جنوب لبنان- وجهه يقول الكثير رغم صمته، يبتسم وعيناه الممتلئتان بالدمع تخفيان تفاصيل كثيرة عن رحلة نزوحه، لكنه لم يستطع إخفاء خوفه على أطفاله، يقول حسن حمدان بحرقة للجزيرة نت "ما ذنبهم أن يعيشوا بخوف وقلق"، بعد أن نزح من قرية "عيتا الشعب" عند الحدود اللبنانية الفلسطينية إلى بلدة أنصار في قضاء النبطية جنوب لبنان.

اضطر حمدان، وهو أب لأربعة أبناء، منهم نور، إلى النزوح معهم بحثا عن مكان آمن، بعد أن تعرضت قريته الحدودية لقصف إسرائيلي، واستحضر صور أطفال الشهداء في قطاع غزة التي آلمته، فدفعه ذلك لاتخاذ قرار النزوح لحماية أسرته من الخطر، بحثا عن الطمأنينة والأمان.

نور حمدان نزحت مع عائلتها من بلدة عيتا الشعب إلى بلدة أنصار (الجزيرة) اللعب للتخفيف

وفي محاولة لتخفيف أثر النزوح عن الأطفال، أُطلقت مبادرات إنسانية لاحتضان العائلات الجنوبية النازحة، كان منها مبادرة فريدة لتخفيف معاناة الأطفال من خلال تقديم الألعاب لهم في مراكز الإيواء، وتوظيفها كوسيلة لتخفيف الألم والقلق لديهم، إذ تعمل هذه الألعاب على توجيه الطاقة السلبية نحو نشاط إيجابي، وتعزز صحتهم النفسية.

تقول منال السويد النازحة من كفرشوبا أن أكثر ما يرهقها هو حال أطفالها، وتعبّر للجزيرة نت "الأطفال يشعرون بكمية كبيرة من الضغط والخوف، لا يستطيعون التحكم في مشاعرهم، ولا يعرفون كيفية التعامل معها، هم فعلا الضحايا".

وتضيف "دفعنا تكاليف النزوح أثمانا باهظة جدا، ولتخفيف حدة القلق والكوابيس لدى أطفالي الثلاثة، ورغم الوضع الاقتصادي الصعب، اشتريت الألعاب لهم وسيلة لتخفيف الألم الناجم عن النزوح، ولإدخال الفرحة إلى قلوبهم حتى ولو بشكل بسيط".

مي إسماعيل: تقديم الدعم التعليمي للأطفال هو نوع من المقاومة (الجزيرة) تعويض الفقد

ومن ناحية أخرى، وضع العدوان على القرى الحدودية في لبنان حال الطلاب في مهبّ الريح، فما أن انطلق العام الدراسي حتى أصدر وزير التربية القاضي عباس الحلبي في 16 أكتوبر/تشرين الأول الماضي قرارا بإقفال جميع المدارس في القرى الحدودية، خوفا من تفاقم الوضع الإنساني والأمني.

ومن هنا جاءت مبادرة السيدة مي إسماعيل، ناظرة وصاحبة مدرسة "إسماعيل واكد إسماعيل" في بلدة أنصار الجنوبية، في محاولة لاحتواء تداعيات العدوان على الأطفال وتخفيف معاناتهم، فقررت -بمساعدة عائلتها- استقبال الأطفال النازحين ودمجهم في برنامج التعليم بالمدرسة، تقول "قدمنا للأطفال جميع المستلزمات من كتب وقرطاسية، بهدف منعهم من فقدان العام الدراسي".

وتضيف للجزيرة نت "كعضو في لجنة النازحين في أنصار، قمنا بالترويج للمبادرة، حيث بدأنا بعدد قليل، لكنه ازداد يوما بعد يوم ووصلنا إلى 70 طالبا، قدمنا لهم الدعم التعليمي والنفسي".

وتوضح المتحدثة في السياق ذاته "يبدو على الأطفال النازحين مؤشرات الإرهاق النفسي، بسبب انعدام الاستقرار الذي عاشوه، لذا نشركهم في أنشطة ترفيهية مثل الرسم، لتعزيز تعبيرهم عن مشاعرهم، واليوم أصبح الطلاب أكثر استقرارا".

