القبيلة اليمنية.. درع السيادة وبوصلة الصمود في وجه العدوان
تاريخ النشر: 8th, December 2025 GMT
الثورة نت/ تقريرـ ناصر جراده
تُجسّد القبيلة اليمنية، عبر مختلف مراحل التاريخ، السدّ المنيع في وجه كل غازٍ أو محتل، إذ لم تكن يومًا كيانًا اجتماعيًا فقط، بل شكّلت على الدوام ركيزة أساسية في حماية الأرض والهوية والسيادة.
واليوم، تعود القبيلة لتؤكد حضورها المتقدم في مواجهة العدوان والحصار المفروض على اليمن من قِبل تحالفات إقليمية ودولية تقودها الولايات المتحدة وبريطانيا والعدو الصهيوني، وتنفذها أدوات عربية في مقدمتها السعودية والإمارات، مجددةً عهد الثبات والاستعداد للدفاع عن الوطن ومساندة قضايا الأمة وفي طليعتها فلسطين.
مع تصاعد التحديات الراهنة، تشهد المحافظات اليمنية الحرة حالة نفير غير مسبوقة، تتجلى في الحشود القبلية الواسعة، والوقفات المسلحة، واللقاءات التعبوية التي تؤكد الجهوزية الكاملة لمواجهة أي تصعيد أو مخطط عدواني يستهدف البلاد، وتعلن القبائل، في كل مناسبة، استعدادها لدعم القوات المسلحة بالرجال والعتاد، إلى جانب تجديد الولاء للقيادة الثورية، والتأكيد على الثبات في نصرة القضية الفلسطينية.
ومنذ إعلان الاتفاق المزعوم في غزة، تصاعدت وتيرة الخروج الشعبي والقبلي بزخم أكبر، حيث شهدت الساحات والميادين آلاف الوقفات المساندة للمستضعفين في فلسطين والدفاع عن سيادة الوطن، في رسالة واضحة بأن العدو يحرث في بحر، وأن محاولاته لبثّ الفُرقة والكراهية قد باءت بالفشل، كما فشل في كسر إرادة هذا الشعب العظيم.
تحرك قبلي من منطلق إيماني ووعي استراتيجيينطلق تحرك قبائل اليمن اليوم من منطلق إيماني راسخ، يستند إلى رؤية واعية وإحساس عالٍ بالمسؤولية تجاه خطورة المرحلة وحجم الاستهداف الذي يطاول اليمن والمنطقة، وتتمسك القبائل بدورها المركزي في حماية السيادة والدفاع عن القرار الوطني الحر، ما مكّن اليمن من تثبيت موقعه في معادلة الصراع الإقليمي، وترسيخ التزامه الثابت بدعم الشعب الفلسطيني.
وتعكس مشاهد الحشد القبلي مستوى غير مسبوق من الجهوزية، حيث تتوالى اللقاءات الموسعة والوقفات المسلحة في القرى والمدن، مع إعلان صريح بالاستعداد للتصدي لأي مخططات سياسية أو إعلامية أو أمنية تستهدف الداخل اليمني، ويمنح هذا التماسك القبلي البلاد قوة مجتمعية صلبة قادرة على إحباط المؤامرات وإفشال محاولات الاختراق.
حصيلة عامين من إسناد غزةواصل اليمن، على مدى عامين كاملين من إسناد غزة، حضوره الشعبي والقبلي في الساحات، تنوعت بين مسيرات ولقاءات قبلية مسلحة ووقفات تضامنية، حملت في مضمونها روح الشهامة والوفاء اليمني الأصيل لفلسطين.
ووفقًا لإحصائيات رسمية، بلغت الأنشطة الشعبية المساندة لغزة:
ـ 49,354 مسيرة وتظاهرة
ـ 94,478 فعالية شعبية
ـ 549,769 ندوة
ـ 81,878 أمسية
ـ 350,633 وقفة طلابية في الجامعات والمدارس
ـ 317,785 وقفة شعبية وقبلية ومجتمعية
وعلى صعيد التأهيل البشري، بلغ عدد المتخرجين من دورات “طوفان الأقصى” في مسار التعبئة 1,103,647 متدربًا، و132,046 في المستوى الثاني، إلى جانب تنفيذ 5,148 مناورة، و1,349 عرضًا عسكريًا، و3,362 مسيرًا عسكريًا.
