فايننشال تايمز: بايدن نفذ صبره من نتنياهو وعميلة رفح قد تكون حاسمة في علاقتهما
تاريخ النشر: 17th, February 2024 GMT
العملية المكثفة في رفح، قد تكون ضربة حاسمة للعلاقة المتدهورة بين إسرائيل وإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي بدأ صبره ينفذ من إصرار رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتياهو، على مواصلة عملياته العسكرية في غزة.
هكذا تحدثت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية في تقرير ترجمه "الخليج الجديد"، لافتة إلى أن بايدن يدرس التكلفة السياسية التي قد تترتب على الحفاظ على الوضع الراهن مع إسرائيل، بينما يتجه إلى معركة صعبة لإعادة انتخابه هذا الخريف، ربما ضد منافسه دونالد ترامب.
وبعد أيام فقط من وصف بايدن سلوك الرد الإسرائيلي على هجمات "حماس" في 7 أكتوبر/تشرين الأول بأنه "فوق القمة" (مبالغ فيه)، قدم الرئيس الأمريكي طلبا محددا وفوريا الإثنين، وقال إن العملية العسكرية المخطط لها في رفح "لا ينبغي أن تستمر"، دون "خطة ذات مصداقية، وذلك "لضمان عدم تعرض الأشخاص هناك للأذى".
وأضاف الرئيس أنهم "مكشوفون وضعفاء وبحاجة إلى الحماية."
ولجأ إلى رفح المدينة الواقعة على طول الحدود مع مصر نحو 1.5 مليون شخص (أكثر من نصف سكان غزة)، بحثاً عن ملاذ آمن، بعد أن أجبروا على ترك منازلهم، جراء العملية العسكرية في القطاع، والمستمرة منذ 134 يوما.
ولم يذكر بايدن تفاصيل العواقب، ولم يدين الهجوم المحتمل على رفح بعبارات صارخة، مثل حلفاء الولايات المتحدة مثل أستراليا وكندا ونيوزيلندا، الذين أصدر قادتهم بيانا مشتركا هذا الأسبوع حذروا فيه من أن العملية ستكون "كارثية".
اقرأ أيضاً
بعد مكالمة الـ40 دقيقة مع بايدن.. نتنياهو يجدد رفضه الاعتراف بالدولة الفلسطينية
لكنه أوضح الجمعة أن "توقعه" هو أن الإسرائيليين لن يقوموا بأي "غزو بري واسع النطاق"، بينما كانت المفاوضات بشأن وقف مؤقت لإطلاق النار للسماح بالإفراج عن الأسرى الذين تحتجزهم "حماس" مستمرة.
وتشير هذه التصريحات الفظة إلى مصير رفح كنقطة تحول محتملة في العلاقة بين واشنطن والقدس، والصراع في الشرق الأوسط، وفق الصحيفة.
ووقف المسؤولون الأمريكيون، بما في ذلك بايدن، باستمرار إلى جانب إسرائيل منذ بدء صراعها ضد "حماس"، لكن تسامحهم يؤدي بسرعة إلى تآكل نهج نتنياهو تجاهها، والأزمة الإنسانية المتفاقمة.
وتقول وزارة الصحة في غزة، إن الغارات الإسرائيلية خلفت أكثر من 28 ألف شهيد، ونحو 70 ألف جريح، كما دمرت حوالي 80% من المنازل والمباني في شمال غزة.
وتحذر وكالات الأمم المتحدة من أن ربع سكان القطاع على الأقل معرضون لخطر المجاعة.
وضغطت الولايات المتحدة في الأسابيع الأخيرة على إسرائيل للسماح بدخول المزيد من المساعدات إلى غزة، والعمل مع السلطة الفلسطينية لصياغة خطة ما بعد الحرب، ومعالجة الاضطرابات المتفاقمة في الضفة الغربية، ولكن دون نجاح.
اقرأ أيضاً
ستريت جورنال: اقتراب اجتياح رفح يرفع علاقة بايدن ونتنياهو إلي نقطة الغليان
وكانت واشنطن تأمل وتتوقع أيضاً أن تكون إسرائيل قد حولت عملياتها الآن إلى استراتيجية أقل كثافة لمكافحة الإرهاب، ولكن فيما يتعلق برفح يبدو أنها تخطط لعكس ذلك تماماً.
