توصف بأنها المعلم الأهم في إعادة تشكيل الشرق الأوسط.. هل كانت معاهدة لوزان نصرا أم هزيمة؟
تاريخ النشر: 22nd, July 2023 GMT
قدّم الفيلم الوثائقي -الذي بثته قناة الجزيرة ليل الجمعة- تحليلا عميقا لمعاهدة لوزان الثانية في الذكرى الـ100 لتوقيعها، مبرزا علاقتها بنشأة جمهورية تركيا الحديثة، وخصوصيتها وآثارها على المنطقة ككل لا سيما العربية.
ووضعت معاهدة لوزان -التي وُقعت في 24 يوليو/تموز 1923- حدًّا للحرب العالمية الأولى، وفرضت تسوية نهائيةً بين الأتراك والحلفاء المنتصرين في الحرب، وهي من أهم المعالم التاريخية للقرن العشرين، بل يذهب المؤرخون لوصفها أهمَّ معاهدة سلام في التاريخ الحديث، ونهايةَ الطريق الطويل لخطة المعسكر الغربي بفرض حل نهائي للمسألة الشرقية.
وبحسب أدهم ألديم، وهو مؤرخ متخصص في التاريخ العثماني والتركي بجامعة البوسفور، فإن معاهدة لوزان تعد المعلم الأهم في إعادة تشكيل الشرق الأوسط.
ويستعرض الفيلم الوثائقي السياق التاريخي الذي أبرمت فيه المعاهدة، حيث يؤكد رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة أكسفورد، يوجين روغان أنه منذ اللحظة التي اتّخذَ فيها العثمانيون في صيف 1914 القرار المصيري بالتحالف مع ألمانيا خلال الحرب العالمية الأولى؛ قرّرت القوى المتحالفة ولأوّل مرّة خوض الحرب ضدَّ الإمبراطورية العثمانية.
ويتابع روغان في شهادته أن القوى المتحالفة قامت بالاستيلاء على الإمبراطورية العثمانية وتفكيكها عبر سلسلة من الاتفاقيات المصيرية التي تطوّرت على مدار الحرب، وكان أهمها اتفاق "سايكس بيكو" بين فرنسا وبريطانيا، وبمصادقة كل من روسيا وإيطاليا.
وبموجب الاتفاقية تمَّ تقسيم الدولة العثمانية إلى مناطق نفوذ بين الحلفاء، تسيطر فرنسا على معظم بلاد الشام ومنطقة الموصل شمال العراق وجنوب شرق الأناضول، في حين كانت حصة بريطانيا بالسيطرة على جنوب بلاد الشام التي تشمل بغداد والبصرة وكافة الأراضي الواقعة بين الخليج العربي حتى حدود النفوذ الفرنسي.
أما روسيا فحظيت بعاصمة الدولة العثمانية إسطنبول ومضيقي البوسفور والدردنيل، وكان نصيب إيطاليا جنوب غرب الأناضول.
تقسيمات "سايكس بيكو"ويرى وجيه كوثراني، وهو مؤرخ ومؤلف كتاب "الذاكرة والتاريخ في القرن العشرين الطويل" أن سايكس بيكو كانت سيناريو أساسيا بين 3 أطراف كولونيالية استعمارية، ودخلت في الذاكرة التاريخية كمؤامرة تمثل العقل الاستعماري الخبيث.
وتطرق الفيلم الوثائقي إلى النصر الذي حققه الجيش التركي في معركة الدردنيل عام 1915، وهي المعركة التي شكّلت حلقة الوصل بين الدولة العثمانية والجمهورية التركية، كما يقول المؤرخ أدهم ألديم.
ومستعينا بشهادات مؤرخين وأساتذة ومختصين، استعرض الفيلم الوثائقي تفاصيل الأحداث التي توالت ومنها استسلام العثمانيين وتوقيعهم هدنة مودروس في أكتوبر/تشرين الأول 1918، وسقوط قلب العاصمة إسطنبول في يد الحلفاء، ثم رفض القادة العسكريين الاستسلام لشروط مودروس، ودور الجنرال مصطفى كمال أتاتورك في حرب الاستقلال.
