سوق العمل في لبنان تبدّل.. اختاروا هذه المهن
تاريخ النشر: 24th, February 2024 GMT
عصر "وظائف الوجاهة" في لبنان ولّى و"برم الدولاب" ليعيد الى الساحة مهناً قلّ احترافها، فارضاً أيضاً وظائف أخرى، بعضها لمواكبة التطوّر التكنولوجي والبعض الآخر نتيجة الازمة الاقتصادية التي يمرّ بها البلد. سوق العمل هنا يشهد فورة لا تماثل الأسواق الأخرى، فصحيح أننا في حقبة التكنولوجيا، حيث تفرض المعلوماتية نفسها على عرش الوظائف، مانحة من يتخصّص بمجالاتها الواسعة أعلى الأجور، إلّا أن لسوق العمل اللبنانية أبواب استرزاق بعيدة عن وظائف العصر الرقميّ.
يتأثرّ سوق العمل والتوظيف بديناميات السوق، الهجرة، مستوى التعليم، عدد المتقدمين للوظائف وقوى التفاوض بين أرباب العمل والموظفين بشأن الأجور وساعات العمل والمزايا والتعويضات. وقد مرّ لبنان في السنوات الأخيرة الماضية بموجة هجرة للشباب الباحثين عن مستقبل أفضل لهم ولعائلاتهم، مع استمرار ترنّح البلد باضطراباته المالية والاقتصادية والاجتماعية. كذلك اضمحلّت رواتب القطاع العام وبالأخص العسكريين، فبات هؤلاء في بحث عن وظيفة رديفة تلائم ظروفهم الاستثنائية. كل هذه العوامل تضاف اليها أزمة النزوح السوري، جعلت لسوق العمل المحلية خصائص مغايرة للأسواق العالمية الآيلة نحو المكننة.
سوق العمل اللبناني حالياً
الوظائف في السوق اللبنانية تراجعت مقارنة بالسنين الماضية، هذا ما يؤكده صاحب شركة "hire land" المتخصصة في سوق العمل والتوظيف، علي الحسن، مشيراً في حديثه لـ"لبنان 24" الى أن مكاتب التوظيف تواجه "صعوبة بإيجاد كفاءات لأن أغلبية أصحاب المهارات والكفاية، بنسبة 70% و80%، غادرت لبنان في الفترة المنصرفة".
ويشير الى أن "القطاع الأكثر حركة وازدهاراً حالياً هو قطاع المطاعم والفنادق وهو الأكبر بعد قطاع المصارف". لذا نشهد العديد من موظفي القطاع العام يبحثون عن أعمال في مجالات التوصيل "الديليفيري"، أو الأمن.
كذلك، تلفت مصادر لـ"لبنان 24" الى أن العديد من العسكريين يتوجهون نحو "مهنة الفاليه" وهو ما يؤمّن لهم مردوداً شهرياً إضافياً يترواح بين الـ300 دولار أميركي والـ500 دولار أميركي كحد أقصى".
ويحتلّ القطاع التكنولوجي (تطوير المواقع، تطوير التطبيقات، تصميم غرافيك) المرتبة الثانية حالياً في السوق اللبنانية وفقاً للحسن الذي يشير الى أن هذه الوظائف هي من الأعلى أجراً، إذ تبدأ من 1500 دولار شهرياً وتصل للـ3000 دولار شهرياً. ثمّ يليه مجال المبيعات، وبالأخص الـ"outdoor sale".
من جهّته، يقول الباحث في الدولية للمعلومات، محمد شمس الدين، لـ"لبنان 24" إن الوظائف المرتبطة بقطاع التكنولوجيا هي الأكثر طلباً. غير أنه لا توجد حتى الآن إحصاءات ومسح جديد لسوق العمل في لبنان يحدّد تأثير التطور التكنولوجي عليها.
لماذا لم يتأثّر سوق العمل بـ"هجرة الشباب"؟
على عكس ما تتوقعون، "هجرة الشباب اللبناني" لم تفتح فرصاً كبيرة في السوق المحلية أمام اللبنانيين المقيمين. ويقول صاحب شركة التوظيف إن "العمالة السورية تنافس بحدة اليد العاملة اللبنانية، وبدأت تجد لها فرصاً في قطاعات المطاعم والفنادق وحتى في القطاعات الإدارية".
