منذ بدء الحرب على غزة في السابع من أكتوبر، يتعرّض التراث الثقافي الفلسطيني لأعمال تدمير واسعة تشمل المواقع الأثرية، والمباني التاريخية والدينية، والمقرّات الثقافية، والمتاحف، والمؤسسات الأكاديمية والإعلامية.
في هذا الإطار، نظّمت مؤسسة الدراسات الفلسطينية في بيروت، ندوة بعنوان “تدمير التراث الثقافي في غزّة”، بُثّت على منصّاتها الإلكترونية مباشرة، وقدّمت خلالها نبذة عن التراث الثقافي في قطاع غزة، والقوانين التي تنصّ على حماية هذا التراث في القانون الدولي الإنساني، ودور اليونسكو والمنظمات الدولية في حماية هذا التراث المهدّد.

تراث فلسطين.. هدف إسرائيل
الباحث في علم الآثار والتراث الثقافي، حمدان طه، الحاصل على دكتوراه من جامعة برلين في الآثار، قال: “إن المواقع الأثرية في فلسطين، شكّلت هدفاً رئيساً في الحروب جميعها التي شنّها الاحتلال الإسرائيلي على غزة، ومنها مرفأ “الأنثيدون”، (ميناء غزة القديم المُدرَج على اللائحة التمهيدية للتراث العالمي)، الذي يعود بناؤه إلى 800 عام قبل الميلاد، والذي تعرّض للدمار أكثر من مرّة، ولا يزال عرضة للقصف خلال العدوان الحالي.
وتوقّف حمدان طه عند أهمية المواقع التي استهدفها العدو الإسرائيلي، وعرض صوراً قبل التدمير وبعده للمواقع كلها، مثل كنيسة جباليا التي شُيدّت في منتصف القرن الخامس ميلادي، وبدأت فيها عمليات ترميم واسعة خلال الفترة الماضية، لكنها تعرّضت للدمار الكامل نتيجة القصف المباشر، فضلاً عن دير يحمل اسم القدّيس هيلاريون أو هيلاريوس في دير البلح، الذي أسّس الرهبنة في فلسطين كلّها خلال القرن الرابع الميلادي، وتعرّض لتدمير جزئي، ناهيك عن مواقع تاريخية مهمّة.
ولفت طه إلى تركيز إسرائيل على دُور العبادة، إذ طاول القصف أكثر من 90 مسجداً، أبرزها المسجد العمري (المسجد الكبير) في جباليا، وهو من أقدم مساجد فلسطين، وشُيّد في نهاية القرن السابع عشر الميلادي، ومسجد “السيد هاشم” الذي يعود إلى العهد المملوكي، و”مسجد المحكمة” في حيّ الشجاعية، الذي بُني أيام المماليك أيضاً، ويضمّ مدرسة منذ إنشائه، فضلاً عن “مسجد الأمين محمد” في خانيونس.
وتطرّق طه إلى التدمير الذي لحق بـ “كنيسة برفيريوس” في حيّ الزيتون بمدينة غزة، التي تسمى باسم القديس الذي عاش في القرن الرابع الميلادي، ودُفن فيها، وإلى جوارها في الحي نفسه دُمّر “مسجد كاتب ولاية” الذي شيّده المماليك في القرن الخامس عشر الميلادي، مشيراً إلى كونهما نموذجاً تاريخياً لتعايش المسيحيين والمسلمين في غزة.

قصر الباشا حطام
وأشار طه إلى تدمير مبنى ومتحف قصر الباشا في البلدة القديمة في غزة، الذي بُني زمن الظاهر بيبرس في القرن الثالث عشر، وكان مقرّ حاكم المدينة طوال العصرين المملوكي والعثماني، مشيراً إلى استهداف الاحتلال للمتاحف كما حصل في “متحف القرارة” في خانيونس، وتدمير محتوياته التي تمثّل الحضارات جميعها التي تعاقبت على غزّة وفلسطين، وكذلك “متحف رفح” الذي دُمّر بالكامل.
وتضاف إلى ذلك مبانٍ تاريخية تعرّضت للقصف الإسرائيلي مثل “بيت السقّا التاريخي” في حي الشجاعية، الذي بُني قبل 400 سنة، والمستشفى المعمداني الذي تأسّس سنة 1882، ومبنى الأرشيف المركزي الذي يحتوي وثائق ومخطّطات في غاية الأهمية لغزّة في المئة عام الماضية، ومكتبة بلدية غزة العامة، و”مركز رشاد الشوا الثقافي “، و”متحف غزّة/ جودت الخضري” وكلية الحقوق في “جامعة الأزهر”، والعديد من المباني في شارع فهمي بيك وأحياء في البلدة القديمة.

