مراكش– من يستمع إلى الكاتب والأديب المغربي عبد الفتاح كيليطو، أو يسمع عنه، أو يقرأ له يناله نصيب من المتعة الممزوجة بالدهشة، يظهر له أنه يمارس الشعر والحكي من خلف قناع، إذ يعمد في كتابته إلى الاستشهاد بالآخرين، تكريسا لمبدأ الحرية في الكتابة.

حدث ذلك في الدورة الأكاديمية التي نظمها بيت الشعر في المغرب مؤخرا بتعاون مع كلية اللغة العربية بمراكش، والتي راهنت على تتبع أعماله في علاقته بالشعر، ونجحت إلى حد ما في سبر مكنوناتها، إذ بدأت بمحاضرة فكرية للكاتب نفسه تحت عنوان "لزوم ما يلزم"، صال فيها الكاتب بين التحليل والتأويل والشعر والسرد، قبل أن تمتع الجمهور ورقات نقدية تحلل هذه العلاقة، وتضعها تحت المجهر.

ولم تكن صدفة أو ربما كانت كذلك أن يكرم كيليطو في هذه الدورة بلوحتين، الأولى تحمل صورته، والثانية ورود الأقحوان التي تظهر بين سنابل القمح في حقول المزارعين، مثل "زهرة برية لا يدري كيف تفتحت"، كما يصف الكاتب نفسه "المقامات" حين يتحدث عن نشأتها بعدما سيطر النثر على الشعر في الثقافة العربية.

رواية "والله إن هذه الحكاية لحكايتي" لعبدالفتاح كيليطو (الجزيرة)

ومن أهم ما جاء في الدورة الكشف عن "فتوحات عبد الفتاح" في مساره التأويلي للنصوص، وتحديد هوية الشاعر وطيفه في كتاباته، وأدوار المقامات في استعادة الشعر لنوره وتوهجه، علاوة على سبر منهجه في التعامل مع كل ذلك.

هوية الشاعر

"الشاعر صائغ بل كيميائي يحول المعادن الخسيسة أو متواضعة القيمة إلى معادن ثمينة"، هكذا يدرج كيليطو في روايته "والله إن الحكاية لحكايتي" وصف الشعر على لسان أبي زيد السروجي، بطلِ مقامات الحريري.

وتقول الإعلامية والأديبة غادة الصنهاجي للجزيرة نت "قد يبدو للقارئ جليا أن كيليطو عاشق للشعر، لكنه قد يتجاوز عنده حتى هذا العشق، بل إنه ربما يعتبره قدرا ومصيرا يختاره المرء طوعا كما أورد موضحا في منمنمته "مجنون ليلى" أن قيسا عجز عن الصمت، وفضل الشعر على محبوبته، وكان عشقه أقوى من عشقِها.

الكاتبة والإعلامية غادة الصنهاجي أشارت لأن كيليطو عاشق للشعر والحكاية (الجزيرة)

وتبرز الصنهاجي أمرا آخر ينبغي الانتباه إليه، هو التمهيد الذي خص به كيليطو روايته "خصومة الصور"، مبديا سعادته إن صادف القارئ نفسه في نثرها السردي. وربما كان يعني عندما طلب من قارئه أن يتوجه إليها بإحساس أن تختلف طقوس قراءته وبأن تتلى النصوص كما لو كانت أشعارا".

النساخ شاعر

إن للشعر والشعراء حضورا لافتا في أعمال كيليطو النقدية والسردية "كما يقول الناقد والمترجم حسن المودن، ويبرز في حديث للجزيرة نت أن رواية "حصان نيتشه"، تدشن جنسا أدبيا ربما حظه قليل في الأدب العربي المعاصر، يسميه "سيرة ذاتية لقارئ" تكرس نفسها في الرواية ذاتها من صغر ذلك القارئ إلى كبره، مع التركيز على علاقة التلميذ باللغة، وبالكتابة، وبتلك الطريقة الفريدة في القراءة: نسخ الكتب والمؤلفات.