وتعهد نتنياهو الأربعاء بـ"تحرك قوي" في المدينة لتحقيق "النصر الكامل" في غزة، وقال إنه سيتم السماح للمدنيين بالمغادرة، ولكن مع إغلاق الحدود المصرية، لم يعد هناك مكان آخر يمكنهم الفرار إليه.
وإذا تجاهلت إسرائيل تحذير بايدن وواصلت هجوماً برياً شديد الوطأة في المدينة غير آبهة بحياة المدنيين، فإن ذلك سيضر بالجهود الرامية إلى التوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح الأسرى والمحاولات الدبلوماسية للتوسط في تسوية أوسع للصراع الإسرائيلي الفلسطيني الذي طال أمده، وفق "فايننشال تايمز".
لكنه قد يؤدي أيضًا إلى وصول العلاقة المتوترة بين بايدن ونتنياهو إلى نقطة الانهيار، ويهدد برد فعل عنيف أوسع من الديمقراطيين في "الكابيتول هيل"، حيث يأمل الرئيس الأمريكي في تعزيز دعم الحزب قبل محاولته إعادة انتخابه في نوفمبر/تشرين الثاني.
والأسوأ من ذلك، حسب الصحيفة، أن تحدي إسرائيل المستمر، وإحجام الولايات المتحدة عن الاستفادة من نفوذها الذي لا مثيل له على البلاد، يغذي الشكوك حول مدى النفوذ الحقيقي الذي تتمتع به الولايات المتحدة في المنطقة التي سعت إلى السيطرة عليها لعقود من الزمن، كما يزيد من تشويه مكانتها وصورتها في العالمين العربي والإسلامي.
يقول أستاذ الشؤون الدولية والشرق الأوسط بجامعة جونز هوبكنز فالي نصر، إن "التصور هو أن الولايات المتحدة لا تستطيع ولن تمارس ضغطًا كافيًا على إسرائيل لتحقيق مرادها، ويمكن لإسرائيل بسهولة أن تقاوم أهم قوة عظمى في العالم والمتبرع الرئيسي لها".
اقرأ أيضاً
هل يعمل نتنياهو على إسقاط بايدن؟
ويضيف: "تبدو الولايات المتحدة ضعيفة أمام العالم، وخاصة في الشرق الأوسط".
فيما يلفت عضو الكونجرس الديمقراطي من كولورادو جيسون كرو، إلى تصاعد القلق في بعض أنحاء واشنطن من احتمال انتقال الهجوم الإسرائيلي إلى رفح.
ويتابع: "لقد أذهلني بصراحة هذا النهج.. لا أعرف ما الذي يحاولون تحقيقه".
ويزيد: "إذا لم تحمي المدنيين، وإذا لم تكن أكثر دقة في عملياتك العسكرية، فإن ذلك يخلق مشاكل أكثر، وما نراه هنا الآن هو رد فعل سلبي هائل ضد إسرائيل، وهو ما لا يجعلها أكثر أمانا".
ويقول كرو، وهو عضو في لجنتي الشؤون الخارجية والاستخبارات بمجلس النواب، إن بايدن بحاجة إلى أن يكون أكثر حزما مع نتنياهو.
ويزيد: "لقد حان الوقت لنكون واضحين للغاية، بأن الولايات المتحدة لن تدعم هجوماً برياً في رفح، وسيؤدي ذلك إلى عرقلة فرص السلام، وسوف يعرقل فرصنا في تأمين صفقة الرهائن.. سيكون الأمر صعبًا للغاية بالنسبة للأمن القومي الأمريكي في المنطقة".
اقرأ أيضاً
كاتب أمريكي: إحباط بايدن من نتنياهو "حديث للاستهلاك المحلي"
واستخدم أعضاء آخرون في حزب بايدن مصطلحات أقوى، حيث قال السيناتور عن ولاية ماريلاند كريس فان هولين، في خطاب ألقاه في قاعة مجلس الشيوخ الإثنين، إن "الحجب المتقن" للمساعدات المقدمة لغزة من قبل إسرائيل هو "جريمة حرب نموذجية.. والسؤال الآن هو: ماذا ستفعل الولايات المتحدة؟ ماذا سنفعل؟ ماذا سيفعل بايدن؟".