ويؤكد مدير المدرسة واكد إسماعيل "استقبلنا الطلاب مجانا، نظرا للحاجة الضرورية لدى العائلات النازحة، خاصة بعد قرار وزير التربية باستقبال المدارس الرسمية للنازحين، دون شمل المدارس الخاصة بهذا القرار".

ويوضح أنهم يهتمون بمساعدة النازحين وتأمين مستقبلهم، حيث نظموا الصفوف وفقا لاحتياجات كل تلميذ نازح، ويتابعون تقدمهم بكل التفاصيل الدراسية والمتابعة مع أولياء الأمور أيضا.

ولم يفت مدير المدرسة أن يعبر عن شكره لأهالي البلدة والبلدية، وكل من أسهم في نجاح المبادرة وساعد في تحقيقها.

واكد إسماعيل: نظمنا الصفوف وفقا لاحتياجات كل تلميذ نازح (الجزيرة) معاناة نفسية

تشعر أم محمد المعاذ، وهي نازحة من الحدود الجنوبية إلى مدينة صور، بالقلق رغم وصولها إلى مكان أكثر أمانا، فابنها البالغ من العمر (8 سنوات) يسألها أسئلة لا تستطيع الإجابة عنها، مثل "هل سنموت؟".

وتقول بحسرة، للجزيرة نت، "أحاول منعه من مشاهدة التلفاز كي لا يرى كوابيس في نومه، لكن كيف يمكنني محو الصورة التي أصبحنا نشاهدها عن أطفال غزة، والحرب والدمار وأصوات القصف التي سمعها وعاشها أثناء نزوحنا من الجنوب اللبناني؟".

وتؤكد الاختصاصية في علم النفس الإكلينيكي نجوى بنوت للجزيرة نت أن "الدور الأكبر يقع على الأهل في كيفية تعامل الأطفال مع التوتر والخوف، حيث يشجعونهم على التعبير عن مشاعرهم ومخاوفهم من خلال الأنشطة الفنية واللعب والرسم والتمارين البدنية، ومحاولة إبعادهم عن متابعة الأخبار، كما يجب المحافظة قدر الإمكان على انتظام حياتهم مثل النوم والاستيقاظ".

وتضيف بنوت "يمكن تعزيز قدراتهم على التعافي من خلال الدعم العائلي والعاطفي وتعزيز التفكير الإيجابي، وابتعادهم عن العزلة، وتجنب التصرف كما لو أنه لم يحدث شيء".

وعن التأثيرات طويلة المدى، تقول الاختصاصية بنوت أنها "تتمثل في اضطرابات النوم والسلوك العدواني، وتراجع مستواهم التعليمي، واضطرابات ما بعد الصدمة، التي يمكن أن تتسبب في أعراض جسدية، ويمكن أن يكون لها أثر كبير إذا لم يتم التدخل بشكل فوري، خاصة للأطفال الذين تعرضت منازلهم للقصف".

وتوضح للجزيرة نت "يجب أن يكون هناك جهد مشترك بين الأهل وأماكن النزوح، لتأمين بيئة مستقرة خالية من التهديدات، وتلبي الاحتياجات الأساسية من الطعام والشراب والنوم، لتكون عملية الدعم متكاملة من الناحية الجسدية والنفسية".

استقبال الأطفال النازحين ودمجهم في برنامج التعليم كمبادرة إنسانية فردية (الجزيرة) واقع صعب

تغيرت تفاصيل الحياة اليومية في قرى جنوب لبنان بشكل جذري منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مع تصاعد حدة القصف الإسرائيلي على البلدات، فلم يعد هذا القصف مقتصرا على المناطق الحدودية النائية فقط، بل امتد إلى المنازل والمؤسسات التجارية والمنشآت الزراعية وحتى السيارات الخاصة.