ويتابع: "المطاعم بدأت تستعين بالعمالة الأجنبية، السورية على وجه التحديد، في العديد من الوظائف كـ"الديليفيري" أو حتى داخل مطابخ المطاعم. كما بتنا نجد معلّم شاورما سوري بدلاً من اللبناني".
الحسن الذي اعتبر أن هذا الوضع يستدعي تحرّكاً عاجلاً من قبل الدولة وأجهزتها لتنظيم دمج النازحين في العمل وضمان حق اللبنانيين في العمل، يذكّر بأنه "وفقاً لقانون العمل اللبناني يحق لهؤلاء العمل فقط في مجال الزراعة (عامل زراعي) أو في مجال البناء (عامل بناء) أو عامل نظافة".
ويؤكّد أن "لتصحيح الخلل في سوق العمل اللبناني، يجب أولا تنظيم انخراط اليد العاملة الأجنبية فيه"، معتبراً أن "بدون هذه الخطوة لن يتحسّن الوضع وسيسوء أكثر نظراً للمنافسة السورية الكبيرة لليد العاملة اللبنانية، إذ أن قانون العمل لم يردع العمالة السورية من اكتساح وظائف عدة في سوق العمل اللبناني".
قطاع مُقبل على "هجرة عكسيّة"
القطاع الطبي والتمريضي كان من أكثر المتأثرين بحركة الهجرة الأخيرة، إلّا أن من غادر لبنان لم ينل عقوداً مغرية في الخارج وما حصل كان أشبه باستغلال للأزمة.
وعن هذا القطاع، يكشف الحسن أن "هناك عدد من الأطباء والممرضات سيعودون الى لبنان في شهر حزيران المقبل، عند انتهاء عقود عملهم"، لافتاً الى ان "هؤلاء سيشغلون عند عودتهم وظائفهم الطبية المعروفة في مجال التمريض والطبابة ومشيراً الى أن "رفع تعرفة الأطباء هو ما شجّع عودة من سافر الى لبنان لمزاولة مهنته".
ويشير الى أن "الهجرة التي شهدها القطاع التمريضي لم تخلق نقصاً في سوق العمل"، مفسراً أن "هذا القطاع يضمّ فتيات وشباب وخلال الهجرة التي حصلت، الفرصة سمحت للممرضات بإتمام عقود عمل في الخليج، غير أن الممرضين الشباب استمروا في وظائفهم المحلية وغطوا النقص الذي نتج عن هجرة الممرضات".
للجيل الجديد.. هذه المهن مطلوبة
قد يكون المجال التقني هو الأعلى أجراً والأكثر طلباً في ظلّ التطوّر التكنولوجي، غير أن الحسن يحذّر من أن الذكاء الاصطناعي سيلغي العديد من الوظائف ومن بينها التقنية والاتصالات ووظائف في القطاع المصرفي. لذا ينصح الجيل الجديد بعدم التوجّه لهذه الاختصاصات او اختيارها مع "خطة مدروسة"، آخذين بالاعتبار فرضية استبدالهم بالآلة يوماً ما.
ويقول: "ليتوجه جيل الشباب الى القطاع المهني كالنجارة والسنكرية والكهرباء وتركيب الطاقة الشمسية والحدادة، فهذه المهن تزداد الحاجة لها ومن يمتهنها يحصد الأرباح؛ كما أنها تسمح لـ"صاحب المصلحة" بأن يوسّع أعماله، يؤلف فريقاً يضّم عدداً من العمال وبالتالي بأن يأخذ مزيداً من "ورش العمل".
وفي المهن الحرة أيضاً، ينصح بالتخصص في مجال ميكانيك السيارات لان "هذا القطاع يبقى نشطاً لكثرة أعداد المركبات في لبنان".
كذلك، ينصح باختيار القطاع الطبي والتمريض لمن لا يرغب بالمجالات المهنية، لان سوق التمريض واسع ويشهد طلباً كبيراً في الخارج.
كما يلفت الى القطاع البحري يحتوي على الكثير من الوظائف، لافتاً الى أن النقل البحري لا يتوقّف وهو يشهد نقصاً في اليد العاملة عالمياً.
