأوضاع في غزة ممعنة في المأساوية: شلالات دماء ودمار وخراب وجوع وعطش، ومع هذا فللصورة العامة في غزة جماليات مبهرة، يتغنى بها العالم بمختلف اللغات، فهذه الرقعة من الأرض التي تبلغ مساحتها عدد أيام السنة (365 كيلومترا مربعا)، ويقطنها مليونان وثلاثمائة الف نسمة، نحو نصفهم دون سن الثامنة عشر، هذه الرقعة صارت أيقونة لشرف الدفاع عن الأرض والعرض، في وجه عدوان كاسح من جيش أكثر عددا وعدة من أي جيش في أي بلد أوروبي، فبينما يتساقط الشهداء بالعشرات يوميا، ينهض حملة لواء جُدُد، فلا وقت للعويل والانتحاب ولطم الخدود وشق الجيوب، وكأني بهم يستحضرون مقولة المسيح ابن فلسطين، وهو يهرب بدينه من جلاديه: "دع الموتى يدفنون موتاهم" وذلك عندما استأذن أحد تلاميذه للتأخر عن المسير ليتولى دفن والده المتوفى، مضيفا "الموتى يدفنون الموتى والأحياء يحيون الأحياء".



تتعرض غزة للرجم بشتى صنوف المقذوفات برا وبحرا وجوا منذ مائة ونيف يوما، ومع هذا ما زالت آلة الحرب الإسرائيلية عاجزة عن كسر شوكة الغزاويين وتحقيق الغاية المعلنة: "إعادة احتلال غزة، والقضاء على جميع أشكال المقاومة فيها، بتهجير معظم سكانها قسرا"، والبطولات العظيمة للغزاويين التي صار العالم كله شاهدا عليها، درس لكل الشعوب المقهورة، وموعظة لقوى البغي والعدوان: السلاح لا يحارب، بل التعويل في الحروب على حاملي السلاح، ولهذا فأوكرانيا التي لا تملك معشار مع لدى روسيا من عديد وعتاد، صامدة في وجه العدوان الروسي، لأنه لا حافز أقوى من الدفاع عن الأرض وإنسان الأرض، ولهذا فمدنيون بلا حظ من العلوم العسكرية في غزة، صامدون في وجه عدو مسلح حتى الأسنان.

صحيفة كريستيان ساينس مونيتور الأمريكية (واسمها يفيد بأنها كريستيان أي مسيحية)، توقفت طويلا عندما أسمته الـ resilience الغزاوي، والكلمة حبلى بمعان كثيرة، من بينها الصمود والقدرة على التكيف وعلى التأقلم واستعادة القدرات، ولكن أكثر ما لفت انتباهها ليس قدرات الغزاويين القتالية، بل كيف تقاسم أهل غزة على اختلاف مهنهم وقدراتهم الأعباء، ففي ما تبقى من مستشفيات صار متوسط ساعات العمل للكادر الطبي 21 ساعة في اليوم، فهناك مثلا الدكتور أحمد مفيد الذي قدم إلى غزة من أيرلندا والذي لا يكاد ينام يوميا إلا لثلاث ساعات، ويعمل بما يتيسر من أدوات على رتق الجروح ومداواة القروح وإجراء العمليات الجراحية المعقدة على ضوء كشافات الهواتف الجوالة، وهناك الدكتور مدحت سديم رائد واستاذ الجراحة الترميمية في غزة، الذي وبضغوط من زملائه ذهب إلى بيته بعد عشرة أيام من العمل المتواصل، فأتته قذيفة صاروخية نقلته إلى جوار ربه.