ووفقا لتقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في لبنان في ديسمبر/كانون الأول الماضي، فقد تجاوز عدد القرى المستهدفة 90 قرية، وأشارت الأرقام التي نشرتها منظمة الهجرة الدولية ووزارة الصحة اللبنانية في الأول من فبراير/شباط الحالي إلى تجاوز عدد النازحين من الجنوب حاجز الـ83 ألفا، فيما بلغ عدد الإصابات 686 إصابة، ووصلت حالات الوفيات إلى 151 حالة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الأطفال النازحین للجزیرة نت

إقرأ أيضاً:

بعد عصابة التيك توك.. جرائم جنسية مروعة ضد الأطفال تهز لبنان

بعدما هزّت قضية شبكة "التيك توك" المجتمع اللبناني، كاشفة عن وحوش بشرية تتخفى وراء شاشات الهواتف الخلوية، تستدرج القصّر، تجبرهم على تعاطي المخدرات وتغتصبهم وتصورهم وتبتزهم، توالت الأخبار عن جرائم اغتصاب وتحرش جديدة، مما يثير تساؤلات حول مدى الخطر الذي يهدد أطفال لبنان، ومدى قدرة القانون على حمايتهم.

قبل أن يتلقف اللبنانيون صدمة عصابة "التيك توك"، صدموا بأخبار عدة حول تعرّض أطفال للعنف الجنسي، منها خبر ايقاف مكتب مكافحة الإتجار بالأشخاص وحماية الآداب في وحدة الشرطة القضائيّة قاصرَين لبنانيين وأربعة آخرين من الجنسية العراقية، كما أوردت المديرية العام لقوى الأمن الداخلي في بلاغ في 26 من الشهر الجاري، وذلك "للاشتباه بقيامهم بأعمال منافية للحشمة، في إحدى الشّقق المفروشة في محلّة الحمراء – بيروت".

كما صدم اللبنانيون في السابع من الشهر الحالي بخبر اعتداء قاصر يبلغ من العمر 12 سنة على طفل يبلغ من العمر سبع سنوات في بلدة الدوسة بعكار شمال لبنان.

واستدرج القاصر الطفل أثناء لعبه على دراجته الهوائية، وتحت شجرة ارتكب جريمته، وقد كشف الأهل ذلك بعدما بدأ طفلهم يعاني من نوبات خوف وكوابيس أثناء نومه، حاولوا معرفة ما حصل معه، فأخبرهم بما تعرض له. على إثر ذلك، قدّموا شكوى ضد القاصر المعتدي لدى مخفر القبيات، وتم توقيفه لاحقاً وإحالته إلى التحقيق.

حتى حرمة المدرسة تم انتهاكها، حيث ضج قبل أيام خبر تحرش أستاذ وحارس أمن بتلميذات قاصرات، محوّلان صرح العلم في بلدة كفرشيما (في محافظة جبل لبنان) إلى مسرح لجريمتهما، وقد اكتشف والد إحدى الضحية الأمر من خلال تسجيل صوتي في هاتف ابنته، يحمل الكثير من عبارات التحرش والألفاظ الإباحية.

تم توقيف الحارس، وبعد أن فرّ الأستاذ من وجه العدالة، تمكنت القوى الأمنية من القبض عليه، لتسارع إدارة المدرسة وتعلن أنها فصلت منذ ما يقارب شهرين، وكذلك عامل الحراسة منذ أكتوبر.

وشددت الإدارة على أن "المدير ليس متهماً، بل في حالة تحقيق، كونه رئيس المدرسة ولا بدّ من إجراءات قانونية استلزمت أن يدليَ بشهادته".

ولم تسلم ذوات الاحتياجات الخاصة من الاعتداءات الجنسية، فبتاريخ 9 مايو، توافرت معلومات لدى فصيلة عدلون في وحدة الدرك الإقليمي، حول إقدام رجل يبلغ من العمر 53 سنة بالاعتداء جنسياً على فتاة قاصر من ذوات الاحتياجات الخاصة من الناحية العقلية من مواليد 2007 لبنانية، وذلك في بلدة السكسكية جنوب لبنان.