وأضاف: "الجواب في الكابيتول هيل، حيث يظل الدعم لإسرائيل يشكل حجر الأساس الذي لا يتزعزع للسياسة الخارجية الأمريكية".
وصوت حوالي 70 من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي من أصل 100 لصالح مشروع قانون تمويل الأمن القومي الذي قدمه بايدن بقيمة 95 مليار دولار هذا الأسبوع، والذي تضمن أموالاً لإسرائيل وكذلك أوكرانيا وتايوان.
ومن غير الواضح، ما إذا كان التشريع سيوافق على مجلس النواب الذي يسيطر عليه الجمهوريون، ولكن عدم اليقين هذا يرجع في الأساس إلى ردة الفعل العنيفة ضد المساعدات لأوكرانيا، وليس المساعدات لإسرائيل، وتعنتهم بشأن سياسات الهجرة على الحدود مع المكسيك.
واتخذ البيت الأبيض بعض الخطوات التي من شأنها إحباط إسرائيل.
وفي الأول من فبراير/شباط، اتخذت خطوة نادرة بفرض عقوبات مالية على 4 مستوطنين إسرائيليين بسبب أعمال العنف المتطرفة في الضفة الغربية المحتلة.
اقرأ أيضاً
بايدن لمستشاريه: نتنياهو يتجاهل النصائح ويعرقل جهود تخفيف أزمة بغزة
وأصدرت الأسبوع الماضي مذكرة للأمن القومي تتطلب استخدام أي مساعدات عسكرية أمريكية بما يتوافق مع القانون الإنساني الدولي، في تلميح إلى تطبيق أكثر صرامة للقوانين الأمريكية التي قد تفرض شروطا على مبيعات الأسلحة لإسرائيل.
لكن إدارة بايدن لم تكن مستعدة للذهاب إلى أبعد من ذلك، ولم تهدد بحجب المساعدات العسكرية، وتواصل الضغط على الكونجرس للموافقة على مساعدات تزيد عن 14 مليار دولار لإسرائيل.
كما أنها لم تتحرك للاعتراف رسميًا بالدولة الفلسطينية، الأمر الذي من شأنه أن يعزز التزام الولايات المتحدة بحل الدولتين، ولكن إسرائيل تعارضه.
خلف الكواليس، يقول المحللون إن بايدن أوضح لنتنياهو أنه سيحتاج في النهاية إلى اتخاذ خيارات صعبة لإنهاء الصراع والتحرك نحو تسوية طويلة الأمد مع الفلسطينيين.
يقول مفاوض السلام السابق في الشرق الأوسط الذي خدم في عهد ثلاثة رؤساء وهو مستشار في معهد واشنطن دينيس روس: "يميل بايدن إلى أن يكون مباشراً إلى حد ما، خاصة في المناسبات الخاصة، لذلك لا أعتقد أنه يترك الكثير للخيال".
ويعرف الزعيمان بعضهما البعض منذ 40 عاما لكن نادرا ما يلتقيان وجها لوجه.
اقرأ أيضاً
بعد أن دعمه علنا.. بايدن يزدري نتنياهو و يصفه بالأحمق سرا
وفي حفل استقبال بمناسبة عيد الحانوكا في البيت الأبيض في ديسمبر/كانون الأول، أعاد بايدن صياغة حكاية مفضلة عن نتنياهو، فقد وصف كيف يعرض الزعيم الإسرائيلي صورة في مكتبه لهما عندما التقيا للمرة الأولى عندما كانا شابين، وكتب بايدن عليها "بيبي.. أنا أحبك، لكنني لا أتفق مع أي شيء يجب أن تقوله".
ومنذ ذلك الحين، أصبحت التوترات في العلاقة أكثر وضوحا.
وكانت الأسابيع القليلة الماضية هي الأكثر برودة بين بايدن ونتنياهو منذ هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول، التي نفذتها "حماس"، عندما قُتل ما لا يقل عن 1200 إسرائيلي واحتجز المئات كأسرى.