لك يا غزة، يا أرض البطولات وميراث الحضارات، تغني شعوب الأرض، تغني للصمود العذب، والموت الفدائي العظيم.سيارات التاكسي في غزة تحولت بقرارات من أصحابها إلى مركبات إسعاف الجرحى ونقل الموتى، وتتجول بك الكاميرا في مدينة غزة ورفح وخان يونس، فتحسب أن عديد رجال الدفاع المدني في القطاع بالآلاف، بسبب ما ترصده عيناك من همم المئات موزعين على المباني المنهارة بسبب القصف الجوي والمدفعي، لانتشال الأحياء والجثامين، أما الصحفيون والمصورون الفلسطينيون، فقد ضربوا المثال في التفاني المهني بوجودهم على خطوط النار، وبدفع أكثر من مائة منهم ضريبة المهنة بدمائهم ودماء أقاربهم، فأشرف أبو عمرة لم ير زوجته وعياله الستة طوال ثلاثة أشهر، ثم أصيب بطلق ناري في الخامس من الشهر الجاري، أما وائل الدحدوح فقد تحول إلى رمز للجسارة الصحفية، فبعد استشهاد أربعة من أفراد اسرته، واراهم التراب وعاد الميدان شاهرا المايكرفون، وقارورة ماء، و"ينطق بكلام يخاطب الروح"، كما قالت كريستيان ساينس مونيتور، وتناقلت مئات المنصات قول الدحدوح "أرادوا عقابنا بقتل أولادنا، لكن معليش"، كقول لا يصدر إلا عن شخص قوي في إيمانه ومواقفه، كما تناقلت سيرة السيدة حليمة الكسواني (أم العبد)، التي كانت في العاشرة عندما حدثت مجزرة دير ياسين في عام 1948، وتم تهجير أهلها إلى مخيم الزرقاء في الأردن، وظلت تروي تفاصيلها لشباب المقاومة لشحذ هممهم، إلى أن أسلمت الروح قبل أسابيع قليلة.

البسالة والجسارة التي كانت شاهد عيان عليها في غزة خلال الشهور الماضية، هي التي جعلت إيميلي كلهان مديرة شؤون التمريض في منظمة أطباء بلا حدود، تقول لشبكة سي أن أن "قلبي في غزة وسيظل في غزة.. الفلسطينيون الذين عملت معهم في مستشفى أندونيسيا من أروع من عرفت من خلق الله"، وأضافت كلهان إنها عندما سألت العاملين معها ما إذا كانوا يرغبون في مغادرة القطاع قالوا بصوت واحد: هذا مجتمعنا، وهؤلاء عائلاتنا وأصدقاؤنا، ونحن على استعداد للموت في سبيل العمل على إنقاذ أكبر عدد منهم من الهلاك.

أما ماري لو ماكدونالد زعيمة حزب شن فين الإيرلندي، الذي آلت إليه مقاليد الحكم في بلفاست، فقد أكدت مجددا مناصرة الحزب للحق الفلسطيني، وإدانته القاطعة والحاسمة للعدوان الإسرائيلي على غزة، ثم دعت حكومة بلادها إلى الانضمام إلى جنوب إفريقيا في رفع دعوى ضد إسرائيل في محكمة الجنايات الدولية، ومعلوم أن أيرلندا قامت سلفا بطرد سفير إسرائيل من أراضيها، ثم حذت بلجيكا حذوها.

ولك يا غزة، يا أرض البطولات وميراث الحضارات، تغني شعوب الأرض، تغني للصمود العذب، والموت الفدائي العظيم.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة فلسطين الحرب احتلال احتلال فلسطين غزة حرب تداعيات مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة اقتصاد سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی غزة

إقرأ أيضاً:

الضفة الغربية: ساحة اشتعال مفتوحة.. تصعيد مستمر ومواجهة يومية مع الاحتلال

في صباح كل يوم، تستيقظ الضفة الغربية على أصوات الاقتحامات العسكرية، والرصاص المتقطع، والهتافات الشعبية، بسبب استمرار الاحتلال في فرض سيطرته على الأرض ومواصلة سياسات القمع والإرهاب المنظم ضد المدنيين. وبما أن هذه العمليات تشمل جميع المدن والقرى من نابلس شمالا إلى الخليل جنوبا، مرورا بطولكرم وقلقيلية ورام الله، فإن السكان يعيشون حالة دائمة من القلق والتوتر، بينما تتكرر المشاهد نفسها يوميا: جدران البيوت تهتز، والطرق تُغلق، والمدارس تتأخر في استقبال الطلاب، والمواطنون يتنقلون بين خوف اللحظة وعزيمة الصمود، وهكذا تصبح الحياة اليومية اختبارا لصبر الفلسطينيين وإرادتهم المستمرة.

الضفة الغربية اليوم ليست مجرد أرض محتلة، بل ساحة اشتعال مفتوحة، لأن الفلسطينيين يواجهون سياسات الاحتلال اليومية بعزيمة وإرادة لم تتراجع، رغم القسوة الشديدة للظروف. وبسبب الاقتحامات والاعتقالات والمداهمات اليومية، فإن حالة الغضب الشعبي تتزايد، ويزداد معها تصاعد المواجهات اليومية بين الشباب وقوات الاحتلال، وهو ما يجعل كل يوم مليئا بالتحديات والمخاطر التي تهدد حياة المدنيين بشكل مباشر.

