لجريدة عمان:
2024-07-27@05:32:19 GMT

وماذا بعد أن انفرط عقد العالم؟

تاريخ النشر: 24th, February 2024 GMT

من الإنصاف أن نعترف بأن عقود الحرب الباردة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، قد أفادت كثيرا دول العالم الثالث في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، حينما راحت الصراعات بين القطبين الكبيرين (الولايات المتحدة الأمريكية والغرب) في مواجهة الاتحاد السوفييتي، بعد أن انقسم العالم إلى قوتين كبيرتين راحت كل منهما تبحث عن حلفاء جدد من دول العالم الثاني أو الثالث، وهي حقبة حدثت فيها الكثير من الأخطاء إلا أن فيها الكثير من الإيجابيات أيضا.

ففي مجال الثقافة والفنون والآداب ومختلف المعارف راحت تتفجر طاقات مذهلة في كافة المجالات، وقد راحت دور النشر ومجتمع السينما والدراما التلفزيونية، راح جميعهم يتسابقون في إنتاج أعمال متنوعة لا شك أن بعضها كان يؤدي وظيفة سياسية، وبصرف النظر عن هذا الصراع الذي اتسم بالخشونة أحيانا في قضايا كثيرة من قبيل أحداث كوبا أو حرب السويس أو حرب ڤيتنام وما أعقب ذلك كله من تفاقم الصراع العربي-الإسرائيلي، أعتقد أن كل هذه الصراعات كانت سببا كافيا حال دون انفراد أي من القوتين بمصير العالم الثالث، وبدا واضحا ما عُرف في العلاقات الدولية بمبدأ توازن القوى، إلا أن علينا أن نعترف أن مستقبل الاتحاد السوفييتي راح يتراجع مع نهايات القرن العشرين لأسباب كثيرة، ليس من بينها فقط مؤامرات الولايات المتحدة الأمريكية والغرب، وإنما السبب الأهم هو أن السوس كان ينخر في عظام هذا الكيان الكبير منذ مطلع الستينيات من القرن الماضي، لأسباب كثيرة لعل من بينها هيكلة الاقتصاد الموجه والإسراف المبالغ فيه في المجالات العسكرية على حساب التكنولوجيا المتقدمة، وتدهور الحياة الاجتماعية في الوقت الذي راحت تتطور الحياة في أوروبا في ظل وسائل التواصل والانفتاح على العالم، ولم يكن المشهد خافيا على المفكرين والمثقفين ومعظم المجتمع الروسي.

أعتقد أن المجتمع الروسي قد حمل عوامل تراجعه وانهياره، خلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين، ولعل من أخطر تلك العوامل كانت قضية الحريات وتعاظم دور الحزب الواحد والرأي الواحد والسياسة الواحدة في كل مناحي الحياة، وهي سياسات ثبت فشلها، بينما كل المجتمعات التي تقدمت وحققت نهضاتها كان قوامها دائما الحرية والابتكار وحرية السوق مع اقتصار دور الدولة في التشريع والرقابة، ووضع قواعد تشريعية قانونية ضرائبية، تحقق التوازن وتقيم العدالة في المجتمع، وجميع هذه الأمور مرت بمراحل كثيرة منذ القرن الثامن عشر، وحتى نهاية القرن العشرين، إلى أن استقرت القيم السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وجميعها أدت إلى تقدم الغرب كل هذا التقدم العظيم.

رغم ما آل إليه مصير الاتحاد السوفييتي من تفكك وخروج كل الدول التي سبق أن لحقت به منذ نهايات الحرب العالمية الثانية وانفرادها بمقومات اقتصادية ضخمة، وما حققته من نمو اقتصادي عظيم، إلا أنها لم تحقق الأمن الاستراتيجي لهذا الكيان الكبير، سواء بسبب مؤمرات دول الغرب والولايات المتحدة، أو لأنها بقيت قابضة على مقاليد الدولة الجديدة، في عصر لم تعد هذه السياسة تتناسب والعالم الجديد.