الوقفات القبلية تُجهض مخططات العدوتؤكد الوقفات القبلية المسلحة واللقاءات الواسعة الممتدة على امتداد المحافظات الحرة أن القبيلة اليمنية تمثل قوة وطنية متماسكة تجمع بين أصالة الموروث الشعبي والقدرة على صناعة الموقف، وهو ما يُفشل مخططات العدو، ويثبت حضور القبيلة في مقدمة صفوف الدفاع عن فلسطين، وحفظ الكرامة اليمنية، وترسيخ الثبات الوطني في مواجهة مشاريع الأعداء والعملاء.
تماسك اجتماعي يرسّخ استقلال القرارتقدّم الحشود القبلية صورة متكاملة عن مجتمع يمني متماسك، منفرد بقراره، مستمد قوته من تاريخه وقيمه وعقيدته، وتتحمل القبيلة مسؤولية وطنية كبرى في مواجهة مشاريع الخونة والعملاء الذين يتحركون وفق أجندات خارجية تسعى إلى تفكيك الجبهة الداخلية، وتؤكد أن أي محاولة لاختراق النسيج الوطني ستُقابل بالرفض والإفشال.
فلسطين بوصلتها الأخلاقيةتنطلق القبيلة اليمنية في مواقفها من إرث طويل في حماية الأرض وصون الكرامة، وترى في فلسطين بوصلتها الأخلاقية والإنسانية، ويجسد الحضور القبلي المستمر في الفعاليات المساندة لغزة عمق الارتباط الشعبي بالقضية الفلسطينية، واستعداد اليمنيين الدائم لإسناد الشعب الفلسطيني في معركته العادلة.
رسائل حاسمة للعدوتعكس التحركات القبلية اليوم حالة نفير عام غير مسبوقة، تكشف إرادة شعبية صلبة واستعدادًا دائمًا لمواجهة العدوان في كل الميادين، وتجمع القبائل، قيادةً وأفرادًا، على أن التعبئة ستستمر حتى تحقيق النصر واستعادة السيادة الكاملة، في رسالة واضحة لقوى الاستكبار وأدواتها بأن اليمن عصيّ على الانكسار، حاضر بإيمانه، قويّ بوحدته، ثابت في موقفه، وأن أي رهان على تفتيته أو إخضاعه سيسقط أمام صلابة الموقف وتماسك الصف.
المصدر: الثورة نت
كلمات دلالية: القبيلة اليمنية القبیلة الیمنیة
إقرأ أيضاً:
أسئلة اليوم التالي ومستقبل السودان: معطى القبيلة وفخ القبلية1
أسئلة اليوم التالي ومستقبل السودان: معطى القبيلة وفخ القبلية
محمد الأمين عبد النبي
تفرض حرب الخامس عشر من أبريل 2023 على السودان أسئلة كبرى تتجاوز حدود الميدان العسكري إلى جوهر الدولة ومصيرها. فالحرب، بما أحدثته من انهيارات بنيوية وتحولات اجتماعية وسياسية، فتحت الباب لمراجعة شاملة تطال المؤسسة العسكرية، قوات الدعم السريع، الحركات المسلحة، الإسلامويين، الاقتصاد الوطني، المجتمع المدني، الأحزاب، النقابات، البنى القبلية، والكيانات الدينية، وصولًا إلى سؤال طبيعة الدولة ونظام الحكم والعدالة والوحدة الوطنية.
إن الوعي بهذه الأسئلة، والغوص في عمقها، وتناولها بتفكير استراتيجي بعيد عن الانفعال والسطحية، يشكّل الخطوة الأولى نحو تأسيس مشروع وطني وعقد اجتماعي جديد يعيد توجيه البوصلة السودانية. وتهدف هذه السلسلة إلى إبتدار حوار فكري رشيد، يستنهض طاقات العلماء والمفكرين والسياسيين وقيادات المجتمع، لاستعادة العقل النقدي السوداني وإطلاق رؤى مبتكرة تعيد بناء الدولة السودانية، وتؤسس لمستقبل لا يُدار فيه الوطن بردود الأفعال، بل بعقلانية ومسؤولية واستبصار.