التصعيد الإسرائيلي المستمر

تشير التقارير الميدانية إلى أن الاحتلال الإسرائيلي زاد من وتيرة عملياته العسكرية بشكل كبير خلال الأشهر الأخيرة، والسبب في ذلك هو محاولته المستمرة إخضاع الفلسطينيين وإضعاف المؤسسات المحلية، وفرض واقع أمني جديد يُخضع الضفة الغربية بالكامل. وبما أن هذه العمليات تشمل اعتقالات استهدفت نشطاء سياسيين وطلابا وصحفيين، فإن التوترات المجتمعية تتصاعد بشكل يومي، ما يخلق حالة من الغضب الشعبي الذي يتحول إلى مواجهات مفتوحة في العديد من المناطق.

وفي نابلس، على سبيل المثال، يواجه المواطنون مزيجا من الرعب واليأس، حيث تقتحم قوات الاحتلال المنازل ليلا وتعتقل من تصادفهم أعينهم، وهذا يؤدي إلى خلق حالة من الفوضى والخوف في الأحياء، وهكذا يعيش السكان بين صدمة الاعتقال وفقدان الشعور بالأمان.

وفي الخليل، تستمر المواجهات بسبب الاستيطان المتواصل والاقتحامات الليلية التي تهدف إلى تخويف السكان وفرض السيطرة على المناطق الحيوية. وبما أن المدينة تحتوي على تجمعات سكانية متجاورة للمستوطنين والفلسطينيين، فإن المواجهات تتحول إلى اشتباكات يومية، ويصبح الشارع الفلسطيني ميدانا للاحتكاك المستمر، ما يزيد من صعوبة الحياة اليومية.

وبالإضافة إلى ذلك، يستخدم الاحتلال الحواجز العسكرية كوسيلة للسيطرة على تحركات السكان، ومنعهم من الوصول إلى أعمالهم ومدارسهم ومستشفياتهم. وبما أن الطرق مغلقة أو مراقبة بشكل دائم، فإن المصابين يواجهون صعوبات كبيرة للوصول إلى المستشفيات، مما يؤدي إلى زيادة عدد الإصابات الخطيرة والوفيات بين المدنيين، وهكذا تصبح الضفة الغربية ميدانا للمعاناة الإنسانية المستمرة.

المقاومة اليومية والصمود

ورغم كل هذه الإجراءات القمعية، يواصل الفلسطينيون صمودهم ومقاومتهم اليومية. فشباب الضفة يخرجون في الاحتجاجات الشعبية، ويرفعون العلم الفلسطيني، وهكذا يثبتون أن روح المقاومة لم تمت، وأن الدفاع عن الأرض والكرامة هو واجب يومي لا يمكن التنازل عنه.

ويقول أحد سكان نابلس: "نعيش تحت تهديد مستمر، ولكننا لن نسمح لهم بسرقة حياتنا وكرامتنا.. كل يوم نثبت أننا باقون وأن الأرض لنا." وبسبب هذه الروح الوطنية، تظل الأسر الفلسطينية صامدة، وتستمر في مواجهة المصاعب اليومية رغم قسوة الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وهكذا يتعلم الأطفال منذ صغرهم أن الصمود جزء من حياتهم اليومية.

وفي طولكرم، يشارك الطلاب والمعلمون في تنظيم مظاهرات سلمية، وهكذا يصبح التعليم أداة للمقاومة، لأن الشباب يرفضون أن تنكسر إرادتهم تحت ضغط الاحتلال، ويصرون على توصيل رسائل المقاومة للعالم، ليؤكدوا أن الضفة الغربية ليست مجرد أرض محتلة، بل قلب نابض بالمقاومة والصمود.

وفي رام الله، تشهد المدينة مواجهات متقطعة على المداخل والطرقات الرئيسية، حيث يواجه الفلسطينيون الحواجز العسكرية اليومية، وهكذا تتحول المدينة إلى مختبر للتجربة الفلسطينية اليومية بين الحياة والموت، بين الاحتجاج والمواجهة، وبين التحدي والإصرار على الصمود.