استدرج عناصر من الفصيلة المجرم وأوقفته، قبل أن تحيله إلى مكتب حماية الآداب ومكافحة الإتجار بالأشخاص للتوسّع بالتحقيق. وبعد الاستماع إلى الضحية بحضور مندوبة الأحداث، جرى توقيفه.

وبحسب ما أوردته وسائل إعلام لبنانية، فإن المعتدي هو جار الطفلة الضحية، وقد اصطحبها مع زوجته وابنته إلى إحدى الحدائق العامة. لتعود بعدها زوجته مع ابنتهما إلى المنزل بصحبة أحد الجيران، بينما توكّل هو بتوصيل الفتاة إلى منزل أهلها، وبدلاً من ذلك أوقف السيارة على الطريق ثم قام باغتصابها مرتين.

بعد تسليم الطفلة إلى أهلها، لاحظت والدتها علامات التوتر والخوف عليها، لتكشف الطفلة فيما بعد إلى إحدى الجارات بما حدث معها، فتقدمت العائلة بشكوى ضد المجرم.

عوامل مساهمة

سجل لبنان ارتفاعاً في حالات العنف الجنسي ضد الأطفال بين عامي 2022 و2023، من 10% إلى 12%، وفقاً لجمعية "حماية"، وتوزعت حالات العنف المسجلة بين 46% للإناث و54% للذكور.

وبلغ عدد الحالات المتابعة من قبل الجمعية منذ تأسيسها عام 2008 حتى عام 2023، بحسب ما كشفته منسقة برنامج التوعية في الجمعية، آمنة حمادي "2240 حالة، 22% منها كانت عرضة للعنف الجسدي، و26% للإهمال، و16% للاستغلال الجنسي، و11% للعنف الجنسي".

ترجع حمادي الارتفاع في حالات العنف الجنسي ضد الأطفال إلى جملة من العوامل، أبرزها وفقاً لما تقوله لموقع "الحرة" "قلة الوعي المجتمعي بمخاطر الاعتداء الجنسي على الأطفال وكيفية الوقاية منه، فضلاً عن الظروف الاقتصادية الصعبة التي قد تدفع البعض إلى استغلال الأطفال، والتفكك الأسري الذي يخلق بيئة خصبة لمثل هذه الجرائم، إضافة إلى نقص البرامج الوقائية والتثقيفية في المدارس والمجتمع، وضعف الرقابة الإلكترونية التي تعرّض الأطفال للاستغلال عبر الإنترنت".

كما تحذّر الخبيرة بالحماية الأسرية، رنا غنوي من ازدياد ظاهرة الاعتداء على الأطفال في لبنان، موضحة في حديث لموقع "الحرة" أن "الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتراكمة التي يعاني منها لبنان منذ عام 2019، أدّت إلى ارتفاع معدل الجرائم بما في ذلك الاعتداء الجنسي على الأطفال"، مشيرة إلى أن تهالك آليات تطبيق القوانين وتغييب دور السلطات التنفيذية ساهما في تفاقم هذه الآفة، حيث "يشعر المجرمون بحرية أكبر لارتكاب جرائمهم في شبه غياب لمنظومة المحاسبة".

كذلك تشير مديرة جمعية "مفتاح الحياة"، الأخصائية النفسية والاجتماعية، لانا قصقص، إلى ازدياد مقلق في حوادث الاعتداء على الأطفال في لبنان، مدفوعاً بأزمة اقتصادية واجتماعية خانقة، وضعف القوانين والبنية التشريعية، وعدم تطبيق القوانين الحالية.

يضاف إلى ذلك كما تقول قصقص لموقع "الحرة"، "نقص الوعي في تعليم الأطفال حول حقوقهم وكيفية حمايتها في ظل تقاليد ومعتقدات ثقافية واجتماعية تسهّل عمليات الاعتداء الجنسي عليهم، حيث يتساهل الأهل مع بعض التصرفات ذات الطبيعة الجنسية ما يجعل الأطفال يعتقدونها طبيعية".