لعل بلادنا العربية ومعظم دول العالم الثالث قد لحقها ضرر كبير من جراء هذا الصراع الغربي الروسي، سواء بسبب الحرب الروسية-الأوكرانية، أو بسبب تعقد المشهد في شقه السياسي وأصبحنا ما بين موقفين لا نملك عنهما بديلا إما الانحياز الدبلوماسي الناعم للروس، أو الدعم المطلوب لأوكرانيا بناء على الضغوط الأمريكية، وهو الموقف الذي لم يُحسم بشكل واضح، وراحت الكثير من الدول العربية تراوح بين موقفين لم يحسما بشكل نهائي إلى أن وقعت أحداث غزة ٧ أكتوبر ٢٠٢٣، وهي الأحداث الأخطر التي أعادت القضية إلى موقعها في الصراع الدولي، بعد أن أوشكت على التلاشي والدخول في متاهات النسيان، إلا أن الأخطر في كل هذا المشهد، هو ما يتعرض له الفلسطينيون من ممارسة كل أعمال العنف واستخدام كل الأسلحة الفتاكة التي ابتكرتها الولايات المتحدة والدول الأوروبية في حرب غير إنسانية وغير متكافئة.

كان غياب التوازن الدولي واضحا في هذا الصراع، حينما تولى الأمريكان والغرب ومعهما دول كنا نراها صديقة للعرب، كالهند مثلًا، إلا أن كل هذه القوى راحت تدعم إسرائيل في حرب غير متكافئة، وعلى مساحة في أرض غزة التي لا تتجاوز ٣٥٠كلم، وهي حرب لا يمكن أن تكون متكافئة، فهي حرب بين شعب أعزل وبين جيش يملك كل الدعم العسكري والأسلحة الفتاكة التي راحت تحصد عشرات الألوف، وتدمر مئات الآلاف من المنازل على ساكنيها في مشهد مروع، وقد اكتفت دول كثيرة بمجرد إعلان الشجب، بينما راحت الدول الكبرى في العالم تدعم بكل صلافة هذا العدوان، ولم تستطع الأمم المتحدة ولا مجلس الأمن ولا حتى محكمة العدل الدولية على اتخاذ قرار ضد إسرائيل بوقف العدوان.

أعتقد أن غياب الاتحاد السوفييتي السابق وتراجع دوره عن المشهد قد أودى بمصير العالم إلى هذا الواقع البائس، ولعل من المناسب التأكيد على أن دولنا العربية هي الأخرى قد شاركت بشكل لا بأس به في تراجع دور روسيا، حينما صدَّرنا إلى شعوبنا وأقحمنا في ثقافتنا المفاهيم الملتبسة عن الشيوعية، التي اعتقد البعض أنها كانت تهدد حياتنا الاجتماعية وقيمنا الدينية، لذا خاضت بعض الدول العربية حروبا في أفغانستان ودول آسيا الوسطى وكثير من دول إفريقيا بحجة محاربة الشيوعية، وأنفقنا مئات الملايين وربما المليارات في كل دول العالم، دفاعا عما رأيناه صحيحا، بينما القضية كانت في مجملها شأنا سياسيا، وهو الخطأ الذي لم نلتفت إليه رغم مرور كل هذه العقود الطويلة.

في ظل انقسام العرب، وانفراد الولايات المتحدة الأمريكية بمصائر كثير من الدول، وسيطرتها على الاتحاد الأوروبي، وفي ظل تراجع التوازن الدولي الذي كان أحد أطرافه الاتحاد السوفييتي في حقبة ما، لذا ستبقى كل قضايانا العربية هنا بإرادة أعدائنا، ولعل موضوعا مهما يطرح نفسه، أود أن يحظى بعناية الساسة والمحللين وأصحاب الرأي، هل يمكن للعرب من المشرق إلى المغرب من طنجة غربا إلى مسقط شرقا، ومن العراق شمالا إلى البحر الأحمر جنوبا، بما يملكون من مقومات بشرية واقتصادية ولوجستية عظيمة -هل بإمكان قادتنا ومن بيدهم مستقبلنا أن يجتمعوا على رأي يعيد لهذه الأمة كرامتها وعزتها؟ هل لديهم القدرة على أن يسجلوا لأنفسهم موقفا تاريخيا بعيدا عن الغرب والولايات المتحدة الأمريكية؟ لو فعلوا ذلك لسجلوا لأنفسهم موقفا تاريخيا قد يغير المنطقة كلها، وربما يغير تاريخ العالم.

د. محمد صابر عرب أستاذ التاريخ بجامعة الأزهر ووزير الثقافة المصرية (سابقا) ورئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية (سابقا).