وكانت هناك تقارير على قناتي "إن بي سي" و"بوليتيكو"، تفيد بأن بايدن كان غاضبًا بشكل خاص من نتنياهو، لدرجة أنه وصفه بـ"الأحمق" و"الرجل السيئ".
وعلى الرغم من الخلافات، يقول البيت الأبيض إن الاثنين واصلا الحديث، بما في ذلك محادثتان منفصلتان هذا الأسبوع.
في الواقع، وحسب "فايننشال تايمز" يشير المسؤولون الأمريكيون الحاليون والسابقون إلى أن بايدن يتمتع بخبرة كبيرة في التعامل مع نتنياهو، ويدرك مدى الصعوبة التي يمكن أن يواجهها.
اقرأ أيضاً
بايدن لنتنياهو: لا عملية عسكرية في رفح دون خطة لحماية المدنيين
يقول سفير الولايات المتحدة السابق لدى إسرائيل مارتن إنديك: "يعرف بايدن من تجربته الطويلة مع نتنياهو أنه سيضع دائما بقائه السياسي فوق مصالح الدولة".
ويضيف: "على الرغم من إحباطهم المتزايد، لا يرى مسؤولو إدارة بايدن أي بديل فوري للعمل مع نتنياهو، ويدركون أنه ربما يكون محاورهم الوحيد إذا كانوا يريدون إنهاء الحرب عاجلاً وليس آجلاً".
ويتابع: "نتنياهو هو رئيس الوزراء الإسرائيلي، وعلى الرغم من كل الحديث عن إسقاط حكومته، فإن هذا لا يبدو في الأفق".
والسؤال الذي يتردد في ذهن بايدن هو ما هي التكلفة السياسية التي قد تترتب على الحفاظ على الوضع الراهن مع إسرائيل، بينما يتجه إلى معركة صعبة لإعادة انتخابه هذا الخريف، ربما ضد منافسه دونالد ترامب.
ويعتقد مساعدو بايدن أن دعمه القوي لإسرائيل في أعقاب هجمات أكتوبر/تشرين الأول، يتماشى إلى حد كبير مع آراء الجمهور الأمريكي، لكن المزاج قد يتغير.
وأظهر استطلاع للرأي أجرته (AP-NORC) في يناير/كانون الثاني، أن 50% من البالغين الأمريكيين، بما في ذلك أغلبية متزايدة من الديمقراطيين وأغلبية المستقلين، يعتقدون أن الرد العسكري الإسرائيلي في غزة "تجاوز الحدود"، مقارنة بـ40% في أوائل نوفمبر/تشرين الثاني.
اقرأ أيضاً
نتنياهو: لم أتكلم مع بايدن منذ انتقد العملية العسكرية في غزة.. ومكالمة متوقعة اليوم
ومما يزيد الأمور تعقيدًا بالنسبة لبايدن، فإن المجتمعات العربية الأمريكية التي تصوت تقليديًا للديمقراطيين في الولايات المتأرجحة الرئيسية مثل ميشيغان، يمكن أن تعاني من انخفاض نسبة الإقبال أو تشهد حصة أكبر من الأصوات لمرشحي الطرف الثالث، حيث يسعى السكان للاحتجاج على السياسة الأمريكية.
وفي الأسبوع الماضي، سافر العديد من كبار مساعدي بايدن، بما في ذلك نائب مستشار الأمن القومي جون فاينر، إلى ميشيغان لمعالجة مخاوفهم.
وفي تسجيل مسرب، قال فاينر إن إدارة بايدن تركت "انطباعًا ضارًا" حول مدى تقدير الولايات المتحدة لحياة الفلسطينيين، وأعرب عن أسفه بشأن "الخطوات الخاطئة" التي اتخذتها الإدارة في التعامل مع الصراع.
لكن مثل هذا الندم، قد يتبين أنه لا معنى له، إذا اعتبرت إدارة بايدن عاجزة عن منع عملية رفح.
ويمكن أن ينتشر الاستياء إلى أجزاء أخرى من ائتلاف بايدن، وخاصة الشباب الذين يميل تعاطفهم نحو الفلسطينيين.