أما الأستاذة الجامعية والباحثة الاجتماعية، البروفيسورة وديعة الأميوني، فترجع أسباب ازدياد حالات العنف الجنسي ضد الأطفال في لبنان إلى "انتشار التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي، ما جعل الأطفال أكثر عرضة للمخاطر عبر الإنترنت، مثل التحرش الجنسي".

إضافة إلى تدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي في لبنان الذي قد يزيد وفق ما تقوله الأميوني لموقع "الحرة" "من حدوث حالات العنف الجنسي ضد الأطفال، حيث يمكن أن تؤدي الضغوط المالية على الأسر إلى ترك الأطفال بمفردهم أو تعريضهم للمخاطر، كما قد يكون هناك نقصاً في التوعية حول الأمور المتعلقة بحماية الأطفال من الاستغلال الجنسي والتحرش في المجتمع والأسرة".

يلاحظ من الأرقام ارتفاع نسبة العنف الجنسي ضد الذكور أكثر من الإناث، عن ذلك تعلّق غنوي أن أحد أهم الأسباب وراء ذلك هو "الوصمة المضاعفة التي تلحق بالفتيات عند تعرّضهن للاعتداء. فالأمر بالنسبة للأهل صعب للغاية، وفي حال اضطروا إلى التبليغ، نجد أنهم يقدمون على ذلك بشكل أقل بكثير عندما تكون الضحية فتاة مقارنة بولد، لأن المجتمع يربط شرف الفتاة بوجود غشاء بكارة، بينما لا يطبق هذا المعيار على الذكور".

ونتيجة لهذه المعتقدات الخاطئة، يصبح الأهل كما تقول غنوي "مُحمّلين بوصمة عار ترافقهم طوال حياتهم في حال تعرّضت ابنتهم للاعتداء".

يذكر أن العنف الجنسي يتكون بحسب الأمم المتحدة "من مجموعة من الأفعال الجنسية الممارسة ضد الطفل، منها، على سبيل المثال لا الحصر، الانتهاك الجنسي للأطفال، وسفاح المحارم، والاغتصاب، والعنف الجنسي في سياق المواعدة/العلاقات الحميمة، والاستغلال الجنسي، والانتهاك الجنسي عبر الإنترنت، والانتهاك الجنسي دون اتصال".

تغيرات يجب التنبه إليها

جملة من التغيرات قد تدل على تعرض الطفل للاعتداء الجنسي، تشمل بحسب حمادي "التغيرات الاجتماعية والسلوكية مثل العزلة كالابتعاد عن الأصدقاء ورفض ممارسة الأنشطة، وفرط الخوف، وسرعة الغضب، والتغيرات الجسدية كظهور الكدمات وآلام خلال المشي أو الجلوس، وأمراض في الأجهزة التناسلية، والتغيرات النفسية مثل الاكتئاب، القلق، واضطرابات النوم، والتغيرات الأكاديمية مثل تراجع التحصيل الدراسي ورفض الذهاب إلى المدرسة".

كما تشير قصقص إلى الأعراض التي يجب على الأهل الانتباه لها، مثل "تغيرات في سلوكيات الطفل كزيادة العدوانية أو اضطرابات النوم أو الأكل، وإصابات جسدية غير مبررة، والخوف أو القلق أو عدم الارتياح عند التواجد مع شخص معين".

أما التداعيات النفسية والاجتماعية التي تظهر على الأطفال الذين يتعرضون لاعتداء جنسي، فتشمل بحسب قصقص "اضطراب ما بعد الصدمة، والقلق والاكتئاب، ومشاكل في العلاقات الاجتماعية والتواصل، وتراجع في الأداء الأكاديمي، والمعاناة من أمراض منقولة أو حمل غير مرغوب فيه".

مكافحة جرائم الاعتداء الجنسي على الأطفال، مسؤولية جماعية كما تشدد غنوي "تتطلب تضافر الجهود من قبل جميع أفراد المجتمع والوزارات المعنية".

وتؤكد غنوي على أن المسؤولية الأولى تقع على عاتق الأهل، إذ "من الطبيعي أن يمر الأطفال في مرحلة يستكشفون فيها أجسادهم، وقد يتعرضون خلالها للاستغلال والابتزاز الجنسي، وعلى الوالدين تمكينهم من مهارات كيفية حماية أنفسهم وفق كل مرحلة عمرية يمرون بها".

