بوابة الوفد:
2025-12-11@18:05:34 GMT

السكن والعقار

تاريخ النشر: 26th, February 2024 GMT

فى الماضى كنا نصف المكان الذى نعيش ونكبر ونأكل وننام، نلعب ونتصارع فيه، يسكن بعضنا إلى بعض «بالسكن» أى السكينة والراحة والأمان والشعور بالطمأنينة وفى القانون يسمى «مسكن الزوجية» أو «مسكن الوالدين» وهذا هو المفهوم والمعنى الذى أنشئت عليه المدن والحضارة الحديثة، ففى مصر كنا نعيش فى القرى فى بيوت تعيش بها الطيور والدواب والماشية مع الإنسان، ثم انتقلنا إلى حياة المدن والمنازل والبيوت، ثم جاءت إلينا نسائم الحضارة الغربية بعد حضارات إسلامية فاطمية وعثمانية فبنى الخديو إسماعيل مناطق جديدة فى وسط مصر المحروسة وعلى جزر نيلها البديع أواخر القرن التاسع عشر فظهرت العمارة الأوروبية حيث تجتمع كل طبقات المجتمع فى نسيج إنسانى اجتماعى واحد يسمح بالتبادل الفكرى والسلوكى ويعطى مساحات للجميع لتكوين علاقات تكاملية وليست علاقات طبقية خالصة، فمعظم مساكن مصر فى القرن الماضى كانت تتكون من عمارات تفتح أسفلها محلات تجارية أو حرفية وتسكن الطبقة الوسطى العليا أوالثرية إلى حد ما فى شقق ثم فى الأعلى على أسطح تلك المساكن أو العمارات نجد غرفاً مخصصة للعاملين ومن يقومون بخدمة العائلات من خدم وحراس وبهذا يكون هذا المعمار الغربى الأوروبى معبراً عن تمازج كامل بين طبقات المجتمع ومحفزاً لهم على الترقى وصعود السلم الاجتماعى مزيلاً للكثير من الفوارق بين الطبقات ومحققاً لمعنى ومفهوم السلام الاجتماعى أو الأمن ااجتماعى والاقتصادى.

. ثم ظهر نوع جديد من المعمار والفكر الاستثمارى الخليجى الأمريكى الصنع إلا وهو فكرة «الكمبوند» أو «الكوبوتس» حيث مناطق نائية تشيد حولها أسوار وتوضع نقاط أمن وتفتيش داخلى وخارجى وتبنى داخلها بنايات ووحدات سكنية متنوعة أغلبها منفصلة على هيئة ڤيلا أوتوين هاوس أوتاون هاوس (هذا الوصف الأجنبى) وقليلاً من الشقق السكنية، هذا مجتمع جديد على مصر ظهر فى الثمانينات وبداية التسعينات بعد المد الخليجى والانفتاح الاقتصادى وسيطرة الفكر الأمريكى على الثقافات العربية والمصرية من خلال الاقتصاد والتعليم والسينما والفن وإذا بنا نعيش فى مجتمعات منفصلة ما بين أهل المدن القديمة والمدن الجديدة والكومبوند وما تحمله من فصل طبقى واجتماعى صارخ بين، أما أهل هذه المناطق الجديدة فهم مصنفون وفق المناطق العازلة التى يقطنونها ومدى تميز تلك المناطق وفق شدة وصرامة الأمن والأسوار التى تحيط بها واستحالة مرور أى دخيل لا ينتمى إلى تلك المناطق المتميزة والشديدة الخصوصية حتى لا تتمازج الطبقات والدماء الغالية مع رعاع وعامة المجتمع الذين يعيشون فى شقق وعمارات بالمدن القديمة حتى إن كانت فاخرة ومتميزة.. لقد تحول السكن إلى سوق كبير للعقارات الاستثمار وجنى المال والثراء السريع وصار هذا هو الفكر المسيطر حتى على الإدارة والحكومة التى تجد أن خير وسيلة للاقتصاد والتطوير هو «التطوير العقارى» وليس الإنتاج الصناعى أوالزراعى.
السكن أصبح عقارا أى لم يعد يحمل ذات المعنى والمفهوم والصفات والدلالات وإنما كل شىء ما هو إلا سلعة سواء للاستهلاك أم للاستثمار، والعقار يعنى سلعة محكومة مربوطة تم عقدها وحبسها لجنى المزيد من الأموال فى البناء والأراضى عن طريق التمويل والقروض وسلسلة من الفكر الاقتصادى الذى يهدد السلام الاجتماعى والإنسانى للأجيال الجديدة.
السكن من السكنى والعقار من الاحتجاز والفكر المعمارى الحضارى يجب أن يمزج الطبقات والمجتمعات فى نسيج إنسانى وفكرى متجانس بينما المعمار الأمريكى الحديث يفصل ذلك الفصل الطبقى الاجتماعى القريب من الفصل العنصرى بين أفراد وفئات المجتمع وهو ما يشكل خطراً داهماً على المدى القريب والبعيد.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: مسكن الزوجية

إقرأ أيضاً:

عينُ المحتل الثالثة

(قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ).. هذه الآية الكريمة كانت أول ما قفز إلى رأسي عندما سمعت بخبر قتل العميل ياسر أبو شباب على يد أبناء عشيرته، فبقتله شفا الله صدور الفلسطينيين، خاصة من فقدوا أحباء على يديه وأيدي أعوانه وعلى رأسهم الصحفي صالح الجعفراوي، فموته نهاية لمسار غدره، لكنه ليس نهاية لظاهرة الجواسيس والعملاء في فلسطين، والتي تعد أحد أخطر أسلحة الاحتلال في استهداف القيادات الوطنية والعسكرية، وزرع الفتن داخل المجتمع، فموت ياسر أبو شباب فتح الباب أمام أسئلة عن الأسباب وراء سقوط البعض في وحل الخيانة؟، وعن الطريقة التي يدخل من خلالها المحتل لتجنيد عملاء له؟.

فتاريخ الجاسوسية في فلسطين يعود إلى فترة الانتداب البريطاني، حين استخدمت شبكات سرية لمراقبة النشاط الوطني ورصد الشخصيات البارزة في الحركة الفلسطينية، ومع قيام دولة إسرائيل عام 1948، اتخذت هذه الممارسة بعدا منهجيا من خلال شبكة عملاء، تهدف إلى تأجيج الخلافات والفتن بين العائلات الفلسطينية، وتشويه صورة الثوار، إلى جانب عملهم كسماسرة لتسهيل تسريب الأراضي الفلسطينية للبريطانيين واليهود وقت ذاك، فضلا عن كشف مواقع المقاومة واستهداف القيادات الوطنية وإضعاف التضامن الاجتماعي والسياسي.

خلال الانتفاضات الفلسطينية، برزت هذه الظاهرة بشكل واضح، إذ ساعدت المعلومات التي قدمها العملاء للاحتلال على اغتيال قادة بارزين مثل المهندس الشهيد يحيى عياش من أبرز قيادات كتائب عز الدين القسام، وأحمد الجعبري القائد الأعلى لكتائب عز الدين القسام، إلى جانب آخرين من قيادات المقاومة الذين شكلوا العمود الفقري للمواجهة المسلحة والسياسية ضد الاحتلال، ما يؤكد أن الجاسوسية أداة من أدوات المحتل الفعالة المزروعة داخل المجتمع الفلسطيني.

ولكن ما الأسباب التي تقف وراء هذا السقوط -معلوم النهاية- في يد المحتل ؟، حيث ذكر كتاب بعنوان «العملاء والجواسيس الفلسطينيون: عين إسرائيل الثالثة» يسقط بعض الفلسطينيين في بئر الخيانة نتيجة تراكم عوامل متداخلة تراها أجهزة الشاباك الثغرة التي من خلالها تستطيع الدخول منها لإسقاط بعض ضعاف النفوس في وحل الخيانة منها الفقر والحاجة الاقتصادية التي تجعل البعض عرضة للإغراءات المالية، فيظنون أن المال سيحميهم من ضغوط الحياة، بينما يكتشفون لاحقًا أن الثمن أخلاقي ووطنِي كبير، كما أن ضعف الانتماء الوطني أو شعور الفرد بالانعزال عن مجتمعه يجعله أكثر قابلية للانخراط في شبكات التجسس، هناك أيضًا تأثير الضغط النفسي والابتزاز، إذ يستخدم الاحتلال ملفات شخصية أو أخطاء صغيرة للضغط على الأفراد وإجبارهم على التعاون، إضافة إلى ذلك، انعدام الوازع الأخلاقي أو الديني لدى البعض مما يسهل عليهم تجاوز حدود الخيانة، فتغدو الخيانة خيارا ممكنا أسهل من المقاومة الداخلية.

وفي حالة ياسر أبو شباب يضاف إليه دافعا آخر كالحقد والانتقام الشخصي من المجتمع سيما وأنه قبل الحرب كان مسجونا على إثر تجارته للمخدرات والسرقة، وهذا النوع من أخطر أنواع الجواسيس وأكثرهم عمقاً وعنفاً، ويتم تجنيدهم بسهولة، أو لربما يكونون المبادرين بطلب التعامل مع أجهزة المخابرات الإسرائيلية، مما جعله وأمثاله أداة فعالة ضمن شبكة الجواسيس.

وفي هذا السياق علينا الإشارة إلى أنَّ جهاز الشاباك عادة ما يقوم بكشف هُوية العميل بعد الانتهاء من مهمته، فحسب الباحث أحمد البيتاوي فعند انكشاف الجاسوس، فغالباً ما يتم التعامل معه بإهمال، وقد يتعمد الاحتلال «حرق ورقته» أو تسهيل كشفه بطريقة غير مباشرة، وخصوصاً إذا لم تكن له أهمية كبيرة، ومن يُسمح له بالانتقال للعيش داخل الأراضي المحتلة سنة 1948، فإنه يواجه إكمال باقي حياته منبوذاً حتى لو حصل على الجنسية الإسرائيلية، إلا أنه يواجه بالرفض من قبل المجتمع الإسرائيلي، ومن قبل فلسطينيي 1948.

كما أنَّ التاريخ الفلسطيني والعالمي يوضح أن مصير الخونة مأساوي لا محالة، فلا يترك الاحتلال العملاء أحياء بعد انتهاء فائدتهم، والمجتمع يرفض الخيانة ويحاسبها اجتماعيا وأمنيا رغم أنه قبل ذلك يفتح للعملاء باب التوبة كما قامت حركة المقاومة الإسلامية حماس بفتح باب التوبة للعملاء وأعوان ياسر أبو شباب قبل أن تتخذ أي إجراء ضدهم بسبب خيانتهم وعمالتهم مع إسرائيل، وعبر التاريخ، أعدم العديد من العملاء الذين تعاونوا مع المحتلين مثل ماري لافو في فرنسا خلال الحرب العالمية الثانية أو العملاء الذين أعدموا في أوروبا الشرقية بعد الحرب، هذه الوقائع تثبت أن الخيانة جريمة وطنية تحمل آثارا طويلة المدى على الفرد والمجتمع.

ختاما...
من المهم التأكيد أنَّ استقطاب العملاء في فلسطين ليس بالأمر السهل فبالاستناد إلى رئيس الشاباك الأسبق يعقوب بيري أكد أن الوازع الديني لدى الشباب الفلسطيني أحد أبرز العقبات التي تحول دون تجنيد العملاء، ورغم حديثنا عن هذه الظاهرة إلا أنها تبقى ظاهرة شاذة في المجتمع الفلسطيني، ويواجه العملاء وأسرهم بالإقصاء من المجتمع الفلسطيني، لذا أغلب الأسر الفلسطينية التي تكتشف أن أحد أفرادها يعمل جاسوسا لصالح الاحتلال تعلن تبرؤها منه فوراً كما حدث مع عائلة ياسر أبو شباب التي أعلنت تبرؤها منه قبل قتله.

الشرق القطرية

مقالات مشابهة

  • حظر نشر
  • بينها تحديد السكن والحسابات البنكية.. قيود أميركية على بعثة إيران الأممية
  • جريمة المنشار.. النيابة تذيع مرافعتها فى محاكمة المتهم بقتل طفل الإسماعيلية
  • الدفاع المدني بغزة يحذر النازحين من السكن في المباني المتصدعة بفعل المنخفض الجوي
  • عينُ المحتل الثالثة
  • السجن 10 سنوات لمتهم بتهديد فتاة على مواقع التواصل الاجتماعى بسوهاج
  • قلب المجتمع!!
  • تقرير ألماني: المسلمون والسود يواجهون تمييزا ممنهجا في السكن
  • مفاجأة صادمة فى جلسة استئناف أم سجدة على حبسها 6 أشهر
  • التيك توكر أم سجدة تواجه مصيرها بالحبس 6 أشهر أمام المحكمة الاقتصادية