إبادة التراث
وأكد رئيس دائرة التاريخ والآثار في جامعة بيرزيت الباحث عصام حلايقة، أن تدمير التراث الثقافي صنو الإبادة، باعتباره أداة لتدمير المجموعات البشرية بالرجوع إلى العديد من الشهادات والكتب التي وضعها العديد من الخبراء حول غزة، داعياً إلى تقييم الأضرار التي تعرّضت لها الآثار والمواقع التراثية، ووضع خطط الإغاثة والإعمار.
وتناول حلايقة تاريخ أكثر من أربعة آلاف عام في غزة، التي ذُكرت في النقوش المصرية والمعينية واليونانية، باعتبارها مركزاً إدارياً ومنطقة استراتيجية على طريق التجارة، بين الحضارات القديمة في المنطقة.
كما تطرّق إلى الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تنظّم وضع الآثار والتراث الثقافي تحت الاحتلال، والقرارات التي صدرت عن “اليونسكو” وأدانت إسرائيل بصفتها قوّة احتلال، لانتهاكاتها الميثاق المتعلّق بالمحافظة على الممتلكات الثقافية.

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

الغيبيات في الدين

#الغيبيات_في_الدين
مقال الإثنين: 3 /2 /2025 ب

قلم: د. #هاشم_غرايبه
لعل أكثر ما يتحدى العقل البشري هو الإيمان بأمر لا يوجد له في قاعدة البيانات العقلية مرجعية ينتمي إليها، لأن طبيعة الفهم البشري تعتمد على مطابقة الأمر المعروض على العقل مع ما هو مثبت في الذاكرة، وعندما يكون هذا المعروض أمرا جديدا، يتم ربطه بأقرب الصور تشابها، وعندما لا ينجح هذا الربط، تبقى المعلومة مبهمة غير مفهومة.
من سخف التفكير أن يرفض الإنسان تقبل هذا الذي لم ينجح في ربطه، أو يحكم عليه بالتكذيب استنادا الى عدم معقوليته (أي عدم قدرة عقله على استيعابه)، فالعقل البشري ليس حكما موثوقا، لأن القدرات العقلية للبشر مبنية أساسا على مدى اكتساب المعارف، وهذا أمر متطور متوسع على الدوام، فما لا يعرف اليوم قد يعرف غدا، كما أن القدرات العقلية متباينة بين شخص وآخر.
وثبتت هذه الحقيقة مع تطور المعارف وتقدم علوم البشر، ويتبين على الدوام على مر العصور كم تغيرت من مفاهيم كانت تعتبر المعرفة المثلى، وكم نقضت من قناعات اعتبرت حقائق علمية مثبتة.
الدين هو مجموعة من القواعد السلوكية الضابطة لأفعال الأفراد، والمنظمة للعلاقات بينهم (المجتمعات)، التي تهدف لتنظيم الحياة البشرية والحيلولة دون تعدي بعضهم على بعض، والتي هي المنشئة للخلافات والمنازعات المؤدية الى الصراعات وإقلاق الأمن.
ولما كان الدين إلهي المنشأ، لذا فتعاليمه تمثل العدالة المطلقة، ولذلك يرحب به دائما المستضعفون لأنه ينتصر لهم من الظالمين، ويعاديه المترفون لأنه ينتقص من مكتسباتهم غير العادلة، وعلى مر العصور شكّل هؤلاء جبهة ممانعة للدين منذ أن بدأ الله بإنزاله على البشر، واعتمدوا في محاربته بداية على التشكيك في انتمائه الى الله، فقالوا إنه اخترعه مصلحون ادعوا أنهم أنبياء، ثم حاربوا من استجاب وأتبعهم، ثم اخترقوا الرسالات القديمة فقاموا بالتزوير والتحريف لإفساد الدين وحرفه عن غاياته، وفي النهاية انصبت جهودهم على تحييده لمنعه من أن يتبع كمنهج سياسي تطبقه السلطة، بحجة أنه يولد الخلافات ويؤجج الصراعات، فوضعوا بديلا بشريا لتشريعاته، ما سموه بالدساتير والقوانين وأطلق على ذلك المسعى “العلمانية”.
رغم أن البنود المنطقية في دساتيرهم هذه مشتقة من تشريعات الدين، إلا أنها محشوة ببنود تعزز سلطة الحاكم، وتضعف من قدرات المحكومين على الرقابة عليه، وذلك لأن طبقة المترفين طفيلية، تبني غناها على استغلال العامة، ولأنها تملك الثروة فهي تستأثر بالنفوذ أي التأثير على السلطة الحاكمة، والتي تخضع للمترفين فتجعل التشريعات ممالئة لهم وحامية لمصالحهم.
تكتسب تشريعات الدين قوة تأثيرها من أمرين: الأول عدالتها لأن مصدرها الإله القوي الحكيم، فلا تخضع لابتزاز ولا تأثير بشري عليها، والثانية أن الرقيب عليها قوة غيبية لا قدرة للبشر على الإفلات منها.
من هنا نفهم الحكمة من تغييب كثير من الأمور عن إدراك البشر:
1 – لا يمكن للنسبي الإحاطة بالمطلق، فمدارك البشر محدودة بقدرات حواسه، فمثلا قدرة إبصاره محدودة بمسافة معينة، وبعدها تصبح مبهمة، كما أن الأشياء الدقيقة كالجراثيم والذرة ومكوناتها لا يمكنه إبصارها، وكل ذلك جعله الخالق لمصلحته، فلو كان سيرى العوالق الدقيقة في الهواء الذي يتنفسه أو في الماء الذي يشربه لما استساغه ولباتت معيشته صعبة.
2 – إن تغييب الخالق ذاته العلية عن مدركات البشر لمصلحتهم، بدليل جواب الله العملي لموسى عندما طلب رؤيته، فعندما تجلى للجبل العظيم جعله دكا، فكيف لو تجلى للبشر!؟.
3 – إن الغيبيات مثل الملائكة والجن وموعد اليوم الأخر والجنة والنار والروح والأجل والمستقبل والرزق المقسوم ..الخ، غيبها الله عن علم البشر، لأنه لا قدرة لهم على التدخل فيها، وغيبيتها تريحهم من معرفة ما لا قدرة لهم على استيعابه، ولو عرفوها لانقطع الأمل لديهم بالأفضل ولأصبحت حياتهم تعيسة.
4 – معرفة المرء بوجود رقابة خفية ترصد كل أفعاله وأقواله أعظم تأثيرا ضابطا للسلوك من الرقابة الظاهرة له.
مما سبق نستنتج أن الغيبيات عنصر أساسي في الدين، وهي سر قوته وفعاليته في تحقيق صلاح البشر، لذلك هي أكثر ما يهاجمه معادوه، مستندين الى الحجة الباطلة وهي أنهم لا يؤمنون الا بما يروه، وهم كاذبون.. ألم يؤمنوا بالثقب الأسود الذي لا يمكن رؤيته!.

مقالات مشابهة

  • تكريم الفائزين بجائزة الشارقة الدولية للتراث الثقافي في دورتها الخامسة
  • وزير الثقافة يبحث مع ولي عهد الفجيرة آليات التعاون الثقافي وصون التراث
  • وزير الثقافة يستقبل ولي عهد الفجيرة لبحث آليات التعاون الثقافي وصون التراث ويصطحبه في جولة بدار الكتب بباب الخلق
  • محمد بن حمد: الفجيرة حريصة على حفظ التراث الثقافي ونشره
  • وزير الدفاع اللواء المهندس مرهف أبو قصرة في تغريدة عبر X: تلقى الشعب السوري اليوم قرار الاتحاد الأوروبي برفع العقوبات المفروضة على سوريا، وإننا نثمن هذه الخطوة التي تعكس توجهاً إيجابياً يصب في مصلحة سوريا وشعبها، الذي يستحق السلام والازدهار، كما نتوجه بال
  • سياسات منطقة الخليج ووعي أجياله
  • وزارة الثقافة والاعلام واليونسكو يتفقان على مشروعات لصون التراث الثقافي بالسودان
  • الغيبيات في الدين
  • إسرائيل: منشورات إخلاء عاجلة أستعداداً للإبـــادة
  • انتبهوا للإبادة الجماعية القادمة بعد غزة