مما لاشك فيه؛ انه حين تصمت البنادق في السودان لا ينتهي الصراع. فالحرب التي دمّرت المدن والقرى وشرّدت الملايين، فتحت في الوقت نفسه بوابات أعمق من ميدان القتال. إنها بوابات الهوية، وسؤال الشرعية، فقد تجاوزت الحرب حدود السياسة، واتسعت لتشمل النسيج الاجتماعي بأسره، فأعادت طرح سؤال جوهري: هل يستطيع السودان إعادة بناء ذاته دون الوقوع مجدداً في فخ القبلية؟ وهل يمكن للقبيلة أن تظل مكوّناً اجتماعياً طبيعياً ضمن دولة حديثة من دون أن تتحول إلى أداة صراع أو بوابة للسلطة من جديد؟.
السياق التاريخي:
تاريخياً، شكّلت القبيلة في السودان إطاراً للتنظيم الاجتماعي والتكافل الأهلي، فقد كانت الضامن للأمن والحقوق، ورافعة للتماسك الاجتماعي. فلم تكن طارئة على المشهد السوداني، بل رافقت الدولة منذ تأسيسها، عطفاً على ضعف بنية دولة ما بعد الاستعمار وتراجعها على حد قول الامام الصادق المهدي: “مؤسسات الدولة التي ورثناها من العهد الإمبريالي لم تكن ناضجة كما يجب وولاءات المواطنين الأولية الاثنية والقبلية والطائفية لم تتراجع بالقدر الكافي لصالح الولاء القومي، وفي ظل الحكم الوطني من عام 1956 في السودان تراجع نضج مؤسسات الدولة وبرزت الولاءات الاولية بصورة اضعفت الانتماء القومي هذه العوامل جعلت الشروط المطلوبة لنجاح الدولة الوطنية تتقاصر على المستويات المطلوبة، مفهوم الدولة الوطنية نفسه غير مؤصل بالقدر الكافي مما فتح المجال لولاءات فوق قطرية، الاهتمام بإنضاج مؤسسات الدولة الحديثة وبلورة الولاء القومي الذي يعلو على الولاءات الأولية ويكرس الولاء للدولة الوطنية من شروط نجاح التجربة الديمقراطية”.
في الحكومات الوطنية الأولى، لعبت الانتماءات الجهوية والقبلية دوراً خفياً في تشكيل التحالفات السياسية، وفي توزيع المناصب، وفي تحديد موازين القوة داخل الأحزاب التقليدية والذي يرجع بالاساس الي ضعف الدولة المركزية وعدم قدرتها على بسط نفوذها على الأطراف، مما جعل الاعتماد على الزعامات القبلية جزءًا من آليات الحكم في الريف، وأدخل القبيلة مبكراً في حسابات السلطة. ومع تعاقب الأنظمة العسكرية برزت القبلية بصورة أكثر وضوحاً، حيث استخدمت السلطة المركزية شيوخ القبائل في ضبط الأطراف، وفض النزاعات، وجذب الولاءات، مقابل الامتيازات.
التحول الأكبر جاء في عهد الإنقاذ، إذ أدخلت القبلية في بنية الدولة ذاتها، من خلال المحاصصة الجهوية، وتسليح جماعات قبلية، وإنشاء إدارات أهلية موازية، ما أدى إلى عسكرة المجتمع وتعميق الانقسامات. وقد أرجع الدكتور الشفيع خضر تجليات المازق المأساوي في السودان الي الانظمة الديكتاتورية والشمولية وتحديداً نظام الإنقاذ ليتراجع المواطن الي رحاب القبيلة والعشيرة للتعبير عن مطالبه السياسية بحثاً عن الامن والامان هذا النزوح نحو القبيلة ظل يقف حجر عثرة أمام نمو وتطور القومية السودانية ذات المحتوى الفسيفسائي الغني بتنوعه وتعدده.
أما التجارب الديمقراطية القصيرة، فقد عجزت عن تجاوز هذه البنية، وظلت مضطرة إلى مراعاة التوازنات الجهوية والقبلية في التحالفات البرلمانية، مما قيّد قدرة الدولة على التحول إلى مؤسسات حديثة قائمة على المواطنة. وهكذا تراكمت القبلية عبر العقود، حتى أصبحت عاملاً بنيوياً في إدارة الدولة، وسبباً رئيساً لتعثر مشروع بناء دولة وطنية عادلة وموحدة.
