معتز عزايزة.. لماذا اختار مصور الحرب الفلسطيني مغادرة غزة؟
تاريخ النشر: 2nd, March 2024 GMT
(CNN)-- لمدة 108 أيام، خاطر المصور الفلسطيني معتز عزايزة بحياته في غزة، ليروي قصة الحرب لملايين المتابعين على موقع إنستغرام، حيث قُتل أصدقاؤه وأفراد عائلته من حوله. لكنه غادر الآن موطنه غزة، وهو يشعر بالفزع.
قال لمذيعة CNN بيكي أندرسون في مقابلة، مخاطباً المجتمع الدولي، الذي قال إنه لم يتأثر بصور الموت والمذبحة التي جلبتها الحرب الإسرائيلية على الأراضي المحاصرة: "لا شيء تغير.
لقد أشاد به الكثيرون في جميع أنحاء العالم باعتباره عيون وآذان غزة لأنه ألقى نظرة خاطفة وغير مفلترة على أهوال الحرب. وكان هذا الاهتمام غير مقصود وغير متوقع. كان عزايزة مصور سفر طموح. أول منشور له على إنستغرام كان في مايو 2014 عبارة عن صورة بسيطة لعجائب الطبيعة. بتلات نابضة بالحياة بلون الفوشيا والقرمزي. يعرفها البعض باسم زهرة الكنز، ويعرفها علماء النبات من خلال جنسها الصحيح، غازانيا. منذ البداية، بدا وكأنه يريد أن يشارك رؤيته لعالم جميل.
قال: "أريد أن أصور جمال غزة، وليس الحرب على غزة، لكن ليس لدي الخيار. عندما يحدث شيء ما... لا بد لي من التقاط الصور، ولا بد لي من توثيقها، ولكن عندما أقوم بنشرها، أشعر بأنك تدمر الجمال."
كان لدى عزايزة قبل 7 أكتوبر حوالي 25 ألف متابع على إنستغرام، وفقاً لشركة تحليلات وسائل التواصل الاجتماعي Social Blade. لقد زاد عدد جمهوره المخلص الآن إلى أكثر من 19 مليونًا، وتمت مشاهدة بعض مقاطعه أكثر من 70 مليون مرة. مقاطع تظهر فيها أهوال الحرب، على عكس المؤسسات الإعلامية التقليدية، بشكل واضح.
من الصباح حتى الليل، كانت قصصه على إنستغرام تتكشف كسيل لا هوادة فيه من الدمار والمعاناة، يعجز عن منعه، وغير قادر على الهروب منه.
وجد عزايزة نفسه لعدة مرات في اليوم يشهد المحاولات الحثيثة التي يقوم بها الرجال لإخراج الناجين الملطخين بالدماء من بين الحطام بأيديهم العارية. في كثير من الأحيان، كانوا متأخرين للغاية، وبينما كانت الكاميرا لا تزال تصور، شوهد عزايزة وهو يمد يده لمداعبة أطرافهم الميتة.
لقد جعلت إسرائيل من شبه المستحيل على الصحفيين الدوليين أن يقدموا تقاريرهم بشكل مستقل من غزة وأن يشهدوا بشكل مباشر تأثير القصف الإسرائيلي على المدنيين الفلسطينيين. لقد اصطحب الجيش الإسرائيلي صحفيين أجانب، بمن فيهم صحفيون من شبكة CNN، في رحلات قصيرة ومصممة بعناية إلى القطاع الذي مزقته الحرب، وطلب منهم تقديم لقطاتهم إلى أجهزة الاستشعار العسكرية. تقول إسرائيل إن القيود المفروضة على حركة الصحفيين المرافقين هي من أجل سلامتهم.
وقال عزايزة لـCNN: "أنا لا أسمي نفسي صحفياً، بل أسمي نفسي مصوراً. لكنني أشعر أحياناً بنوع من النصر للصحافة، كشاب... أظهر للعالم ما لم تتمكن وسائل الإعلام الغربية من تحقيقه."