وفي الختام، يوجّه نصيحة أخيرة للراغبين بالانخراط بقطاع التكنولوجيا والمعلومات كتطوير البرامج وموظفي تقنية المعلومات "IT"، ويقول: "من المحبّذ التخصص بالبرمجة".
المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: فی سوق العمل العدید من فی لبنان لبنان 24 فی مجال الى أن
إقرأ أيضاً:
سلاح حزب الله في السياقين اللبناني والإقليمي
ما إن وضعت الحرب الإسرائيلية على لبنان أوزارها، حتى تصدّر سلاح حزب الله أجندة السجالات اللبنانية الداخلية، وتقدم على غيره من العناوين، "الأولى بالرعاية"، من قبل الموفدين والمبعوثين العرب والدوليين، تارة تحت شعار "نزع الذرائع"، وأخرى تحت عنوان "حصرية السلاح" بيد الدولة، التي تمتلك وحدها قرار الحرب والسلم.
ومن باب أن الشيء بالشيء يذكر، دخل "سلاح المخيمات" على خط السجال متعدد الأطراف، بانتظار زيارةٍ يَنظر لبنانيون كثر إليها بوصفها "محطة تاريخية"، حيث من المقرر أن يصل الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال أيام، إلى بيروت، لإجراء محادثات مع الرئاسات اللبنانية الثلاث، حول نزع السلاح الفلسطيني.
خريطة المواقف المحلية من مسألة "السلاح" معروفة تمامًا، جذورها ضاربة في زمن حروب الطوائف، الأهلية قبل نصف قرن، وتعمقت أكثر في مناخات "الفالق الزلزالي المذهبي" الذي ضرب البلاد والمنطقة في ربع القرن الأخير.
بيدَ أن جديدًا طرأ على حراك المواقف والمواقع اللبنانية، لم يعهده حزب الله منذ تأسيسه، وأعني به انتقال الدولة بمؤسساتها السيادية، من رئاسة وحكومة وغالبية نيابية، إلى تبني مطلب "حصرية السلاح" و"احتكار قرار الحرب والسلم"، بعد إسقاط ما كان يسميه الحزب بـ"المعادلة الذهبية": شعب وجيش ومقاومة. هذه المعادلة لم تعد قائمة اليوم، ولم يعد السلاح يحظى بالمظلة الرسمية / الشرعية التي تمتع بها سنوات طوالًا.
إعلانجديدٌ آخر طرأ على المشهد اللبناني، يتمثل في انتقال الجدل حول "السلاح" إلى داخل حزب الله و"الثنائي الشيعي" والبيئة الاجتماعية الحاضنة. ما كان يقال بالأمس، همسًا وعلى الهوامش، بات يقال اليوم، علنًا وفي المتن، والأسئلة المكتومة من قبل، أخرجتها الحرب ونتائجها المروّعة إلى العلن من بعد، لا سيما مع تفاقم مأزق "فراغ القيادة" الذي خلّفه رحيل القائد الكاريزمي للحزب "والمحور"، السيد حسن نصرالله.
وثمة تقديرات جادة، أخذت تستشرف تحولات وتبدلات في الحزب وبيئته، تسمح بالاعتقاد بأن تجربة احتكار "الثنائي" للتمثيل الشيعي في لبنان، قد لا تستمر طويلًا، وأن الباب بات مفتوحًا لنشوء قوى ومراكز جديدة على الساحة "الشيعية السياسية اللبنانية"، ولنا فيما واجهه الحزب والثنائي من تحدي العائلات والمجتمع المدني والمستقلين في الانتخابات البلدية والاختيارية الأخيرة في لبنان، ما يمكن أن يُعدّ بواكير وإرهاصات مرحلة جديدة.
في موضوع "السلاح" حصرًا، وبمعزل عن المراجعات التي يشهدها الحزب وحلفاؤه وبيئته حول مختلف الشعارات والمُسلمات التي حكمت مواقفه وسلوكه وأداءَه في الحرب، يرى مقرب من الحزب أن من المشروع طرح السؤال حول وظيفة السلاح من جديد، بعد سنوات من النظر إليه بوصفه مسلمة من المسلمات، وواحدة من ثوابت المعادلة اللبنانية الداخلية والإقليمية.