الناقد والمترجم المغربي حسن المودن: كيليطو دشن نوعا أدبيا يمكن أن يسميه سيرة ذاتية لقارئ (الجزيرة)

وينسج المودن سؤالا بعد آخر، يبدأ بـ"كيف أصبح النساخ شاعرا؟ وهل الموضوع المفضل في هذا النوع من الأتوبيوغرافيا هو وصف هذا القدوم إلى عالم النسخ والقراءة، ثم القدوم إلى عالم الشعر والكتابة؟ كيف تحول هذا الطفل-التلميذ الذي يصفه الآخرون بالبلاهة والجنون والغرابة والضعف العقلي، من آلة نساخة تكاد لا تكف عن نسخ الكتب والمؤلفات إلى شخصية بهوية أدبية، بهوية شعرية؟

وينتهي به الأمر متسائلا " أيقول عبد الفتاح كيليطو أن لا هوية أدبية من دون أن يتعلم المرء كيف يدبر قلقه بين عدد من الثنائيات الضدية: نسخ/قراءة، قراءة/كتابة، ذاكرة/نسيان، لغة الأم/لغة الآخر، شعر/سرد، ذات/آخر..، كيف يمحو الآخر، بعد نسخه وحفظه، ثم هضمه ومحوه، من أجل أن تتأسس هوية أدبية جديدة.

طيف الشعراء

بعض أسئلة الناقد المودن قد يبدو أن الكاتب والمترجم منير السرحاني يجيب عنها، حين يبرز أن الكتابة مرادف للنسيان، وفعل لصيق بفعل آخر مضاد، هو "المحو"، وبفضل انصهار المعارف في الذات والقراءات في الكتابة، تختفي الأنا لتصير الكتابة برمتها عبارة عن "لعبة" عن مجالس منفصلة وفصول قائمة بذاتها ومقامات صفتها الأساسية "التريث في إلقاء الشعر"، الذي يفرض على الشاعر تنقيح قصيدته على مدار العام على خطى زهير بن أبي سلمى.

الكاتب والباحث منير السرحاني: كيليطو مارس الشعر والكلام من خلف قناع (الجزيرة)

هو إذن طيف الشاعر في كتابة، وفي محكيات كيليطو الذي مزق محاضراته عن الأدب الفرنسي ليكتب عن النصوص التي تمكنه من الإضافة، ومن التجديد ومن "الترجمة المستحيلة" وتحميه من العمى ومن الملل.

يقتبس السرحاني فكرة أن كيليطو مارس الشعر والحكي من خلف قناع، فهو يكتب من خلال "المحاولة" التي تعطي إمكانية الاستشهاد بالآخرين، تماشيا مع مبدأ الارتياب، وتمكن من إخفاء الحقيقة والابتعاد عنها، خاصة بفضل السرد وبفضل المحكي الذي يكسر المنهج الأكاديمي وأحيانا يكرس مبدأ الحرية في ممارسة هذا النوع من الكتابة.

ويقول إن كيليطو يتفادى في محاولاته البعد التعليمي، بكتابة تذهب بالشخصيات الحقيقية، مثل المعري والجاحظ حد الخيال، حتى يتهيأ للقارئ أنها متخيلة ولا وجود لها في الواقع، وفي تاريخ الأدب.

المقامة والشعر

يشبه كيليطو المقامة بـ"زهرة برية لا يدري كيف تفتحت"، كما يلاحظ سعيد العوادي أستاذ البلاغة وتحليل الخطاب، مبرزا أنها النص الذي أخذ قسطا مهما من اهتمامات هذا الكاتب النقدية المخبرية.

ويقول للجزيرة نت "في المقامة يقيم النثري مع الشعري في مقام واحد. وهذا ما يمنح لهذه الزهرة المتفتحة تفردها في البرية، ويتطلب من المتعامل معها حساسية خاصة، لأنها تشم ولا تفرك".

أستاذ البلاغة سعيد العوادي: المقامة برزت بعد تراجع الشعر لصالح النثر في الثقافة العربية (الجزيرة)

ويلاحظ العوادي أن المقامة برزت بعد تراجع الشعر لصالح النثر في الثقافة العربية منذ منتصف القرن الثاني الهجري، والتي شقت طريقا غير مألوف في النثر العربي، مستفيدة بدهاء كبير من إنجازات الشعر.

ويكمل العوادي قائلا، سواء على مستوى التوازنات الصوتية التي سيتم التركيز فيها على مقوم السجع، إذ يقول كيليطو "إن السجع الذي عرف ازدهارا صار متألقا في القرن الرابع، ينافس جديا الشعر".

أو على المستوى الصياغة، يردف العوادي، يؤسس الجنوح إلى عويص اللغة وغريب التصوير، ما سماه كيليطو بـ"شعرية الستار"، حيث يتوارى المعنى في أفق عائم، أو على المستوى التجاوري، إذ يبرز الشعر بطريقة صريحة متجاورا مع النثر.