كما يقع على الوالدين "توفير بيئة آمنة وداعمة لأطفالهم من خلال تشجيعهم على التحدث عن أي تجارب صعبة يمرون بها دون خوف من اللوم أو العقاب، وتلقف ما يقولونه باحترام وخصوصية وسرية، بمعنى عدم تكريس ثقافة الذنب لديهم، بل احتضانهم وإفهامهم أن لكل مشكلة حل، وأن مرورهم بهذه التجربة هو حادث عرضي".

كلام غنوي تشدد عليه الأميوني قائلة "يجب أن توفّر الأسر بيئة آمنة وداعمة للأطفال، وتشجيع الثقة بين الأطفال وأفراد الأسرة للإبلاغ عن أي حالات تحرش أو استغلال قد يتعرضون لها. كما ينبغي تعزيز التوعية حول مخاطر التحرش والاستغلال الجنسي وكيفية الوقاية منها داخل الأسرة."

كدلك تشدد حمادي على دور الأسرة المحوري في حماية الأطفال من الاعتداءات الجنسية من خلال "توعيتهم حول خصوصية أجسادهم وحقوقهم، وخلق بيئة تواصل مفتوحة من خلال الاستماع باهتمام لهم من دون لوم أو عتاب، وتعليمهم أن التحدث عن مشاكلهم ليس عيباً، كي يشعروا بالأمان والثقة ما يشجعهم على التعبير بحرية، وتقديم الدعم النفسي لهم من خلال مختصين نفسيين أو اجتماعيين في حال احتاجوا ذلك".

وتدعو حمادي الأهل إلى "مراقبة أطفالها ومتابعتهم لمعرفة من يتعامل معهم وأين يقضون وقتهم، وتعليمهم قول 'لا' عندما يشعرون بعدم الراحة أو الخطر، وكذلك مراقبة أنشطتهم الإلكترونية وتوعيتهم بمخاطر الإنترنت".

من جانبها ترى قصقص ضرورة أن "تعلّم الأسرة أطفالها حقوقهم وكيفية احترام أجسادهم والدفاع عن أنفسهم، وبناء ثقة الأطفال بأنفسهم وتطوير مهاراتهم الاجتماعية والعاطفية، وتشجيعهم على التعبير عن مشاعرهم ومشاركة ما يمرون به، والإشراف عليهم ومراقبة محيطهم، والانتباه إلى أي علامات تدل على تعرضهم للاعتداء، وتقديم الدعم والرعاية لهم، وتبليغ القوى الأمنية، ومتابعة العلاج النفسي لمساعدتهم على تجاوز المحنة".

دور المجتمع

من جهة ثانية يلعب المجتمع، بحسب غنوي، دوراً هاماً في مكافحة هذه الجريمة الشنعاء، "لاسيما وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وذلك من خلال رفع مستوى الوعي حول مخاطر هذه الظاهرة، ونشر ثقافة الحماية"، مؤكدة كذلك على ضرورة "تعديل المناهج الدراسية لدمج محتوى يتناول الحماية الاجتماعية".

وعلى صعيد دور المجتمع في حماية الأطفال، تؤكد حمادي على ضرورة "تعزيز الوعي المجتمعي من خلال حملات توعوية مكثفة عبر مختلف الوسائل، وإشراك المنظمات غير الحكومية في جهود التوعية والوقاية، والتعاون مع المدارس لتقديم برامج تثقيفية للأطفال

والمعلمين، وتدريب الكوادر المجتمعية على كيفية التعرف على حالات الاستغلال الجنسي والمسار الذي يجب اتباعه لإحالتها إلى الجهات المختصة".

كذلك ترى قصقص ضرورة "تعزيز الوعي المجتمعي حول مخاطر التكنولوجيا وعدم نشر معلومات مضللة أو المساهمة في التنمر الإلكتروني، واستخدام التكنولوجيا لنشر محتوى توعوي حول حماية الأطفال، وتطوير استراتيجيات لحمايتهم من استغلال الإنترنت، وتنظيم حملات توعية في مختلف وسائل الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني".