تُظهر بعض لقطاته الأكثر عمقًا أطفالًا قتلوا أو أصيبوا، وقد حاول في عدة مناسبات توفير الراحة لهم أثناء ركوبه معهم في سيارات الإسعاف. لقد جلسوا بشكل مربك في حضنه، ملطخين بالدماء والخوف، وقد ضاعت الكلمات منه. وفي مناسبة أخرى، بدا أن الوقت قد فات، بينما كان يحمل طفلاً ميتًا مصابًا بجروح خطيرة في الرأس، وهو يحاول حبس دموعه، كل ما استطاع عزايزة أن يقوله بهدوء هو: "يا الله، يا الله."
وفقا لوزارة الصحة في القطاع قتل منذ 7 أكتوبر أكثر من 30 ألف شخص في غزة، نصفهم تقريبا من الأطفال. ولا تستطيع CNN التحقق من الأرقام بشكل مستقل. ومن بين الناجين، هناك ما لا يقل عن 17 ألف شخص غير مصحوبين بذويهم أو منفصلين عن والديهم، وفقًا لليونيسف.
يعيش عزايزة الآن في العاصمة القطرية الدوحة، عندما تمكن أخيرًا من الخروج من غزة عبر معبر رفح الحدودي مع مصر، لم تكن لديه أي فكرة عن وجهته النهائية.
وبعد أن رفضت الحكومة الإسرائيلية مغادرته البلاد مرتين، قال عزايزة لشبكة CNN إنه تمكن من الخروج إلى قطر مع عائلته بعد صعوبة كبيرة. انتظر عند معبر رفح لمدة خمس ساعات يوم 22 يناير، في انتظار معرفة ما ينتظره. وقد تواصلت CNN مع الجيش الإسرائيلي للتعليق.
هناك اقترب منه رجلان من وزارة الخارجية القطرية. يتذكر قائلاً: "معتز، أنت مرحّب بك في الدوحة... يمكنك القدوم إلى بلادنا والمتابعة من هناك." استقل رحلة عسكرية قطرية في مطار العريش المصري وبدأ التخطيط لخطواته التالية.
وقال لـCNN: "كنت بحاجة إلى إيجاد طريقة للإخلاء، والذهاب لإلقاء الخطب، والتحدث إلى العالم، والاحتجاج مع الأشخاص الذين يحتجون من أجلنا، لأكون معهم، ولمشاركة قصصي التي لم أتمكن حتى من مشاركتها على "حسابي على إنستغرام لأنها دموية للغاية."
التعامل مع الاكتئاب
كان هناك دائمًا نور أكثر من الظلام في حسابات عزايزة على وسائل التواصل الاجتماعي قبل بدء الحرب الأخيرة في غزة، لكنه لم يتوان أبدًا عن تصوير هشاشة الحياة في القطاع على مر السنين. لقد قام بتصوير الغارات الجوية الإسرائيلية بشكل منتظم، وقال إن كاميرته كانت دائمًا وسيلة للتعامل مع الصعوبات والاكتئاب.
لكن نظراً لحجم الدمار والموت، لم تتمكن كاميرته من حمايته هناك هذه المرة. لقد تجنب التصالح مع ما شهده.
وقال: "كان من الأفضل بالنسبة لي عدم الاستمرار، لأنني إذا تقبلت ما مررت به أو ما جربته، صدقيني لن أشعر أنني بخير… أنا رجل يبحث عن حل الآن. نحن بحاجة إلى وقف هذا."
من الواضح أنه يشعر بالإحباط لأن ما شاركه مع العالم لم يساعد في وقف موجات الدمار في غزة، وقال عزايزة إنه مصمم على "إحداث المزيد من الضجيج من الخارج."
تمت دعوته للتحدث في جامعات مختلفة حول العالم، ويأمل في القيام بجولة عندما يتمكن من الحصول على تأشيرات، وهو الأمر الذي قد يكون صعبًا بالنسبة لأولئك الذين يحملون جواز سفر فلسطيني.