ضد المنهج

سؤال آخر يطرح نفسه، هو هل ربط كيليطو ممارسته القرائية بنظرية أو قيد نفسه بمنهج.

يجيب محمد الحيرش أكاديمي وباحث متخصّص في اللسانيات والتأويلات للجزيرة نت "منذ بداياته شعر الكاتب بأن صفة "بنيوية"، الواردة في العنوان الفرعي لكتابه حول "الأدب والغرابة" تضعه في ضيق معرفي لا ينسجم مع اختياراته النقدية أو التأويلية الواسعة.

الباحث محمد الحيرش: كيليطو ينحو في لغته الواصفة منحى إبداعيا منفلتا من عقال المناهج (الجزيرة)

ويلاحظ أن طريقة كيليطو في القراءة والتأويل تضمر في طياتها موقفا يتحفظ من الحقائق المنهجية ولا يثق بها، وأنه ينحو في لغته الواصفة منحى إبداعيا منفلتا من عقال المناهج ومتحللا من كل التزام بحدودها وآلياتها.

ويضيف "لأول وهلة قد يبدو على هذا التفسير بعض الوجاهة بالنظر إلى الانسيابية التي تميز لغة كيليطو الواصفة، وبالنظر أيضا إلى الرشاقة التي يصوغ بها تحليلاته، غير أن الانسيابية والرشاقة لا تفسران في العمق إبداعية لغة كيليطو النقدية، ولا تعللان ما تنطوي عليه من إضافات نوعية إلى المعرفة بالأدب، ذلك أن نظرة متأنية إلى مفردات هذه اللغة تجعلنا أمام ناقد يبهرنا بخبرته المنهجية العميقة ومهاراته القرائية المتبصرة، وأن علاقته بالمناهج تبقى إيجابية ومتوازنة.

"فتوحات عبد الفتاح"

إن المتأمل في المسار التأويلي لكيليطو، يلاحظ أنه تحكمه إستراتيجية خاصة باشتغاله على نصوص تراثية متنوعة منها المحكي القصير، والسرد الطويل، والنوادر، والمحكيات المنقبة والسرد الرحلي والقصة الفلسفية والرسائل والنصوص النقدية والأدبيات الشعرية والمقامات، كما يبرز الباحث والناقد محمد أيت لعميم.

محمد أيت لعميم: كيليطو اشتغل على نصوص تراثية متنوعة منها المحكي القصير، والسرد الطويل، والنوادر (الجزيرة)

ويبرز أن هذا التنوع من المتون الأدبية يسوقه كيليطو إلى فضاء تأويلي قصد توليد المعنى من أرحام خلناها صارت عقيمة بسبب التكرار والاجترار، إذ يسعى الكاتب إلى إحداث خلخلة وتحين الفرصة للعثور على السراج المنير أثناء الهبوط في عتمة النصوص، إذ يتأسس فعل القراءة لديه من مساءلة البداهة واكتشاف العادي، ووضع اليد على الرسالة المسروقة التي من فرط وضوحها تعذرت على الرؤية.

ويضيف فهو بتقمصه لشخصية المحقق في الروايات البوليسية لا ينساق وراء الأدلة المضللة، بل يسلك الطريق الصعب في فك شفرات اللغز، ولذلك فإن المتعة والدهشة التي يعيشها أثناء بحثه هي التي تغري قراءه وهم يتابعون فتوحات عبد الفتاح التأويلية عبر شبكة من العلاقات يبنيها بين النصوص، حيث يصير الأدب قارئا للأدب، ويتم تفسير الأدب بالأدب.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: عبد الفتاح للجزیرة نت

إقرأ أيضاً:

طبيب يحذر: المشروبات الغازية قد تسرّع تساقط الشعر

تعاني الكثير من السيدات والفتيات وأيضا الرجال، من مشكلة تساقط الشعر ويرجع ذلك للعديد من الأسباب ولكن يظل هناك سبب خفي لا يكتشفه البعض، ففي ظل انتشار العادات الغذائية غير الصحية، يحذّر الأطباء من أثر المشروبات الغازية على صحة الشعر، مؤكدين أن الإفراط في تناولها لا يضر فقط الأسنان والمعدة، بل يمتد أثره السلبي إلى بصيلات الشعر نفسها.

المشروبات الغازية قد تسرّع تساقط الشعر

في هذا السياق، أوضح الدكتور عماد زهران، استشاري الجلدية والعلاج بالليزر،فى تصريحات خاصة لـ صدى البلد، أن المشروبات الغازية تحتوي على نسبة عالية من السكر والكافيين والمواد الحافظة، وكلها عوامل قد تضعف الدورة الدموية في فروة الرأس، وتُسرّع من تساقط الشعر، خاصة عند الأشخاص الذين يعانون أصلًا من مشكلات في الشعر أو فروة الرأس.

 كيف تؤثر المشروبات الغازية على الشعر؟طبيب يحذر: المشروبات الغازية قد تسرّع تساقط الشعر 

 زيادة نسبة السكر في الدم

السكر الزائد يؤدي إلى التهابات مزمنة في الجسم، وهو ما ينعكس سلبًا على بصيلات الشعر ويؤدي إلى ضعفها وسقوطها.

 الإضرار بهرمونات الجسم

الكافيين المرتفع والمركبات الكيميائية قد تؤثر على توازن الهرمونات، خاصة هرمونات التوتر، مما يسرع من تساقط الشعر الوراثي أو الهرموني.

 نقص امتصاص العناصر الغذائية

الإكثار من المشروبات الغازية قد يُضعف امتصاص الحديد والزنك وفيتامين D، وهي عناصر أساسية لنمو شعر قوي وصحي.

 الجفاف وفقدان لمعان الشعر

نظرًا لاحتوائها على كافيين، تؤدي المشروبات الغازية إلى زيادة التبول وسحب السوائل من الجسم، مما يسبب جفاف الشعر وتقصفه وفقدان لمعانه.

 نصائح لحماية شعرك

 طبيب يحذر: المشروبات الغازية قد تسرّع تساقط الشعر قلّل أو أوقف تناول المشروبات الغازية تدريجيًا.عوّضها بالماء، عصائر طبيعية، أو مشروبات غنية بالفيتامينات مثل الكركديه أو الزنجبيل.احرص على تناول أطعمة غنية بالحديد والبروتين والزنك.راقب نمط حياتك وتخلص من التوتر والقلق.برج الحوت.. حظك اليوم الأربعاء 25 يونيو 2025: تسوية الخلافات القديمةبرج الدلو.. حظك اليوم الأربعاء 25 يونيو 2025: وقت ممتعبرج الجدي .. حظك اليوم الأربعاء 25 يونيو 2025: وضع جيدبرج القوس .. حظك اليوم الأربعاء 25 يونيو 2025برج الميزان .. حظك اليوم الأربعاء 25 يونيو 2025: تسوية نزاعبرج العذراء .. حظك اليوم الأربعاء 25 يونيو 2025: تخصيص وقت للحبيب ضروريبرج الأسد .. حظك اليوم الأربعاء 25 يونيو 2025: استثمر بذكاءبرج السرطان.. حظك اليوم الأربعاء 25 يونيو 2025: ترقية في المنصببرج العقرب .. حظك اليوم الاربعاء 25 يونيو 2025: فرص استعادة الماضيبرج الجوزاء.. حظك اليوم الأربعاء 25 يونيو 2025: استمع إلى شريكك

نصيحة

إذا كنت تحرص على العناية بشعرك من الخارج باستخدام الزيوت وحمامات الكريم أو الزيت، فلا تهمل ما يدخل جسمك من الداخل، الغذاء الصحي هو أساس الشعر الصحي، والمشروبات الغازية ليست جزءًا من هذه المعادلة لذلك تجنب تناولها.

طباعة شارك المشروبات الغازية الشعر صحة الشعر الأسنان والمعدة كيف تؤثر المشروبات الغازية على الشعر المشروبات الغازية قد تسرّع تساقط الشعر

مقالات مشابهة

  • أفضل مشروبات طبيعية لجمال البشرة والشعر
  • خبراء: خطوات ضرورية لحماية الشعر بعد سحب اللون
  • دلعى نفسك بقشر المانجا .. وصفات مذهلة للبشرة والشعر
  • صلاح دياب يقدم واجب العزاء لأسرة الكاتب الصحفي محمد عبدالمنعم
  • بحضور نجوم والفن والإعلام.. بدء عزاء الكاتب الصحفي محمد عبد المنعم بمسجد عمر مكرم
  • الشاعر المغربي عبد القادر وساط: كلمات مسهمة في الطب والشعر والترجمة
  • يسرا تنعى الكاتب محمد عبد المنعم بهذه الكلمات «صورة»
  • «دارَةُ الشعر» وهالته المضيئة
  • الجزيرة تنشر صور الكمين الذي نفذته القسام ضد ناقلتي جند في خان يونس
  • طبيب يحذر: المشروبات الغازية قد تسرّع تساقط الشعر