الحرب الحالية ومضاعفة التركة :
برزت تراكمات هذا التاريخ بصورة سافرة في الحرب الحالية وما رافقها من انهيار مؤسسي، أعادا للقبيلة دوراً مضاعفاً، فتقدمت لتشكّل سلطة أهلية موازية، وبديلاً مؤقتاً للدولة المنهارة. ولم يعد الانتماء القبلي مجرد رابطة اجتماعية، بل أصبح معياراً لتحديد فرص النجاة، والحصول على الخدمات، وفرض الحماية، والتمثيل السياسي. وصار تعريف الفرد يقوم على أسئلة الانتماء: من أنت؟ ومع من تقف؟ وضد من؟. هذا التحول استجابة قسرية لواقع طاحونة العنف؛ حيث دفعت الحاجة إلى الأمان المجتمعات إلى الاحتماء بانتماءاتها الأولية. ولكن هذا المسار، مهما بدا منطقياً في سياق الحرب، يحمل خطراً بالغاً: فحين تُختزل الهوية في بندقية، والانتماء في خندق، يصبح بناء السلام صعباً ما لم يُنزَع السلاح من القبائل، وما لم تُعاد صياغة العلاقة بين المجتمع والدولة على أسس مدنية.
إستغلال الانتماء القبلي وتأكل الدولة:
تختلف القبيلة في ذاتها عن القبلية، فالقبيلة معطى اجتماعي وثقافي طبيعي، أما القبلية فهي استغلال الانتماء القبلي لتحقيق النفوذ، وتوزيع المناصب، والتحشيد، والضغط على الدولة. فالخطر يبدأ عندما يتحول الانتماء القبلي من رابطة اجتماعية إلى مدخل للسلطة أو معيار للشرعية. وعندها تصبح القبيلة “جماعة وظيفية” تُستخدم لخدمة مصالح سياسية محددة. هذا المسار تعمق خلال نظام الانقاذ، إذ اعتمد على القبيلة بوصفها جزءاً من شبكات النفوذ، ودمج التوازنات القبلية في التعيينات الحكومية، بل أسس ميليشيات مسلّحة تُعرِّف نفسها وفق انتماء قبلي محدّد. وأصبحت بعض الوفود القبلية تتوجه إلى الخرطوم للمطالبة بنصيبها من السلطة، تحت ذريعة أن القبيلة لا ترى نفسها ممثلة في الحكومة.
هذه الديناميكية لم تكن تعبيراً عن قوة القبيلة بقدر ما كانت تعبيراً عن ضعف الدولة، وعن تسييس متعمد للانتماءات الأولية، باستخدم مفهوم تقاسم السلطة والثروة بطريقة تعزز الولاءات بدلاً من معالجة المظالم، فزاد من تعقيد المشهد السياسي، وعمّق الانقسامات، وفتح الباب أمام عسكرة القبائل. ففي الحرب الدائرة اليوم، بلغت القبلية مستوى غير مسبوق من التسييس والعسكرة، إذ أعادت تشكيل خارطة الولاءات على أسس اجتماعية وهوياتية حادة، سواء من خلال الاصطفاف المسلح، أو عبر حواضن الدعم اللوجستي والاجتماعي لهذا الطرف أو ذاك. ومع توسع رقعة الحرب، وجد المواطنون أنفسهم أمام فراغ أمني كامل، ما دفع كثيراً من المجتمعات إلى الاحتماء بانتماءاتها القبلية، ليس فقط بوصفها هوية ثقافية، بل باعتبارها ملاذًا للبقاء ووسيلة للحماية، وبرزت في سرديات العدو القبلي والثأر التاريخي، وتم توظيفها في حملات التعبئة والتحشيد، كما لعب الخطاب الإعلامي الموجَّه دوراً في إعادة إنتاج ثنائية “نحن” و”هم”، بما عمّق الانقسام الاجتماعي، وأضعف قدرة المجتمع على بناء جبهة سلمية موحدة في وجه الحرب، ورغم أن هذه التعبئة لم تحقق إجماعاً كاملاً، فإنها نجحت في استقطاب بعض المكونات القبلية، مما أسهم في تعميق الانقسامات الإثنية والجهوية بصورة غير مسبوقة في تاريخ السودان الحديث. الخطورة تكمن في إن عسكرة القبيلة لا تهدد فقط النسيج الاجتماعي، بل تهدد بقاء الدولة نفسها، لأن الولاءات المسلحة عادة أقوى من الولاءات السياسية، ولأن السلاح يُنشئ واقعاً تتراجع فيه سلطة القانون.