وحول تعزيز الوعي المجتمعي تدعو الأميوني إلى "تنظيم حملات توعية وندوات للمجتمع حول مخاطر التحرش والاستغلال الجنسي. واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام لنشر المعرفة وتعزيز الوعي حول هذه القضية."

وتشير الأميوني إلى أهمية "تضمين مواضيع حماية الطفل في المناهج الدراسية وبرامج التثقيف، وتنظيم فعاليات وورش عمل للطلاب والمعلمين حول كيفية التعرف على علامات التحرش والاستغلال الجنسي وكيفية الوقاية منها."

كما تتحمل السلطات التنفيذية مسؤولية كبرى في هذا المجال، بحسب غنوي "لكن تقصيرها وغياب هيبتها أدّيا إلى ازدياد اعتماد المجتمع على الجمعيات المدنية، التي نعول عليها في نشر ثقافة الوعي والتبليغ عن الجرائم المرتكبة وتطبيق القوانين المرعية الإجراء، مثل القانون 422 (قانون الأحداث، الذي يحفظ حقوق القصّر المخالفين للقانون الجزائي والأطفال المعرضين للخطر والأطفال ضحايا جرم جزائي في جميع المراحل القضائية، وكذلك قانون حماية المرأة وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري 293".

وعن دور الجمعيات في حماية الأطفال من العنف الجنسي، تقول حمادي "يقع على عاتقها تقديم الدعم النفسي والقانوني للضحية وعائلتها، وتنفيذ برامج توعوية وقائية في المدارس والمجتمع، وتدريب وتمكين الكوادر المعنية للتعامل مع حالات الاستغلال الجنسي، والضغط على الجهات الحكومية لتحسين القوانين وتطبيقها، وتوفير خطوط ساخنة للتبليغ عن الحالات".

ولتعزيز دور الجمعيات غير الحكومية، تشدد حمادي على ضرورة "زيادة دعمها وتمويلها، والتعاون مع جميع الجهات المعنية لتعزيز الجهود المشتركة".

ورغم أهمية دور الجمعيات غير الحكومية، إلا أن غنوي ترى على أن المطلوب هو "تعاونها مع السلطة التنفيذية لا أن تحل مكانها، وأن يضعا سوية آليات فعّالة تضمن تطبيق القوانين بشكل صارم ونشر ثقافة الوعي"، مشددة على ضرورة "محاسبة أي جمعية أو منظمة تقصر في واجباتها". 

عقوبات قاسية.. ولكن

وفقاً للقانون اللبناني، تحديداً المادة 503 وما يليها من قانون العقوبات، يتم تصنيف اغتصاب الأطفال كجريمة خطيرة (جناية)، وفقاً لما يقوله رئيس مؤسسة JUSTICIA الحقوقية في بيروت والعميد في الجامعة الدولية للأعمال في ستراسبورغ، المحامي الدكتور بول مرقص "ويعاقب عليها بعقوبات قاسية. تتضمن العقوبات الأشغال الشاقة، لا تقل عن 7 سنوات وقد تصل لفترات طويلة كما المؤبد في بعض الحالات، خصوصاً إذا كانت الضحية تحت سن 12 عاماً".

ويفصّل مرقص لموقع "الحرة" عقوبات الاغتصاب، قائلاً "في حالات اغتصاب القاصرين الذين تقل أعمارهم عن 15 عاماً، تنص المادة 503 وما يليها من قانون العقوبات على معاقبة الجاني بالأشغال الشاقة لمدة لا تقل عن 7 سنوات".

أما في الحالات التي يكون فيها الجاني من أصول الضحية أو من المكلفين برعايتها أو له سلطة عليها، وتكون الضحية دون 12 عاماً، "فإن العقوبة تتضاعف. ويعاقب الجاني في هذه الحالة بالأشغال الشاقة لمدة لا تقل عن 9 سنوات، وفقًا للمادة 506 من قانون العقوبات اللبناني".