وتحدثت أوديل مورو، وهي مؤرخة متخصصة في التاريخ التركي بجامعة بول فاليري مونبلييه عن حرب الاستقلال التي انطلقت في تلك الفترة في تركيا، مشيرة إلى أن حالة غليان عمت كامل أراضي الأناضول مع حركات المقاومة.
كما كشف المتحدثون عن تفاصيل "معاهدة سيفر" التي أبرمتها الدول المتحالفة في 10 أغسطس/آب 1920 وتضمنت 433 بندا، وتقاسمت بموجبها أراضي الدولة العثمانية. واعتمدت المعاهدة في مبدئها الأساسي على تقسيمات "سايكس بيكو" للأقاليم وفق مناطق نفوذ فرنسي وبريطاني وإيطالي، فضلًا عن مناطق يضمها حليفهم الجديد اليونان. واحتوت على منطقة حكم ذاتي مستقل للأكراد في البند 62، وعلى وطن قومي لليهود بفلسطين في البند 95.
غير أن معاهدة "سيفر" أشعلتْ الحركة الوطنية التركية، وبدأت بخوض المعارك ضد الجيش اليوناني الذي خوّله الحلفاء لاحتلال غربي الأناضول.
وفي خضم هذه التطورات جاءت معاهدة لوزان، حيث توجه عصمت إينونو على رأس وفد تركي مفاوض في نوفمبر/تشرين الثاني 1922 إلى مدينة لوزان في سويسرا لبدء المفاوضات مع الحلفاء.
ووفق شهادة جوكان ستينسايا، وهو أستاذ فخري في العلاقات الدولية بجامعة "إسطنبول شهير"، فقد وضعت 3 خطوط حمراء أمام الوفد التركي في لوزان وهي: أولا: الوطن الأرمني غير مقبول على الإطلاق. ثانيا: الامتيازات التجارية غير مقبولة. ثالثا: يجب أن تبسط تركيا سيادتها على إسطنبول والمضائق.
وأظهر الفيلم الوثائقي -الذي بثته قناة الجزيرة وحمل عنوان "لوزان 1923"- وثائق حصلت عليها تتضمن بعضًا من رسائل رئيس الوفد الإنجليزي اللورد كورزون إلى العاصمة لندن أثناء الأسبوع الأول من الاجتماعات يشرح فيها سير المفاوضات.
وانتهت المفاوضات الطويلة في لوزان، بعد تسوية معظم المسائل المتنازع عليها، وتخلّي تركيا عن جميع الحقوق والملكية التي تخص الأراضي الواقعة خارج حدودها الجديدة، وتمَّ توقيع المعاهدة في 24 يوليو/تموز 1923، وأُلغِيَت بموجبها اتفاقية "سيفر" وأنهت حالة الحرب الدائرة في الشرق.
احتوت المعاهدة على 143 بندًا كان أهمها الاعتراف باستقلال الجمهورية التركية وبالسيادة على أراضيها التي حدّدتها طاولة المفاوضات، ورسم الحدود مع البلاد المجاورة لها مع كل من اليونان وبلغاريا وسوريا والعراق.
التنازل عن الامتيازاتوأعلنت الجمهورية التركية استقلالها في 29 أكتوبر/تشرين الأول 1923؛ مدشنة بداية جديدة كدولة قومية، مُنهيةً بذلك علاقتها بالدولة العثمانية بكافة ارتباطاتها، وخاصة بالعالم العربي، بعد قرونٍ من الحكم العثماني.