وأظهر استطلاع للرأي أجرته صحيفة "نيويورك تايمز" بالتعاون مع كلية "سيينا" في ديسمبر/كانون الأول، أن 46% من الناخبين الأمريكيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاما يتعاطفون أكثر مع الفلسطينيين، مقارنة بـ27% قالوا نفس الشيء عن إسرائيل.
اقرأ أيضاً
واشنطن بوست: لـ3 أسباب بايدن يقترب من القطيعة مع نتنياهو
المصدر | فايننشال تايمز - ترجمة وتحرير الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: بايدن نتنياهو إسرائيل حرب غزة الانتخابات الأمريكية الولایات المتحدة فایننشال تایمز إدارة بایدن مع نتنیاهو بما فی ذلک اقرأ أیضا إلى أن فی غزة فی رفح
إقرأ أيضاً:
ماذا نعرف عن مشروع التهويد الأخضر الذي تنفذه إسرائيل؟
طالما ارتبط مشروع تهويد القدس بمحاولات إحكام الاحتلال فرض السيطرة على الأرض، وإقصاء الهوية الأصيلة، ومن بين وسائل التهويد التي لا يتم تسليط الضوء عليها "التشجير الاستيطاني"، وقد عاد الحديث عنها تزامنًا مع الحرائق الضخمة التي اندلعت في القدس المحتلة في نهاية شهر أبريل/ نيسان الماضي، وكيف أسهمت هذه النباتات الدخيلة في مفاقمة الحرائق واتساع رقعتها، لتطال أكثر من 100 موقع في جبال القدس المحتلة، وهو ما أجبر الاحتلال على طلب المساعدة وإخلاء المستوطنين من مناطق الحرائق وغيرها من الإجراءات.
ونسلّط الضوء في هذا المقال على جانبٍ منسيّ من تهويد شطري القدس المحتلة مرتبطٍ بالحدائق والتشجير، ونقدّم من خلاله إطلالة على تاريخ هذا النمط الخفيّ من التهويد، وكيف وظف المشروع الصهيوني الغابات لتحقيق أهدافه في السيطرة على الأرض الفلسطينية، وإخفاء القرى العربية، واستمرار هذا الأسلوب حتى يومنا هذا، من خلال "الحدائق التوراتية" التي تحاصر الشطر الشرقي من القدس المحتلة.
من البدايات إلى ملايين الأشجار الدخيلةبدأ الاستيطان في القدس بشكلٍ مبكر، فتوازيًا مع توسع الأحياء الفلسطينية خارج البلدة القديمة، استطاع بعض الأثرياء إنشاء أحياء يهودية خارج حدود البلدة القديمة، أُقيم حي "يمين موشيه" في منطقة جورة العناب في عام 1850، وهو أول الأحياء اليهودية التي أُقيمت في القدس، وقد اشتراه السير موشيه مونتيفيوري في عام 1854، تلاه حي "مئاه شعاريم" في منطقة المصرارة، و"ماقور حابيم" في المسكوبية في عام 1858، واستطاع مونتيفيوري بناء سبعة أحياء استيطانية أخرى حتى عام 1892.
إعلانوعلى الرغم من القيود العثمانية فإن الاستيطان استمرّ بالتوسع، فحتى عام 1917 وصل عدد المستوطنات إلى نحو 16 مستوطنة، وقد تركزت في الشطر الغربي من القدس، ولعب أثرياء الصهاينة دورًا بارزًا في تمويل هذه المستوطنات، بدعمٍ من القنصليات الأجنبية.
وبالتوازي مع بدايات الاستيطان، أطلقت المنظمات الصهيونية نوعًا آخر من الاستيطان، وهو الاستيطان بالتشجير، من خلال الصندوق القومي اليهودي (Jewish National Fund)، والذي تأسس في عام 1901، وبحسب معطيات الصندوق فقد استطاع منذ تأسيسه زراعة أكثر من 260 مليون شجرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتغطي هذه الغابات أكثر من 250 ألف فدان (نحو 1.1 مليون دونم)، وبحسب معطيات الصندوق تتنوع الأشجار المنتشرة في هذه المساحات ما بين البلوط، الصنوبر، اللوز، السرو، الأرز وبعض الأنواع الأخرى.