القبيلة وفخ القبلية:
لا يمكن فهم التحول القبلي في السودان بمعزل عن جذوره الاجتماعية. فالأزمة الحالية نتاج عقود من التهميش للمناطق الطرفية، التفاوت الاقتصادي الحاد، غياب التنمية، ضعف المؤسسات السياسية، انسحاب الدولة من الريف وغياب مشروع وطني متفق عليه، هذه العوامل خلقت فراغاً مثالياً لنشوء ما يعرف في علم الاجتماع السياسي بـ”الجماعات الوظيفية” التي تعمل في سياق الانهيار بوصفها بدائل للدولة، تقوم بأدوار أمنية أو اقتصادية أو سياسية.
بالتاكيد ليس المطلوب، ولا الممكن، إلغاء القبيلة، فهي مكون أصيل من النسيج الاجتماعي، ورافعة ثقافية وتاريخية لها وظائف مستمرة في فض النزاعات، وحفظ التقاليد، وتنظيم التضامن الاجتماعي. لكن المطلوب هو إعادة تعريف دورها بحيث تبقى مؤسسة اجتماعية، لا أداة سياسية، وهذا يستدعي مقاربة جديدة لإعادة بناء العقد الاجتماعي ومعالجة آثار العسكرة العميقة التي أصابت المجتمع. فالإشكال لا يكمن في القبيلة نفسها، بل في القبلية السياسية التي توزع المناصب وتحدد الشرعية وتُحرك الصراع وتُؤسس للتمييز وتعيد إنتاج الاستقطاب. أما القبيلة فهي جزء من النظام الاجتماعي، ولا ينبغي أن تكون نقيضاً للدولة أو بديلاً عنها.
أفق الحل الممكن:
لتحويل القبيلة من عنصر صراع إلى عنصر استقرار، ووضع علاقتها مع الدولة في إطارها الصحيح، يحتاج السودان في اليوم التالي للحرب إلى مشروع وطني شامل، ومن أبرز مداخله :
1.تحييد القبيلة سياسياً دون تهميشها اجتماعياً عبر وضع هياكل داخلية، وبرامج للتكافل والتنمية، مع منع تحويلها إلى قنوات للمحاصصة السياسية.
2.تفكيك عسكرة الهوية بنزع السلاح من الجماعات ذات الولاء القبلي، ودمج أفرادها في مؤسسات وطنية.
3.اجراء مصالحات قبلية تمهّد لمصالحة وطنية لأن النزاعات القبلية إذا تُركت دون معالجة ستظل تفجّر أي اتفاق سياسي لاحق.
4.تمكين القبائل في التنمية المحلية وفق نظام فدرالي حقيقي عبر مؤسسات مجتمعية قوية، ومشاريع خدمات تُعيد للقبيلة دورها الاجتماعي الطبيعي.
5.عقد مؤتمر الادارة الاهلية لتاطير دورها في البناء الوطني وتعزيز اعراف القلد والأجادويد وتطوير مفاهيم الفزع والنفير وتطوير العرف بما يضمن حكم القانون وبما يحقق السلام والتعايش والتسامح.
6.إشراك المجتمع الاهلي في مائدة الحوار المستديرة للإسهام في الاجابة على اسئلة التأسيس المصيرية وإعادة صياغة العقد الاجتماعي والمشروع الوطني القائم على أساس الحقوق والواجبات المتساوية، وارساء قواعد المشاركة العادلة في السلطة والثروة التي تحترم التعددية وتمنع احتكار السلطة عبر الانتماءات الضيقة.
ختاماً: الحرب الحالية تطرح سؤالاً وجودياً: كيف نبني وطنًا لا تُقسمه الولاءات الأولية، ولا تحكمه العصبيات، ولا تتوزّع مؤسساته وفق خارطة القبائل؟، القبيلة ستبقى جزءاً أصيلاً من الذاكرة والهوية، لكن القبلية يجب أن تنتهي. فالمطلوب بناء دولة قوية وعادلة، تستوعب الانتماءات دون أن تخضع لها، وتمنح المواطنة مكانتها كهوية جامعة، وترسم مستقبلاً لا تُدار فيه السياسة بالبندقية، ولا تُحدَّد فيه الحقوق بالانتماء القبلي. فالسودان لا يحتاج إلى وقف الحرب فقط، بل يحتاج إلى وعي حقيقي بضرورة عقد اجتماعي جديد يبنى على العدالة والمواطنة وسيادة حكم القانون.