وعن الفجوات في التشريعات اللبنانية يشرح مرقص:

-غياب حماية كافية للشهود والضحايا: في كثير من الحالات، يتعرض الشهود والضحايا لضغوط اجتماعية وعائلية للتنازل عن الشكاوى أو عدم التبليغ عن الجريمة.

-الثغرات في التنفيذ: هناك ضعف في التنفيذ الفعلي للقوانين والعقوبات بسبب التأثيرات الاجتماعية والسياسية، وأحياناً بسبب الفساد.

-ضعف في التوعية والتثقيف: هناك نقص في البرامج التوعوية التي تهدف إلى توعية الأطفال وأولياء الأمور بمخاطر التحرش والاغتصاب وكيفية الوقاية منه.

ويوصي مرقص بعدة أمور:

-تعديل القوانين لتعزيز الحماية: ينبغي تشديد العقوبات لتكون رادعة بشكل أكبر، وتوسيع نطاق الحماية لتشمل جميع أنواع الاعتداءات الجنسية على الأطفال بالوسائل كافّة.

-تعزيز برامج التوعية والتثقيف: يجب تنفيذ برامج تثقيفية شاملة في المدارس والمجتمعات المحلية لتوعية الأطفال والأهالي بمخاطر الاعتداءات الجنسية وكيفية الوقاية منها.

-توفير الدعم النفسي والقانوني للضحايا: إنشاء مراكز متخصصة لتقديم الدعم النفسي والقانوني للضحايا والشهود لضمان حصولهم على المساعدة اللازمة للتعافي ومتابعة الإجراءات القانونية.

-تعزيز آليات الشكاوى والملاحقة القضائية: يجب تحسين آليات تقديم الشكاوى وتسهيل إجراءات الملاحقة القضائية لضمان عدم إفلات الفاعل من العقاب.

-تطبيق القوانين مرعية الإجراء منها أحكام قانون حماية الاحداث المخالفين للقانون أو المعرضين للخطر رقم 422/2002، لاسيّما المادة 26 منه، التي تعطي لقاضي الأحداث دور كبير ومهم جداً في تقصي البيئة التي يعيش فيها الطفل كما واتخاذ تدابير الحماية اللازمة تلقائياً في الحالات التي تستدعي العجلة، مما يساهم ولو على نحو غير مباشر في تفادي وقوع هكذا جرائم.

-تفعيل دور النيابة العامة أكثر في هذا المجال لتقصي وضع الاطفال الذين هم في خطر أو معرّضين لأذى داخل منازلهم، كما وتكريس عدد أكبر من المساعدين الاجتماعيين المختصين لهذه القضايا حمايةً للأطفالنا ومنعاً لحدوث جرائم مروّعة كهذه بحقهم.

من خلال تنفيذ هذه التوصيات، يمكن بحسب مرقص "تحسين حماية الأطفال في لبنان من جرائم الاغتصاب والاعتداء الجنسي بشكل أفضل".

مقالات مشابهة

  • بعد عصابة التيك توك.. جرائم جنسية مروعة ضد الأطفال تهز لبنان
  • حريق في مستوطنة إسرائيلية بعد سقوط قذائف صاروخية من لبنان
  • فضل الله: إبقاء ملف النازحين مفتوحا من دون معالجة قد يُشكّل خطرا وجوديا على لبنان
  • أزمة النازحين: هل تنجح مساعي مصر والأردن والعراق للتواصل بين بيروت ودمشق ؟
  • قطر تستعجل وقف النار... وجنبلاط بركز على ملف النزوح
  • بلينكن: لا أستطيع تحديد أي أسلحة جرى استخدامها خلال الغارة الإسرائيلية على مخيم النازحين
  • نساء غزّة يبتكرن سبلًا للعيش مع استمرار الحرب
  • حماس تدين موقف إدارة بايدن من المجازر الإسرائيلية في رفح
  • فنادق جنوب لبنان.. من مراكز للحجر الصحي إلى مأوى للنازحين
  • بو حبيب تابع في بروكسل ملف النزوح السوري