ولا تقدّم معطيات "الصندوق" بياناتٍ واضحة حول حجم التشجير الاستعماري في شطري القدس المحتلة، إلا أن أجزاء كبيرة من شطرها الغربيّ تمّ تشجيرها، ومن أبرزها الجبال الغربية في هذا الشطر، والطريق التاريخي الواصل ما بين القدس ويافا، وغيرها من المناطق التي تحيط بالبلدة القديمة.
التشجير وإحياء نبوءات توراتيةلم تقف أهداف أذرع الاحتلال عند السيطرة على الأرض فقط، وهو ما سنبينه لاحقًا، إلا أنه ارتبط بالأساطير الدينية التوراتية، من خلال ربط المشروع الاستعماري في الأراضي المحتلة بالأشجار، فقد استند التفسير الصهيوني إلى نصوصٍ تتحدث عن "الأرض الموعودة" الغنية، والتي تضم أنواعًا من الأشجار، وهي: "الصنوبر، الصندل، الفستق، البلوط، الأرز، الطرفاء، السرو، الصفصاف، العرعر، الحور، الطلح".
إلى جانب مركزية الزراعة في الفكر اليهودي، وتخصيص أعياد خاصة بالشجرة تعود إلى الحقبة المبكرة من الاستيطان في عام 1887، ودفع مختلف الشرائح الاجتماعية على المشاركة في التشجير خلال يوم محدد من العام، وتُشير المعطيات إلى ربط اليهودية مفهوم الشجرة بالإنسان، ومن العادات لدى المستوطنين زراعة شجرة سرو أو صنوبر للمولودة الأنثى، وشجرة أرز للمولود الذكر، في سياق ارتباط الأشجار والإنسان في الفكر اليهودي، وغيرها.
إعلانوعلى الرغم من هذه المركزية الدينيّة، فإن الدفع نحو استنساخ البيئة الأوروبية وسرعة الوصول إلى النتائج، كانت هي التي تدفع الصندوق القومي اليهودي لاختيار أنواع الأشجار، فقد زُرعت أشجار الكينا بشكلٍ كبيرٍ جدًا في المراحل الأولى من "الاستيطان الأخضر"، وتشكل اليوم شجرة الصنوبر نحو ثلث عدد الأشجار في الغابات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، على الرغم من ذكر هذه الشجرة لمرة واحدة فقط في النصوص اليهودية.
توظيف الزراعة في المشروع الصهيوني"كانت فلسطين في نظر المهاجرين الصهاينة الجدد كصفحة بيضاء سيصمّمون عليها وطنهم المُتَخَيَّل، ويحقّقون عليه النبوءة بخلق شيء من لا شيء"، بهذه العبارة المهمة التي أوردتها إليسا روزنبرغ في بحثها بعنوان "خلق شيء من لا شيء". وروزنبرغ أكاديمية إسرائيلية ومهندسة للمناظر الطبيعيّة.
وتُشير روزنبرغ إلى توسيع التحريج (زراعة الغابات) بشكل كبير إبان الاحتلال البريطاني، بالتوازي مع عمل الصندوق القومي اليهودي، وكان هدف البريطانيين منع تعرية التربة، وتثبيت الكثبان الرملية، وتوفير الأخشاب والوقود، وقد سهّل وجود جهات معنية بالغابات في جميع أنحاء الإمبراطورية البريطانية استيراد البذور والشتلات من المستعمرات البريطانية البعيدة، بما في ذلك الهند، وأستراليا، ومصر، وقبرص.
واستجلب الاحتلال البريطاني نحو 250 نوعًا من النباتات من 20 دولة مختلفة خلال مدة احتلاله. وأسهم الاحتلال البريطاني بإطلاق التشجير الاستيطاني بقوة، فقد زرعت سلطات "الانتداب" نحو 20 مليون شجرة، ووفّرت نحو 15 مليون شجرة أخرى للمستوطنات اليهودية ولجهاتٍ أخرى، وفي الفترة نفسها لم يكن نشاط الصندوق القومي اليهودي بهذه القوة، فقد أسهم بزراعة أعداد أقل بكثير من الأشجار خلال المدة نفسها.