فهذا "السلاح" كانت له ثلاث وظائف: الردع، الحماية والتحرير، وكانت كل وظيفة منها كافية لـ"شرعنته"، وتسويق الاستمساك به وتسويغه، بيد أن أيًا منها لم يعد قائمًا اليوم، فإسرائيل نجحت في "تكسير" معادلة "الردع المتبادل" التي أنشأها الحزب بعد حرب 2006، ولبنان من جنوبه إلى بقاعه، مرورًا بضاحيته، بات بلا حماية، وعرضة لاستباحة وعربدة إسرائيل.
أما التحرير فقد بات مهمة أجيال قادمة، إن ظل الحال على هذا المنوال، والمؤكد أنه ليس مطروحًا على جدول الأعمال "العملي" للحزب وأنصاره، وإن كان ما زال مدرجًا في الخطاب و"المبادئ".
إعلانويستشعر الحزب مأزقًا في خياراته. فالصبر و"ضبط النفس" و"كظم الغيظ"، لا تقلل من المخاطر المترتبة على استمرار إسرائيل في استنزاف الحزب في بنيته المادية والبشرية، ولا من تداعيات هذه الاستباحة على روح ومعنويات بيئته الشعبية، وتفضي إلى تآكل متسارع في منسوب الثقة بالحزب وسلاحه، موقعه ودوره.
وفي المقابل، فإن قيام الحزب بالرد على الغطرسة الإسرائيلية المتمادية، ليس من شأنه سوى إشعال فتيل حرب جديدة، ستُمارس خلالها آلة الحرب الإسرائيلية أعلى درجات "التوحش"، ومن دون رقيب وحسيب، بل ربما بتشجيع من أطراف محلية وعربية ودولية، تريد لمهمة استئصال الحزب وسلاحه، أن تكتمل، وإن على طريقة نتنياهو.
بين هذين الخيارين المُرين، اعتمد الحزب خيارًا ثالثًا، إذ وضع مسؤولية وقف الحرب ومعالجة تداعياتها، وإخراج الإسرائيليين من النقاط الخمس وتحرير الأسرى، في عهدة الدولة اللبنانية، وهو لا يكف عن ممارسة الضغوط على مؤسساتها، لكي تفعّل دبلوماسيتها وتستخدم ما بحوزتها وبحوزة أصدقاء لبنان، من أوراق لإنجاز هذه الأهداف، وهو في سبيل تسهيل المهمة على الدولة، يلتزم ضبط النفس الكامل، ويتعاون مع الجيش اللبناني جنوبي الليطاني، في عملية تسليم الأسلحة والمواقع، ما أتاح لرئيس الجمهورية القول إن 90 بالمئة من مهمة الجيش في الجنوب، قد أنجزت تمامًا، ومن دون معوقات.
لكن الحزب، وهو يراهن على "خيار الدولة" في تحقيق ما أخفق هو في تحقيقه: وقف العدوان، الانسحاب الكامل وتحرير الأسرى، يعرف في دواخله الحدود الضيقة لما يمكن للدبلوماسية أن تجترحه من معجزات، وهو يعرف في قرارة نفسه، أن الدولة لكي تنجح في مسعاها، عليه هو بالذات، أن يدفع الثمن، ودائمًا من "كيس سلاحه"، ليس في الجنوب فحسب، بل وفي كل الأراضي اللبنانية، وليس سلاحه وحده، بل سلاح حلفائه من لبنانيين وفلسطينيين كذلك. هي معضلة خيارات، أحلاها مُرّ، تضع الحزب في حالة من "التيه".
إعلانومما يزيد طين الحزب وخيارته، بِلّةً، أن ليس ثمة من خيار سهل لدمج سلاحه ومسلحيه في أجهزة الدولة العسكرية والأمنية، فليس ثمة من "نظرية للأمن الوطني اللبناني"، متفقٍ عليها، أو تحظى بدعم غالبية وازنة من اللبنانيين، وليس ثمة من "إستراتيجية دفاعية" طال الحديث فيها وعنها من دون أن ترى النور حتى الآن.