رغم أنه أصبح وجهًا معروفًا، إلا أن عزايزة يريد إبقاء الاهتمام مركزًا على معاناة أولئك الذين تركهم وراءه.
وقال لـCNN إن أكثر ما صدمه هو "الآلاف من جثث الأطفال" التي رآها. وقال إنه إذا كان للناجين مستقبل، فسيكون "ضبابياً".
وأضاف "كيف ستخبرهم عندما يكبرون أنهم فقدوا والديهم في غزة لأن طائرة إسرائيلية ألقت قنبلة على منزلهم وتناثرت أشلاؤهم من حولهم؟ هل تتوقع منهم أن يكونوا بشرًا عاديين بعد كل ما مررنا به؟"
المصدر: CNN Arabic
كلمات دلالية: الإعلام الجيش الإسرائيلي حركة حماس غزة على إنستغرام أکثر من فی غزة
إقرأ أيضاً:
اتهامات إسرائيلية للحكومة.. لماذا أخفى نتنياهو تنازلات صفقة تبادل الأسرى؟
بينما دخلت صفقة تبادل الأسرى بين حماس والاحتلال الى حيز التنفيذ، فقد بدأت تخرج تسريبات داخل دولة الاحتلال الإسرائيلي تفيد بأن الحكومة قدمت تنازلات كثيرة للحركة، وتراجعت عما أعلنه رئيس الوزراء من شروطٍ أساسية خمسة لإنهاء الحرب، وتعني عملياً استسلام حماس الكامل، لكن الواقع يقول إنها لم تسلم سلاحها، ولم تفرغ غزة من مقاتليها، مما يطرح الأسئلة عن التخلي عن هذه المطالب.
وذكر الخبير الأمني الاستخباري رونين بيرغمان أن "رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ظهر أمام الكاميرا في منتصف آب / أغسطس الماضي، ورفع يده، وحركها للأمام نحو الكاميرا مرتين، للتأكيد على خمسة مبادئ لوقف الحرب في غزة، وكانت هذه المرة الرابعة خلال أسبوع واحد التي كررت فيها حكومته هذه المبادئ، دون أن تشمل البيانات الصحفية، أو الأبواق، أو كل ما يخدمه من قوة هائلة، وقبل ثلاثة أيام، ومن زاوية مختلفة قليلاً، قال إن "الحكومة اتخذت قرارًا حاسمًا بهزيمة حماس".
وأضاف في مقال نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت، وترجمته "عربي21" أنه "بعد عملية "مركبات جدعون" الأولى، "أوعزت الحكومة للجيش بالانتقال للمرحلة الحاسمة، ويبدو أن نتنياهو لم يدخر جهدًا للضغط على حماس، والتأكيد على عزمه الجاد على غزو غزة، ووضع خمسة شروط، اعتبرها شرطًا أساسيًا لإنجاز اتفاق شامل، وهي في جوهرها تعني استسلام حماس الكامل، رغم تشكيك الخبراء في حينه بشدة في إمكانية حدوث شيء كهذا، مما يعني أن الخيار الثاني هو التقدم نحو مدينة غزة، بكل ما يعنيه ذلك".
وأوضح أن "نتنياهو والمتحدثين باسمه يزعمون الآن أن الضغط العسكري لم يكن وحده ما دفع حماس للموافقة على الصفقة، بل جاء نتيجة مناورة عسكرية وسياسية ماكرة خطط لها وقادها بمساعدة الرئيس ترامب، ولكن إذا كان كل هذا الخبر حقيقيًا، فكيف لم تتحقق أربعة من الشروط الخمسة التي وضعها بنفسه، فحماس اليوم ليست منزوعة السلاح، والقطاع كذلك، والجيش لا يملك سيطرة أمنية كاملة على أكمله، وليس هناك وعد بتشكيل حكومة مدنية بديلة عنها، بل إن هناك مبدأ أساسي يقضي بوجود السلطة الفلسطينية".