من أبرز تجليات حملات التشجير الممنهجة، محاولة استنساخ التصور الأوروبي- الصهيوني لهذه الأرض، وتُشير المصادر إلى أن العمال وجلّ مهندسي الغابات في الصندوق القومي قدِموا من أوروبا الشرقية، وهو ما أدى إلى تنفيذ تصوراتهم عن الغابات وشكلها واستعمالاتها في الأراضي المحتلة التي يتم تشجيرها، وهو ما أدى لأن تصبح غابات الصنوبر التي أقامها الصندوق أشبه بغابات شمال أوروبا، إضافةً إلى محاولة المستوطنين الدخلاء التكيف مع الأراضي المحتلة، في محاولة للعثور على مكان "يشبه" هؤلاء الدخلاء في بلادٍ غريبة عنهم.
إعلانولم يكن الارتباط بالأرض التي قدِم منها المستوطنون هو الماثل في هذه الغابات فقط، بل عملت هذه الأذرع التهويدية على ربط هذه الحدائق مع رواية الاحتلال، على الصعد الروحية والدينية، وعبر تخليد الشخصيات المؤسِسة للكيان، وتلك الداعمة له في تأسيسه، فقد أطلق الصندوق على هذه الغابات الاستيطانية أسماء المستوطنين الأوائل، والمقاتلين، وغيرهم من رموز الكيان، إلى جانب شخصيات أسهمت في دعم الاستيطان، وعلى سبيل المثال تُشكّل الغابات المزروعة في القدس المحتلة لغرض الذكرى والتخليد، ما يعادل ثُلث هذه الغابات، ومن أبرز هذه الغابات "غابة القديسين" أو "الشهداء".
الحدائق التوراتية وابتلاع أراضي القدسبدأت فكرة الحدائق التوراتية على أثر احتلال الشطر الشرقي من القدس المحتلة منذ سبعينيات القرن الماضي، وتصاعدت بشكل كبير في العقدين الماضيين، مع إقرار سلطات الاحتلال عددًا من المخططات الهيكلية، والتي وصلت إلى سبع حدائق ضخمة.
والحدائق "التوراتية" مصطلح مضلل يهدف منه الاحتلال إلى إسباغ روايته الدينية على الأراضي الفلسطينية في المدينة المحتلة بهدف السيطرة عليها، وما يتبع هذه السيطرة من منع أي وجود فلسطينيّ في محيط الأقصى، وبطبيعة الحال ارتباط هذه المصطلحات بـ"المعبد" المزعوم والعدوان المتصاعد على الأقصى، إذ تتركز هذه الحدائق في محيط المسجد الأقصى، وتلاصق سور القدس التاريخيّ، وفي عددٍ من المواضع تتوسع لتطوق البلدة القديمة والمناطق المحيطة بها، وخاصة في الجهات الجنوبية والشرقية والشمالية.