فلا سيناريو "الحشد الشعبي" مقبول من الرئاستين؛ الأولى والثالثة ومعهما فريق وازن من اللبنانيين، ولا صيغة الإدماج الفردي للمقاتلين في صفوف الجيش والأمن، مقبولة كذلك، بالنظر لأنها ستهدم أركان نظام "المحاصصة" في الوظائف والتشكيلات والتعيينات المعتمدة في لبنان، دع عنك جانبًا "الفيتوهات" التي ستنهال على لبنان من الخارج، حال الأخذ بأي صيغة من الصيغتين. يمكن لخيار "الدمج الفردي" لعناصر من الحزب أن يوفر حلولًا جزئية للمعضلة، بيد أنه لا يعالج مستقبل "جيشٍ" من المقاتلين الأشداء والمجربين، الذي أنشأه الحزب على امتداد عقود أربعة.
ومثلما يجد الحزب صعوبة بالغة في تسويق بقاء السلاح والحفاظ عليه لدى جمهرة الخصوم، وحتى بعض الحلفاء الذين أخذوا ينفضون من حوله، تجد الدولة نفسها في مأزق خيارات للتعامل معه ومع سلاحه. فثمة في الداخل والخارج، من يستعجل "نزع السلاح"، ويضعه شرطًا مسبقًا للفرج والانفراج. وثمة أطراف متشددة، لا تمانع اللجوء إلى "خيار القوة" لفعل ذلك.
لكن لبنان ما زالت لديه كثرة من العقلاء- في مقدمهم رئيس الجمهورية- الذين يرون أن "الحوار" وليس "القوة"، هو السبيل الوحيد لفعل ذلك، وأن اللجوء لخيارات عنيفة، محمّل بنذر عودة الحرب الأهلية، وخراب لبنان، على يد أبنائه هذه المرة، بعد أن ألحقت به إسرائيل خرابًا عميمًا في أشهر الحرب الوحشية عليه.
والأهم من كل هذا وذاك، أن خيار اللجوء إلى القوة، قد لا ينتهي بنزع سلاح الحزب، وإنما بتسليح بقية الأحزاب والأطياف والطوائف اللبنانية، وتلكم نتيجة يخشاها معظم اللبنانيين، الذين استذكروا بالأمس القريب فقط، الذكرى المؤلمة لحافلة عين الرمانة، شرارة الحرب الأهلية قبل خمسين عامًا.
إعلانالسلاح في بُعدَيه الإقليمي والدولي
تطوران إقليميان/ دوليان، قيد التشكل والتظهير، أثّرا، وسيؤثران على مسألة "السلاح" ومستقبله:
الأول؛ نشأ إثر سقوط نظام الأسد في سوريا في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول الفائت، وما عناه ذلك، من انفراط عقد "المحور" بعد سقوط "واسطته"، وتجفيف مصادر وقنوات المال والسلاح التي تغذى عليها الحزب منذ نشأته، وكانت سببًا في بناء قوته واقتداره. وتشاء تطورات المشهد السوري أن تأتي إلى السلطة في دمشق، بفريق سياسي/ عقائدي، بينه وبين الحزب "ما صنع الحداد".
بيد أن ذلك، لم يُسقط رهانات بعض أعضاء الحزب وأصدقائه، على أن التطورات السورية قد تعيد الاعتبار لسلاح الحزب من جديد، وتجدد الحاجة للاحتفاظ به والحفاظ عليه، ولقد لاحظنا بعد أحداث الساحل السوري، وما ترتب عليها من موجة نزوح "مذهبية" إلى قرى وبلدات بقاعية وشمالية في لبنان، وما سبقها ولحق بها، من مناوشات على الحدود السورية اللبنانية، أن البعض ظنّ أن بالإمكان حفظ هذا السلاح لمواجهة "التهديد" القادم من الشرق والشمال هذه المرة، وربما ظنّ هذا البعض كذلك، أن هذه السردية قد تفلح في تبديد مخاوف فريق من اللبنانيين: (مسيحيين ودروز وعلويين)، من استمرار الحزب بالاحتفاظ بسلاحه.