ونقل عن مصدر أمني رفيع، إن "من حق الجمهور الحصول على إجابات صادقة على الأسئلة المتبقية، ويبدو أن الحكومة تواجه صعوبةً في الإجابة عليها، أولها يتعلق بالماضي، ولماذا تأخر الاتفاق كثيرًا، وهل نتنياهو مُحقٌّ في ادعائه بأنه لم يكن ممكنا توقيع الاتفاق مبكرًا لأن حماس لم توافق على الشروط التي تم الاتفاق عليها الآن".
وأشار أن "السؤال الثاني يتعلق بالحاضر، فلماذا يُسوّق الاتفاق على أنه نجاحٌ كامل في حين أن هناك تنازلاتٍ عميقةً جدًا فيه، ولماذا تُخفى الاتفاقات مرةً أخرى عن الجمهور، وثالثها يتعلق بالمستقبل، ولماذا يدّعي نتنياهو وممثلوه أن كل شيء قد تحقق، بينما في الواقع، لا يزال الكثير مفتوحًا، ولم يتم الاتفاق على الكثير".
وأضاف أنه "بينما يعلن ترامب انتهاء الحرب في قطاع غزة، وتتوقف جميع العمليات العسكرية، بما فيها القصف الجوي والمدفعي وعمليات الهجوم، فقد غاب أي أثر لهذه المفردات عن قرار الحكومة المنشور، كما تتضح الاختلافات في المصطلحات بين "الانسحاب" و"إعادة الانتشار"، فالأولى تعني تحركًا دائمًا، بينما تحافظ الثانية على مرونة عملياتية، وتُشدد على الطابع المؤقت لتغيير المواقع العسكرية".
وأكد أن "هذه الاختلافات تنطبق أيضا على خرائط الانسحاب الدقيقة، والآلية الدولية ومتعددة الجنسيات التي سيتم إنشاؤها لمراقبة تنفيذ الاتفاقات، وإجراء تحقيق شامل في الجثث التي تقول حماس إنها لا تستطيع تحديد مكانها".
وأوضح أن "الطريقة الوحيدة لتفسير هذا التحول من أوهام النصر الكامل الذي لم ولن يتحقق، إلى تنازل شبه كامل أمام الواقع، هي شن حملة سريعة وقوية تهدف لإقناع الرأي العام بأن حماس قبلت بجميع مطالب نتنياهو، وأنه وترامب خططا لها".
واستدرك بالقول إن "المشكلة الوحيدة أمام الحكومة أن حماس لم توافق على شروطها الخمسة، لا في الاتفاقية الإنجليزية التي وقعها الاحتلال والولايات المتحدة والدول الوسيطة، ولا في نسختها العربية التي وقعتها الحركة، لا يوجد التزام من هذا القبيل، تمامًا كما لا يوجد التزام بخروج قيادتها من غزة، أو حلّها، أو جمع سلاحها، أو نزع سلاح القطاع، أو استمرار السيطرة الأمنية الإسرائيلية على المنطقة بأكملها".
تشير هذه القراءة النقدية الموجهة الى حكومة الاحتلال أنها وقعت على اتفاق وقف إطلاق النار مرغمة عليه، لأنه لم يتبقَّ أمامها سوى خيارين، أحدهما أسوأ من الآخر: إما أن يستبعد نتنياهو أمورًا كررها مرارًا وتكرارًا أنها ضرورية لأمن الدولة، أو أنها ليست كذلك، ويطرحها، كالدخان السام المتصاعد من الآلة، ليضمن عدم التوصل إلى اتفاق واستمرار الحرب، وفي الحالتين يبدو أن الحكومة خدعت رأيها العام الداخلي، الذي سيكتشف مع مرور الوقت أن تلك المبادئ التي أعلنتها لم تكن سوى سراب أجوف لاستمرار حرب الإبادة في غزة.