الأبعاد الإنسانية والاجتماعية

إن تصعيد الاحتلال في الضفة الغربية ليس مجرد عمليات عسكرية، بل يحمل أبعادا سياسية واجتماعية، لأنه يهدف إلى تفكيك النسيج الاجتماعي الفلسطيني وإضعاف المؤسسات المحلية ومنع أي محاولة لإحياء عملية السلام. وبما أن هذا الواقع يولد مأزقا إنسانيا حقيقيا، فإن ملايين الفلسطينيين يعيشون في خوف دائم، ويفقدون القدرة على ممارسة حياتهم الطبيعية بشكل آمن.

وبسبب الحصار، والاعتقالات المتكررة، والإغلاقات، يعاني الأطفال والنساء من آثار نفسية كبيرة، وهكذا تصبح الضفة الغربية ميدانا للمعاناة الإنسانية اليومية. المدارس والمستشفيات تتحول إلى أماكن مواجهة بين الاحتياجات الإنسانية وسياسات الاحتلال، ويضطر الفلسطينيون إلى الاعتماد على بعضهم البعض في مواجهة هذه الظروف الصعبة.

ويقول أحد المعلمين في طولكرم: "الاحتلال لا يهاجم الأرض فقط، بل يهاجم عقول الأطفال وأحلامهم.. ومع ذلك، نحن نستمر في تعليمهم الصمود والشجاعة". وبما أن هذه الجهود تستمر يوميا، فإن المجتمع الفلسطيني يثبت أنه قادر على الصمود رغم كل التحديات، وأن الإرادة الشعبية لا يمكن كسرها.

التحديات المستقبلية

الضفة الغربية اليوم مرآة لصمود الشعب الفلسطيني وعزيمته، وهكذا تحمل كل مدينة قصة صمود مختلفة، لكنها جميعا تروي نفس الحقيقة: الاحتلال يولد أزمات إنسانية وسياسية مستمرة، لكن الفلسطينيين مستمرون في الدفاع عن حقوقهم. وبما أن الفلسطينيين مستمرون في النضال، فإن الضفة الغربية لن تصبح أرضا صامتة، بل ساحة اشتعال مفتوحة تروي قصة شعب لا ينسى وطنه، ويقاتل من أجله كل يوم، مهما كانت التحديات والمخاطر.

وبسبب هذا الصمود المستمر، تبقى الضفة الغربية رمزا للمقاومة، وتظل قصص الشهداء والمصابين والمعتقلين جزءا لا يتجزأ من التاريخ الفلسطيني الحديث، وهكذا يثبت الشعب الفلسطيني أنه حاضر في ميدان الصراع من أجل الحرية والكرامة، وأنه قادر على الصمود رغم كل ما يحاك ضده من مخططات سياسية وعسكرية.

كما أن استمرار المقاومة الشعبية اليومية، بمختلف أشكالها، يشكل رسالة واضحة لكل العالم بأن الأرض الفلسطينية لن تُترك بسهولة، وأن الشعب الفلسطيني مستمر في حماية وطنه، وهكذا تتحول الضفة الغربية إلى مدرسة للصمود والمقاومة، يدرس فيها الفلسطينيون كل يوم دروسا جديدة عن الشجاعة والإرادة التي لا تُقهر.

مقالات مشابهة

  • حل لغز القراءات الغريبة التي سجلتها مركبة “فوياجر 2” لأورانوس عام 1986
  • الضفة الغربية: ساحة اشتعال مفتوحة.. تصعيد مستمر ومواجهة يومية مع الاحتلال
  • 128 سيدة و124 رجلاً.. القطيف تعتمد 252 متخصصاً لـ "إكرام الموتى"
  • توقعات متفائلة بنمو الاقتصادات الكبرى
  • شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء مغربية تغني وترقص على أنغام أغنية الفنانة هدى عربي (نسائم الشتاء)
  • محافظ ريف دمشق: ليس لدينا أي مشكلات طائفية بالمحافظة
  • مادورو: فنزويلا نجحت في الصمود أمام التهديدات
  • خلاف على نقل رفات الموتى.. الداخلية تكشف ملابسات حدوث مشادة داخل مقبرة بالقليوبية
  • مشادة داخل مقابر بالقليوبية تكشف خلافاً على التقسيم ونقل رفات موتى
  • القبيلة اليمنية.. درع السيادة وبوصلة الصمود في وجه العدوان