لكن التطورات المتسارعة في المشهد السوري، وبالأخص بعد جولة ترامب الخليجية ورفع العقوبات عن سوريا، وقمة الشرع – ترامب برعاية سعودية – تركية، قد أضعفت هذا الرهان تمامًا، إن لم تكن قد أسقطته، ورأينا على النقيض من ذلك، أقاويل وتنبُؤات، تنتشر في أوساط لبنان السياسية والإعلامية، بأن ثمة توجهًا إقليميًا- دوليًا، لا يمانع في إعادة "تلزيم" لبنان لسوريا الجديدة، في استعادة غرائبية لفصل من فصول العلاقة بين البلدين، امتدت زمن حكم الأسدين، ولا سيما بعد مؤشرات إلى أن سوريا في طريقها لإبرام تفاهمات مع إسرائيل حول الوضع في الجنوب، واستعادة اتفاقية فك الاشتباك (1974)، وربما الالتحاق بالقطار الأبراهامي في محطةٍ لاحقة.
إعلانومن غرائب المشهد اللبناني، أن الذين قاوموا شعار الأسد عن "تلازم المسارين" اللبناني والسوري منذ اتفاق 17 مايو/ أيار بين لبنان وإسرائيل في ثمانينيات القرن الفائت، هم أنفسهم الذين يميلون للأخذ بهذا الشعار من جديد، ولكن في سياق إقليمي متغير، يراهن على أن ينتهي بانتهاء ظاهرة المقاومة والسلاح، والدخول في ترتيبات وتفاهمات، من "قماشة أبراهامية" كذلك، فهل هذا هو ما قصده الأميركيون وهم يتحدثون عن عدد من الدول العربية التي ستلتحق بالقطار الأبراهامي قريبًا؟
الثاني؛ ويتصل بمفاوضات مسقط بين إيران والولايات المتحدة، التي يَرقُبها الحزب بخاصة، ولبنان بعامة، بكل اهتمام بالنظر لتداعياتها المباشرة على راهن ومستقبل هذا البلد. فإن توّجت المفاوضات بالوساطة العُمانية، بالوصول إلى اتفاق يعيد دمج إيران بالمجتمع الدولي والنظام الاقتصادي والمالي العالمي، فإن "السلاح" سيكون قد تحرر من دوره "الإقليمي"، ويصبح شأنًا لبنانيًا منفصلًا عن تداعيات الإقليم ومحاوره وعلاقاته الشائكة، أما إن انتهى مسار مسقط إلى الفشل، وعادت طبول الحرب لتقرع من جديد، فإن من المرجح أن يطيل ذلك أمد الحسم، وقد يَبقى الحزب ولبنان عالقين بانتظار انقشاع غبار الحرب والضربات العسكرية التي ستكون خيارًا أوحدَ متاحًا أمام إدارة ترامب وحكومة نتنياهو، كما تشير لذلك معظم المواقف والتقديرات.
في مطلق الأحوال، يواجه الحزب في لبنان، ما تواجهه حماس في غزة: الضغط بورقة المساعدات والعقوبات وإعادة الإعمار، وهو سلاح أشد مضاءً من الحرب المباشرة، لا سيما أنه يستهدف البنى والأعيان المدنية لبيئة هذه الأطراف، ويلحق به أكبر الضرر وأشد المعاناة.
ولقد بات واضحًا، وموضع إجماع نادر، عربيًا ودوليًا، أن قرار "الإفراج" عن لبنان، لن يُتخذ قبل أن يتخذ الأخير قرارين إستراتيجيين: أولهما، وأهمهما، نزع السلاح، وثانيهما، إجراء ما يلزم من إصلاحات مالية واقتصادية وتشريعية، تضع حدًا للفساد والإفساد والهدر وخراب الإدارة العامة.
إعلانوإذا كان الحزب قد نجح في ختام حرب 2006، في إدارة معركة "جهاد البناء"، متوفرًا على ما يكفي من موارد من حلفائه، بالذات إيران، وفي ظروف لبنانية وإقليمية ودولية مواتية، فإن الحزب يقف اليوم عاجزًا عن إنجاز المهمة بقدراته الذاتية، أو بالاستناد إلى حلفائه، الذين تقطعت بهم سبل الوصول إليه وإمداده، تلكم معضلة، إن طالت واستطالت، ستخلق أزمة بين الحزب وبيئته، وستطعن في صدقية وعود التعافي والتعويض وإعادة الأعمار التي قطعها لجمهوره.. والمشهد اليوم، مختلفٌ تمامًا عمّا كان عليه قبل عشرين عامًا.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline