الشيخ كمال الخطيب يكتب .. الرسول يهدّد ويتوعد فمن يعاند؟
تاريخ النشر: 25th, February 2024 GMT
الرسول يهدّد ويتوعد فمن يعاند؟
كتب .. #الشيخ_كمال_الخطيب
عن وقّاص بن ربيعة عن المستورد القرشي رضي الله عنه أنه حدّثه أن #النبي ﷺ قال: “من أكل برجل مسلم أكلة فإن الله يطعمه مثلها من #جهنم، ومن كسي ثوبًا برجل #مسلم فإن الله يكسوه مثله من جهنم، ومن قام برجل مقام سمعة ورياء فإن الله يقوم به مقام سمعة ورياء يوم القيامة”.
إنه الحديث الشريف به يحذّر النبي ﷺ من ثلاثة أفعال وممارسات مشينة وممقوتة إذا أتاها المسلم وفعلها ولم يستجب لنداء وتحذير الرسول ﷺ، فإنه #التهديد و #الوعيد من #عقوبة شديدة وعاقبة وخيمة ستنزل بصاحبها من الله جل جلاله يوم القيامة.
مقالات ذات صلةفمن أكل بمسلم أكلة
فمن أكل برجل مسلم أو امرأة مسلمة أكلة بأن نال من ذلك المسلم بغيبته أو الطعن بعرضه، أو أذاه أو أفشى له سرًا عند عدوه ومن يبغضه ومن يرغب بالنيل منه ومكافأة له على ذلك، فإن ذلك العدو المبغض قد أطعمه طعامًا أو أعطاه مالًا، يكون جزاؤه يوم القيامة من جنس العمل “فإن الله يطعمه مثلها في جهنم”. لكن طعام جهنم ليس كطعام الدنيا، إنه الطعام الذي وصفه الله في آيات كثيرة يجب أن تستوقف كل عاقل، قال الله تعالى في وصف طعام أهل النار: {لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِن ضَرِيعٍ*لَّا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِن جُوعٍ} آية 6+7 سورة الغاشية، والضريع هي شجرة ذات شوك يابس ليس لها ورق ولا تقربها دابة ولا ترعاها البهائم. وطعام آخر قال عنه سبحانه: {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ*طَعَامُ الْأَثِيمِ} آية 43-44 سورة الدخان، والزقوم شجرة خلقت من النار وغُذّت منها، قال ﷺ: “لو أن قطرة قطرت من الزقوم في الأرض لأمرّت على أهل الدنيا معيشتهم، فكيف بمن هو طعامه وليس له طعام غيره”. وطعام آخر هو الشوب {ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِّنْ حَمِيمٍ} آية 67 سورة الصافات، فإذا أكلوا الزقوم شديد المرارة فأرادوا أن يشربوا ماء ليذهب مرارته، شربوا من الحميم وهو الماء شديد الحرارة، فأصبح خليط الزقوم والحميم يسمى شوبًا.
وطعام آخر قال عنه سبحانه: {فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ*وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ*لَّا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ} آية 36-37 سورة الحاقة، والغسلين هو صديد أهل النار وقد ارتفعت حرارته فأصبح {كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ*كَغَلْيِ الْحَمِيمِ } آية 45-46 سورة الدخان. فإذا كان ذلك الذي لم يستجب لتحذير وتهديد ووعيد رسول الله ﷺ وقبل أن يأكل بمسلم أكلة فدعي إلى مطعم من ذلك العدو الذي باع له أخاه وهناك عرض عليه لائحة أصناف الطعام (menu) ليختار منها ما لذّ وطاب، فإن عليه أن يتذكر أن عقوبة ذلك ستكون أن يُسحب على وجهه إلى النار وهناك سيجد لائحة طعام أهل النار (menu) التي تتضمن الزقوم والضريع والغسلين والشوب والصديد والطعام ذا الغُصّة {إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالًا وَجَحِيمًا*وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا} آية 12-13 سورة المزمل.
وفي مقابل ذلك فإن المسلم الذي لا يقبل ويرفض أن ينال من مسلم عند عدو ومبغض ولو كان بذلك سيخسر مالًا بل ولعله سيؤذى، فإن جزاءه عند الله ما قاله رسول الله ﷺ: “من ردّ عن عرض أخيه ردّ الله عن وجهه النار يوم القيامة”. فما قيمة الطعام والمال والمنصب والجاه يحصّله أحدهم ممن يرغب من النيل من عرض أو كرامة أو حرمة أو دم أخيه المسلم مقابل دنيا فانية وعقوبة في نار جهنم دائمة.
ومن كُسِيَ بمسلم كسوة
واما الفعل الثاني المشين والممقوت الذي حذر النبي ﷺ المسلم من أن يفعله وإلا فإنه التهديد والوعيد لمن فعله وارتكبه: “ومن كُسِيَ ثوبًا برجل مسلم فإن الله يكسوه مثله من جهنم” فمن طعن بأخيه أو أفشى سرّه أو نال من عرضه عند من يسعى للنيل منه فكافأه على ذلك بقميص أو لباس أو بدلة أو حذاء جميل وثمين أو أي جائزة مقابل فعلته تلك، فإن جزاءه سيكون من جنس عمله، إنه سيُكسى كسوة ويلبس ثوبًا من جهنم يوم القيامة “فإن الله يكسوه مثله من جهنم”. ولكن إذا كانت ماركة القميص أو الحذاء من أشهر الماركات العالمية، فإن ماركة ثياب جهنم مما قال الله في وصفها: {فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ} آية 19 سورة الحج، إنها ثياب مصنوعة من النحاس المذاب يصب صبًا يتلبس أجسادهم، حتى أن إبراهيم اليمني كان إذا قرأ هذه الآية قال: “سبحان من قطع من النار ثيابًا”. وقوله سبحانه في وصف لباس أهل النار: {وَتَرَى المجرمين يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأصفاد*سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وتغشى وُجُوهَهُمْ النار} آية 48-49 سورة إبراهيم، إن سرابيلهم، أي قمصانهم من القطران الذي تطلى به جلود الإبل المصابة بالجرب لأجل علاجها من شدة حرارته على الجلد، وهو أسود شديد الاشتعال وهو المعروف بالعامية “الزفت”.
وأما من رفض ذلك العرض وذلك الإغراء ولم ينل من عرض أخيه ولا سمعته ولم يفشِ له سرًا عند عدو مبغض، فإن جزاءه كما قال ﷺ: “من حمى مؤمنًا من منافق بعث الله ملكًا يحمي لحمه يوم القيامة من نار جهنم”.
سيفضحه الله يوم القيامة
وثالث هذه الأفعال والممارسات المشينة والمقيتة التي هدّد النبي ﷺ وتوعد فاعليها إن لم يستجيبوا للتحذير والنصح بعدم فعلها والإقلاع عنها، فهي قوله ﷺ: “ومن قام برجل مقام سمعة ورياء فإن الله يقوم به مقام سمعة ورياء يوم القيامة”. إنه ذاك الذي يظهر شخصًا بغير ما فيه، يظهره ويصفه ويمدحه ويتملقه بأوصاف الصلاح والتقوى والعلم والفضل وهو ليس كذلك، من أجل أن ينال بما قاله المال رغم أن كل ما قال فيه كان سمعه ورياء، فإنه يوم القيامة سيجازى من نفس جنس فعله كما قال ﷺ:” فإن الله يقوم به مقام سمعة ورياء يوم القيامة، فيأمر الله ملائكة من ملائكته فيُفعل به ومعه بنفس ما فعل ويظهر على رؤوس الأشهاد أنه كذاب أشر”. فمن يقوم بين يدي أهل المال من أجل مالهم وأهل الجاه من أجل جاههم رياء وكذبًا فإن الله سيفضحه يوم القيامة.
تموت الحرة ولا تأكل بثدييها
ما أكثرهم أولئك الذين ملأوا جيوبهم وأرصدتهم وملأوا كروشهم وبطونهم، بل إنهم الذين صُبّت عليهم الأموال صبًا من جهات وجمعيات ودول وحكومات مقابل أنهم الذين نالوا من مسلمين ومن شرفاء وصادقين فأساؤوا إليهم وأفشوا أسرارهم.
ما أكثرهم الذين نالوا مراتب وحازوا مواقع وتبوأوا مناصب وأصبحوا يشار إليهم بالبنان بسبب مواقفهم وسياساتهم وآرائهم التي ضربوا فيها عرض الحائط مصالح أمتهم وثوابتها . ما أكثرهم الذين صُنعوا في مكاتب مخابرات الدول والأنظمة صناعة دقيقة سخرت ماكينة الإعلام لتلميعهم ثم تم تسويقهم أنهم الأبطال والمفكرون والسياسيون والواقعيون، وأنهم الذين يسعون لتحقيق مصالح شعوبهم.
وإذا كانت العرب قد قالت: “تموت الحرة ولا تأكل بثدييها” أي أن الشريفة العفيفة بنت الأصل إذا جار عليها الزمان وأصبحت فقيرة ومحتاجة، إنها تفضل الموت جوعًا على أن تبيع شرفها أو أن تتاجر بعرضها وعفّتها مقابل مال تشتري به طعامًا، إنها تفضل الجوع على العار.
ما أكثرهم الذين احترفوا الزنا السياسي وامتهنوا الدعارة السياسية في حياتهم، وكلّ مرة يطرحون الطروحات ويقفون المواقف التي تتلاءم مع من يدفع الثمن أكثر. ومع الأسف إن من هؤلاء ليسوا فقط سياسيين بل إنهم علماء ومشايخ ودعاة رقصوا على أكثر من حبل وهتفوا لأكثر من سيد. وإذا كانت تلك تبيع عرضها من أجل المال، فإن هؤلاء باعوا دينهم من أجل المال، وإذا بهم قد أكلوا أكلة ولبسوا لبسة قد ألقاها إليهم طاغية وظالم وعدو مقابل أن أساؤوا وتطاولوا وظلموا ونالوا من إخوة لهم، فإن الله سيطعمهم مثلها في جهنم وسيكسوهم مثلها في جهنم.
ولأن بوصلة هؤلاء قد انحرفت، ولأن هويتهم قد تشوهت فإنهم يظنون أنهم بأكلة أو كسوة بها باعوا وفرّطوا في إخوة لهم، أن هذا من أسباب سعادتهم، فإنها في الحقيقة من أسباب شقائهم في الدنيا والآخرة، كما قال الشاعر:
قالوا السعادة في الغنى فأخو الثراء هو السعيد
قالوا السعادة في النفوذ وسلطة الجاه العتيد
قالوا السعادة في السكون وفي الخمول وفي الخمود
قل للذي يبغي السعادة هل علمت من السعيد
إن السعادة أن تعيش لفكرة الحق التليد
لعقيدة كبرى تحل قضية الكون العتيد
للناس أرباب ولكن ربّه ربّ وحيد
لا ينحني إلا له عند الركوع أو السجود
لا يلتوي كالأفعوان ولا يطأطئ كالعبيد
وإذا أريد على الدنية قال: لا أريد
ومن جلس بالإسلام جلسة
وإذا كان النبي ﷺ قد هدّد وتوعّد من باع وفرّط بأخيه المسلم من أجل أكلة أو من أجل كسوة لينال بذلك حظوة عند حاسد أو حاقد أو عدو متربص، فكيف بمن باعوا وفرّطوا وليس بشخص، بل إنهم باعوا شعبًا بأكمله، باعوا غزة بأطفالها ونسائها وشيوخها، باعوا غزة بمساجدها ومدارسها ومشافيها ومقابرها؟ فكيف بمن باعوا القدس وباعوا الأقصى والصخرة وباعوا الحرم والمسرى، باعوا شقيق المسجد الحرام ومسجد النبي ﷺ؟ كيف بقادة وزعماء ورؤساء وملوك وأمراء؟ كيف برئيس فلسطين ينخرس بل وفي داخله كان يتمنى سرعة سقوط غزة من أجل أن يتربع على كرسي رئاسة لا يستحقها، ومن أجل أموال تهبه إياها الدول الغربية وتهبه إياها حكومة إسرائيل التي قتلت أطفال شعبه ونساء شعبه، وهو ما يزال يقوم بمهمته وتقديم الخدمات لمن يحتل أرضه ويقتل شعبه.
وكيف برئيس مصري خنق مليونين من العرب والمسلمين لهم عليه حق الجيرة وحق العروبة وحق الإسلام ولم يقم بالحد الأدنى من واجبه الإنساني لإطعامهم ولا لإشفائهم وعلاجهم، وكل ذلك من أجل هبات وعدته بها أمريكا وإسرائيل لضمان بقائه على كرسي الحكم في مصر التي انقلب فيها على رئيس شرعي هو الشهيد محمد مرسي كرمال عيون إسرائيل وأمريكا؟
وكيف بزعماء عرب ومسلمين من أبطال مشاريع التطبيع الذين انخرسوا وصمتوا عما يجري في المسجد الأقصى المبارك من انتهاكات وتدنيس وتهديد خطير بهدمه وبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه وهم الذين سبق وأعلنوا وفق اتفاقية أبراهام التي وقّعوها أن من حق كل من هو من سلالة إبراهيم من غير المسلمين، أي اليهود والنصارى، الصلاة في المسجد الأقصى، وهم يعلمون أن النصارى لا يطالبون بذلك وإنما كانت تلك العبارات لتبرير حق مزعوم لليهود في المسجد الأقصى.
ما أكثرهم الذين أكلوا بشعوبهم أكلة ولبسوا بالإسلام لبسة فكان جزاؤهم على حرب شعوبهم وحرب الإسلام كراسي وعروش يجلسون عليها أوصلها إليهم أعداء الإسلام، وهم من يقومون على حمايتهم وتثبيت أركان حكمهم. فليس أن هؤلاء سيفضحهم الله في الدنيا ويخزيهم ويهدد ويهدّ عروشهم، وهو آت في ربيع إسلامي قادم وقريب إن شاء الله تعالى.
وإنما هم الذين سيكون جزاؤهم يوم القيامة من جنس عملهم حيث ستكون مجالسهم ومواقعهم ومساكنهم ليست إلا كما قال الله سبحانه: {إِنَّ ٱلْمُنَٰفِقِينَ فِى ٱلدَّرْكِ ٱلْأَسْفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا} آية 145 سورة النساء. وما قاله رسوله ﷺ: “وإن مجلسه من جهنم كما بين مكة والمدينة”، في إشارة إلى تضخم جسم الكافر والمنافق “ومن أكل بمسلم أكلة أو أجلسه جلسة”. وكلما كان الجسم ضخمًا كان العذاب أكثر إيلامًا.
ما أشقاهم أولئك الذين يتهددهم ويتوعدهم رسول الله ﷺ، ويظلّون في غيّهم سادرين.
ما أشقاهم الذين يبيعون دينهم بدنيا غيرهم. ما أتعسهم الذين سيكون خصمهم يوم القيامة ليس إلا رسول الله ﷺ {يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّىٰ بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} آية 42 سورة النساء.
ارفع رأسك فأنت مسلم.
نحن إلى الفرج أقرب فأبشروا .
رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة.
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: الشيخ كمال الخطيب النبي جهنم مسلم التهديد عقوبة یوم القیامة رسول الله ﷺ أهل النار فإن الله النبی ﷺ من جهنم کما قال طعام ا من أجل ما قال من أکل
إقرأ أيضاً:
فيلم القيامة زد: خيال علمي يقود الناجين من فناء العالم إلى النجاة
واقعية الأحداث عمقت التشويق لوصول الصراعات إلى نهاياتها
شهد تاريخ السينما وكذلك القصة والرواية اهتماما خاصا بفكرة نهاية العالم وتتابعت الأعمال الإبداعية في هذا المجال وعلى الرغم من كثرتها إلا أن الكتّاب والسينمائيين ما يزالون ينتجون المزيد والمزيد منها.
يتداخل في هذا النوع السينمائي والروائي ما هو خيالي وافتراضي بما هو واقعي قائم على ما يشهده العالم من تحولات وصراعات فضلا عن أن فكرة فناء العالم كانت مرتبطة على الدوام بواحد من الاحتمالات فإما بسبب الحروب العالمية الطاحنة التي يمكن أن تنهي الوجود البشري وتدمر الأرض بسبب استخدام أشد الأسلحة فتكا وتدميرا وهو ما عالجته السينما في العديد من الأفلام وخاصة التنبؤ بحرب عالمية قادمة.
أما السبب الآخر لذلك الانهيار المحتمل فيعود إلى عوامل الطبيعة ومتغيرات المناخ من فيضانات وموجات تسونامي وهزات أرضية وما إلى ذلك لنصل إلى النوع الثالث والممثل في تفشي الأوبئة والأمراض والتي شاهدنا الكثير منها خاصة بعد الجائحة التي ضربت العالم والتي تمثلت في جائحة كوفيد 19.
تبرز في كل هذه الأنواع والاحتمالات القائمة على فكرة الفناء الكوني إشكالية الناجين من تلك الكوارث وكيف سوف يصارعون من أجل البقاء وكيف سوف يواجهون الكارثة وينجون بأنفسهم متحملين العديد من التحديات.
ينتمي هذا الفيلم الإسباني للمخرج كارليس تيرينس إلى هذا النوع، الناجون وهم يواجهون جائحة كارثية ما تلبث أن تتطور في أجساد البشر فيتحولون إلى كائنات زومبي متوحشة، ويبز هنا مانيل – يقوم بالدور الممثل فرانشيسكو أورتيز، المحامي وصاحب الشركة وهو يجد نفسه في قلب الكارثة بعدما يفقد زوجته مع المشاهد الأولى من الفيلم بحادث اصطدام.
ها هو مانيل يتحمل هول الصدمة وحزن الفراق ويتشبث بشقيقته لتخفف عنه لكن جائحة تضرب البلاد كما تضرب أغلب بلدان العالم يؤدي إلى الافتراق بينهما وبعدما يحاول مانيل الالتحاق بها بعدما انتقلت للعيش في جزر الكناري إلا أن الجائحة تكون قد تفشت وبدأ الخراب.
يجد مانيل نفسه محاصرا في منزله ليكرس الفيلم فكرة الشخصية الواحدة الوحيدة التي ينسج من حولها السرد الفيلمي، فالتحديات مجتمعة سوف تتكرس من خلال شخصية مانيل، وهو يحاول أن يحافظ على البقاء ولكن ها هو يبحث عن الطعام بعدما نفد ما عنده من خزين، وها هو يتنقل بين بيوت مهجورة ورفوف خاوية فلا يعثر إلا على دراجة نارية يتنقل بها وسط الوحوش البشرية الضارية حتى يتشعب بنا السرد الفيلمي إلى لقاء مانيل مع عصابة من الروس تقابلها عصابة من الأوكرانيين وهو في وسط هذه الدوامة يعيش سلسلة من الصراعات على الصعيد النفسي والشعور بالعزلة والفقدان.
التحديات النفسية التي تعصف بمانيل ترتبط بحزنه الشديد على زوجته ليتكامل ذلك مع فقدان الاتصال بشقيقته وبذلك تتبلور دراما فيها كثير من التعقيدات حيث يجد مانيل نفسه بدافع الضمير مندفعا نحو إنقاذ أحد أفراد تلك العصابات على أمل أن يكون منقذا بالهرب بواسطة طائرة مروحية.
وفي هذا الصدد يقول الناقد لويز هاسي في موقع بلودي "إن هنالك رأي سائد مفاده أن الإفراط في قصص الزومبي قد أضعف هذا النوع السينمائي، إلا أنني أعتقد أن هنالك مجموعة من الأعمال المثيرة للاهتمام وشيقة للغاية على الرغم من أنها ذات فكرة مألوفة، ومن بينها هذا الفيلم حيث اكتسبت الرواية التي أخذ عنها شعبية كبيرة لدرجة أن مؤلفها قرر نشرها في شكل ثلاثية روائية تتتبع فرانشيسكو وقطته طوال رحلتهما عبر أوروبا الموبوءة بالزومبي.