وتنازلت تركيا حتى عن الامتيازات في الدول العربية، كما جاء في البند 17 حول تنازل تركيا عن جميع الامتيازات والحقوق في كل من مصر والسودان، وتنازلت أيضًا عن الامتيازات في ليبيا بموجب المادة 22. ومن ثمَّ تنازلت تركيا عن الموصل بعد حسم النزاع عبر عصبة الأمم، ووقّعت على اتفاق أنقرة مع المملكة العراقية وبريطانيا في يونيو/حزيران 1926.
ويقول حميد بوزرسلان، وهو أستاذ التاريخ والعلوم السياسية في "كلية الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية بباريس": "بالنسبة للعرب كان هناك نوعٌ من الخيانة لكنّ الشعورَ بأنّ الخيانة حدثت بالفعل جاء عندما دفّعتْ أوروبا العرب مصاريفَ تسوية حساباتهم مع الإمبراطورية العثمانية في نهاية المطاف، ويمكننا القول إنّ بريطانيا العظمى وفرنسا اعتبرتا العالم العربي والأقاليم العربية غنائم الحرب الوحيدة".
كما نشر موقع مشروع لوزان على الإنترنت مقالًا بعنوان "الأنانية المقدسة"؛ ويصفُ فيه كيف تم إقصاء العرب بشكل كامل عن المفاوضات في لوزان.
يذكر أنه بعد مرور قرن على معاهدة لوزان، لا تزال هذه المعاهدة محطة إثارة للجدل في تركيا وخارجها؛ إذ نشرت صحف ومواقع بعضا من هذا الجدل؛ مثل احتوائها على بنود سرية تتعلق بالبترول والغاز، وجدل آخر حول انتهاء صلاحيتها بعد مرور 100 عام، وهو أمر لا يمت إلى المعاهدة بأي صلة، وفق المصادر.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
أردوغان: وقف إطلاق النار في غزة هشّ.. وتركيا مستعدة لقيادة مسارات السلام
شدّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خلال كلمته في المنتدى الدولي للسلام والثقة المنعقد في العاصمة التركمانستانية عشق آباد، على أن الوضع في قطاع غزة لا يزال في مرحلة دقيقة تتطلّب تدخلاً دولياً مكثفاً.
وأوضح أن وقف إطلاق النار القائم، رغم أهميته، يبقى هشًّا بفعل الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة، ما يفرض — بحسب قوله — ضرورة وجود دعم دولي حقيقي يضمن صموده ويمنع انهياره.
وأشار أردوغان إلى أن أي مسار جاد لتحقيق السلام في الشرق الأوسط لا يمكن أن يُبنى بمعزل عن الفلسطينيين، مؤكداً وجوب إشراكهم بشكل كامل في كل مراحل العملية السياسية، وأن الهدف النهائي يجب أن يظل ثابتًا: إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود معترف بها دوليًا.
وفي سياق حديثه عن الأزمات العالمية، أكد الرئيس التركي استعداد بلاده لتقديم دعم ملموس لكل المبادرات الدبلوماسية الهادفة إلى إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا، مشيراً إلى أن مسار مفاوضات إسطنبول ما يزال يشكل أرضية فعّالة يمكن البناء عليها لاستعادة التفاهم وفتح الطريق أمام تسوية مستدامة.
وشدد أردوغان على أن تركيا — انطلاقًا من إرثها التاريخي وموقعها الجغرافي ودورها الحضاري — تتحمل مسؤولية خاصة في دعم الاستقرار الدولي. وقال إن أنقرة تعمل «بكل ما تملك من إمكانات» لتعزيز مناخ الحوار، والحد من النزاعات، وتوسيع الجهود الدبلوماسية التي تعيد الثقة بين الأطراف المتنازعة.
ويأتي خطاب أردوغان في ظل تسارع التطورات الإقليمية والدولية، ليؤكد مجددًا رغبة تركيا في لعب دور محوري في صناعة السلام، سواء في الشرق الأوسط أو في ساحات الصراع العالمية، من خلال حضورها الدبلوماسي النشط وشراكاتها المتعددة.