وتُشير المعطيات إلى تصاعد الاهتمام الحكومي الإسرائيلي بهذه الحدائق منذ عام 2005، فقد أقرت أذرع الاحتلال ميزانياتٍ ضخمة لتطوير هذه الحدائق، وتُشير المعطيات إلى أن هذه الحدائق شملتها ميزانيات متعلقة بتعزيز موقع القدس "وجهة سياحية"، ودعم بلدية الاحتلال في القدس ومشاريع تهويدية أخرى، ولا يقوم على هذه الحدائق جهة بعينها، إذ ينشط على تطويرها عددٌ من أذرع الاحتلال من بينها جمعية إلعاد الاستيطانية، وسلطة الطبيعة والحدائق العامة الإسرائيلية، وبطبيعة الحال تُشارك كلٌ من بلدية الاحتلال في القدس، وشركة تطوير القدس، ما سمح بتعزيز حجم هذه الحدائق، فقد تجاوزت مساحتها 2700 دونم، وتتوزع هذه الحدائق على الشكل الآتي:
إعلان الحديقة التوراتية المحيطة بالبلدة القديمة، ومساحتها 1100 دونم، وهي أكبر هذه الحدائق، تمت المصادقة عليها في عام 1974، وتُعدّ أخطرها، فهي ملاصقة لسور القدس والأقصى، وتستهدف أجزاء من مقبرة الرحمة، إلى جانب ضمها عددًا من الحفريات والمواقع الأثرية، والمخاطر المترتبة على هذه الحديقة بالذات، أن الاحتلال يتعامل معها على أنها امتدادٌ للمساحات غير المسقوفة في الأقصى، وأن البناء الإسلامي لا يتجاوزها، في سياق مخططاته الرامية إلى تهويد المسجد وتقسيمه. الحديقة التوراتية في وادي الصوانة ومساحتها 170 دونمًا. الحديقة التوراتية في السفوح الشمالية الشرقية لجبل المشارف على أراضي بلدة العيسوية/الطور، ومساحتها 730 دونمًا. "حديقة الملك" التوراتية، المقامة على أراضي حي البستان في بلدة سلوان، ومساحتها 50 دونمًا. حديقة جبل الزيتون ومساحتها 470 دونمًا. حديقة "شمعون هتصديق" على أراضي حي الشيخ جراح، ومساحتها 120 دونمًا. حديقة "باب الساهرة" ومساحتها 40 دونمًا.وإلى جانب "الحدائق التوراتية"، تفتتح بلدية الاحتلال عددًا كبيرًا من الحدائق الاستيطانية، وتصاعد افتتاحها في ظل استمرار العدوان على غزة، ففي 16/2/2024 كشفت مصادر فلسطينية عن توقيع بلدية الاحتلال في وقتٍ سابق اتفاقية مع الصندوق القومي اليهودي، لتحويل أراضٍ من بلدة بيت حنينا وحزما إلى غابة استيطانية بمساحة ألف دونم.
وخلال شهر يوليو/ تموز 2024 افتتحت بلدية الاحتلال 3 حدائق جديدة للمستوطنين، على أراضي المقدسيين، أحدثها في قرية المالحة. ومن قبلها حديقتان على أراضي جبل المكبر وبيت حنينا في مستوطنتي "أرمون هنتسيف" و"راموت". وفي 28/8/2024 افتتحت بلدية الاحتلال حديقة عامة في مستوطنة التلة الفرنسية، على مساحة 63 دونمًا.
ويستمرّ افتتاح الحدائق، وكان آخرها في 14/5/2025، وكانت الحديقة التاسعة التي افتتحتها بلدية الاحتلال منذ 7/10/2023.
إعلان "تزهير الصحراء" والاستيلاء على الأرض وغيرهافي خطاب افتتاحي "للكنيست" عام 1951، طلب رئيس وزراء الاحتلال ديفيد بن غوريون من المستوطنين الاتحاد من أجل "تزهير الصحراء"، وأعلن عن حملة لزراعة آلاف الأشجار "على مساحة 5 ملايين دونم"، وهو ما يعادل حينها نحو ربع مساحة دولة الاحتلال، وأشار بن غوريون إلى واحدٍ من أهداف المشروع يتمثل بأنه "الطريقة الوحيدة لمساعدة اليهود على تنمية علاقة وجدانية قوية مع الأرض".
ورغم من هذا الهدف الحالم، فإن التشجير الكثيف أسهم في تحقيق سيطرة الاحتلال على مساحاتٍ شاسعة من الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومن أمثلة هذا الطمس ما قامت به "غابات القدس"، والتي غطت عددًا كبيرًا من القرى الفلسطينية على غرار قرى "القبو، علّار، صوبا، عين كارم" وغيرها.
وتُظهر الكثير من الصور التي يلتقطها المشاؤون أطلال منازل الفلسطينيّين بين أشجار الصنوبر، كما في قرية عجّور قضاء القدس المُقام على أراضيها حديقة بريطانيا، وقرية لوبيا قضاء طبريا المُقام على أراضيها حديقة جنوب أفريقيا، إضافةً إلى الكثير من المواضع الأخرى، التي ظهرت على أثر اندلاع حرائق في جبال القدس، من بينها المدرجات الزراعية، التي تمثل جزءًا من هوية هذه البلاد وإرثًا تاريخيًا زراعيًا قيّمًا.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline