السودان: أسباب الحرب وأشراط السلام !!
تاريخ النشر: 29th, February 2024 GMT
إسماعيل عبد الله
شهد السودانيون في أواسط السودان رعباً مدمراً، عندما حلقت طائرات الموت فوق رؤوسهم فساوت بيوتهم بالأرض، بعد قصف جوي لم يبقي ولم يذر، في الماضي كانت مآسي الحرب تدور رحاها في أقاليم دارفور وجنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان، لكنها سرعان ما انتقلت إلى مركز البلاد بعد سلسلة من حلقات الفشل الدستوري المتواصل، الذي لازم البلاد منذ (استقلالها)، ولنا أن نعود بالبحث والتنقيب عن جذور الإخفاق الوطني الذي رزئت به بلادنا الحبيبة، لنسبر غور البئر العميقة التي أوقعنا أنفسنا فيها، بدوافع الصراع الفوضوي حول الكرسي، فما من نخب سياسية في المنطقة أكثر أنانية وحباً للذات، مثلما هو الحال بالنسبة للصفوة السودانية، ففي سبيل التنافس من أجل الإمساك بالصولجان، رفض رئيس الوزراء الأسبق الراحل الصادق المهدي الاتفاقية التي وقعت بين السيد محمد عثمان الميرغني والدكتور الراحل جون قرنق، والمعروفة باتفاقية (الميرغني - قرنق)، رفضاً غر مؤسس على بيّنة أو حجة أو أسباب مقنعة، وليس مقترناً بالمصالح العليا للبلاد، وإنّما حسداً وغيرة من ذلك السبق الوطني الذي تقدم به الميرغني في الميدان السياسي.
السودان هذا القطر الافريقي – العربي الذي يحتوي على أقاليم تمتد عبر مساحات واسعة وشاسعة، هذه الأقاليم التي تعتبر مجموعة دول صغيرة داخل الدولة الكبيرة، لا يمكن أن يدار هذا القطر تحت سقف حكومة مركزية قابضة، لا تعير بالاً للثراء والاتساع الجغرافي والاختلاف المناخي والتنوع الديموغرافي الذي يتمتع به، وقد ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن هذه المركزية القابضة هي السبب الجوهري لاندلاع الحروب في أنحاء البلاد المختلفة، وأن النخب المتعاقبة على دفة الحكم لم تتمتع بأي قيمة أخلاقية توازي عظمة الوطن، فظلت تتسلق سلم السلطة لتحقيق المآرب الخاصة وتحقيق الثراء الفاحش، عبر جهاز الدولة – خروج موارد البترول من ميزانية الحكومة وذهابها مباشرة للحسابات الشخصية لرموز الحزب المتطرف، ما أضاف غبناً ثقيلاً وعنيفاً في نفوس المناهضين للدكتاتورية القباضة، فأدى لإثارة سكان البلاد وجعلهم ينتفضون في ديسمبر قبل ست سنوات، بسبب حدوث الاختلالات الجوهرية البائنة في بنية المجتمع واختفاء الطبقة الوسطى، وتمدد وتنامي طبقة المسحوقين والمعدمين، هذا مع ارتفاع سقف طموحات الطبقة الطفيلية المسيطرة على موارد البلاد، وسعيها الجاد والحثيث لاحتكار السلطة احتكاراً حصرياً، بحيث لا تتمكن القطاعات الأخرى للسكان من التمتع بندية المشاركة في السلطة والثروة، وهذا الصلف والغرور وصل ذروته بين الحليفين الرئيسيين والشريكين الأساسيين – قوات الدعم السريع والقوات المسلحة، اللذين ورثا سلطة الدكتاتور الذي أسقطه ثوار ديسمبر، فضاق الأخير بالشريك الجديد الذي فرضته الوقائع والأحداث الجديدة، وتطور هذا الضيق وزاد الحنق حتى وصل ذروته، بعد أن علم الأخير بالمسعى الجاد للشريك الجديد في تغيير قوانين اللعبة القديمة لتداول كرسي الحكم وللأبد.
بطبيعة الحال تصعب عملية التغيير الجذري في مفاصل الدولة التي يتغول عليها سرطان الفساد، بتسلل المنظومات الأيدلوجية كالمجموعات المتطرفة التي ترقى لمستوى أن توصف بعصابات المافيا، كحال سطوة حركة الاخوان السلمين على مقاليد الحكم في السودان لمدى تجاوز الثلاثة عقود بخمس سنوات، ذلك أن مثل هذه الجماعات غالباً ما تحوّل الدولة إلى دولة ثيوقراطية كهنوتية تغسل أدمغة أجيال كاملة، وتجير المنتوج البدني والروحي لهذه الأجيال لمصلحة حفنة صغيرة وفاسدة من الموظفين، وتكون هي المستأسد الوحيد على مجريات الأمور داخل الدولة، وهي صاحبة امتياز الحصول على المنفعة الاقتصادية، وتكون العقول المستنيرة عرضة للتجريف والتهجير والقهر والابتزاز، فيخلو ميدان السلطة وشئون الحكم لها وحدها بإخماد جذوة الثورة، وإطفاء نور العلوم والاستنارة بصناعة مؤسسات بحثية جوفاء تقدم الكادر المهني الضعيف العاجز عن فعل ما يفيد، والخاضع لإصبع الشرذمة الثيوقراطية المتحكمة، لذلك كان لابد من وصول جميع الأطراف الفاعلة في الحقل السلطوي لعنق الزجاجة، والاختناق الكامل الذي يتفجر حمماً بركانية جراء الحروب والفوضى، وهذا الصدام هو ما حصل بالضبط في الخامس عشر من أبريل من العام الماضي، حينما تحوّل الشريك القوي باتجاه التضامن مع الحلف الوطني المصمم على استئصال الداء وتقديم الدواء، فاندلعت الحرب وانهارت الدولة ودخلت في نفق المصير المجهول، وأمست ككرة القدم المتأرجحة بين أرجل اللاعبين الدوليين والإقليميين.
لوقف الحرب في السودان ولتحقيق السلام تفرض الضرورة الوطنية القصوى، وجوب مراجعة جميع الاتفاقيات التي انعقدت بين الفصائل والحركات والمنظمات المطلبية، وبين الحكومات الدكتاتورية المتعاقبة، فالمرجع الأول هو مؤتمر المائدة المستديرة الذي رفضت فيه النخبة الحاكمة آنذاك المطلب الذي تقدمت به النخبة الجنوبية، والذي كان مقدوراً على الوفاء به، ألا وهو تطبيق الفدرالية الحقيقية كنظام للحكم في السودان، مروراً باتفاقية أديس أبابا فاتفاقية السلام الشامل، ثم صفقات الشراكة في السلطة التي تمت بين حكومة الحزب الواحد المتطرف، وحركات ما يسمى بالكفاح المسلح، وهذه الفرضية بالضرورة تتطلب وقوف الشعب السوداني كافة مع الحراك المقدس والزحف الوطني المشروع لقوات الدعم السريع، الهادف لاستئصال الداء، فوقف الحرب وتحقيق السلام لن يكونا بانتصار الفريق المساند لأسباب بقاء المنظومة القديمة الفاسدة التي أسس لها هذا الحزب الواحد.
إسماعيل عبد الله
[email protected]
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
حوار مع صديقي المصري عاشق السودان
ليس كلُّ مصري يعرف أىَّ شئ عن السودان، واِنْ كان معظمهم يزعمون ذلك خاصةً سائقي سيارات الأُجرة!! ولعل مردّ ذلك ناتج من كثرة مخالطتهم (لاخواتهم) السودانيين ولكثافة وجود أبناء السودان منذ زمن بعيد في مصر، لكن صديقي المصري عاشق السودان يعرف بلادنا عن قرب ومعايشة لصيقة بأهله، ذلكم هو الدكتور عبدالعاطي المناعي الطبيب الانسان رائد السياحة العلاجية، ومن المفارقات أنه لم يدخل السودان أولَ مرةٍ بصفته طبيباً- إنَّما زاره بصفته مديراً لأعمال المحسن الكبير الشيخ الحاج سعيد لوتاه، لينفذ مشروعاً له في ولاية الجزيرة حيث توطدت صلته بالأستاذ عبد المنعم الدمياطي، والبروفسير الزبير بشير طه، والفريق أول عبد الرحمن سرالختم، والأستاذ عبد الباسط عبد الماجد، وغيرهم كثير، ومن ثم انداحت علاقاته مع أهل السودان، الذي زاره لأكثر من خمسين مرة، وأقام فيه السنوات ذوات العدد وأسس فرعاً لمركز ترافيكير، وشهد لحظة اندلاع الحرب، وعاش في قلب المعارك بالخرطوم لمدة تزيد عن شهرين متتاليين وانتقل لمدني ثم بورتسودان قبل أن يغادر إلى جوبا عاصمة جنوب السودان، وكتب كتاباً- تحت الطبع- وثَّق فيه بعضاً من شهادته على الحرب!!
د.المناعي قال لي وهو في حالٍ من الدهشة عن ما يجري من بعض ضيوف مصر من أهل السودان الذين وصلوا بعد الحرب إذ لم يجد فيهم مثل من عرفهم من قبل!!
قال: شهدت مصر لجوء كثيرٍ من العرب من دول مختلفة، ولكنها لا تعتبر السودانيين لاجئين، فأهل مصر يعتبرون أهل السودان أشقاء بحق وحقيقة، هذه هي القاعدة، وإن كان لكل قاعدة شواذ!!
لكن ما تُظهره بعض فئات السودانيين من سلوكيات غير مناسِبة لأناسٍ وطنهم فى حالة حرب وجودية يكون بعدها أو لا يكون .. شئ يجعل الحكيم حيران!!
حفلات ساهرة ورقص خليع، نحن لم نَرَ مثل ذلك من جنسيات أخرى سبق وصولها لمصر وصول السودانيين بعد الحرب!!
صحيح أن معظم السودانيين فى حالة ذهول وحزن شديدين، ويتحرَّقون شوقاً للعودة لبلادهم، لكن تفشي ظاهرة هذه السهرات طغىٰ على ما سواه من ما يعانيه أهل السودان في مصر من آلام مع قسوة الحياة خارج أرضهم وديارهم !!
والناشطون من السودانيين على وسائل التواصل الإجتماعي، وهو الإعلام الأكثر تأثيراً والأسرع وصولاً للمتلقي، مشغول بسفاسف الأمور ومحاربة طواحين الهواء أما الإعلام الرسمي فمحصلته صفر كبير مع شديد الأسف.
وعلى ذكر الإعلام يقول د.المَنَّاعى لماذا لا نلحظ اهتماماً من إعلام سائر الدول العربية تجاه ما يدور فى السودان، ومصر ليست أستثناءً ؟؟
فى الوقت الذي نجد فيه إعلاماً سالباً تنشط فيه دولة الإمارات مع دورها المعروف في هذه الحرب، لدى كل دول العالم !!
ويختم د.المناعى هذه التساؤلات الحيرىٰ بتأكيده أن السياسة ليست من اهتمامته، لكن الوضع الماثل قد اضْطَره لطرح هذا الموضوع على كل سوداني يلتقي به، فهو عاشق للسودان ولكل ماهو سوداني!!!
وهكذا لم يَدَعْ صديقي المصري عاشق السودان، لِىَ ما أقول!! فالحقُّ أًنطَقه وأخْرَسَني، وبدا الحوار وكأنه من طرفٍ واحد.
والحقيقة أن ماتنضح به مجالس السودانيين في مصر أو بالأحرىٰ في القاهرة عن مثل هذه الممارسات الشائنة شئ لا يمكن الدفاع عنه، بل هى أشياءَ لا يمكن السكوت عليها، ولكن ما باليد حيلة، اللهم أهدِ قومي فإنهم لا يشعرون، ولا أقول لا يعلمون، فالأمر لا يحتاج إلى علمٍ أو كثير بيان، ومع كون أن التعميم ظالم، فهنا في مصر الكثير جداً من الأسر الكريمة المتعففة التي تعانى من شظف العيش في بلد ليس له فيها مصدر رزق ولا قريب قادر على التخفيف من وطأة الحياة اليومية فهم فى بلد [مافيهاش يامَّه أرحمينى] !!
ولربما وجد بعضاً من المطربين والمطربات وفِرَقَهم العذر في أن ما يفعلونه هو لجني المال لأنهم في بلد القول المأثور فيها [معاك قرش تساوي قرش، ما معاكش ما تسواش] !! لعن الله الفقر فإنه يذل أعناق الرجال، ولربما امتثلوا للمقولة الشعبية السودانية [بلداً ما بلدك أمشي فيها عريان] !!
لكن تلك المقولة -على عوارها- كانت مبلوعة قبل أن يصبح العالم كقرية واحدة يُرى فيها العريان أين ما كان !!
عفواً صديقي الفاضل فإن ما تراه هو من عقابيل الحرب التي لم تكن في الحسبان، أو على الأقل ليست بمثل هذه الصورة البشعة، عسىٰ أن تكون خيراً لنا،قال تعالى:-
﴿كُتِبَ عَلَیۡكُمُ ٱلۡقِتَالُ وَهُوَ كُرۡهࣱ لَّكُمۡۖ وَعَسَىٰۤ أَن تَكۡرَهُوا۟ شَیۡـࣰٔا وَهُوَ خَیۡرࣱ لَّكُمۡۖ وَعَسَىٰۤ أَن تُحِبُّوا۟ شَیۡـࣰٔا وَهُوَ شَرࣱّ لَّكُمۡۚ وَٱللَّهُ یَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ﴾
جزىٰ اللهُ الشدائدَ كلَّ خيرٍ عرفت بها عدوِّى من صديقى ، ياصديقى.
محجوب فضل بدري
إنضم لقناة النيلين على واتسابPromotion Content
أعشاب ونباتات رجيم وأنظمة غذائية لحوم وأسماك
2025/12/11 فيسبوك X لينكدإن واتساب تيلقرام مشاركة عبر البريد طباعة مقالات ذات صلة نسمع ضجيجاً ولا نرى2025/12/11 إبراهيم شقلاوي يكتب: العودة للخرطوم ورسائل مفضل2025/12/11 إسحق أحمد فضل الله يكتب: (يا أيها القبر… كم أنت حلو)2025/12/11 هذه المقالة حِصراً لغير المتزوجين2025/12/10 قصة السرير !!2025/12/10 الجيش والمليشيات: لكن الدعم السريع وحش آخر2025/12/10شاهد أيضاً إغلاق رأي ومقالات آلهة “تقدم” تعاقبنا بحمل صخرة الكيزان صعوداً وهبوطاً إلى قيام الساعة 2025/12/10الحقوق محفوظة النيلين 2025بنود الاستخدامسياسة الخصوصيةروابطة مهمة فيسبوك X ماسنجر ماسنجر واتساب إغلاق البحث عن: فيسبوك إغلاق بحث عن