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة الأمریکیة الاتحاد السوفییتی دول العالم إلا أن

إقرأ أيضاً:

«حياكم في أبوظبي» تنظم «تحدي الترجيحية» بالتعاون مع «السيتي»

 
أبوظبي (الاتحاد)

أخبار ذات صلة العروبة يتعادل مع دايموند رئيس الدولة ونائباه يهنئون رئيس المالديف بذكرى استقلال بلاده


سلّطت حياكم في أبوظبي، الهوية السياحية في دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي، الضوء على أفضل تجارب العاصمة، ومعالمها ووجهاتها الاستثنائية في نيويورك، مع تنظيمها فعالية جماهيرية، لاختبار مهارات كرة القدم في شوارع المدينة، ضمن جولة مانشستر سيتي الصيفية في الولايات المتحدة.
وأطلقت «حياكم في أبوظبي»، بالتعاون مع الاتحاد للطيران وبوما، تحدي «برنامج رحلة ركلات الترجيح» في شارع 49 في نيويورك، والذي أتاح المجال أمام المشجعين للفوز برحلة الأحلام إلى أبوظبي، واكتشاف ثقافتها الأصيلة ومغامراتها المذهلة والاستجمام بين أحضان طبيعتها الخلابة.
وشهد التحدي منافسة قوية بين الجمهور في تسديد ركلات الترجيح، حيث حصل كل مشارك، مع كل هدف أحرزه، على فرصة إضافة تجربة جديدة في أبرز معالم الإمارة إلى برنامج رحلته الفريدة إليها.
وتتنوع هذه التجارب من المغامرة ونبض السرعة الفائقة في عالم فيراري جزيرة ياس، أبوظبي إلى الجولات الثقافية الغامرة في جامع الشيخ زايد الكبير.
ودخل المشاركون في سحب للفوز بالجائزة الكبرى، وهي عبارة عن رحلة لا تُنسى إلى أبوظبي، يتضمن برنامجها التجارب الحصرية التي حصلوا عليها عبر تسجيل ركلات الترجيح.
وتصاعد الحماس مع الظهور الخاص لنجوم مانشستر سيتي إيرلينج هالاند وجاك جريليش وأوسكار بوب، والذين التقوا المشجعين وعشاق كرة القدم، وساعدوهم على بناء برنامج رحلتهم إلى أبوظبي خطوة بخطوة مع إحراز كل هدف. 
وشملت الفعالية أيضاً عديداً من الجوائز الأخرى المقدمة من بوما ومانشستر سيتي والاتحاد للطيران، من بينها منتجات موقّعة من أشهر اللاعبين، وبطاقات الهدايا، والأدوات الرياضية ذات الإصدار المحدود، وأميال برنامج ضيف الاتحاد.
ووفر التحدي منصة مثالية لمشاركة أبوظبي مع الجمهور في الولايات المتحدة، عبر تقديم صورة حية لتجاربها المتنوعة الملهمة بأسلوب مبتكر وجذاب.
وتواصل «حياكم في أبوظبي» تشجيع مانشستر سيتي في جولته الصيفية في الولايات المتحدة، حيث يستعد الفريق لمواجهة برشلونة 30 يوليو الجاري، في استاد كامبينج وورلد في أورلاندو، قبل اختتام الجولة بمباراة أمام تشيلسي 3 أغسطس باستاد أوهايو في كولومبوس.

مقالات مشابهة

  • "المتحدة" وما وبعد النيوإمبريالية
  • السودان في مواجهة إحدى أسوأ المجاعات في العالم
  • «حياكم في أبوظبي» تنظم «تحدي الترجيحية» بالتعاون مع «السيتي»
  • تحليل :هل أوروبا مستعدة لعصر جديد عبر الأطلسي؟
  • الاتحاد الأوروبي: يجب وقف الحرب في السودان والجلوس إلى طاولة المفاوضات
  • رئيس لجنة الأديان بمقدونيا ينوه بجهود المملكة لنشر السلام والوئام في العالم
  • أقوى 10 جوازات سفر في العالم لعام 2024.. ماذا عن جواز اليمن؟ وأين حلت السعودية؟
  • الأمم المتحدة تحذر: القضاء على الجوع في العالم مستحيل
  • العالم يحتاج إلى «اتحادٍ بيئيٍّ» لمكافحة تغير المناخ
  • محمد حارب مشرفاً لرابع جولات مونديال الزوارق الكهربائية