لقد استمتعنا كثيرًا بمشاهدة مانيل وهو يبحث عن الطعام ويبتكر روتينًا جديدًا لنهاية العالم. وأما عندما يتعلق الأمر بالدمار النفسي، يُبدع أورتيز في تحويل مانيل إلى بطلٍ مُحببٍ وذكيٍّ بشكلٍ مدهش وتشعر حقًا بأن هذه الرحلة تدفعه إلى أقصى حدٍّ من الصراعات ولكن من دون الحاجة إلى تحويله إلى قاتل زومبي شرس".
أما الناقد سوشرات كوبيش في موقع دمتاكيس فيقول: "تفشي فيروس، وحالة من الفوضى وانعدام القانون، وأبطال يتحدون الصعاب، كلها عناصر تُشكّل جزءًا من بناء عالم كل فيلم من أفلام هذا النوع الفرعي من أفلام الرعب. ما يميز أي فيلم هو بناء شخصياته، ومشاعرها، ورؤيته المختلفة للأحداث - وهو أمر شاهدناه في هذا الفيلم، المقتبس عن سلسلة كتب مانويل لوريرو المكونة من ثلاثة أجزاء والتي تحمل الاسم نفسه، وهو يتحرك بوتيرة سريعة، ويُبقيك متشوقًا إلى درجة أنني أعتقد أن الجزء الثاني من الفيلم، الذي يحمل عنوان "أيام مظلمة"، سيجيب على الأرجح على الأسئلة حول أصل الفيروس، والتي لم تُشرح في الفيلم الأول".
ولعل الميزة الأساسية والتحدي الكبير الذي يواجه مخرجو الأفلام ذات الشخصية الواحدة هو الوقوع في الرتابة أما في هذا الفيلم فقد نجح المخرج في زج تلك الشخصية الرئيسية بحلقات سردية متوالية من الصراعات التي تقترب من حافة الموت وهنا يجبرنا على أن نلتفت إلى الجانب الواقعي والموضوعي؛ فالممثل الرئيسي المعزول عن العالم ليس من نوع الأبطال مفتولي العضلات الذين يقاومون الزومبي ويكدسونهم في الطرقات بعد خوض النزالات معهم أما هنا فالأمر أكثر واقعية حتى أن مانيل يشعر بالذعر عندما يخوض قتالا مع شخصية زومبي كما أنه يحزن لما يجري أمامه من سلب ونهب وقتل.
من جانب آخر وجدنا أن ساحات المواجهة قد اتسعت بالنسبة لمانيل ولم يعد للجغرافيا المكانية تأطير منطقي ولا حدود واقعية، وهنا سوف تتقاطع إحداثيات تلك الجغرافيا مع توالي البيانات الحكومية واكتظاظ شاشات التلفزة بالتوجيهات والنصائح وتتبع الخراب المتفشي من جراء الكارثة.
خلال ذلك كان ما نيل يتنقل من منزله إلى البحر ثم الاختباء في مستشفى مهجور لم ينج فيه إلا طبيبة وممرضة وبضعة أطفال وها هم الناجون في مواجهة أفواج الزومبي في سلسلة مشاهد مصنوعة ببراعة واستخدام متقن للمونتاج وحركة الكاميرا والموسيقى وصولا إلى الذروة المنتظرة من خلال مشاهد النجاة بطائرة مروحية.
وأما إذا انتقلنا إلى جانب آخر من المهارات الإخراجية وتوظيف العناصر التعبيرية فلا شك أن المخرج كان أمام تحدي تقديم عمل روائي إلى الشاشات بكل ما يعني ذلك من إعادة بناء للشخصيات والأحداث ومن جهة أخرى المضي بالشخصية الواقعية المتحدية إلى صراعاتها ولكن من دون إسراف ولا مفاجآت غير مقنعة بل بتكييف واقعي للأحداث وهو ما أضاف عناصر نجاح لهذا الفيلم.
....
إخراج: كارليس تيرينس
تمثيل: فرانشيسكو أورتيز في دور مانيل، مارتا بوفيدا في دور بيلين، ايريا ديل ريو في دور جوليا، بيرتا فازكويز في دور لوسيا، خوسيه ماريا يزبك في دور بريتشينكو
سيناريو: انجيل اغودو
عن رواية الكاتب مانويل لوريرو
مدير التصوير: الياس فيلكس